Share
  • حساب العُمر

    حساب العُمر
    Share

    حساب العُمر هو مصطلح يُستخدم لوصف الطريقة التي نقوم بها بحساب مقدار السنوات التي قضيناها في هذه الحياة. ويُعتبر حساب العُمر من الأمور المهمة التي يقوم الإنسان بها، حيث يمكن للشخص أن يقوم بتقدير عُمره بدقة ويقوم بإعطاء معنى أعمق لحياته.

    من المهم أن نقوم بحساب عمرنا بشكل دوري، وذلك لعدة أسباب. أولاً، من خلال معرفة عمرنا بشكل دوري، يمكن لنا أن نقيم حياتنا ونتحقق مما قمنا به ومن الأهداف التي حققناها. كما يمكن لنا مراجعة الأخطاء التي ارتكبناها وتحسينها في المستقبل.

    بالإضافة إلى ذلك، يمكن لحساب العمر أن يساعدنا في وضع الأهداف والطموح، حيث يمكن لشخص أن يقيم مدى تقدمه في الحياة ومدى تحقيق أهدافه وتطلعاته.

    ومع مرور الوقت، قد يتغير مفهوم العمر لدى الإنسان، حيث قد يشعر بأن الوقت يمر بسرعة وأنه لم يحقق ما يرغب فيه بعد. لذا فإن حساب العمر يُعتبر أيضاً فرصة لتقييم الوضع الحالي واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق الأهداف المستقبلية.

    وفي النهاية، يمكن أن يُعتبر حساب العمر وسيلة لأخذ الحياة بجدية والاستفادة من كل لحظة. وبالتالي، فإنه يجب على كل شخص أن يقوم بمراجعة عمره بشكل مستمر وأن يحاول تحسين حياته وتحقيق أحلامه.

    Share
  • معايير وشروط ترشيح أعضاء المجالس الاستشارية لذوي الإعاقة

    معايير وشروط ترشيح أعضاء المجالس الاستشارية لذوي الإعاقة
    Share

    طالعت ما نشرته عدد من وسائل الإعلام عن قرار وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بتشكيل مجالس استشارية للأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم، في جميع مناطق المملكة الـ13، بهدف الوقوف على احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، وتوحيد الجهود للارتقاء بالخدمات المقدمة لهم، وتعزيز جسور التواصل معهم ومع أسرهم، وإشراكهم في بناء تصور عن الخطط والمشاريع المستقبلية التي تهدف إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة لهم، ورفع مستوى اندماجهم في المجتمع وسوق العمل. على أن تتشكل عضوية تلك المجالس، من مسؤولي قطاع التنمية الاجتماعية في كل منطقة، ونخبة من الأعضاء الفاعلين من الأشخاص ذوي الإعاقة في كل منطقة، وأسرهم.

    وما يلفت الانتباه هو عدم تضمن القرار لأي إشارة أو مرجعية «لهيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة» التي تأسست بموجب قرار مجلس الوزراء الصادر في 27 جماد الثاني 1439هـ – 13 فبراير 2018م برئاسة معالي وزير العمل والتنمية الاجتماعية المهندس أحمد بن سليمان الراجحي، وتعيين الدكتور هشام محمد الحيدري رئيساً تنفيذياً لها في 08 رجب 1440هـ – 13 فبراير 2019م وأقرت لوائحها التنظيمية بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (266) وتاريخ 27 جماد الأول 1439هـ ومنها المادة الرابعة التي نصت على أن للهيئة القيام بكل ما يلزم في سبيل تحقيق أهدافها وحددت لها 11 مهمة أذكر منها «وضع السياسات والاستراتيجيات، والبرامج، والخطط، والأدوات، التي تحقق الأهداف ذات الصلة بمشاريع الهيئة التي منها تخصيص ما يتعلق بالأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك وفق الإجراءات النظامية المتبعة، ومتابعة تنفيذها بعد إقرارها بالتنسيق مع الجهات المختصّة، تحديد ما يلزم من أدوار للأجهزة فيما يخص الأشخاص ذوي الإعاقة، والرفع عن ذلك وفق الإجراءات النظامية المتبعة، ومتابعة ذلك، العمل على رفع مستوى خدمات ومتطلبات الأشخاص ذوي الإعاقة واحتياجاتهم من حيث التعليم والعلاج والتأهيل وتوفير فرص العمل وتيسير الوصول وتقديم التسهيلات اللازمة لهم للاستفادة من المرافق والخدمات العامة، العمل على تعزيز مكانة الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع».

    كما أن القرار لم يتضمن آلية اختيار أعضاء المجالس الاستشارية والمعايير والشروط الواجب توفرها فيهم، وبدى وكأن تلك المجالس ستعيد بناء خدمات ذوي الإعاقة من جديد رغم أن بعض خدمات ذوي الإعاقة قائمة منذ أكثر 30 عام بكيانات بعضها تابعة للقطاع العام وأخرى للخاص واكتسبت خبرة في مجالاتها تستحق الاستفادة منها.
    وبرأيي أن تشكيل مثل هذه المجالس بهذه الطريقة سيكون محدود الأثر وتكرار للعديد من اللجان والمجالس المتعددة التي أسست وشكلت على مدى السنين لتحسين خدمات ذوي الإعاقة وانتهت بمرور الوقت، والأوفق أن يترك المجال لـ «هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة» لممارسة كافة مسئولياتها وصلاحياتها في كل ما يتعلق بذوي الإعاقة وخدماتهم تفادياً للازدواجية سيما وأن الهيئة قد قطعت مشواراً للوقوف على تقييم خدمات ذوي الإعاقة واستطلاع احتياجاتهم عبر استبيانات واجتماعات ميدانية محلية ودولية عقدتها مع عدد من ذوي الإعاقة وأسرهم والمختصين، وسنحت لي الفرصة بحضور الملتقى الذي عقدته بجدة «الأربعاء 17 أبريل 2019م» برعاية رئيسها التنفيذي د.هشام محمد الحيدري وحضور أكثر من 100 شخص من ذوي الإعاقة البصرية، الحركية، السمعية، وعدد من المهتمين بشؤون الإعاقة وأكاديميين من جامعة الملك عبد العزيز، استعرض من خلاله د. الحيدري توجهات المملكة العربية السعودية بشأن خدمات ذوي الإعاقة ضمن رؤيتها 2030 بتأسيس الهيئة وأهم مواد لوائحها التنظيمية وشعارها واسماء أعضاء مجلس إدارتها ثم الاستماع إلى مداخلات وتعليقات الحضور، واقترحت على رئيس الهيئة حينئذ قيام الهيئة بتشكيل مجموعة استشارية من ذوي الخبرة العملية في مجال الإعاقات المدرجة في لوائح وأنظمة الهيئة تعمل مع رئيسها التنفيذي على وضع خطة عمل مدتها 15عام تبدأ بتقييم الوضع العام للمعاقين وخدماتهم والرؤية المستقبلية لها والجدول الزمني لتنفيذها، مع الأخذ في الاعتبار الاستفادة من خلاصات ودراسات كافة اللجان الحكومية والغير حكومية والجمعيات والمراكز المهنية المرتبطة بالإعاقة مثل اللجنة الوطنية لمكافحة العمى، الجمعية السعودية لطب العيون، مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة…الخ، وفتح فروع للهيئة في مدن المملكة الرئيسية وتعيين الكوادر اللازمة لتنفيذ خطط وبرامج الهيئة المعدة من المجموعة الاستشارية المقترحة، ونشرتها في مقالي الأسبوعي في صحيفة غرب «هيئة رعاية الاشخاص ذوي الإعاقة والأمل المنشود» بتاريخ 28 أبريل 2019م.

    وأضيف إلى ما اقترحته آنذاك بأن يكون تشكيل أي مجالس أو لجان متعلقة بذوي الإعاقة وخدماتهم تحت إشراف هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، وأن يكون للمجلس دورة لا تزيد مدتها عن 4 سنوات، وأن يكون للعضو حوافز مادية تعويضية عن الوقت والجهد الذي يقضيه للمجلس وذلك نظير الاستمرارية والمسئولية التي يتحملها، وأن يتوافق عدد أعضاء المجلس مع عدد الإعاقات المصنفة في لوائح الهيئة التنظيمية ويضاف إليهم رئيس للمجلس ونائب وسكرتير، أن يكون كل عضو ممثلاً عن نوع من أنواع الإعاقات المصنفة في اللائحة، أن يكون للعضو خبرة إدارية وفنية محلية ودولية لا تقل عن 5 سنوات في مجال خدمة الإعاقة التي يمثلها، ويستحسن أن يجيد اللغتين العربية والإنجليزية، وفي حالة انطباق الشروط على أكثر من مرشح يتم المفاضلة بينهما ويرجح من هو مصاب بالإعاقة التي سيمثلها.

    هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة والأمل المنشود

    نشرت هذا المقال في صحيفة غرب الإخبارية بتاريخ 2019/07/16م

    Share
  • كيف احتفت عروس البحر الأحمر بشاعرها الزمخشري

    كيف احتفت عروس البحر الأحمر بشاعرها الزمخشري
    Share

    في مساء مثل هذا اليوم الأربعاء 11 شعبان من العام 1405هـ (1985/05/01م) احتفت مدينة جدة تحت رعاية الأمير ماجد بن عبد العزيز -رحمه الله- (أمير منطقة مكة المكرمة آنذاك)، بأحد أبرز شعرائها المكيين وعميد الأسرة الفنية الأديب طاهر عبد الرحمن زمخشري الملقب بـ «بابا طاهر» في حفل فني كان الأولى من نوعه على مستوى المملكة. وذلك بمناسبة نيله جائزة الدولة التقديرية في الأدب لعام 1404هـ التي كانت تُمنح لكبار الرواد المؤثرين.

    والآن وقد مضى أربعون عامًا على ذلك الحفل أجدها فرصة مناسبة أن أسلط الضوء عليه في هذه السطور المضيئة، استنادًا إلى ما دونه الكاتب الصحفي جلال أبو زيد -رحمه الله- في تقريره عنه المنشور في صحيفة المدينة في العام 1405هـ بعنوان (طاهر زمخشري.. نشيد الحب.. الفنان)، وما رسخ في ذاكرتي عنه إذ كنت من المحظوظين الذين حضروا ذلك الحفل.

    مقتطف من تقرير الكاتب والصحفي جلال أبو زيد -رحمه الله- صحيفة المدينة 1405هـ – المصدر

    حيث إن بابا طاهر -رحمه الله- يعد أحد رموز الأدب والإعلام في بلادنا الذين ساهموا في تأسيس الحركة الإعلامية والأدبية والفنية السعودية المعاصرة، ولعل النشء من جيل اليوم من الموهوبين والمهتمين بالأدب والإعلام بحاجة إلى التعرف على جانب من مسيرته الإعلامية والفنية والأدبية وأثرها في بلادنا. خصوصًا في هذه الفترة التي تتزامن مع انعقاد المنتدى السعودي للإعلام لهذا العام في الفترة من 20-21 فبراير 2024م تحت شعار “الإعلام في عالم يتشكل”.

    الحفل

    في العام 1985م قام الفنان محمد عبده بمعية الموسيقار عمر كدرس والأسرة الفنية بمجهود جبار وعمل خارق على مدى ثلاثة أيام لتنظيم حفل فني بقاعة فندق الكعكي بمدينة جدة مساء يوم الأربعاء (1405/8/11هـ – 1985/05/01م) رعاه المهندس محمد سعيد فارسي -رحمه الله- (أمين مدينة جدة آنذاك) نيابة عن أمير المنطقة. وحضره معالي وزير المعارف والثقافة التونسي البشير بن سلامة، والسفير التونسي لدى المملكة، وحشد كبير من الأدباء والشعراء ورؤساء تحرير الصحف والمجلات والإعلاميين والصحفيين الفنيين. وكافة أفرد الأسرة من الرجال والشباب المتواجدين في جدة آنذاك.

    صورة تجمع أمين جدة الأسبق م. محمد سعيد فارسي وبابا طاهر والسفير التونسي لدى المملكة العربية السعودية

    كان الحفل في جوهره فريدًا من نوعه ولم يتكرر مثيل له حتى تاريخ مقالي هذا من حيث الشكل والمضمون. فقد تميز بمسرح أنيق ووثير توسطت خلفيته صورة كبيرة مفرغة لبابا طاهر رسمت بريشة الفنان التشكيلي التونسي عمار بلغيث، مأخوذة عن صورة فوتوغرافية التقطها المصور القدير «خالد خضر» لبابا طاهر في لوس أنجلوس في العام 1984م. وإلى جانبها كُتب اسم بابا طاهر بالورود. وعلى جانبي المسرح نصبت لوحات طولية كُتب عليها بخط فني أنيق إنجازات بابا طاهر الإعلامية والأدبية والفنية. ووضعت منصة الإلقاء والتقديم أمام المسرح.

    وشهد الحفل مدى المكانة الروحية التي حظي بها بابا طاهر بين عمالقة الفن السعودي، والإذاعيين الذين حضروا وشاركوا في الحفل وقدموا جوقة من الأعمال الفنية الرائعة. واتسم في مجمله بمشاعر الحب والوفاء والتقدير التي حظي بها من الأسرة الفنية وكل من حضر الحفل.

    وفي المقابل كان -رحمه الله- سعيدًا فرحًا مبتهجًا وهو يرى أبناءه الفنانين وزملاءه الأدباء، والشعراء، والإعلاميين، والضيوف قد التفوا حوله وحفوه بكل مشاعر الحب والاحترام احتفاء به في واحدة من المناسبات التي قال عنها آنذاك إنها من اعز المناسبات إلى نفسه. ولهذا خرج الحفل رائعًا ومتفوقًا وناجحًا في كل فقراته التي عاشها الحضور وأصبحت واحدة من أحلى وأمتع الذكريات الفنية التي عشتها.

    صورة جماعية من الحفل ويظهر بابا طاهر وعلى يمينه خالي د. فؤاد طاهر زمخشري (رحمهما الله) وعلى يساره الفنان محمد عبده توسطهم ابنته نورة ومن حوله عدد من أبناءه الفنانين والإعلاميين

    حيث افتتح الحفل بكلمات ترحيبه اتسمت بالبلاغة والاقتدار والخبرة تناوب على تقديمها كل من الفنان خالد زارع والإذاعي الفنان يوسف شاولي، وألقى الأديب محمد حسين زيدان كلمة ترحيبية بالأديب مما جاء فيها: “فحمة سوداء، ولكنه ماسة بيضاء.. بشرته سوداء، ولكن نفسه بيضاء أعرفه منذ خمسين عامًا ضاحكًا باكيًا يضحك من عطائه.. ويبكي من عقوق العطاء! رايته وفيًا لكل أصدقائه وأعجب لنكران الوفاء من بعض أصدقائه له.. وهو لو لم يتألم ولو لم يعشق لما قال شعرًا..” ثم أشاد بتكريم الدولة لبابا طاهر وبزملائه الرواد في الأدب وقال إن جلالة الملك المفدى فهد بن عبد العزيز قد سن سنة جديدة للأدباء بإقرار جائزة الدولة التقديرية لهم. وهذه تحويلة جزئية تحثنا على التفوق والإبداع ثم أشاد بتونس الشقيقة التي احتضنت الأستاذ طاهر زمخشري وأشاد باحتفاء الأسرة الفنية به. أما الشاعر إبراهيم خفاجي فقد أمتع الحضور بقصيدة بعنوان «أكرم بمن قاد المعاني» مدح فيها ببابا طاهر، ومما جاء فيها:

    أكرم بمن ملك النشيد    وعلَّم الحرفَ الرنين

    أكرم بمن قاد المعاني    ملهما عبر السنين

    أكرم بطاهرنا الحبيب    ومبدع النظم الثمين

    فإلى المزيد من العطاء   يرعـــــــاك رب العالمين

    وألقى الأستاذ محمد عبد الرحمن الشعلان قصيدة عصماء بالنيابة عن الشاعر الكبير محمود عارف وقد حيا الأستاذ الشعلان بابا طاهر بالنيابة عن أسرة الإذاعة في برنامجها العام والثاني.. ثم ألقيت قصيدة للشاعر الأستاذ أبو تراب الظاهري ألقاها بالنيابة عنه ابنه «محمد» ثم ألقى د.محمد صبيحي كلمة الإعلاميين، مما جاء فيها: «كم كنت أود أن أبدع في سماء المحبة والوفاء كلمة أو كلمتين. ولكن ما يجدي ابتداعي وقد استحوذت بالأمس على كل إبداع. إن لقلمك شمسا مشرقة تستمد نورها من فيض عطائك وروحك المشرقة. ولا يزال العطاش يتطلعون إلى وردك الصافي.. ومنهلك العذب ريا للقلوب والعقول. فاذا حلقنا في سماوات الحب والإخاء رأيناك فيها نجما يفيض صدقا ووفاء. يُسري في النفوس آمالًا حلوة عذبة وإذا الوفاء في هذه السماوات اسم عزيز في كل قلب ونفس وروح. وإذا جلنا في رياض المحبة وجدنا مع كل عطر زهرة. وشذا وردة.. ما ينم عن قلبك الفواح بكل ما يملأ وجدان محبيك سعادة ورضا. إنه لمن فضل القول ان ندعوك إلى استمرار مسيرتك في مجالات الفكر والفن والأدب والحب، والإخاء، والإخلاص، والوفاء. فمثلك.. كالقوة الدافعة التي لا توقف لها.. سائرة بإذن الله إلى ما يسعد الأهل والأحباء والوطن».

    بعد ذلك انطلقت فقرات الحفل الفنية بدءًا بمجموعة الأطفال التي أعادت غناء أول أغنيتين كتبهما ولحنهما بابا طاهر في العام 1954م بمناسبة أول زيارة للملك سعود بن عبد العزيز -رحمه الله – لجمهورية مصر العربية بعد توليه العرش «يا فرحتي يا بهجتی» غناء الفنان المصري عباس البليدي، وأنشودة «هليت يا ملك» التي أداها أبناء الطلبة السعوديين المبتعثين في القاهرة آنذاك بتوزيع الموسيقار السوري يوسف الشيخ. وقد تجلى الدور البارز والجهد الكبير الذي بذله الفنان محمد العماري في تدريب مجموعة الأطفال على تقديم وأداء تلك الأغنيتين بالصورة الجميلة التي خرجت بها في الحفل.

    بعد ذلك توقف الحفل لتناول طعام العشاء فانتهز الجميع الفرصة للسلام على بابا طاهر وتهنئته بالجائزة. وفي الأثناء أخذ «بابا طاهر» موقعه على مائدة الطعام إلى جانب الكاتب الأستاذ أمين عبد المجيد، والدكتور عبد الله مناع، ومعالي أمين جدة الفارسي الذي رحب ببابا طاهر وقال له: «أنقل إليك تهاني وتحيات سمو الأمير ماجد بن عبد العزيز.. والحقيقة إن فوزك بجائزة الدولة التقديرية في الأدب لهو تقدير لنا جميعًا أثلج صدورنا وجلب لنفوسنا السعادة والبهجة»

    فشكره بابا طاهر وقال له: «علاقتنا قديمة واعرف والدك منذ كان عمرك حوالي سبع سنوات وعلاقتنا وطيدة والحمد لله».

    ثم استأذن «بابا طاهر» للتجول بين الحضور والتحدث إليهم أثناء تناولهم العشاء.  فجلس على مائدة وزير المعارف والثقافة التونسي وسفير تونس لدى المملكة وتحدثوا عن تونس الشقيقة وعن سعادتهم بحفل بابا طاهر. وفي غضون ذلك كان الفنان محمد عبده يشرف على الجميع ومرحبًا بهم بإطلالته الباسمة. وكان المصور القدير خالد خضر يلتقط الصور لوقائع ومجريات الحفل. بعد العشاء استؤنف الحفل بمقطوعة موسيقية للموسيقار سامي إحسان باسم «وفاء» ألفها إهداءً لبابا طاهر كانت جميلة ومعبرة عن كل معاني الوفاء. تلاها مجموعة من الفقرات الغنائية التي كتبها «بابا طاهر» رحمه الله وسجلت للإذاعة السعودية، حيث قدم الفنان صالح عمر ابتهال «رباه» وفي الأثناء التي كانت تتوالى فيها فقرات الحفل كان الفنانين خالد زارع ويوسف شاولي يوصلان الفقرات بالتناوب فيما بينهما عبر مذياع قديم وضع على المنصة الرئيسية حاكا الإذاعة السعودية في بداياتها إبان عمل بابا طاهر فيها، وقدما من خلاله «سيناريو» كتبة وألف أشعاره الفنان «خالد زارع» سرد من خلاله مشوار حياة بابا طاهر العملي، والأدبي، والإعلامي، والفني.

    وأطل الفنان حسن دردير «مشقاص» على الجمهور بعد طول غياب عن الفن امتد لنحو عشر سنوات حيث غنى أغنية «جيب الجول على الرايق» التي كان قد شارك فيها مع مغنيتها الفنانة اللبنانية هيام يونس في العام 1385هـ كأول أغنية رياضية من كلمات وـلحان «بابا طاهر».

    ثم قدم النجم الصاعد آنذاك الفنان عبد المجيد عبد الله أغنية «لو تسألوني» التي كان الموسيقار عمر كدرس قد لحنها وغناها في العام 1383هـ.

    وقدم الفنان علي عبد الكريم أغنية «أسمر حليوة» التي غناها الفنان طلال مداح بألحان الموسيقار غازي علي في العام 1385هـ،

    تلاه الموسيقار طارق عبد الحكيم الذي قدم أغنيته الشهيرة «المروتين» التي كان قد غناها بألحانه في العام 1379هـ.

    ثم قدم الفنان عبادي الجوهر أغنية جديدة بعنوان (الهمسة المغردة) من كلمات بابا طاهر..

    وجاء الدور على نجم الحفل الفنان محمد عبده الذي فاجئ بابا طاهر والجميع بتقديمه أغنيته الجديدة «يا أعذب الحب» مع فرقته الموسيقية بقيادة المايسترو عبده مزيد وألحان الموسيقار عمر كدرس كإهداء من محمد عبده وعمر كدرس لبابا طاهر -رحمه الله- ختما بها مسيرتهما الفنية معه والتي بدأت مع مطلع ستينيات القرن الماضي.

    وكان عبده والكدرس قد قاما قبل الثلاثة أيام التي سبقت الحفل باختيار 8 أبيات من قصيدة «يا أعذب الحب». التي ألفها بابا طاهر من 37 بيت شعر بمناسبة حفل جائزة الدولة التقديرية. مجد فيها المملكة العربية السعودية ونموها وتطورها ومدح الملك فهد ودوره في ذلك التطور. وغيرا بعض كلمات الأبيات لتوافق اللحن الذي وضع للأغنية.

    يا أعذب الحب أمالي قد ابتسمت
    في موطنٍ رقصت في جوه النعمُ
    وقد بسطت بها فيئاً يظللنا
    والخير ما زال فياضاً به الكرمُ

    وقد صحونا على صوتٍ سرى نغم
    وللزمان بترديد النشيد فمُ
    وكل خافقةٍ جاش الحنين بها
    صاغت بحباتها في حبك القسمُ

    يا أعذب الحب أكبادٌ مقرحةٌ
    بغير كفك لا والله تلتئمُ
    وقد رماها الى كفٍ بلا قدر
    فهل لغيرك بعد الله تعتصمُ

    الله أكبر … صوتٌ أنت رافعهُ
    والرجع عاد به الميقات والحرمُ
    فأنت غيث من المولى حمائله
    العلم والدين والأخلاق والشيمُ

    واختتم عبده فقرته الغنائية والحفل بإعادة غناء أغنيته المشهورة «خاصمت عيني من سنين» التي كانت أول أغنية يكتبها بابا طاهر له، ولحنها الملحن السوري محمد محسن. وفي تلك الأثناء صعد الفنانون المسرح على زغاريد مشقاص وهم يصفقون ويرددون مع الفنان محمد عبده مقاطع من الأغنية وهم في ذروة البهجة والسعادة محين «بابا طاهر» والحضور.

    وبهذا المشهد أسدل الستار على ذلك الحفل البهيج والفريد الذي كان أكثر لحظاته إثارة حينما أعلن مذيع الحفل «خالد زارع» عن تفضل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله- (النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام آنذاك) عن تقديمه هدية نقدية لبابا طاهر بمبلغ 200 ألف ريال.

    كذلك الإعلان عن منح بابا طاهر أسطوانة ذهبية من جمعية الثقافة والتراث الفرنسية التابعة لليونسكو وهي جائزة تمنح لكبار المؤلفين والشعراء والمبدعين في العالم، بعد أن وصلت في تلك الليلة من باريس وأوتي بها من مطار الملك عبد العزيز إلى الحفل مباشرة حيث سلمت لبابا طاهر. وتوالى تقديم الهدايا التذكارية خلال فقرات الحفل حيث قدمت جمعية الثقافة والفنون هدية تذكارية تكريمًا لبابا طاهر، وقدم الموسيقار سراج عمر هدية تذكارية كلمسة وفاء للمسيرة الفنية والصداقة الروحية التي جمعته ببابا طاهر، كما قدم المصور خالد خضر صورتين كبيرتين التقطها لبابا طاهر في لوس أنجلوس أحدهما وهو يراجع إحدى قصائده في غرفته بالفندق، والأخرى جمعته مع الموسيقار سامي إحسان والفنان محمد عبده.

    وقد وزع في الحفل كتيب بعنوان “عندما يكرم بابا طاهر تَفرح الأسرة الفنية بعميدها” تضمن كلمات للإعلاميين والفنانين والأدباء الذين ربطتهم علاقة ببابا طاهر تحدثوا من خلالها عن تاريخ معرفتهم به وطبيعة الأعمال التي جمعتهم وأراءهم ومشاعرهم نحوه. كما تضمن الكتيب برنامج الحفل وكلمات الأغاني التي غنت فيه.  وتغيب عن الحفل الفنان طلال مداح والموسيقار غازي علي لتواجدهما خارج البلاد آنذاك.

    غلاف كتيب الحفل

    وخلال الحفل بين بابا طاهر سبب إطلاق لقب فنان العرب على محمد عبده قائلًا: «إن من أطلق عليه هذا اللقب هو الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة. وبحكم أن الرئيس هو عميد رؤساء العرب وهو من أطلق اللقب أذًا فهو يستحق لقب فنان العرب».

    بابا طاهر أثناء كلمته عن أحقية محمد عبده بلقب فنان العرب

    كذلك رتب أهم الهدايا والأوسمة التي نالها في حياته حسب أهميتها له (وسام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز الذهبي بمناسبة نيله جائزة الدولة التقديرية في الأدب لعام 1404هـ، تقدير صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وهديته النقدية، الخنجر الكبير المذهب والمطعم بالفصوص الذي قدم له من ابن عمه عميد عائلة «الزمخشري» يوسف محمد زمخشري، وسامي جمهورية تونس الشقيقة (وسام الاستقلال الثالث، ووسام الثقافة الثاني)، هدية وزارة الاعلام السعودية التي كانت عبارة عن خنجر مذهب مطعم بالفصوص).

    وهكذا كَرمت مدينة جدة شاعرها طاهر عبد الرحمن زمخشري الذي سحرته بجمال شواطئها وحمراءها فأهدها ديوانه (حقيبة الذكريات 1977م-1397هـ) بقوله: «بسم الله الرحمن الرحيم.. إلى الحمراء…؟!.. إلى ابتسامة المنى على ثغرها الباسم…؟! إلى عرائس الالهام في سواحلها الجميلة…؟! .. إلى الحب والحياة في رحابها وعلى ضفافها المشرقة…؟!.. أهدي هذه الحقيبة وما فيها من ذكريات.. جمعتها من حبات فؤادي وقطرات من دمي ودموعي»، ونظم فيها عدة قصائد وأطلق عليها «عروس البحر الأحمر» في قصيدته التي حملت ذات الاسم نشرها في ديوانه «عبير الذكريات1980م-1400هـ»، وتغنى محمد عبده بقصيدته «عروس بحر بالجمال توشحت»

    بشراك جدة غردي وتنعمي
    خيرات آل سعود فيكي تعددت
    عشاق بحركِ كلّهم يترنم
    بالشعر من شتى القوافي خلدت وتغنى أيضًا الموسيقار الأردني «جميل العاص» بقصيدته «جدتي» وكان من آخر إصداراته ديوانًا شعريًا بعنوان «جدة عروس البحر الأحمر».

    وكان بابا طاهر -رحمه الله- قد انتقل من مكة المكرمة مسقط رأسه إلى جدة في مطلع ستينات القرن الماضي التي استقر فيها إلى آخر حياته، وكتب الكثير من أشعاره أثناء إقامته فيها. وأصدر منها ديوانه «رباعيات صبا نجد 1973م-1393هـ»، و«عبير الذكريات 1980م-1400هـ»، و«جدة عروس البحر الأحمر 1987م-1407هـ».

    وخلال إقامته في جدة تردد على مصر، ولبنان، وتونس وسافر إلى لندن ولوس أنجلوس للعلاج.

    Share
  • أربعون عاما على فرحة طاهر زمخشري الكبرى

    أربعون عاما على فرحة طاهر زمخشري الكبرى
    Share

    في مثل هذا اليوم قبل 40 عاما (الأحد 8 شعبان 1405هـ – 28 أبريل 1985م) امتلأ بيتنا مساء ذلك اليوم بمجموعة من الأسرة والأصدقاء المهتمين والمحبين لجدي بابا طاهر زمخشري -رحمه الله- لمتابعة حفل تسليم جائزة الدولة التقديرية في الأدب لعام (1404هـ) برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- والذي أُعلن فيه عن تكريم بابا طاهر بمنحه الجائزة إلى جانب الأمير عبد الله الفيصل، والأديب أحمد عبد الغفور عطار -رحمهم الله- حيث إنها كانت المرة الأولى التي سيحظى فيها بابا طاهر بمثل هذا التكريم على مستوى المملكة.

    وما أن بدأت القناة السعودية الأولى ببث وقائع الحفل على الهواء مباشرة حتى تحلقنا جميعًا أمام شاشات التلفزيون الموزعة في غرف المنزل، وتابعنا باهتمام برنامج الحفل كسائر أفراد المجتمع المهتمين بالأدب والثقافة وعشاق الرواد الفائزين.

    توالى برنامج الحفل بالكلمات الافتتاحية ومن ثم تسليم كل فائز جائزته من يدي خادم الحرمين الشريفين وألقيت كلمة كل فائز بالنيابة عنه، وما أن جاء الدور على بابا طاهر ونودي على اسمه للصعود إلى المنصة للسلام على الملك فهد واستلام جائزته أخذ خطاه إليها برفقة ابنه «خالي د.فؤاد»، وقريب لنا «محمد يحيى».

    واستلم جائزته من يدي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد الذي اقترح عليه بأن يلقي ابنه كلمته نيابة عنه مراعاة لظروفه الصحية لكنه قال للملك لقد أتيت من تونس خصيصًا لهذه اللحظة فوافقه الملك. فتوجه إلى المنبر متثاقل الخطى مسنودًا بمرافقيه حتى وصل إلى المكان المخصص لإلقاء كلمته التي افتتحها بقوله: «بسم الله الرحمن الرحيم.. السلام عليكم.. مولاي، أصحاب السمو الملكي أصحاب المعالي والفضيلة الوزراء والعلماء، حضرة الحفل الكريم، أنا طاهر زمخشري المعروف كما قيل عني كومة من الفحم سوداء تلبس ثيابًا بيضاء تقول شعرًا قصائده حمراء وخضراء وصفراء..» ففوجئ الجميع بهذا الاستهلال المرتجل ودوّت القاعة بالتصفيق وسادها جوٌ من البهجة والمرح.

    بابا طاهر زمخشري أثناء تسلمه لجائزة الدولة التقديرية في الأدب لعام 1404هـ من يدي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ويظهر في الصورة الأمير فيصل بن فهد، وخالي د. فؤاد زمخشري (رحمهم الله جميعًا)

    وأكمل قائلًا: «ومن قصائدي البيضاء أن أغني للحب وأن أغني للوفاء كما عشت أغني للحب والوفاء في مشواري الطويل.. الآن خطوتي.. خطوتي…” فسكت لوهله محاولًا أن يتذكر بيته من الشعر قائلًا.. قد كبلت خطوتي، وأدرك أنه ليس البيت الصحيح وجاهد محاولًا التذكر فسكت ثانية وبعفويه أثارت انتباه الجميع قال “نسيت”. فدوّت القاعة بالتصفيق ثانية، وفي هذه الاثناء ذكره خالي فؤاد بمطلع البيت (خطوتي تلتوي). فاستحضر ذاكرته واستجمع قواه وانطلق مكملاً «خطوتي تلتوي وما عُدتُ أمشي لا.. ولا أستطيع حتى القعودَ، ولكني مع ذلك جئت من تونس بإصرار لأشارك هذه الحفلة، ولألقي قصيدتي بإصرار، على الرغم أنه اقترح عليَّ أني تعبان ومريض ولازم يُلقيها عنِّي أحد أبنائي المذيعين أو ابني فؤاد، فأصررتُ أن أغني لهذه الحضارة وأن أغني لهذه الحركة.. قد لا تشعرون بها بالداخل، ولكني أعيش في تونس على صداها، بالفرحة على سريري الأبيض، وأعطتني الدفق، والحياة، والقوة، لأقف موقفي هذا وأنا مريض». وما كاد أن ينتهي من جملته هذه حتى دوّت القاعة بالتصفيق مرة أخرى، فصمت لبرهة استرعت انتباه الجميع فساد السكون القاعة، واستهل قصيدته بصوت شاعري رقيق منادٍ الملك فهد بـ يا أعذب الحب وكررها مكملاً:

    يا أعذب الحُبِّ أمالي قد ابتسمت *** في محفل رقصت في جوِّه النِّعمُ

    وقد بسطتَ بها فيئًا يُظللنا *** والخير ما زال فيَّاضًا به الكرمُ

    وأتبع ذلك بـ 35 بيتنا تخللها تصفيق الحضور إعجابًا ببراعة الإلقاء وجمال المعنى وختم قصيدته بـ:

    وللفداء لكم شعب عقيدته *** صدق الوفاء وإن الشاهد القسم

    وما أن انتهى من قصيدته حتى دوّت القاعة بتصفيق حار عكس مدى إعجاب وتقدير الحضور وغمرت الفرحة جميع من كان في البيت من ذلك المشهد وانهالت الاتصالات علينا بالتهنئة والتبريكات على ذلك الظهور والنجاح المنقطع النظير الذي حققه بابا طاهر. وبدى لنا وكأنه قد حقق أسمى أمانيه الوطنية والأدبية، وأصبح مرتاحًا ومتهيأ لما قُدر له وذلك ما التمسناه من ثنايا ما قاله في قصيدته:

    قد كبلت خطوتي أثقال داهية *** ونافس الداء في أعضائي السقم

    وما تبرمت منها وهي ترهقني *** فللتصاريف من أقدارها حكم

    وما تألمت فالأطياف من بلدي *** وبالسنا من رؤاها عولج الألم

    وكان -رحمه الله- قد روى حكاية تلقيه نبأ فوزه بالجائزة حينما كان في تونس والشعور الذي غمره في حواره مع صحيفة اليوم الذي نشر في ذلك اليوم (الاحد 8 شعبان 1405 العدد 4380) حيث قال “الموضوع كان كالتالي، أمين سر لجنة جائزة الدولة الأستاذ عبد الرحمن العليق أتصل بي في السفارة السعودية ولم يستطع أن يحصل على رقم هاتفي، وحتى وصلت البيت دق جرس التلفون وإذا بسمو الأمير فيصل بن فهد على الطرف الآخر من الخط حيث نقل لي نبأ اختياري للجائزة وتهنئة جلالة الملك. ساعتها لم تسعني الفرحة وشعرت بالفخر والاعتزاز حتى أنني من شدة فرحتي صمت عن الكلام وانتابني شعور بروعة ما يجري وما يدور حولي”.

    وأعتقد أن ما زاد من فرحة بابا طاهر هو تعزز شعوره بعمق تلك العلاقة التي كان يكنها له الملك فهد ونجله الأمير فيصل -رحمهما الله- حيث حكى لي عنها في رحلتي معه إلى تونس عام 1395هـ/1975م بعد اللقاء الذي جمعنا بالأمير فيصل في فندق «هيلتون» عندما كان في زيارة رسمية لمباركة وإطلاق تعاون ثقافي وفني بين المملكة وتونس إذ قال لي بابا طاهر «إن هذا الشبل من ذاك الأسد؛ فالأمير فيصل استمد اهتمامه وحبه للأدب والفكر من والده الملك فهد الذي جمعتني به علاقة صداقة منذ أن كان وزيرًا للمعارف، وقدم لي كل ما يمكنه من دعم لمجلة «الروضة»، وهكذا انتقلت صداقتي معه إلى نجله الأمير فيصل، ولهذا السبب حرصت على مقابلته وأنتم معي كي تتعلما أهمية الصداقة والوفاء ودور رواد الأدب والثقافة الذين يعملون خلف الكواليس؛ ومنهم الأمير فيصل بن فهد عبر الرئاسة العامة لرعاية الشباب».

    وقد التمست ذلك المعنى من خلال قراءتي لقصيدته «فهد في الخضراء» التي نظمها في الملك فهد وألقاها في حضرته بمناسبة أول زيارة له لتونس ونشرها لاحقًا في ديوانه «الشِّراع الرَّفَّاف 1394هـ/1974م». كذلك قصيدته في الأمير فيصل بن فهد بعنوان «فيصل أنت!» التي نظمها بمناسبة زيارته لتونس في نطاق نشاط وزارة الشباب والرياضة العرب ونشرها في ديوانه «عبير الذِّكريات 1400هـ/1980م».

    الملك فهد بن عبد العزيز أثناء إحدى زياراته الرسمية ويظهر خلفه بابا طاهر زمخشري (رحمهم الله)

    وعلى الرغم من مرور 40 عاما على كلمته المرتجلة في تلك الليلة “أنا طاهر زمخشري…” إلا أنها لا تزال عالقة في أذهان كل من استمع أو شاهد الحفل، فضلًا عن أنها أصبحت متداولة بين جيل اليوم من الذين لم يروه أو يعرفوه من قبل.

    ولعلي أجدها فرصة مناسبة بأن أنادي بإعادة جائزة الدولة التقديرية للأدب فتكريم الأدباء والمفكرين والشعراء ظاهرة حضارية اهتمت بها الدول والمجتمعات على مر العصور، ولا زالت الدول خصوصًا المتقدمة منها تحتفي سنويًا بأدبائها ومفكريها وعلمائها ونجومها في شتى المجالات بتخصيص الجوائز والأوسمة التقديرية لهم.

    وكانت جائزة الدولة التقديرية في الأدب أنشئت في العام (1403هـ/1983م) باقتراح من الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- الرئيس العام لرعاية الشباب آنذاك. بهدف تكريم الرواد في مجال الفكر والثقافة والأدب والحفاظ على التراث الأدبي واللغوي وتنمية وتشجيع الأدباء على الإجادة والإتقان والإبداع. على أن تُمنح سنويًا لثلاثة من الأدباء السعوديين ممن هم فوق سن الـ 50 عاما الذين أسهموا في إثراء الميادين الدينية والأدبية والفكرية في السعودية، ويحصل الفائز بموجبها على ميدالية ذهبية، وبراءة، ومبلغ 100 ألف ريال مدى الحياة. وكان أول الأدباء الفائزين بها حمد الجاسر، أحمد السباعي، عبد الله بن خميس. واستمرت الجائزة لدورتين وتوقفت في العام 1405هـ.

    كما أجدها فرصة أيضًا للاقتراح على وزارة الثقافة وكافة المراكز البحثية بأن يتبنوا مشروعا ينفذ ما خلصت إليه الأمانة العامة لجائزة الدولة التقديرية في الأدب في كتيبها الذي أصدرته آنذاك “الفائزون بالجائزة للعام 1404” بـ “إن طاهر زمخشري الذي نال جائزة الدولة التقديرية في الآداب لهذا العام (1404هـ) ما زال وسائر زملائه الرواد بحاجة إلى دراسات تتناول بالبحث زوايا مختلفة من إبداعه الشعري، بما يوفيه بعض حقه على جمهور الباحثين والنقاد”.

    كتيب الفائزون بالجائزة
    كتيب الفائزون بالجائزة لعام 1404 الصادر عن اللجنة العامة لجائزة الدولة التقديرية في الأدب

    واختم دردشتي هذه بأبيات للشاعر المصري محمد مصطفى حمام – رحمه الله –

    أكرمْ به من «طاهرٍ» مُطَهــرِ

    وعالِم موقَّــــــــرٍ «زمخشري»

    وكاتبٍ خِصْبِ البيـــــانِ مُزهرِ

    وشاعرٍ سامي الخيــالِ عبقري

    ربُ الأغاريد، وشادي المْعشَر

    وصائغْ الشِّعر كصَوْغِ الجوهر

    Share
  • اختصاصي البصريات ودوره مع المسنين في دور الرعاية الاجتماعية

    اختصاصي البصريات ودوره مع المسنين في دور الرعاية الاجتماعية
    Share

    أولت حكومتنا الرشيدة اهتماماً كبيراً برعاية كبار السن، حيث تم إطلاق العديد من المبادرات لتحسين جودة الحياة ورفع مستوى الخدمات المقدمة لهم في المجتمع، وفي دور الرعاية التي تشرف عليها وزارة الموارد البشرية.

     يمارس كبار السن نشاطات عدة في المجتمع عن طريق العمل التطوعي، ونقل الخبرات والمعرفة للأجيال الأخرى التي اكتسبوها في الحياة.

    وتقدم وزارة الموارد البشرية للمسنين الرعاية الشاملة (الصحية والاجتماعية والنفسية) عبر دور الرعاية الاجتماعية المنتشرة بمناطق المملكة، بالإضافة إلى تقديم المساعدات المالية والعينية للمحتاجين من المسنين وأسرهم عبر وكالة الضمان الاجتماعي، والأجهزة التعويضية من كراسي متحركة، وأسِرَّة، طبية، وسماعات وغيرها.

    كما تقدم برنامج الرعاية المنزلية للمسنين داخل إطار الأسرة من خلال برنامج زيارات متابعة لهم .

    وتعمل الوزارة ضمن برنامج التحول الوطني على:

    • تأسيس واحات نموذجية للمسنين متوافقة مع احتياجاتهم تشمل الخدمات الصحية والعلاج الطبيعي ونادٍ ترويحي.
    • تمكين القطاع الأهلي من تأسيس جمعيات أهلية متخصصة للمسنين تغطي خدماتها كامل مناطق المملكة.

    يمكن لكبار السن التقديم على الرعاية طويلة الأمد من خلال خدمة طلب التسجيل بدور الرعاية لكبار السن حيث تهدف هذه الدور إلى إيواء ورعاية كل مواطن ذكر أو أنثى بلغ الستين فأكثر وعجز عن القيام بشؤونه الخاصة ولا يتوفر لأسرته وأقاربه الإمكانات لذلك.

    إضافة إلى رعاية المرضى والمسنين الذين لا عائل لهم ويحالون من المستشفيات بشرط خلوهم من الأمراض المعدية والعقلية.

    وتقدم من خلال هذه الدور الرعاية الإيوائية والتي تتضمن الرعاية الاجتماعية والطبية والنفسية وتتنوع فعاليات أنشطتها كالنشاط الثقافي، والمهني، والترفيهي، والرياضي.

    ويشرف على هذه البرامج والفعاليات جهاز وظيفي يضم كافة التخصصات للقيام بالخدمات المنوطة به لخدمة المقيمين في الدار.

    ومن شروط قبول المسن في الدار:

    • أن يكون سعودي الجنسية.
    • أن يكون قد بلغ سن الستين فأكثر، وأعجزته الشيخوخة عن العمل أو القيام بشؤون نفسه، ويجوز قبول من هو دون سن الستين إذا أثبت البحث الاجتماعي الحاجة إلى شموله بخدمات الدار.
    • أن يثبت الفحص الطبي خلوه من الأمراض السارية، أو المعدية، أو النفسية، أو العقلية، التي تشكل تهديداً لسلامته، أو خطراً على باقي النزلاء.
    • عدم وجود الأسرة، أو عدم قدرتها على توفير ما يحتاجه من خدمات.

    ولعله من المهم تسليط الضوء على الحالة البصرية للمسنين إجمالاً ونزلاء دور الرعاية الاجتماعية على وجه الخصوص نظراً للارتباط الوثيق بين التقدم بالسن وأمراض الجهاز البصري. تتعدد مشاكل الإبصار الشائعة بين الأشخاص الذين يتقدمون بالسن، ومن هذه المشاكل ما يأتي:

    (كليفلاند كلينك أبو ظبي، التابعة لمبادلة للرعاية الصحية 2017 م).

    مَدّ البصر الشيخوخي: وهو فقدان القدرة على رؤية الأجسام القريبة أو حروف الطباعة الصغيرة بوضوح.

    الأجسام العائمة: هي عبارة عن بقع أو نقاط صغيرة تطفو في مجال الرؤية تُلاحظ في الغرف ذات الإنارة الجيّدة أو في الأيام المشمسة.

    جفاف العَين: وهي الحالة التي لا تحصل فيها العين على الترطيب الكافي لخلل في كمية أو جودة الدموع.

    إعتام العدسة (الماء الأبيض): هي ضبابية تُصيب عدسة العين بشكل تدريجي وتؤثر على وظائف العين البصرية.

    الماء الأزرق (الجلاكوما): وهي حالة يتضرر فيها العصب البصري نتيجة لارتفاع ضغط العين ويتسبب ذلك في تدهور أو فقدان النظر بشكل لا يمكن تصحيحه.

    اعتلالات الشبكية: وهي التهابات تصيب شبكية العين ويتسبب ذلك في تدهور أو فقدان النظر بشكل لا يمكن تصحيحه.

    انفصال الشبكية: وهي حالة يصاحبها سحب وانفصال جزئي أو كلي لشبكية العين ويصاحبها ظهور مفاجئ للأجسام العائمة وتدهور في الرؤية.

    مشاكل الجفنين: ويصاحب ذلك أعراضًا مختلفة مثل الألم والحكّة والتدميع والحساسية من الضوء، وارتخاء الجفنين وتشنجات الطَرف اللاإرادية أو التهاب حواف الجفن الخارجية الواقعة بجانب الرمشين.

    وجميع ما ورد من أمراض يخضع لتشخيص أطباء العيون وتحديد طرق العلاج المناسبة. فالمصابون يتمايزون من حيث خفة وشدة العجز البصري الناجم عن أمراض العيون.

    إن معظم مرضى العيون في هذه المرحلة العمرية، يستفيدون فعلياً من بقايا البصر لديهم، ما يجعلهم ينقسمون إلى:

    • فئة الذين يستفيدون من بقاياهم البصرية في التنقل والحركة، حيث تصل قدرتهم البصرية إلى 25%، لكنهم لا يستطيعون القراءة والكتابة بالخط العادي، ويطلق عليهم المكفوفون وظيفياً (Functionally Blind).
    • فئة الذين يستفيدون من بقاياهم البصرية في التنقل والحركة والقراءة والكتابة بالخط العادي باستخدام المعينات البصرية مع صعوبات يواجهونها في إتمام مهامهم اليومية ويطلق عليهم ضعاف البصر (Low Vision).

    ورغم أن أصحاب الفئتين يمتلكون بقايا بصرية، إلا أنهم يكونون بحاجة إلى المساعدة لتعظيم الفائدة من البقايا البصرية وتقليل تبعات ضعف البصر على الشخص. إذ أظهرت الدراسات أن ضعاف البصر يكونون عرضة إلى: العزلة الاجتماعية، والاكتئاب، وصعوبة المشي، والسقوط والإصابة بالكسور. كل ذلك يعود إلى حالة الخوف أثناء الحركة والتنقل بين الأماكن وممارسة الحياة باستقلالية.

    ومن هنا تبرز الحاجة إلى تدخل اختصاصي البصريات والذي يقدم برامج التأهيل البصري والذي يعمل على إيجاد حلول بصرية وغير بصرية تمكن ضعيف البصر من الاستفادة القصوى من بقايا البصر والتغلب على التحديات اليومية التي يواجهها. يتم ذلك عن طريق:

    • فحص الوظائف لبصرية (حدة الإبصار، التباين، المجال البصري) بشكل معياري.
    • تقدير واختيار وتقييم المعينات البصرية المناسبة لكل حالة.
    • تدريب ضعيف البصر على تحريك العينين/الرأس بشكل مثالي من خلال التمرن على استراتيجيات مختلفة مثل الرؤية اللامركزية، العين الثابتة، المسح البصري، التتبع البصري، حركة العين السريعة. تساعد هذه الاستراتيجيات ضعيف البصر على أداء المهام اليومية مثل القراءة، التنقل، مشاهدة التلفاز، قطع الشارع.

    ولعل من المناسب الإشادة بالدور الكبير الذي يقوم به قسم البصريات بكلية العلوم الطبية التطبيقية بجامعة الملك سعود في هذا الشأن والإشارة إلى مدى إمكانية أن تستعين وزارة الموارد البشرية بمنسوبي القسم من استشاريين واختصايين من خلال برنامج وطني يعمل على مسح الحالة البصرية للمسنين في دور الرعاية الاجتماعية وتقديم الفحوصات والحلول اللازمة بحسب الحاجة. وبذلك تكون الوزارة قد استعانت بأهل الخبرة في هذا المجال.

    المراجع:

    كليفلاند كلينك أبو ظبي، التابعة لمبادلة للرعاية الصحية 2017 م.

    Share
  • مجلة اليمامة حديث الكتب: رحلتي عبر السنين

    مجلة اليمامة حديث الكتب: رحلتي عبر السنين
    Share

    صالح الشحري

    سبق أن عرضنا في اليمامة لكتاب “حصاد الظلام” لمؤلفه محمد توفيق بلو، وكان عن رحلته مع فقدان البصر، منذ بدأ حتى انتهى إلى ان يؤهل نفسه لتجاوز العمى إلى الإنتاج المجتمعي في جمعية إبصار لرعاية المكفوفين، والنشر والتأليف. الملاحظ أن من يفقد إحدى حواسه الخارجية تزداد حدة باقي الحواس، الحواس الخارجية والداخلية، في هذه الكتب تتجلى حدة الذاكرة وثراؤها، والوعي المجتمعى، والكاتب هنا يكتب سيرة حياته على أجزاء، ظهر منها جزءان أولهما عن طفولته حتى نهاية المرحلة الابتدائية من دراسته والثاني عن مرحلة الدراسة المتوسطة التي تنتهي عند اجتياز سن الخمس عشرة.
    للكاتب محمود عبد الشكور من مصر كتابان في السيرة الذاتية، “كنت صبيا في السبعينيات” و”كنت شابا في الثمانينيات” يقصد سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وهو لا يورد سيرة حياته فقط بل يعرض لكل ما اهتم له المجتمع المصري من أحداث، سياسية أو اقتصادية أو رياضية، وكذلك يعرض للصحافة وبرامج الإذاعة وبرامج التليفزيون، والمسرح والسينما، والغناء والموسيقى، يعرض كل ذلك في دقة واختصار، والمتعة هنا تأتي من تداخل سيرة القارئ مع سيرة الكاتب في شريط أحداث العمر، وإنك لتجد هنا في سيرة توفيق بلو كثيرا من ذلك، إطلالته على المجتمع وهو صغير تأتي أحيانا من حياته في بيت واحد مع جده الشاعر العلم طاهر زمخشري، حيث جلس في مجالسه الفنية والأدبية، وتعرف على كثير من وجوه المجتمع وأحواله. وهذا ما جعل للكتاب نكهته المميزة. إضافة لما نراه من تغير أحوال المجتمع، وخاصة عند انتقاله إلى حالة السعة بعد ضيق، فبعد حرب أكتوبر ارتفعت أسعار النفط؛ ولذا فإن ميزانية الدولة تضاعفت أربع مرات بين عامي ١٩٧٢ و ١٩٧٤، انعكس ذلك إيجابا على حياة الناس، وقد لاحظنا مثلا أن شقتهم الواسعة كانت ذات شرفات ثلاث، تلك الشرفات الرحبة التي شهدت أحداث حياتهم، وقد أُدخلت شرفاتها في الغرف، وذلك بعد أن أصبح الناس يعتمدون على أجهزة التكييف، وأصبح كل الأبناء ينامون على الأسرة بعد أن كانوا ينامون على فراش ملقى على الأرض، وأصبح تسوق الناس يحدث أسبوعيا لا يوميا، لأن الأكل يخزن في الثلاجات، ورأينا التسارع في البناء، وكيف تحولت الأحواش التي تحيط بكل مبنى إلى أرض لعمائر جديدة، كانت الأحواش مكانا للعب، وكانت تضم أشجارا ظليلة ونباتات مزهرة عديدة، لها روائح جميلة، ودعها الكاتب بكل أسف، عمارة جيرانهم “آل كنّو” كانت محاطة بثلاثة أحواش، كانت مرتعا للأبناء، يمارسون فيها كافة الألعاب الرياضية وغيرها، يقضون فيها فترة العصر، ومع الوقت أصبح لجيرانهم استراحة مبنية بالخشب على شاطئ أبحر، وأتيح لأبناء الحارة قضاء يوم أسبوعي فيها عندما أصبحت الإجازة يومين في الأسبوع، كذلك نرى اختفاء الباعة الجائلين، و”الحجات” الإفريقيات من بائعات الثمار الأفريقية مثل الفول السوداني و”الحبحبوه” و”الدوم” و”القورو” والتمر الهندي، وكان البائعون والبائعات يتكاثرون حول أبواب المدارس والمساجد، مع الوقت أيضا تحول “الآيس كريم” المصنوع منزليا والمعبأ في أكياس النايلون، إلى أن يُباع في محلات راقية وبأصناف متعددة. وبينما كانت إجازات الصيف تُقضى داخل البلد وفي زيارات للأقارب في مكة والمدينة أصبح الناس يقضون إجازاتهم في الخارج، فزار الطفل تونس ومصر، ذكرياته في تونس تشكل دليلا إرشاديا مشوقا.
    والد الكاتب كان من العاملين بالخطوط السعودية، وقد ابتُعث مرتين للتدريب في أمريكا، ولذا فقد قضى الطفل سنوات طفولته في مدينة سانت لويس، هنا نطل على حياة هذه المدينة ومعالمها الشهيرة، لم تكن العنصرية شائعة في تلك المدينة رغم أن العنصرية آنذاك كانت قاسية في أمريكا، جيرانهم مارغريت وزوجها كانوا على صلات اجتماعية وثيقة بأسرتهم، يتشاركون في التنزه والشراء، ويساعدونهم عند الحاجة، مثلما حدث عندما دخل الطفل إلى المستشفى بعد حرق حصل له. كما شاركوا في البحث عن الجدة التي تاهت في بلد لا تحسن لغتها.
    موت الوالد فجأة في شرخ شبابه أثر كثيرا في حياة الأسرة، فقد انخفض الدخل إلى النصف، ولم تعد لهم تذاكر الطائرات المجانية التي كانت سببا لتعلق الأطفال بالسفر، وعندما وعى الطفل ذلك أرسل رسالة إلى الأمير سلطان وزير الدفاع يطلب إعادة التذاكر المجانية للأسرة، وكانت هذه الرسالة سببا لأن تُمنح والدته تذاكر سفر مجانية طيلة الحياة. وفاة الوالد كانت سببا في أن ينتقل الجد بابا طاهر ليسكن معهم، حياة اليتم حرمتهم من بعض الترفيه مثل رحلة البحر كل يوم جمعة، لكن الأسرة المتماسكة عوضتهم، فهذا القريب عادة ما يزورهم وجيوبه ملأى بما لذ وطاب من الحلوى، والعم هاشم يقضى وقته وهو يلعب معهم، وزوج العمة يأتي بسيارته وأولاده ليصحب الأطفال إلى أماكن اللعب و النزهة، وتجتهد الأسرة الممتدة والتي تجمع عددا من العوائل في إحياء مناسبات الأعياد ورمضان، وكذلك مناسبات نجاح الأبناء في المراحل الدراسية، يشترك الجميع في تحضير الطعام والشراب، وخلق جو المرح والزينة، يذكر أنهم كانوا يستأجرون جهاز العرض السينمائي، يأتي به التقني إلى البيت ليعرض ضمن أجواء احتفالية، يكلفهم ذلك خمسة وسبعين ريالا، لاحقا يذكر الكاتب أنه قد أصبحت هناك دور للسينما، بعضها يقع في أحواش لا تعمل إلا ليلا وتعرض ثلاثة أفلام في الليلة الواحدة، كما كان هناك دار سينما مجهزة، طابقها الأرضي يجلس فيه الشباب وطابقها العلوي تجلس فيه العائلات. والذي يتاح له أن يقرأ مذكرات بعض الطلبة السعوديين الأوائل في القاهرة، مثل كتاب الدكتور عبدالعزيز الخويطر “وسم على أديم الزمن” سيدرك كم كان ولع أبناء السعودية بالسينما، وربما سهل هذا إقامة مراكز لعرض أفلام السينما في جدة دون إذن رسمي. أفراحهم كانت ممتدة وكأنها إجازات في رحاب الفن، عندما تزوجت إحدى أخواته، جاءت الفنانة ابتسام لطفي والفنانة عتاب مجاملة لـ بابا طاهر، أحيتا في منزلهم ثلاث ليال غنائية، وفتح جيرانهم شقتهم ليتسع المكان لزوارهم من خارج جدة. وكان بعض أقاربهم يجمع العائلات أياما متوالية على البحر في خيام نُصبت لهذه الغاية، تمتلئ تلك الأيام بالحبور والنشاط وفنون الطهي.
    أما رحلتهم لحضور زواج لقريبين يقيمان في محلة الطندباوي في مكة فحدث عما فيها من الأفراح والليالي الملاح. تقيم العوائل الوافدة في قلوب وبيوت الأقارب، تمتد ليالي الأفراح، أولها ليلة الدبش، التي يقوم فيها أهل العروس بإيصال الكسوة إلى بيت الزوجية، ثم ليلة الحناء، فليلة الغمرة، تليها ليلة الدخلة، ثم ليلة الصبحة ثم تتلوها ليال أخرى حتى السابع بعد يوم الدخلة، فينفض السامر، كل الليالي يحييها الناس بالطبل والرقص والمزمار والغناء، والطعام والشراب، يشارك كل الناس، ومن الواضح أن سكان الحي قد استعادوا ما اختزنته ذاكرتهم من جذورهم الإفريقية التي رأينا أنهم قد غزوا بموسيقاهم الغرب.
    حى الطندباوي – كما يذكر الكاتب – رحل إليه السكان من جبل هندي عام ١٨٧٢، انتشر أيامها وباء في مكة، وشاع بين الناس أن الأفارقة هم من جاء بالوباء، وهنا أمر الوالي العثماني بترحيل كافة الأفارقة إلى خارج مكة، فجُمعوا في الطندباوي، كأنما هم في محجر صحيٍ، تمهيدا لإعادتهم الى أفريقيا، قضوا أياما وليال يبكون ويتضرعون ألا يخرجوا من أرض الحرم، استجاب الله لهم، ألغى الوالي الجديد أمر الترحيل، ولكن الأهالي فضلوا البقاء في مكانهم على العودة إلى جبل هندي وجبل الكعبة، زار المكان الرحالة الفرنسي جول كورتيلمون، وذكر في كتابه “رحلتي إلى مكة” أنه صادف قرية كبيرة زنجية، قرية مضحكة مبنية بطريقة لا يمكن تصديقها! إذ أنها مبنية بصفائح البترول القصديرية، ولا بد أن سكان مكة لديهم استهلاك كبير جدا لهذه المادة القابلة للاشتعال حتى استطاعوا بناء مدينة كاملة تقريبا من مخلفات الأوعية.
    أما حكاياته عن المدرسة فتسرك أحيانا وتغيظك أحيانا، تسرك بما فيها من أنشطة رياضية ومسرحية وحفلات ومسابقات، ويغيظك فيها ما أشار له الطفل، فقد كان بنيان المدرسة حديثا، ولكن دورة المياه مجمع لأصناف القذارات والحشرات والفئران، وغالبا ما تكون المياه مقطوعة فيها، ويغيظك أكثر العقاب القاسي، مدرس الحساب كان يقف بجوار الطالب، وبشكل مفاجئ يصفعه على وجهه، حدث هذا مع الطفل فسال دمه، وكره الحساب، ورسب آخر السنة، وقد تعرض لعقوبة الفلقة على يد المدير، بينما كان واقفا يشتري من أحد الباعة الجائلين، عابث بعض الطلبة البائع فسقط على الأرض ما كان أعده للبيع، اشتكى البائع للمدير في اليوم التالي فأخذه المدير ليتعرف على العابثين، أشار البائع إليه مع غيره، فناله العقاب ظلما، وفي المدرسة المتوسطة، كان رئيس فريق الكرة، هُزم فريق فصلهم، فجاء مدرس الرياضة معاتبا وانتهى الأمر إلى صفعة على وجهه كرهته الرياضة زمنا. المشكلة أن هذا النوع من العقوبة بقسوته وإيقاعه ظلما بلا مناسبة يفسد أحيانا شعور الصغار بقيمة العدالة والتربية، والصغار نفوسهم حساسة للقيم، يذكر الطفل، أنه وفريق الحارة، كانوا يشجعون فريق زائير في مباريات كأس العالم، وقد هزم الفريق ودخل مرماه أهدافٌ كثيرة، بكى فريق الحارة على منتخبهم الذي لم يتح له ما أتيح لغيره من الفرق لفقر بلده وقلة حظه من العدالة، سمى فريق الحارة نفسه فريق زائير تضامنا مع الضعيف والمظلوم.
    و في الكتاب ذكريات أخرى تشد القارئ، مثل صور أسئلة الامتحانات في ذلك العهد وصور الشهادات، وحكايات عن الولادة العسيرة لقصيدتين أنشأها بابا طاهر محزونا في رثاء الملك فيصل، ورثاء أم كلثوم.
    هناك بعض التكرار في الكتابين وخاصة لأسماء الأصدقاء، وحظيت بعض الأبواب بمقدمات منفصلة لا أعتقد أنها كانت ضرورية، وهناك بعض الهنات الإعرابية لكنها لم تعكر طلاوة السرد.

    رابط المقال على مجلة اليمامة

    Share
  • التقرير الأسبوعي 108 لأعلى 10 مشاهدة

    التقرير الأسبوعي 108 لأعلى 10 مشاهدة
    Share

    أصدقائي القراء يسرني مشاركتكم التقرير الأسبوعي 108 لأعلى عشرة مواضيع مشاهدة على موقعي الإلكتروني والذي سأخصصه لتقديم ملخص إحصائي عن حركة الموقع لشهر يناير لعام 2024م بمناسبة انتهائه وأعلى 10 مواضيع مشاهدة فيه.

    حيث تم نشر (12) مادة خلال الشهر بما فيها موضوع «مها عواودة.. معاناة صحفية في لهيب غزة» https://mohammedbellow.com/hpvx والذي علقت عليه بعد أيام من نشره من غزة برسالة عبر الواتساب قالت فيها “الأستاذ القدير محمد توفيق بلو أسعد الله أوقاتك بكل خير وصحة وعافية، لقد أسعدني اهتمامك بما كتبته في تقرير خاص لوكالة الأنباء السعودية يصف القليل من حال أهل غزة في ظل العدوان الإسرائيلي، متمنية لك دوام الصحة والعافية ولبلدك العظيم دوام الأمن والأمان والازدهار. حفظك الله ورعاك مع وافر الشكر والتقدير”.

    وبلغ إجمالي زوار الموقع خلال الشهر (1,517) زائر منهم (‎76.14%) من المملكة العربية السعودية، و(5.01‎%) مصر، (4.68%) والولايات المتحدة الأمريكية، (1.98‎%‎) تونس، (‎0.98‎%‎‎) المغرب، (0.98‎%) الإمارات، و(10.35%) من دول أخرى.

    وتصفح الموقع (91.6‎%‎) من الزوار عبر الجوال، و (6.8‎%) عبر الحاسب الآلي و(1.6‎‎‎%) عبر الأجهزة اللوحية (تابلت).

    وفيما يلي ترتيب الأعلى 10 مواضيع مشاهدة:

    1- حفل إفطار رمضان في منزل الصديق منصور الحسيني 1443

    عدد المشاهدات: 776 مشاهدة

    https://mohammedbellow.com/65oe

    2- لقائي مع إذاعة نداء الإسلام بمناسبة اليوم العالمي لبرايل 2024

    عدد المشاهدات: 130 مشاهدة

    https://mohammedbellow.com/6xdo

    3- خفايا وأسرار “أهيم بروحي” للزمخشري

    عدد المشاهدات: 110 مشاهدة

    https://mohammedbellow.com/fwdb

    4- في اليوم العالمي لبرايل.. أين وصلنا في توظيف ذوي الإعاقة البصرية

    عدد المشاهدات: 108 مشاهدة

    https://mohammedbellow.com/042g

    5- 15 عامًا في إبصار – ح(3)

    عدد المشاهدات: 96 مشاهدة

    https://mohammedbellow.com/am10

    6- مها عواودة.. معاناة صحفية في لهيب غزة

    عدد المشاهدات: 77 مشاهدة

    https://mohammedbellow.com/hpvx

    7- التقرير الأسبوعي 104 لأعلى 10 مشاهدة

    عدد المشاهدات: 73 مشاهدة

    https://mohammedbellow.com/21ib

    8- مركز طارق عبد الحكيم فرصة للتعريف بمسيرة الزمخشري وعبد الحكيم الأدبية والفنية

    عدد المشاهدات: 65 مشاهدة

    https://mohammedbellow.com/yemw

    9- التقرير الأسبوعي 105 لأعلى 10 مشاهدة

    عدد المشاهدات: 61 مشاهدة

    https://mohammedbellow.com/el39

    10- صحيفة الرياض: كتاب: «سطور مضيئة من حكايات وذكريات بابا طاهر»

    عدد المشاهدات: 59 مشاهدة

    https://mohammedbellow.com/rnlb

    ويسرني تلقي اقتراحاتكم وتعليقاتكم في خانة التعليقات أو على حساباتي الالكترونية.
    https://twitter.com/MTBellow
    https://www.facebook.com/MTBellow

    Share
  • الرياض سيدة المدن

    الرياض سيدة المدن
    Share

    معرض شامل تفصيلي.. إكسبو 2030 هو حدث عالمي سيُعقد في سيدة المدن، العاصمة السعودية الرياض في المملكة العربية السعودية. يعتبر هذا المعرض محطة تاريخية تعكس رؤية المملكة الطموحة للمستقبل وتعزز تطورها المستدام وابتكارها في مختلف المجالات.

    يتزامن إكسبو 2030 مع الاحتفال بمرور 100 عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، مما يجعله حدثًا استثنائيًا وفرصة نادرة لعرض التقدم الذي تحقق في المملكة على مدى القرن الماضي. سيستقطب المعرض آلاف الزوار من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الشخصيات المهمة والمتخصصين في مجالات متعددة.

    تحمل مفهوم إكسبو 2030 الشاملة والتفصيلية من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية. أولاً وقبل كل شيء، يهدف إلى عرض الاقتصاد القوي والازدهار الذي تشهده المملكة ودورها الريادي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. كما سيسلط الضوء على رؤية المملكة الطموحة للمستقبل وخططها للتنمية المستدامة في مختلف القطاعات، مثل الطاقة والصناعة والسياحة، والتعليم، والثقافة، والتكنولوجيا.

    سيكون المعرض مساحة لعرض المشاريع والابتكارات السعودية والعالمية، وتبادل الخبرات والمعارف في مختلف المجالات. ستوفر الفعاليات والمنصات المختلفة في المعرض فرصًا للعارضين لعرض إنجازاتهم ومشاريعهم والتواصل مع الجمهور على نطاق واسع.

    إلى جانب التركيز على التنمية الاقتصادية والابتكار، ستكون المساهمة الاجتماعية والثقافية مكونًا رئيسيًا في إكسبو 2030. سيُعقد العديد من الفعاليات والندوات والورش العمل لمناقشة قضايا رئيسية مثل التعليم، والتنوع الثقافي، والمساواة بين الجنسين، والتنمية المستدامة.

    إكسبو 2030 سيعزز القدرة الجماعية للبشرية لمواجهة التحديات والفرص في القرن الحادي والعشرين. ستكون المملكة العربية السعودية المضيفة لهذا الحدث الفريد وسط الابتكار والتنمية والتعاون الدولي.

    باختصار، إكسبو 2030 سيكون تجربة مميزة لاستكشاف الابتكارات والتقنيات والثقافات المختلفة، وعرض خريطة الطريق للمستقبل المستدام للمملكة العربية السعودية.

    Share
  • مها عواودة.. معاناة صحفية في لهيب غزة

    مها عواودة.. معاناة صحفية في لهيب غزة
    Share

    مها عواودة.. معاناة صحفية في لهيب غزة

    تلقيت رسالة عبر الواتساب من الإعلامية الأستاذة مها عواودة/السليمان (مراسلة وكالة الأنباء السعودية بالأراضي الفلسطينية المحتلة) مرفقة برابط لتقرير نشرته لها الوكالة في (06 رجب 1445 هـ الموافق 18 يناير 2024) وثقت فيه بالكلمة والصورة قصة نزوحها وأسرتها من منزلها ببيت حانون إلى مخيّمات النزوح.

    فحاولت التواصل معها ومراسلتها للاطمئنان على ما آل إليه وضعها بعد رسالتها، ولكن حتى تاريخه حالت ظروف الحرب الوصول إلى أي معلومة عنها.

    ورأيت أن من واجبي أن أشارك قرائي الأعزاء قصتها من أجل الدعاء لها ولأهالي غزة بأن ينجيهم الله من الكرب العظيم وينصرهم على أعدائهم من الظالمين.

    حيث روت أن رحلة معاناتها بدأت مع نزوحها وأسرتها من منزلها بيت حانون – شمال غزّة في أعقاب السابع من أكتوبر التي انهالت فيها قذائف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومعها بدأت رحلتها بالألم والمعاناة التي تجرعتها كما تجرّعها فلسطينيو القطاع.

    وقالت إن القصف كان شديداً، فلم تستطع لملمة أوراقها وجهازها المحمول، وحتى احتياجاتها من الملابس والمقتنيات، واضطرت أنْ تتركهم ورائها. فكان كل همها هو الخروج مع أسرتها بأقصى سرعة من المنزل. ولم تمضِ سويعات حتى أغارت المقاتلات الإسرائيلية على مدينتهم مُدمِّرةً منزلها الذي كان بمثابة مملكتها الجميلة، فأصبح وما أحاطه من منازل أخرى تحت الركام.

    وعلى وقع لهيب النيران من قذائف وصواريخ تتساقط هنا وهناك، استطاعت وأسرتها الوصول بلطف الله إلى مخيّم البريج وسط القطاع.  فقد كان همها الوحيد هو الوصول مع عائلتها إلى مكان آمن، تحصل فيه على الكهرباء، والإنترنت لمواصلة إرسال تقاريرها إلى وكالة الأنباء السعودية عن تطوّرات العدوان الإسرائيلي.

    وبوصف مرعب وأليم قالت: “مكثنا 6 أيام في مخيّم البريج، منتظرين وصول “شبح الموت” الذي كان يلاحقنا ويحسب علينا أنفاسنا، إلى أنْ كانت اللحظة الفاصلة، واستهدف طيران العدو المنزل المجاور لموقعنا، بصلية من الصواريخ، حولته إلى ركام تتصاعد منه ألسنة اللهب، والدخان الأسود، الذي كاد أنْ يفتك بنا جميعاً لولا لطف الله. ورغم أنّنا تحت جنح الظلام، انتقلنا من منزل لآخر على مدار ليل طويل جداً، ظننتُ لوهلة أنّ صبحه لن ينبلج أبداً.. بسبب القصف المدفعي الذي أمطرنا، وأصواته المرعبة التي حبست أنفاسنا كباراً وصغاراً، رافعةً من إيقاع دقات القلوب.. متسائلون: هل سيبزغ الفجر؟!، أم إنّها ليلتنا الأخيرة..”.

    لقد ذكرني وصفها ذلك بقول الشاعر:

    أسير بليل ليس يدرك صبحة ** وأشباحُ أوهامي حوليَّ حُوما

    (طاهر زمخشري – قصيدة وراء الأمل)

    لم تنته معاناتها هُنا، بل بزغ الفجر عليها بمعاناة أشد قسوة، حيث كشف طلوع النهار حجم الموت والخراب، وكان عليها التحرّك بسرعة من مخيّم البريج، لكن السؤال إلى أين؟! فلم يكن أمامها وأسرتها إلا التوجّه غرباً نحو مخيّم النصيرات وسط قطاع غزّة، حيث استقر القرار على اللجوء إلى مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كمركز إيواء في المخيم.

    وعن ذلك قالت “في مركز الإيواء، كانت المخاطرة لشحن هاتفي النقّال والحصول على الإنترنت من أجل مواصلة عملي الصحفي “مهمة شبه مستحيلة”، في ظل استمرار القصف الإسرائيلي الذي دمّر معظم شبكات الاتصال في المخيم”.

    ولمن لا يعرف ما معنى أن يكون الإنسان صحفيًا وصاحب رسالة، فالصحفي لا يستطيع أن يتخلى عن رسالته ومسؤولياته الإنسانية حتى في أحلك الظروف. وذلك يتجلى لنا فيما تابعت روايته العواودة.. “بعد جُهد محفوف بالمخاطر، وسعي حثيث لامس الموت أحياناً، تمكنتُ من التقاط شبكة إنترنت في مكان بعيد عن مركز الإيواء. برغم تلك الظروف الحالكة والخلل في شبكات الاتصالات والإنترنت، استطعت أخيرًا أن أرسل لوكالة «واس» حصيلة الشهداء والجرحى وما خلفه العدوان من تدمير”.

    وبعد ذلك بدأت رحلة المعاناة مع التشرّد والقهر والألم.. قالت عنها لا طعام ولا مياه صالحة للشرب، ولا فراش يركنون إليه في مركز الإيواء، تذوّقوا مرارة النكبة والتشرّد التي عاشها أجدادهم عام 1948.. وبحسب ما ذكرته في وصفها.. “ضجيج الأطفال وصراخ النساء يتعالى في كل مكان.. الجميع يحاول الدخول إلى المدرسة للنجاة من القصف وشظايا الصواريخ.. والصراع من أجل البقاء سيد الموقف، إلى أنْ أُدخلت وأسرتي إلى أحد الصفوف الذي كان للدراسة، وأصبح شاهداً على “رحلة تشرّد” استمرّت لـ 77 يوماً. كانت أياماً ثقيلة، في غرفة تضم أكثر من 50 طفلاً وامرأةً، حيث من المستحيل الحصول على قسط من الراحة وسط دوي القذائف والصواريخ الإسرائيلية وأنين الأطفال، الذين كانوا بالكاد يحصلون على وجبة طعام، إذ كان الحصول على الطعام والشراب “مهمة مستحيلة”، وإنّ حصّلناها فبأسعار خيالية لم نشهدها من قبل أبداً”.

    وبلغت المعاناة ذروتها في ذات يوم قالت عنه “تساقطت الصواريخ على بُعد نحو 100 متر فقط من موقع تواجدي، وارتفعت معها سُحُب اللهب الحمراء، والأتربة التي غطت وجوه المارّة، فانعدمت الرؤية، ولم يعد الواحد منّا قادراً على تمييز الشوارع للهروب.. نسمع أصوات الصراخ وتناثر شظايا الصواريخ، فتفقّدتُ نفسي هل نجوت من القصف.. لأيمّم وجهي مُسرعة شطر أحد أزقة المخيّم المؤدية إلى مركز الإيواء.

     وكانت مأساة جديدة.. مركز الإيواء، الذي أقيم وأسرتي فيه، تعرض محيطه للقصف، وسيارات الإسعاف في المكان، شهداء على باب المركز.. أطفال يضمدون جراحهم بأيديهم بعدما أصابتهم الشظايا في الرؤوس، فيما ساحة المركز غطّتها مخلفات القصف…

     كان همّي الوحيد معرفة مصير عائلتي، فتوجّهتُ إلى “الغرفة الصفية”.. والحمد لله الجميع بخير، ثم تفقدتُ سيارتنا المركونة بالقرب من باب مركز الإيواء، فلم تتضرر كثيراً، اللهم إلا تحطم الزجاج وبعض الأضرار الخفيفة”.

    لم ينته المشهد هنا فالقادم اشد ضراوة وقساوة إذ قالت “بعدما اشتد القصف في محيط مركز الإيواء، أصبح من المستحيل البقاء في مخيّم النصيرات، لا سيما في ظل توافد الدبابات الإسرائيلية، واقترابها من المخيّم، كان لا بُدَّ من الرحيل، لا سيما مع اشتداد القصف الإسرائيلي، بعد 77 يوماً من المعاناة والجوع والعطش. توجّهنا جنوباً إلى مدينة رفح، التي تقع في أقصى جنوب قطاع غزّة، في ظل رحلة محفوفة بالمخاطر وبالموت بكل ما للكلمة من معنى، لأن العبور سيكون عبر “شارع الرشيد” على طول الشاطئ الغربي للقطاع، بما يعنيه ذلك من انكشافنا أمام قذائف البوارج الحربية الإسرائيلية الرابضة قبالتنا التي لا تتوقف عن القصف.. ولا يقتصر الأمر على بوارج الاحتلال، بل يُضاف إليها خطر وجود الدبابات الإسرائيلية في وسط مدينة خان يونس، لكن رغم كل ذلك كان لا بد من المخاطرة والخروج من المخيّم، حيث شقّت آليتنا طريقها بما تبقى فيها من وقود، لم يكن متوفّراً أصلاً في قطاع غزّة بسبب استمرار إغلاق المعابر.. أخيراً، وبعد رحلة شاقة قطعنا خلالها نحو 25 كيلومتراً من مخيّم النصيرات حتى مدينة رفح، بدأت رحلة البحث عن خيمة تأوينا في ظل الطقس العاصف والممطر، وبرودة الأجواء التي تنخر العظام.

     لكن فشلت كل جهودنا في الحصول على خيمة، فجهزّنا بيتاً من البلاستيك وبعض الأقمشة، بعد جهود ومعاناة كبيرة لتأمين الخشب، لكن حصّلنا البلاستيك وبعض الأقمشة، خاصة أنّ المدينة تؤوي نحو 1.4 مليون نازح، وجميعهم منهمكون في الحصول على مأوى لأطفالهم..

     هنا بدأت رحلتنا مع المصير المجهول.. لجوء، معاناة، أمل ضائع، لا ماء ولا كهرباء، نعيش استعادة لنكبة كل الفلسطينيين، بل فصول نكبة جديدة أكثر ألماً، عمّا عاشه الأجداد يوم نكبة 1948.. حلم العودة إلى الوطن أصبح حلماً بخيمة على أنقاض أرض مسلوبة… ومعها تبقى فصول المعاناة تحت سطوة الاحتلال الإسرائيلي مستمرّة”.

    ولا أخفيكم قولًا كمْ تأثرت كثيرًا بتلك التفاصيل المريعة التي لا يتخيلها إلا من مر بها، أو ينقلها إليك إنسان تعرفه. فقد عرفت الأستاذة مها عواودة منذ عام عندما أجرت معي لقاءا لصحيفة البلاد السعودية حينما كانت تعمل معهم قبل عودتها لغزة بعنوان «المكفوفون.. تجارب ثرية دعمتها لغة برايل» نشر في (11/06/1444هـ – 03/01/2023م) بمناسبة اليوم العالمي للغة برايل، وبعدها أصبحنا نتبادل المقالات والمنشورات الصحفية.

    فأدعو الله لزميلتنا الإعلامية مها وأسرتها النجاة والسلامة ولسائر أهالي القطاع خصوصًا الإعلاميين الذين يواجهون الاستهداف مباشرة أثناء تغطياتهم الميدانية

    فالمتابع لأحداث غزة سيلحظ كم الإعلاميين والصحفيين الذين كانوا ضحية هذه الحرب، فوفق إعلان المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إن عدد القتلى من الصحفيين ارتفع إلى أكثر من 106 منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع.

    وقالت لجنة حماية الصحفيين الدولية، ومقرها الولايات المتحدة، إن الأسابيع العشرة الأولى من الحرب الإسرائيلية على غزة كانت الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة للصحفيين، إذ سُجل مقتل أكبر عدد من الصحفيين خلال عام واحد وفي مكان واحد. وعبرت اللجنة عن قلقها البالغ إزاء وجود نمط واضح للقصف الإسرائيلي يستهدف الصحفيين وأسرهم.

    وقد تابعت شخصيًا تغطية قناة الجزيرة لحادثة استهداف عائلة الإعلامي وائل الدحدوح الذي استشهد معظم أفراد عائلته، ولاحقًا نجاته عندما استهدف مع المصور والمنتج الإخباري لقناة الجزيرة «سامر أبو دقة» الذي استشهد في القصف، وكذلك اغتيال ابنه «حمزة وائل الدحدوح» الذي كان يعمل أيضا مراسلًا لقناة الجزيرة.

    وأختم دردشتي هذه بأبيات من قصيدة «من الخيام» للأديب طاهر زمخشري -رحمه الله- الذي وصف فيها حال الفلسطينيين في أعقاب النكبة والنكسة.

    الجوعُ يصرُخ فــي البطـونْ        والجَرح ينــزف في العيــونْ

    واليتــم حاضَنــــــه البنـــــونْ          والبؤس يقتحم الحصــــونْ

    والناس تُشـــوى فــي أتونْ          وبكـــــــل أرض لاجئــــــونْ

    فالطفل يصرُخ أين أمي..؟!      والأم تهتــــــــــــف يا لَهَميِّ

    ***

    فوق الدروبِ ، وفي الصحارى ، في مغاراتِ السفوحْ

    ثَكلــــــــى يمزِّقهــــــا المخــــاض ، ولا تَئِنُّ ولا تبـــــــوحْ

    وبكفهـا طفــــلٌ رضيــــــــعٌ ، والثُّديُّ بهـــــــا قُـــــــروح

    يبغــي الغِــــذاء ولا غـذاءَ ســـــوى نَفَـــــايات الجـــروح

    وأمامهــــا الصبيـــــــــانُ ضَمَتْ من هياكلهم ضُـروح

    أغوارُه شُعــــــــل اللهيب ونَفْـثُ هاجــــرهٍ تنــــــــوح

    ***

    لــــم يبـق من زادٍ يُقـــــــات به الأرامــــــل والعــــــيال

    وهــمُ عُــــراةٌ يزحفـــــــون من التوجُّــــــع والكَـــــــلال

    أجسادهم قِطَـــعٌ لأشــــــلاء تفيــــض بهـــا الرمــال

    وعلى شفاههُم اصفــرارُ المـــوت خلَّفــــه السُّــلال

    ويتمتمون بِبَحَّةِ المخنــــوق يأمــــل فـــــــي النــــــوال

    ***

    حتـــى المـــروجُ الخضر أجدبَ عُشبُها الزاهي النظيرْ

    وتواثبتْ فيهــــا الأفاعـــــي الزاحفــــاتُ مع الهجيـــر

    والأُفعوان الفحـــل فـــي شَدِقَيْه زَمْجَـــرةُ السعيــر

    فتراكض الرعيــــانُ عن مرعَـــى المواشي ، والغــدير

    وتسابقـــــوا والغانيـــــــاتُ لحيثُ يلقـــون المصـــــير

    حيث الخيـــــــــامُ الباليــــــــــاتُ وللبــــــــــلاء بها هــدير

    ***

    وَرصـــــاصُ أفَّاكين يهطـــل فوق أدمغةِ العـــذارَى

    قــد أطلقــــــوا بالغــــــــدر وَابِلَـــــه، وظنُّـــــوه انتصارا

    لم ينسفـــــــــوا بأتونــــــــه إلا الحرَائِـــــر والصغـــــــــارا

    والكهـــــــلَ تحملــــه عصـــاه وقد تقوَّس حين سارا

    والمرضعـــــاتِ الآمنـــــاتِ مــــع العشيِّ لَـــزِمْنَ دارا

    Share
  • التقرير الأسبوعي 107 لأعلى 10 مشاهدة

    التقرير الأسبوعي 107 لأعلى 10 مشاهدة
    Share

    أصدقائي القراء يسرني مشاركتكم التقرير الأسبوعي 107 لأعلى عشرة مواضيع مشاهدة على موقعي الإلكتروني والذي أظهر أن جديد مقالاتي «15 عامًا في إبصار – ح(3)» قد حقق أعلى مشاهدة. وعلقت عليه القارئة نجاة المرزوقي بقولها “حلم عظيم وجهود مشكورة.. بارك الله فيكم وفي كل يد خيرة تعمل للنفع والتحسين”.
    تلاه مقال «خفايا وأسرار “أهيم بروحي” للزمخشري» في المركز الثاني للأسبوع الثاني على التوالي. ثم مقال «يا أعذب الحب.. إكليلُ وفاء من محمد عبده والكدرس لمسيرتهم مع الزمخشري» في المركز الثالث.
    وفيما يلي ترتيب الأعلى 10 مواضيع مشاهدة:
    1- 15 عامًا في إبصار – ح(3)
    عدد المشاهدات: 89 مشاهدة
    https://mohammedbellow.com/am10

    2- خفايا وأسرار “أهيم بروحي” للزمخشري
    عدد المشاهدات: 31 مشاهدة
    https://mohammedbellow.com/fwdb

    3- يا أعذب الحب.. إكليلُ وفاء من محمد عبده والكدرس لمسيرتهم مع الزمخشري
    عدد المشاهدات: 24 مشاهدة
    https://mohammedbellow.com/sd3i

    4- أبكي وأضحك الابيات الأكثر انتشاراً لطاهر زمخشري في عصرنا
    عدد المشاهدات: 12 مشاهدة
    https://mohammedbellow.com/7o9b

    5- الاحتواء المثالي
    عدد المشاهدات: 12 مشاهدة
    https://mohammedbellow.com/da5r

    6- التقرير الأسبوعي 105 لأعلى 10 مشاهدة
    عدد المشاهدات: 10 مشاهدات
    https://mohammedbellow.com/el39

    7- جيب القول على الرايق تحفه فنية رياضية كتبها الزمخشري لنادي الوحدة وغنتها هيام يونس لجماهير الكرة العربية
    عدد المشاهدات: 10 مشاهدات
    https://mohammedbellow.com/3us8

    8- المروتين بين المعلومة المغلوطة والصواب
    عدد المشاهدات: 8 مشاهدات
    https://mohammedbellow.com/d19k

    9- فارس يستحق أن يعيش و«أنا لستُ في الجنة»..
    عدد المشاهدات: 8 مشاهدات
    https://mohammedbellow.com/3fpm

    10- مجلة اليمامة: بالتزامن مع مسابقة «بابا طاهر» لأدب الأطفال.. بلو يحيي سيرة جده «طاهر زمخشري» بإصدار كتاب جديد
    عدد المشاهدات: 8 مشاهدات
    https://mohammedbellow.com/j62w

    ويسرني تلقي اقتراحاتكم وتعليقاتكم في خانة التعليقات أو على حساباتي الالكترونية.
    https://twitter.com/MTBellow
    https://www.facebook.com/MTBellow

    Share
عدد المشاهدات 1٬034
Share