-
وقفة مع الوتر المبصر في اليوم العالمي للمرأة
احتفلت المملكة العربية السعودية مع سائر دول العالم باليوم العالمي للمرأة 2020 تحت شعار “أنا جيل المساواة: إعمال حقوق المرأة” وهو اليوم الذي تعلنه الأمم المتحدة في الثامن من مارس من كل عام منذ العام 1977م للدلالة على الاحترام العام، وتقدير وحب المرأة لإنجازاتها الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية.
ويصادف احتفال هذا العام الذكرى السنوية الـ 25 لإعلان ومنهاج عمل بيجين الذي يعد خارطة الطريق الأكثر تقدمية فيما يتصل بتمكين المرأة والفتاة في كل أنحاء العالم، كما يتماشى مع الحملة متعددة الأجيال لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، المسماة “جيل المساواة”.
وبحكم اهتماماتي بالعوق البصري والمعوقين توقفت لاستطلاع ما وصل إليه مستوى مساواة ذوات الإعاقة البصرية بأقرانهن من المبصرات أصحاب الإنجازات، فلاحظت غياب ذكر أو توثيق أي إنجازات تاريخية للكفيفات عبر العصور إلى وقتنا الحاضر باستثناء بعض التراجم المختصرة للصحابية أسماء بنت أبي بكر الصديق أم الصحابي الجليل عبد الله ابن الزبير رضي الله عنهما التي فقدت بصرها في اواخر عمرها وكانت من رواة الحديث وفقهاء الصحابة. بالإضافة الى الصحابية الشاعرة تماضر بنت عمرو بن الحرث الشهيرة بالخنساء التي فقدت بصرها حزنا على أخويها وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقربها منه ويستنشدها فكانت تنشده فيعحب بشعرها ويستزيدها قائلا «هيه يا خناس»، وزنيرة الرومية التي كانت من السابقات إلى الإسلام، وفقدت بصرها من شدة تعذيب المشركين لها الذين عيروها بذلك وشاء الله أن تستعيد بصرها.
وفي عصرنا الحاضر لم يوثق التاريخ إنجازات عالمية للكفيفات باستثناء «هيلين كيلر» الكفيفة الصماء الملقبة بـ «معجزة الإنسانية» نظير إنجازاتها ونشاطاتها الأكاديمية والإنسانية والسياسية منها عضويتها في الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، الحزب الوطني للمرأة، الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، وعمال الصناعة في العالم، ونيالها عدة أوسمة من عدد من رؤساء العالم منها وسام الحرية الرئاسي من الرئيس ليندون جونسون في عام 1934م، والرئيس جون كيندي عام 1964م، ووسام استحقاق الجمهورية الإيطالية، ونالت شهادة الدكتوراة الفخرية من عدة جامعات عالمية عريقة أشهرها هارفرد، ومن مؤلفاتها «العالم الذي أعيش فيه»، «الخروج من الظلام»، «هيلن كيلر في اسكتلندا»، «أضواء في ظلامي»، «قصة حياتي».
وعلى المستوى المحلي والإقليمي الفنانة «ابتسام لطفي» التي استطاعت أن تتخطى كل الحواجز التي أحاطت بالمرأة بصفة عامة والكفيفة بصفة خاصة وتبرز منذ مرحلة مبكرة وتحقق إنجازات وطنية لافتة فهي أول فنانة سعودية رُخص لها الغناء في الإذاعة السعودية بأمر من الملك فيصل رحمه الله، وأول صوت نسائي سعودي يبرز خارج الحدود والفنانة السعودية الوحيدة التي كرمها الرئيس الراحل محمد أنور السادات عام 1974م وغنت في حضرته في احتفالات ذكرى انتصار حرب أكتوبر، ولاحقاً كرمها الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة بقصر قرطاج عقب إحيائها 5 حفلات بدعوة من السيدة وسيلة بورقيبة وتبرعها بريعها للاتحاد القومي للمكفوفين في تونس، وحظيت برعاية أبوية خاصة من الأديب طاهر عبد الرحمن زمخشري الذي تبناها وقدمها لعالم الفن ولقبها بـ «عاشقة الأدب». بعد أن اكتشفها الفنان الراحل طلال مداح، وأتقنت النوتة الموسيقية والعزف على آلة العود والغناء بجميع أنواعه بالإضافة الى النقد الأدبي وكتابة الشعر، وكتب لها الشاعر المصري الكبير أحمد رامي أغنية (وداع)، (بعد الحبيب)، (لوعه)، ولجمال صوتها لقبها بـ «كوكب الجزيرة»، ولحن لها كبار الملحنين العرب منهم رياض السنباطي، أحمد صدقي، محمد الموجي، عمر كدرس، سراج عمر، سامي إحسان بالإضافة إلى عدد من الملحنين من الكويت وتونس.
وبالعودة إلى مناسبة اليوم العالمي للمرأة 2020م أدعو المعنيين بشؤون وحقوق المرأة في مجتمعاتنا إلى توثيق تجاربهن ومنجزاتهن أسوة بأقرانهن المبصرات وإنني على يقين أن هناك العديد منهن لهن إنجازات تستحق الإشادة والتوثيق لو أعطين حقهن في “المساواة”.
ولعلي أُذكر هيئة الموسيقى السعودية بأهمية توثيق تجربة الفنانة ابتسام لطفي ومنجزاتها الفنية لارتباطها بتاريخ حركة تطور الموسيقى والغناء في بلادنا.
واختم دردشتي هذه بأبيات من قصيدة الوتر المبصر للأديب الراحل طاهر زمخشري التي مهرها بقوله “إلى الفنانة الموهوبة الآنسة ابتسام لطفي التي تمثل الفنان العربي المسلم بكل جدارة وذلك بمناسبة سفرها إلى الكويت الشقيق لأول مرة”:
سافري في وديعة الرحمن *** واحملي النور مِعزفاً للأغاني
واذكري أنها الأصالة فينا *** تتسامـــى بالمبــدع الفينــانِ
فعلى مائج الأثير سنصغي*** لارتعاشات صوتك الرنـــــانِ
كلها للهوى العفيف تُغنــى*** ومزاميرها، ابتسام الزمـــانِ
-
سمير الوادي والزمخشري، ودعوة لتكريم رواد الفن
نشر هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 2020/03/02م
تعقيباً على مقالي بعنوان «نجوى مؤمنة ورسالة وفاء…» المنشور في 06/01/2020م أكرمتني الأستاذة نجوى برسالة أدبية جاء فيها «أخي العزيز الكاتب المبدع وقاهر الظلام ولم يخطئ من أطلق عليك هذا المسمى لأننا في هذه الحياة نشاهد مبصرين يقهرهم الظلام. حفظك الله ورعاك شكراً للدردشة التي خصصتها لي مع شاعرنا العظيم والذي لن يتكرر “بابا طاهر” رحمه الله واسكنه جنة الفردوس الأعلى.
بالنسبة للدفتر الأخضر حضر إلي بابا طاهر ومعه الإعلامي والشاعر والفنان العظيم مطلق الذيابي رحمه الله وقال لي بابا طاهر: يا ابنتي ويا قيثارتي الغالية لي طلب عندك، ممكن تقومين به؟ قلت طبعا يا بابا.. هنا قال لي الاستاذ مطلق تعرفين أختي نجوى أن بابا طاهر عاشق لتونس الخضراء وسيذهب بعد يومين إليها يريد أن يحمل شعره بصوتك الرائع الجميل على شريط كاسيت. هنا ناولني الأستاذ طاهر دفتراً أخضر قائلا. “هذه القصائد أريدك أن تسجليها اليوم والآن إذا تكرمت”. وكان بابا طاهر لطيفا رائعا ومحدثاً لبقاً يأسرك بكلامه فتلبي طلبه دون تردد ونظراً للمكانة الكبيرة التي أحملها له والحب الأبوي الذي كان يشعرنا به قلت “حاضر يا بابا”.
اخذت الدفتر تصفحت القصائد بخط يده، وأنا أعرف خطه الجميل من خلال معايشتي مع شعره لسنوات في «روضه المساء» ودخلت للإستديو وهو والاخ مطلق بقيا في الكونترول لمراقبة التسجيل ومعهم مهندس الصوت. سجلت الدفتر كاملا فاخذ الشريط الريل الإذاعي. لينقله الى كاسيت خارج الاذاعة. شكرني هو والاخ مطلق رحمهما الله واسكنهما جنة النعيم وبقي الدفتر الأخضر في حوزتي.. ذكريات لا تنسى. كان يُطلق علي: النجوى الهامسة، والقيثارة».
لقد ذكرتني هذه الرسالة بالعلاقة الوطيدة التي ربطت بين جدي الأديب طاهر عبد الرحمن زمخشري والفنان والإعلامي المبدع «مطلق بن مخلد الذيابي المعروف بـ سمير الوادي» – رحمهما الله – الذي التقيت به في صغري عدة مرات خلال زياراته لـ «بابا طاهر» في منزلنا، ووعيت على العديد من أعماله الفنية والأدبية.
ولمن لم يعرفه أو يسمع به! أنه من رواد الفن السعودي والمؤسسين الذين وضعوا اللبنة الأولى له وشكلوا قالبه، وتركوا بصمتهم فيه. فهو ملحن ومطرب وأديب وشاعر وكاتب وإعلامي سعودي ولد بعمّان بالأردن عام 1346هـ، وأنتقل مع أسرته إلى مكة المكرمة عام 1373هـ. تعلم العزف على آلتي العود والكمان وأتقنهما، وتمتع بصوت جميل في الغناء والالقاء فقدم الكثير من البرامج الناجحة للإذاعة والتلفزيون السعودي منها «من البادية، ثمرات الأوراق، والحان من الجزيرة العربية»، أشاد به العديد من الأدباء والموسيقيين العرب مثل الشيخ علي الطنطاوي، أبو تراب الظاهري، والموسيقار محمد عبد الوهاب، وشدا العديد من نجوم وعمالقة الفن العربي بكلماته وألحانه، اعتبره الأديب طاهر زمخشري “إنه من فرسان الاغنية السعودية الذين نقلوا الاغنية السعودية إلى خارج الحدود، إذ غنى له وديع الصافي، وسعد عبد الوهاب، وطلال مداح، وهيام يونس، وعايدة بوخريص ومصطفى كريدية، ورمزي عاطف، وخالد مدني، وسعاد محمد، وسميح لطفي، ومحرم فؤاد، وعبد الله السلوم، وفهد بلان، وإسماعيل خضر، ونجاح سلام، وشريفة فاضل، وابتسام لطفي، وفايدة كامل، وهاني شاكر، ومحمد قنديل. كما كانت أول أغنية يشدو بها محمد عبده للإذاعة من ألحانه” .. توفي رحمه الله في يوم الجمعة من شهر صفر عام 1403هـ إثر نوبة قلبية وهو في الـ 60 من عمره.
ومادام الشيء بالشيء يذكر فقد تذكرت أيضاً رواد فن الموسيقى في بلادنا الذين غابوا عن ذاكرتنا وعلى رأسهم الموسيقار طارق عبد الحكيم، عمر كدرس، سراج عمر – رحمهم الله-، والموسيقار والشاعر غازي علي، والموسيقار جميل محمود، والمايسترو عبده مزيد، فكلهم أبدعوا وتميزوا بقدرتهم على الغناء، والعزف، والتأليف الموسيقي، والشعر، والكتابة، والإلقاء في آن واحد معاً، ولفترة طويلة افتقر عالم الموسيقى والفن السعودي لأمثالهم، ولعل ذلك يكون بسبب غياب إسهامات الأدباء في الفن، والتعليم الموسيقى، وتنمية وتطوير المواهب التي لعب معهد الجيش العربي السعودي للموسيقى بالطائف في خمسينيات القرن الماضي دوراً كبير في ذلك.
وبما أننا نعيش عصراً جديداً مع عالم الفن والموسيقى باستحداث وزارة الثقافة التي بدورها أسست هيئة للموسيقى فإنني أدعو الهيئة أن تضع ضمن أولويات برامجها توثيق تاريخ الموسيقي في بلادنا والعناية بتدوين السير الذاتية لرواد الفن السعودي ونقل خبراتهم وتجاربهم للجيل الصاعد من الفنانين والموسيقيين الموهوبين للسير على نهجهم وخطاهم.
وبالعودة إلى العلاقة التي ربطت بابا طاهر زمخشري بـ «سمير الوادي» – رحمهما الله – فإنني أختم دردشتي بما مهره الأديب طاهر زمخشري في قصيدته «سمير الوادي»:
“إلى الشاعر الموهوب الموسيقار مطلق الذيابي الوفاء المجسد في الصوت المغرد بالحب الذي غرسته الأيام في قلبينا فأنبت صداقة أعتز بها”:
يَا سَمِيرَ الْهَوَى نَدَاكَ نَغُومُ *** مِزْهَرِيٌّ، عطاؤه التَّرْنيِـــمُ
وَبِأَفْكَارِكَ الشَّوَارِدُ تَجْـرِي *** وهيَ فَيْضُ نوالهُ تَكْريــــمُ
بلسانٍ يُرَقْرِقُ القَوْلَ شَدْواً *** «وَكمانٍ» به تَشَافَتْ كُلُوم
كم لأنْغَامِه استَعَدْنا فَذُبْنَـا *** بِهَوى جدَّ وهو فِينَا قَدِيـــــم
أنْتَ حَرَّكْتَه فمــا أنْتَ إِلاَّ *** جَذْوَةٌ، واللَّهِيبُ فيها نَعيـــم
رابط المقال على صحيفة غرب الإخبارية
-
«مئة تحت الصفر» كتاب جديد لأصحاب الرؤية والطموحات لبناء الوطن
نشر هذا المقال في صحيفة غرب الإخبارية بتاريخ 2020/02/26م
رجل الأعمال عمّار أحمد شطا تحولاته ودروسه وعن مستقبل الأجيال
صدر مؤخراً عن دار توثيق للنشر والتوزيع كتاب «مئة تحت الصفر عمار أحمد شطا تحولاته ودروسه وعن مستقبل الأجيال». في طبعة حديثة فاخرة من المقاس المتوسط في 366 صفحة.
وهو عبارة عن مذكرات شخصية لرجل الأعمال عمّار أحمد صالح شطا المؤسس والعضو المنتدب لشركة الخبير المالية، ومؤسس شركة «دار المراجعة الشرعية»، مستشار مالي معتمد (CFA)، عضو المجلس الاستشاري لمعهد الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، ورئيس اللجنة الاستشارية الدائمة للهيئة العامة للأوقاف، ومحكم مالي معتمد من قبل وزارة العدل السعودية. وقصة نجاحه في تأسيس شركته «الخبير المالية» التي أصبحت في أوائل عام 2008م شركة مرخصة من هيئة السوق المالية السعودية، وإحدى أبرز الشركات المتخصصة في الاستثمارات البديلة برأس مال 260 مليون دولار أمريكي، وبأصول تحت الإدارة تجاوزت 1,2 مليار دولار أمريكي (كما في نهاية العام 2018م)، روى من خلاله مذكراته الشخصية بأسلوب أدبي مشوق بجمل ومفردات سهلة وبسيطة.
يقول مؤلف الكتاب الأستاذ أحمد حسن مُشرف في مقدمته «إن كثيراً من رجال الأعمال الناجحين في الغرب قد وثقوا تجاربهم، ويجب أن يضيف عمّار اسمه ليكون أحدهم في عالمنا العربي الذي يفتقر للكثير من السير الذاتية للناجحين ولرجال الأعمال…، … وجدت تجربة أبي محمد شيقة لعدة أسباب، أهمها معاصرته لأكثر من جيل بشكل منفرد وهو صغير السن نسبياً. فكانت طفولته فترة السبعينات ومراهقته في الثمانينات والتي قد صاحبت الكثير من التغيرات الاجتماعية والأيدولوجية والسياسية. وشهدت فترة التسعينات شغله لوظائف عدة ساهمت في بناء شخصيته العملية بشكلها الحالي. إضافة لبعض المحاولات لبناء أعمال خاصة وشركات صغيرة، لينتهي أخيراً مع الألفية الجديدة في بناء شركة «الخبير المالية» والتي عرّفت الناس عليه، خصوصاً المجتمع الحجازي بشكل أكبر…، …وها أنا اليوم أحاول بكل جدية أن أتقبل تجربة تستحق أن يتعرف عليها الشباب، سواء كانوا رواد أعمال، أو طلاب، أو إداريين، أو سياسيين، أو أفراد طموحين يسعون إلى بناء مستقبلهم».
وقد اعتمد المؤلف في الكتاب أسلوب الحوار الصحفي بطرح أسئلة متسلسلة مبنية على المعلومات الشخصية عن صاحب المذكرات عمّار شطا ومن خلال الإجابات كان يتفرع إلى أسئلة أخرى تثري الإجابات السابقة، وتتيح لعمّار طرح آراءه وأفكاره حسب ما يتذكر دون العناية بالتسلسل الزمني، وقد اضفت عفوية وجراءة الإجابات أحياناً متعة إضافية على الكتاب، وهذه سمة من سمات فن كاتبة «المذكرات الشخصية».ويقول المؤلف «أكبر تحدّ قد يواجه السير الذاتية التي يكتبها أصحابها عن أنفسهم، في نظري، أن نسبة الموضوعية قد تقل بشكل كبير. فعندما يكتب الكاتب عن نفسه، قد لا يستطيع تقدير الأمور بأعين القارئ، وقد لا يصل صاحب السيرة إلى ما يحتاج أن يقرأه الآخرون بالفعل. وربما يتأثر عاطفيا في بعض الحالات عندما يصل إلى جزء من أجزاء الكتاب ليتحدث عن تجربة حساسة قد تقوده إلى المبالغة في الوصف أو السرد، أو إثبات موقفه الهجومي أو الدفاعي أمام الآخرين، أو ربما توثيق أمراً لا يعي أن أهميته للآخرين ليست كأهميته لنفسه».
وقد نجح المؤلف بهذا الأسلوب في استخلاص الجوانب المهمة في حياة صاحب المذكرات بأعلى درجة من الأمانة والواقعية إذ بدء عمار مذكراته بقوله «إن الله جلَّ جلالُه يعلم قصة حياتك، فتأدب حين ترويها» وأضاف «أريد أن يعلم الناس، أو الشباب على وجه الخصوص، أن الانسان لا يملك مفاتيح هذه الحياة كما يعتقدون، بل يمرون في تحولات تبدو مأساوية في بادئ الأمر، لكنها قد تغير مجرى حياتهم إلى الأفضل…، … أريد أن اتحدث عن التحولات التي حدثت في حياتي، كيف كنت وكيف أصبحت بعد ما مررت بها، وأن ألفت نظر الآخرين نحوها، فلكل تحول أو قرار رسالة مبطنة، ولعلي بعد تجربة التوثيق هذه أساعد أحدهم في فهمها».
وما أعطى الكتاب زخماً ومكانة علمية هو إنه قُدم من شخصيتين متميزتين في مجال الاقتصاد والمال والأعمال علمياً وعملياً وهما أ.د حسين بن محمد علي العلوي «عضو مجلس الشورى وعميد جامعة الأعمال والتكنولوجيا سابقا». الذي قال ” فالأيام القادمة لا مكان فيها إلا لمن هو صاحب رؤية، قادر على تحديد أهدافه وطموحاته، ووضع الخطط لتنفيذها، إسهاماً منه في تنمية هذا الوطن”.، فهو كتاب سيرة ذاتية “لأحد كبار العصاميين من أبناء مكة المكرمة السيد عمّار أحمد شطا”. والخبير والكاتب الاقتصادي الدكتور مقبل صالح أحمد الذكير «استاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز»، الذي خلص إلى أن الكتاب يصلح أن يقرر على طلاب وطالبات كليات الاقتصاد والإدارة والمالية كمصدر من مصادر القراءات التطبيقية الحرة، ليس في بلادنا فقط بل في أي مكان في العالم فهو شخصية استثنائية بكل المقاييس تعرف كيف تتخذ قراراتها في كل المواقف.
وقد وزع محتوى الكتاب على 4 أجزاء تضمنت 26 فصلاً متسلسلاً، تناول الجزء الأول لمحة مختصرة عن طفولة ونشأة عمار ومسيرته التعليمية وما واكبها من أحداث ووجهة نظره حولها بواقعية، والجزء الثاني الحياة العملية والتجارب التي مر بها خلالها، والجزء الثالث تأسيس شركة الخبير المالية، الجزء الرابع قناعاته في الحياة والعمل.
وكان من أهم ما ركز عليه المؤلف مسيرة عمار العملية في عالم المال والأعمال بدء من عمله في البنك الإسلامي للتنمية وصولاً لتأسيسه شركة الخبير المالية، مع التوقف عند أهم القرارات المصيرية التي صنعت التحول في حياة عمّار العملية مثل تغيير التخصص الأكاديمي في دراسة الماجستير من الهندسة الكهربائية إلى التخطيط الاقتصادي، والتحول من العمل الوظيفي إلى الحر، والتخلي عن منصب الرئيس التنفيذي لشركة الخبير إلى عضو منتدب، مع تقديم مرئياته ووجهات نظره الشخصية حيال ذلك، وطرح أرائه الفكرية حول الجوانب الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، التربوية، وقوانين العمل، والقيم والمبادئ الأخلاقية التي استمد منها فكره وفلسفته في العمل على سبيل المثال تطرقه لـ ظروف وأنظمة تشغيل غير السعوديين والمؤثرات على استقطاب الكوادر المهنية بسبب نمط الحياة، عدم فتح باب الهجرة للمملكة بغرض العمل أو العيش وأثر ذلك على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والأمن القومي، الأعراف الاجتماعية وعادات وتقاليد الزواج والأنظمة والقوانين المرتبطة بشروط الزواج من الخارج، أهمية إدارة الثروات، القومية العربية والتيارات الإسلامية الفكرية المعاصرة ورأيه في العلمانية وإيمانه بحرية المعتقد، ولعله قصد بذلك مدنية الدولة حيث أن اتجاهات عمّار الفكرية تدل على تأثره وتمسكه بالثقافة الدينية في عامة مسيرته العملية وعلاقاته التجارية والاجتماعية، ويظهر ذلك جلياً باستشهاداته بالآيات القرآنية في الكثير من المواضع، التطرق إلى العديد من الشخصيات الهامة والأصدقاء الذين تأثر بهم في حياته وظروف تعرفه عليهم وصفاتهم وأهم مزاياهم والقيمة المعنوية والإنسانية التي أضافوها إليه منهم معالي الدكتور أحمد محمد علي (رئيس البنك الإسلامي للتنمية سابقاً)، الشيخ وهيب بن زقر رحمه الله أحد كبار المساهمين في بدايات تأسيس الخبير، عبد الرؤوف مناع (الرئيس التنفيذي لشركة صافولا سابقاً)، الأستاذ عبد الله باحمدان (رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي سابقاً)، الأستاذ أحمد غوث (الرئيس التنفيذي لشركة الخبير المالية)، ياسر دهلوي وغيرهم.
كما أتاح المؤلف الفرصة لعمار باسترجاع بعض الذكريات والأحداث الهامة، والتعريج على المواقف الصعبة والقاسية أحياناً التي تعرض لها في الحياة العملية نتيجة التمسك بالقيم والمبادئ بمعزل عن العواطف والمجاملات، مع توجيه النقد الذاتي وفق منظوره الشخصي، وكيفية تجاوزه تلك المواقف مثل قصة استقالته من البنك الأهلي، قضيته مع جمعية البر، ظروف تأسيس شركة الخبير المالية، إخراج ابنه محمد من المدرسة، وغير ذلك الكثير من القصص والذكريات دون العناية بمكان تسلسلها الزمني في الكتاب. مع ملاحظة أنه لم يتم تسليط الضوء على تأسيس عمار لشركة دار المراجعة الشرعية، وعضويته في المجلس الاستشاري لمعهد الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، ورئاسته للجنة الاستشارية الدائمة للهيئة العامة للأوقاف التي وردت في التعريف بصاحب المذكرات، ومما يلاحظ أيضاً أن المؤلف لم يبرز بما يكفي العواطف والمشاعر الإنسانية التي واكبت مسيرة حياة عمار منذ ولادته وحتى تحقيقه النجاح، مثل دور المؤثرين من الأسرة كالوالدة حيث توفي والده وهو في التاسعة من عمره ومن المؤكد أن والدته كان لها دور كبير في تربيته وتنشئته وتعليمه لذلك نجد ردة فعلها العاطفية حينما استقال من البنك، كذلك الدور الذي لعبته زوجته «أم محمد السيدة إلهام أحمد دحلان» في صناعة الاستقرار الأسري من خلال تربية ورعاية الأبناء وصولاً إلى تحقيق إنجازاتهم العلمية والاجتماعية في الوقت الذي استلزمت ظروف عمله التغيب عن المنزل لفترات طويلة لطول ساعات العمل أو السفر.
كما طرح المؤلف أسئلة مغلقة الإجابة أحياناً مثل «هل» في الوقت الذي كان يستلزم أسئلة مفتوحة الإجابة مثل كيف؟ أين؟ لماذا..، وأحياناً يطرح أسئلة مسترسلة مبنية على معلوماته الشخصية عن عمار دون تمهيد مسبق لها فيفاجئ القارئ بموضوعها، ولم يطرح أسئلة عن الشخصيات من العلماء والمفكرين والفلاسفة الذين تأثر بهم عمار فكرياً وما طبقه من أفكارهم في حياته الاجتماعية والعملية، سيما وأن عمار بدى في أطروحاته كمفكر وفيلسوف اجتماعي إلى جانب أنه اقتصادي، كما ذكر المؤلف العديد من المناسبات والأحداث الهامة التي كان لها تأثير محوري في المسيرة الاجتماعية والعملية لعمار غير أنها لم توثق بتواريخها الميلادية والهجرية والبعض دون أي تاريخ على الإطلاق رغم ما يمثله ذلك من أهمية للتوثيق التاريخي مثل تقييم البنك الإسلامي للتنمية، الزواج، ميلاد الأبناء…الخ، وعدم وجود عناوين فرعية للمعلومات والخبرات والأطروحات الهامة التي وردت في إجابات عمار مما سيصعب على القارئ الرجوع إليها عند الحاجة.
وبصفة عامة وفق المؤلف في تقديم عمار كخبير ومستشار مالي بامتياز يستطيع أن يستشرق المستقبل بكفاءة ويضع اطروحات وأفكار لأجيال المستقبل، ونقل تجربة نجاحه في عالم المال والأعمال للآخرين.
رابط المقال على صحيفة غرب الإخبارية
-
دردشة الصومعة.. مع «مئة تحت الصفر والخبير»
بدعوة كريمة من الأخ الصديق العضو المنتدب لشركة الخبير المالية الأستاذ عمّار أحمد شطا تشرفت بزيارته في منزله، حيث كانت أخر مرة التقينا فيها صدفة قبل 15 عاماً في بهو فندق الحياة على ضفاف النيل بالقاهرة في العام 2005م، وكان كلا منا في بدايات انطلاقة جديدة.
تخلل الزيارة استرجاع ذكريات 40 عاماً منذ تعارفنا في مدينة برايتن ببريطانيا في العام 1979م وزياراتي له في لوس انجلس بالولايات المتحدة الأمريكية في الثمانينيات أثناء دراسته الجامعية، كما تبادلنا الأحاديث العملية والأدبية وأهديته نسخ من مؤلفاتي فحدثني عن كتاب أُلف عنه بعنوان «مئة تحت الصفر – عمّار أحمد شطا تحولاته ودروسه وعن مستقبل الأجيال» وأهداني نسخة منه وطلب مني قراءته بعناية وابداء رأيي حوله.
طالعت الكتاب وأسعدني كثيراً أن من كتبه هو الأستاذ أحمد حسن مُشرف الذي كان قد حدثني منذ سنوات بحلمه في إطلاق مشروع توثيق خبرات رجال الأعمال الناجحين في المجتمع بدء بالأستاذ عمّار شطا، وأن من قدم للكتاب شخصيتان بارزتان ومتميزتان في المجال الأكاديمي والعملي المرتبط بالاقتصاد والمال والأعمال وهما البروفسور حسين بن محمد علي العلوي «عضو مجلس الشورى وعميد جامعة الأعمال والتكنولوجيا سابقاً». الذي قال في معرض تقديمه للكتاب “..الأيام القادمة لا مكان فيها إلا لمن هو صاحب رؤية، قادر على تحديد أهدافه وطموحاته، ووضع الخطط لتنفيذها، إسهاماً منه في تنمية هذا الوطن”.، وهو سيرة ذاتية “لأحد كبار العصاميين من أبناء مكة المكرمة السيد عمار أحمد شطا”.، كذلك الخبير والكاتب الاقتصادي الدكتور مقبل صالح أحمد الذكير «استاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز بجدة»، الذي خلص إلى أن الكتاب يصلح أن يقرر على طلاب وطالبات كليات الاقتصاد والإدارة والمالية كمصدر من مصادر القراءات التطبيقية الحرة، ليس في بلادنا فقط بل في أي مكان في العالم، فهو يخص شخصية استثنائية بكل المقاييس تعرف كيف تتخذ قراراتها في كل المواقف.
وبالفعل بعدما انتهيت من قراءته وجدت فيه تجربة نجاح رائدة ومتميزة لأخي عمّار تستحق الإشادة والاعجاب ليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى العالمي، فقد ذكر فيه أنه نشأ يتيم الأب وبعد حصوله على الشهادة الثانوية درس الهندسة الكهربائية بولاية كاليفورنيا بأمريكا وغير تخصصه في دراسة الماجستير بجامعة جنوب كاليفورنيا من الهندسة الكهربائية إلى التخطيط الاقتصادي، وعاد إلى المملكة بعد التخرج وتنقل في عدة وظائف بدء من البنك الإسلامي للتنمية انتهاء بالبنك الأهلي التجاري، وقرر ترك الوظيفة لصالح العمل الحر رغم معارضة والدته لذلك خوفاً على مستقبله العملي، لكنه أصر على خوض تلك المغامرة وأسس مكتب للاستشارات برأس مال 50,000 ريال. وبعد عدة أشهر من العمل وفق في الحصول على أول صفقة لوضع خطة تمويل لإحدى الشركات، جنى منها مبلغ 500,000 ريال، اشترى منها سيارة والباقي وسع به المكتب وحوله إلى شركة للاستشارات، وبمرور السنين نماها وطورها لتصبح في أوائل عام 2008م شركة مرخصة من هيئة السوق المالية السعودية برئاسته باسم «شركة الخبير المالية»، وإحدى أبرز الشركات المتخصصة في الاستثمارات البديلة برأس مال 260 مليون دولار أمريكي، وبأصول تحت الإدارة تجاوزت 1,2 مليار دولار أمريكي (كما في نهاية العام 2018م)، ثم تخلى عن منصبه كرئيس تنفيذي ليصبح عضواً منتدباً لها، كما أسس شركة «دار المراجعة الشرعية»، وأصبح مستشاراً مالياً معتمداً (CFA)، وعضواً في المجلس الاستشاري لمعهد الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، ورئيساً للجنة الاستشارية الدائمة للهيئة العامة للأوقاف، ومحكم مالي معتمد من قبل وزارة العدل السعودية.
كما تضمن الكتاب أطروحات وآراء عمار الفكرية حول الجوانب الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، التربوية، وقوانين العمل، والقيم والمبادئ الأخلاقية التي استمد منها فكره وفلسفته في العمل، ولم يخلوا الكتاب من سرد المآثر الإنسانية في حياته وبعض الذكريات الطريفة التي جمعتنا سوياً.
وحقيقة إن في الكتاب عبرة تنطلق من عنوانه الذي قال عمّار أنه اختاره للتعبير عن الصدمة التي وعى عليها وهو في الـ 9 من عمره وهي وفاة والده السيد أحمد صالح شطا رحمه الله (وزير التجارة في ستينيات القرن الماضي). وإدراكه لاحقاً أن والده الذي كان يملأ اسمه الآفاق مات وهو مديون بمبلغ 100 ألف ريال وهذه هي «المئة تحت الصفر» وكيف أن الله سبحانه وتعالى يهيئ للإنسان منعطفات يختار منها طريقة إما للنجاح أو الفشل.
وادعو كافة رجال الأعمال والرؤساء التنفيذيين وأعضاء مجالس إدارات الشركات والمؤسسات والجمعيات الأهلية والخيرية وأمنائها والإداريين وطلاب الجامعات وعامة المهتمين بعلوم الإدارة والمال والأعمال أن يقرؤوه فهو يستحق الاطلاع والقراءة، فلقد كان بمثابة إضافة قيمة لي خلصت منها بتحليل وتقييم مسيرة عملي الإدارية ونقد ذاتي للأخطاء الإدارية التي وقعت فيها إبان عملي أميناً عاماً لجمعية إبصار، وكيف قضينا الكثير من وقت عملنا في “الثرثرة” بالمبالغة في الكلام عما أنجزناه في الوقت الذي كان يجب أن يكون كلامنا نقطة في بحر من أعمالنا ومنجزاتنا. وأفضل ما أختم به دردشتي هذه أبيات من لامية الشيخ صلاح الدين بن أيبك الصفدي رحمه الله:
الجَدُّ في الجدِّ والحِرمانُ في الكَسَــلِ * * * فانصَبْ تُصِبْ عنْ قريبٍ غايةَ الأملِ
وإنْ أردتَ نَجاحـــــاً أو بـــلوغَ مُنىً * * * فاكتُــمْ أمـــورَكَ عن حـــافٍ ومُنتعــلِ
إنَّ الفتى من بماضي الحَزْمِ مُتَّصفٌ * * * وَمَـــا تعـــوّدَ نقـــصَ القــولِ والعمــلِ
وَلاَ يضيـــعُ ساعـــاتِ الزَّمـــانِ فلنْ * * * يعـــودَ مَــــا فــــاتَ مِنْ أيامــهِ الأولِ
-
الكوادر الإذاعية وذائقة المجتمع
احتفل العالم في 13 من فبراير الجاري باليوم العالمي للإذاعة الذي تعلنه الأمم المتحدة سنوياً بمناسبة ذكرى إِطلاق إِذاعتها عام 1946م
وبهذه المناسبة اتحفني الزميل الإعلامي الأستاذ عدنان صعيدي بمقطع صوتي تضمن كلمته التي اذيعت عبر منصة الأمم المتحدة واتحاد الاذاعات العربية وإذاعة صوت العرب من القاهرة صباح يوم الخميس الماضي بتلك المناسبة ومما جاء فيها:
«ليس بمستغرب أن يحتفل العالم بالإذاعة فيحدد يوماً لها كما هو الحال لكل ما هو عظيم من الاختراعات والأحداث والشخصيات، فالإذاعة هي سيدة وسائل الإعلام التقليدي وعروس التواصل الإنساني.
لقد شكلت الإذاعة وجدان جيلين كاملين أما الثالث فاستغل قدرتها في التأثير وجمال فنها فاجبر عبقريته التقنية على أن يجعلها حاضرة الزمان والمكان وفق تطبيقات كان يحلم بها كل عاشق للبث الإذاعي.
إن قيمة الإذاعة الحقيقة ليس كونها وسيلة إعلامية بل ما كانت تنقله من أحداث وما تقدمه من مواد وذلك الفن الجميل الذي أبدع فيه جيل الرواد ومن تبعهم وسار على خطاهم.. نعم جيل الرواد الذين كانوا على وعي وإدراك كامل أن من بين المستمعين من هو أعلم منهم وأذكى فعملوا بعشق وجَلَد كي يقدموا ما يحفظ لهم احترامهم للمستمع ولأنفسهم ولقداسة الكلمة التي هي أمضى من السيف إن كانت شائنة، وأطعم من العسل إن تم اختيارها من قاموس الكلم الطيب.
لقد حرصت الإذاعة على مدى نصف قرن أن تختار من الكوادر من يكون واجهة إعلامية لمستمع يحرص منذ الساعات الأولى ليومه أن يستمع للإذاعة فيتعلم منها ويستشهد بأقوالها ويقتدي برموزها في انتقاء الجمل والعبارات التي يتعامل بها مع مجتمعه بل أن كثيراً من المستمعين قادت الإذاعة أحلامهم وامنياتهم ووجهتها إلى النجاح والتفوق.
واليوم أحسب أننا بحاجة إلى ذلك الحرص في عملية اختيار كوادر العمل الإذاعي وخاصة في الإذاعات التجارية حتى نستطيع بالفعل أن نجد مستمعا نرقى بلغته وذوقه الى تلك المرتبة التي تحققت بجهود الرواد والبارزين والمبدعين في العمل الإذاعي…..».
ومن جانبي اتفق معه في ذلك، فغياب الكوادر المتخصصة المبدعة التي تستطيع أن توفق ما بين متطلبات جيل اليوم الإعلامية والعمل الإذاعي سيترتب عليه فقدان الإذاعة لدورها في التواصل الإنساني وربط المجتمع بحياته اليومية، وبالتالي عزوفهم عن متابعتها.
وعوداً إلى ما أورده استاذنا عدنان صعيدي عن إبداع جيل الرواد بتقديم المواد القيمة فاعتقد أن ذلك يعود لحسن اختيار الكادر وهذا ما نجده تاريخياً حينما شرع معالي الشيخ محمد سرور صبان وزير المالية بتأسيس أول إذاعة سعودية بالقلعة على جبل هندي بمكة المكرمة في أواخر أربعينيات القرن الماضي اختار لها مجلس تأسيسي من خيرة أدباء وإعلاميي تلك الفترة وهم الشيخ إبراهيم الشورى، السيد هاشم زواوي، الأديب أحمد السباعي، والأديب طاهر زمخشري فبرعوا وأبدعوا في مهمتهم وجعلوا من اثير الإذاعة جزء من ثقافة ويوميات المجتمع آنذاك.
وبرأيي أن أنجع وسيلة لاجتذاب المواهب والكوادر المبدعة للإذاعة هي الاهتمام بتطوير الإذاعات المدرسية كسابق عهدها، وإنتاج محتوى إعلامي عصري يلائم تقنية البودكاست التي ستجتذب في المنور القريب الملايين من المستمعين بالإضافة إلى إبراز رواد الإذاعة السابقين وتكريمهم سنوياً في يوم الإذاعة العالمي لتعريف الجيل الجديد من الإعلاميين بإبداعاتهم وإنجازاتهم للاقتداء بهم، واختم دردشتي هذه برباعية الأديب طاهر زمخشري «مذيع» التي نظمها في أحد رواد الإذاعة الأديب عباس غزاوي:
صوتُ «عباس» قد أفاض السرورا *** مُذْ تَخَطَّى المدَى وجَابَ الأثيــــــرا
يقرع السمـــــعَ بالترانيــــمِ يَجــــري *** في تراجيعها الصـــــفاء نَميـــــــرا
فـهـو لـلأنــــفس الـظِّــمَاءُ خميــــــــل *** ينثـــــر الــــدرَّ نشــــوةً وعبيـــــرا
وهــو قيثــــارةٌ برجــــع صـــداهـــــا *** كم أذَاعتْ؟ وكم أشاعتْ سرورا؟
-
دردشات الصومعة: في اليوم الدولي للتعليم دعوة لإحياء سيرة رواده
احتفل العالم يوم الجمعة الماضي (24 يناير 2020) بـاليوم الدولي للتعليم وهو اليوم الذي حددته الأمم المتحدة ليكون يوما دوليا للتعليم يحتفل به كل عام اعتبار من العام 2019م احتفاءً بالدور الذي يضطلع به التعليم في تحقيق السلام والتنمية، وبهذه المناسبة عقدت منظمة اليونسكو مؤتمرا بعنوان «التعلّم من أجل البشر والكوكب والرخاء والسلام» بهدف تسليط الضوء على مستقبل التربية والتعليم، إذ ذكرت المنظمة أن 258 مليون طفل وشاب غير ملتحقين بالمدارس؛ و617 مليون طفل ومراهق لا يستطيعون القراءة والكتابة والقيام بعمليات الحساب الأساسية، وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يقل معدل إتمام المرحلة الدنيا من التعليم الثانوي عن 40%، ويبلغ عدد الأطفال واللاجئين غير الملتحقين بالمدارس زهاء 4 ملايين نسمة.
وقد شاركت المملكة العربية السعودية العالم الاحتفال بهذه اليوم، وبهذه المناسبة ذكر معالي وزير التعليم الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ في بيان صحفي على موقع وزارة التعاليم أن مشاركة المملكة العربية السعودية تأتي إيماناً منها بما يضطلع به التعليم من دور أساسي في بناء مجتمعات مستدامة، وإسهامه في تحقيق جميع أهداف التنمية الأخرى، لافتاً إلى أن وزارة التعليم أطلقت حزمة من البرامج والمشروعات التي تستهدف مهارات القرن ٢١ ونواتج التعلم لتتوافق مع متطلبات التنمية المستدامة في تطوير سياسات وبرامج مؤسسات التعليم في المملكة، وأكد أن المملكة تُولي أهمية كبيرة لتطوير وتعزيز التعليم من أجل بناء جيل واعد يمتلك ثقافات متنوعة مرتكزة على تعليم راسخ، كما أولت اهتمامها بكل مراحل التعليم من تعليم عام، أو جامعي، أو مهني، أو تعليم ذوي الإعاقة، فلم تترك مرحلة تعليمية إلا وأعطتها اهتماماً يتناسب مع حاجياتها ومتطلباتها، فعملت على تطوير وبناء المناهج بشكل شامل ووفق فلسفة تربوية رائدة تنسجم مع الثوابت الدينية والوطنية، وأدخلت فيها كافة التقنيات الحديثة التي تواكب متطلبات العصر.
وببحث سريع أجريته للوقوف على المناشط التي قامت بها مرافقنا التعليمية لإبرازها والتحدث عنها فلم أجد ما يشير إلى القيام بأي فعاليات احتفاء بهذه المناسبة التي خصصت في الأساس للعمل من أجل التعليم كل حسب موقعه ومستواه لجعل الحق في التعليم حقيقة واقعة للجميع.
وبدوري اغتنم فرصة هذه المناسبة بالمشاركة في إحياء ذكرى أحد أهم الشخصيات التاريخية التي لعبت دور أساسي في نشر التعليم في عصرنا الحديث وهو الحاج محمد علي رضا زينل – رحمه الله – الذي أسس أول مدرسة عصرية في الجزيرة العربية وهي مدرسة الفلاح بجدة في 07 ديسمبر 1905م، وبعدها بستة سنوات اتبعها بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة، ثم نشرها في عدد من الدول العربية، حتى أن بعض المؤرخين ذكر أنها تجاوزت الـ 40 مدرسة منها في البحرين ودبي وحضرموت والإسكندرية وبومباي بالهند، ولا يفوتني أن أذكر معه حرمه السيدة خديجة عبدالله زينل والشيخ عبد الرؤوف جمجوم رحمهما الله الذين بذلا الغالي والنفيس من أجل دعم استمرارية المدرسة.
كذلك توثيق وإبراز المرافق التعليمية الأخرى التي قامت تباعاً ولعبت دور هاماً في تطوير حركة التعليم وبمرور السنين غاب ذكرها منها على سبيل المثال المؤسسة العلمية الكبرى بجدة التي تأسست في العام 1367هـ بواسطة الشيخ حسن بقلين – رحمه الله – وحالياً تحمل اسم مدارس المشرق الأهلية وكانت من أوائل المدارس التي قدمت مناهج تعليمية مهاراتية إلى جانب المناهج العلمية مثل اللغة الإنجليزية، الآلة الكاتبة، تحسين الخط، وبرامج تقوية مدرسة صيفية وغيرها، وكنت قد حظيت بالالتحاق بأحد برامجها في صيف العام 1970م والصيف الذي تلاه لتعلم الطباعة على الآلة الكاتبة إبان موقعها القديم بحي العمارية.
وأمل أن يكون للمناسبات المرتبطة بالعلم والتعليم في قادم الأيام حظاً من الاهتمام من قبل منظمي المناشط والفعاليات في عامة المؤسسات والمرافق التعليمية، لما في ذلك من زيادة الوعي المجتمعي بأهمية التعليم والدور التاريخي لرواده، واختم دردشتي هذه بما قاله الإمام الشافعي رحمه الله:
تعلم فليسَ المرءُ يولدُ عالماً وَلَيْسَ أخو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ
-
دردشات الصومعة: أهمية الدراسات الاستطلاعية لمستقبل الصحافة
مع مطلع العام والعقد الجديد 2020م قمت بإجراء دراسة استطلاعية لآراء عينة عشوائية من متابعي حساباتي على شبكات التواصل الاجتماعي عن مقالاتي الصحفية بهدف قياس مدى اهتمامهم بها وتفاعلهم معها والتأكد من أنها لبت رغباتهم وتطلعاتهم.
شارك في الدراسة 52 متابع وأظهرت نتائجها أن %61.5 منهم يتابعون مقالاتي أحياناً %36.5 بصفة مستمرة، و%1.9 لا يتابعونها.
وأن %67.3 يتابعونها عبر صحيفة غرب الإخبارية، %30.8 صحيفة البلاد، %23.1 صحيفة أرجاء، %9,6 واتساب، %3,8 وسائل التواصل الاجتماعي، %1.9 صحيفة المدينة، و%1,9 لا يقرءون الصحف لأكثر من عشرين عاماً.
وعن الوسيلة التي تصلهم بها مقالاتي ذكر %92.3 عبر الواتساب، %21,2 تويتر، %19,2 فيسبوك، %1,9 صحيفة غرب مباشرة.
وعن أكثر كتاباتي التي أثارت اهتمامهم كانت الاجتماعية بنسبة %76.9، الإنسانية %48.1، الأدبية %32.7، الصحية %25، جميع المواضيع %3.8، السياسية %1.9.
وعن اقتراحاتهم عما يجب أن تتناوله مقالاتي (تربوية2، دراسة مشكلات المجتمعات وحلولها2، شتى جوانب المعرفة وأهميتها ومصادرها2، قصص نجاح، تعليمية، إدارية، أفكار ومقترحات، الفرق بين الماضي والحاضر مع الرأي الشخصي للكاتب، رموز وطنية مبدعة في كافة المجالات، القضايا العصرية، تاريخ جدة، الحدث والتركيز على الاجتماعية، التقنية)،
واقترح %78.4 أن تكون المقالات أسبوعية، %21.6 شهرية، و %2 لكل حدث جديد، وفضل %88.5 أن تصلهم المقالات عبر الواتساب، %23.1 تويتر، %19.2 فيسبوك، %1.9 قناة تلجرام، %1.9 مناولة شخصية.
كما أبدى عدد منهم ملاحظات واقتراحات إضافية منها
- .
وقد خلصت من هذه الدراسة برضى القراء المتابعين للمقالات بنسبة عالية وأنها أثارت اهتمامهم ولبت رغباتهم، وما يؤكد ذلك هو الدراسة التي أجريتها على الـ 75 مقالاً التي نشرتها في صحيفة غرب الإخبارية خلال العام 2019م وتبين أنها حصدت 1,287,700 قراءة، منها %34.0 للمقالات الـ 22 الأدبية، %24.8 للـ 26 مقالاً الاجتماعية، %21.6 للـ 15 مقالاً الصحية، %12.2 للـ 7 مقالات الثقافية والفنية، و%7.3 للـ 5 مقالات الإنسانية.
وعلى ضوء هذه النتائج لا بد أولاً من أن أتوجه بالشكر والعرفان إلى قرائي الأعزاء اللذين شاركوا في الدراسة وتابعوا مقالاتي على مدار العام المنصر، وأهيب بكتاب العواميد والرأي بصحافتنا المحلية على الاستفادة من التقنيات الحديثة لاستطلاع أراء قرائهم لقياس مدى رضاهم وتلبية رغباتهم، للحفاظ على اهتمامهم وتنميته في ظل التراجع الملحوظ لاهتمام المجتمع بالصحافة خصوصاً الجيل الصاعد الذي اعتمد في استقاء معلوماته ومعرفته على القنوات الفضائية وشبكات التواصل الاجتماعي.
فمستقبل الصحافة في زماننا مرهون بمدى قدرة كتاب الصحافة العامودية والرأي على اجتذاب القراء والمحافظة عليهم بما يطرحونه من مواضيع تنبض بنبض المجتمع مع الحفاظ على المعايير الصحفية والأدبية، واختم دردشتي بقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
لكلِّ زمانٍ مضى آيةٌ *** وآيةُ هذا الزمانِ الصُّحُف
لسانُ البلادِ، ونبضُ العباد *** وكهفُ الحقوق، وحربُ الجنَف
-
قودومي بجمهورية بنين باب للخير
فوجئت برسالة وصلتني عبر الوتساب تُحيّيني وترحب بي من رقم دولي لا أعرف جهته أو صاحبه، فأهملتها ظناً مني أنها من رسائل النصب والاحتيال التي تصلنا من دول مختلفة، لكن صاحبها كرر الرسائل ووجهها باسمي فاضطررت أن أرد عليه لاستطلع من هو وماذا يريد.
عرفني بنفسه بأنه الداعية والمدرس حسين يونس توري من جمهورية بنين بغرب أفريقيا مدير مركز تحفيظ القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بألوتوري ويقيم في مدينة قودومي Godomey بمنطقة أبومي كالافي Abomey Calavi، وأنه من المتابعين لمقالاتي واستفاد منها كثيراً بما احتوته من التوعية والتعليم والتربية والتاريخ والأدب، لذلك أحب التواصل معي وشكري عليها بعد أن حصل على رقمي من أحد مجموعات التواصل على الانترنت، وأنه بحاجة ماسة للكثير من المعلومات خصوصاً الدعوية فأرسلت إليه مقاطع فيديو قصيرة عن الحجرة النبوية والروضة الشريفة ومعالم المسجد النبوي فما كان منه إلا أن أرسل إلي رسالة شكر مطولة مليئة بالثناء والدعاء، لما كان لتك المقاطع من قيمة وفائدة معلوماتية عظيمة له ولجميع من معه.
فأثار فضولي ردة فعله وشغفه بالعلم فتبادلت معه الحديث وعلمت منه بأن أحوال دولة بنين جيدة وطبيعتها ممتازة وتعيش بسلام وأمن ولا يوجد بها أي مشاكل أو معاناة بين القبائل أبداً، واللغة الرسمية للبلاد هي اللغة الفرنسية ومعظم السكان لا يجيدون اللغة العربية، والكل يعمل عمله في تلك الدولة الصغير، وبحسب علمه أن نسبة المسلمون تصل إلى 60% والدعاة يعملون ليلاً ونهاراً على إقناع غير المسلمين للدخول في هذا الدين الحنيف.
وأنه درس في جامعة الملك سعود بالرياض دبلوم عالي لتعليم المعلمين في الفترة من 2015 إلى 2017 وبعد عودته إلى مدينته قودومي وجد أن فيها نحو 2000 طالب يدرسون في مراكز مختلفة لتحفيظ القرآن الكريم ويواجهون مشاكل وصعوبات كبيرة جداً، فالمساحات ضيقة وعدد الطلاب يتراوح ما بين 500 أو إلى 700 طالب في المركز الواحد مما يجعل بعضهم يدرسون وهم جالسون على الأرض وأخرين واقفين.
فقرر أن يساهم لوجه الله تعالى في حل هذه المشكلة بقدر إمكانياته بتطبيق ما تعلمته في جامعة الملك سعود، فاستأجر من رجل مسيحي بيتاً مكون من 6 غرف بمبلغ 100 دولار شهرياً، أسس فيه مدرسة أسماها «مركز تحفيظ القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بألوتوري» وانضم إليه 10 من زملائه من البلد تخرجوا من جامعات سعودية مختلفة (الجامعة الإسلامية بالمدينة، جامعة الإمام، جامعة الملك سعود، جامعة الملك عبد العزيز، جامعة القصيم)، وبعضهم من جامعة الكويت والإمارات وفروع للجامعات العربية في أفريقيا، والتحق بالمدرسة حتى الآن 200 طالب يدرسون القرآن الكريم، الحديث، التفسير، الفقه، العقيدة، السيرة، النحو والصرف، القراءة العربية، الإملاء والخط/ بالإضافة إلى اللغة الفرنسية لأنها اللغة الرسمية للبلاد، منهم طلبة منتظمون على مدار الأسبوع من السبت إلى الأربعاء وأخرون ملتحقون بمدارس فرنسية ويأتون في عطلة الأسبوع والإجازات الصيفية.
وحددت رسوم رمزية بقيمة تعادل نحو 6 ريال شهرياً للطالب الواحد ومع ذلك لا يستطيع معظمهم دفعها لأنهم آبائهم فقراء لا يجدون قوت يومهم، وخصصت مكافآت شهرية بما يعادل 80 ريال شهرياً للمعلم الواحد لمساعدتهم على تحمل أعباء الحياة، وفي المقابل لا يتلقى المركز أي دعم أو تمويل حكومي، وتعذر عليهم استقبال أي طلاب مكفوفين في المدرسة لعدم توفر أي وسائل أو مهارات تمكنهم من ذلك ولو توفرت لهم الوسائل والتدريب لتمكنوا من تعليم المكفوفين أيضاً وقد يكون وسيلة لاجتذاب غير المسلمين.
ورغم ما عانته المدرسة من الصعوبات كعامة المدارس الدينية الأخرى من تكدس الطلاب ونقص المصاحف والمقررات والمناهج التعلمية إلا أن العديد منهم استطاعوا حفظ أجزاء من القرآن الكريم والبعض حفظه كاملاً، ولا يزال الطلاب يتزايدون يوم بيوم والأهالي سعيدون بتعليم أبنائهم القرآن الكريم، ويرجو أن يتمكن من فتح مراحل جديدة للإعدادية والثانوية ولكن ضيق المكان لا يسمح بذلك، وعرض على مالك المبنى توسيع المقر إلا أنه رفض واشترط عليه شراء المبنى كاملاً الأمر الخارج عن قدرته وإمكانياته وزملائه المعلمين ووضع أمله في الله أنه سيستطيع مع زملائه يوم ما تحقيق هذا الحلم بامتلاك المبنى.
كما علمت منه أن أهم مشكلة يعاني منها أهالي الطلاب هي الافتقار إلى ماء الشرب النقي والمُصليات في قراهم ومناطقهم التي يقطنونها، وخدمات طب العيون لأنها شبه منعدمة، وإن كان تأتي من وقت لأخر قوافل طبية خيرية من الكويت ومصر وغيرها لعلاج مرضى العيون يُعلن عنها في المساجد حتى يذهب إليهم المحتاجين للكشف وتلقي العلاج.
ولمن لا يعرف جمهورية بنين هي دولة تقع في غرب أفريقيا وعاصمتها بورتو نوفو ومساحتها 110,000 كيلومتر مربع وعدد سكانها حوالي 8,800,000 نسمة وهي عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي.
وأختم دردشتي هذه بالشد على يد أخينا الداعية حسين يونس توري على ما قام به من عمل جعل من مدينة قودومي باباً من أبواب الخير للمحسنين فاسأل الله أن يجزيه ويجزي كل من سيقف معه في هذا العمل خير الجزاء، وكما قال أمير الشعراء شوقي في قصيدة «مملكة النحل»:
إِنَّ الأُمورَ هِمَّةٌ لَيسَ الأُمورُ ثَرثَرَةْ -
دردشات الصومعة: نجوى مؤمنة ورسالة وفاء…
أعزائي القراء مع إطلالة هذا العام والعقد الجديد 2020م يسرني أن أطل عليكم من زاويتي الجديدة «دردشات الصومعة» التي سأقدم من خلالها مقالات أسبوعية اجتماعية، إنسانية، أدبية وصحية، واستهلها برسالة وصلتني من الإعلامية المخضرمة الأستاذة نجوى مؤمنة جاء فيها:
“اخي العزيز استاذ محمد توفيق بلو..
أيها الشجاع والعصامي أنت انموذج لكل من أصيبوا بالإحباط نتيجة إعاقة أو مشكلة ما أوقفت عطاءهم وتواصلهم في العمل للوصول إلى الهدف، وأيضا لكل من يحمل الأمل لمستقبل ناجح ليعرف أن في الحياة لا شيء مستحيل.. فقط يحتاج الإنسان إلى الإيمان القوي أنه يستطيع أن يصل إلى ما يريد، يحتاج إلى الإرادة القوية والعزيمة والصبر دون كلل، يحتاج الى الثقة بالنفس. وأيضا يحتاج الى تعزيز ذلك من أقرب شخص إليه يتابعه ويحفزه ليستمر في سيره ليصل الى هدفه.
وذكرتني بهذه العزيمة والاصرار ببابا طاهر (الأديب الراحل طاهر زمخشري) – رحمه الله – أنت ورثت منه هذه الصفات ولو كان جدك على قيد الحياة لفرح بك كثيراً، لديك الكثير من صفاته القوة العزيمة الاعتزاز بالنفس التميز التحدي لا شيء لديه مستحيل.
ورغم كل الصفات التي يتصف بها بابا طاهر – رحمه الله – كان خفيف الظل بشوشا، صغير مع الصغير، وكبير مع الكبير، يسعد لفرحك ويتألم لألمك.
كان يكتب الشعر وعند عرض القصيدة على المجيز للنص يخاف مجيز النص من بعض الكلمات التي يكتبها شاعرنا العظيم فيشطبها!!! هنا كان يقول بابا طاهر – رحمه الله – وبإصراره المعهود لدي مئات الكلمات تعطي نفس المعنى وسأضع كلمه لم يقرأها في حياته. ويصر على تبديل الكلمة بأخرى وترسل للمجيز وتأتي الموافقة فيضحك لانتصاره، ويقول لو شطبها سآتي بغيرها!!! إصرار عجيب منه على عدم شطب أي كلمه في الشعر لأنه كان عالماً بما يكتب ولا يرقى المجيز إلى ما تحويه جعبته من لغتنا الام – رحمه الله-.
في أحد الأيام كتب «سلاف» فشطبها المجيز واحضروا له النص لاستبدال الكلمة فخاطبني وهو يبتسم سأضع كلمه أتحدى أن يعرف معناها أيضا تعني خمر.
قلت ماهي يا بابا قال كلمة «راح» تعني خمر وفعلا كتبها وارسلها وأجيزت، لو كنت رأيت ضحكته وتعليقه «ضحكة الانتصار» شاعر الرومانسية لا يعوض – رحمه الله –
من وفائنا له بقينا انا والدكتور حسين نجار نقدم في برنامجنا صباح النور قصيده في كل حلقه من مجموعته الشعرية لعدة سنوات… «اين روضه المساء اين الارشيف الاذاعي للأسف!!!؟.»
حفظك الله ورعاك أخي الكريم على عزيمتك وإصرارك وطموحك.
تهنئه صادقه ودعواتي لك بدوام التوفيق والنجاح والتألق”.
والحق أقول إن الأستاذة نجوى مؤمنة من قلائل الأوفياء لبابا طاهر زمخشري الذين عرفتهم فقد عرفتها منذ صغري بصوتها الإذاعي الذي كان يملأ مسامعنا عبر المذياع مساء كل ليلة وهي تقرأ قصيدة من قصائد بابا طاهر التي كانت يعدها خصيصاً لبرنامجه «روضة المساء» وكان البرنامج الوحيد عدا الأذان والأخبار يُبثُّ حيًّا على الهواء من إذاعة جِدَّة بصوتها مع الإعلامي القدير علي داود، وذلك بعد أن وافق على هذا الاستثناء وزير الإعلام آنذاك الأستاذ إبراهيم العنقري – رحمه الله – ثقةً وتقديرًا لطاهر زمخشري.
وبعد سنوات من وفاة بابا طاهر رحمه الله التقيت بها في العام 2002م في مركز إبصار بمستشفيات مغربي إبان تأسيس جمعية إبصار حينما جاءت ممثلة لإذاعة جدة لإعداد ريبورتاج عن هذه الفكرة لتي كانت رائدة على مستوى الشرق الأوسط، وكانت سعيدة جداً بالتقائها بأحد أقارب بابا طاهر بعد وفاته بسنين وأبلغتني بأنها تحتفظ بديوان شعر بخط يده لم ينشره.
وقد واكبت نشأة وتطور الجمعية لحظة بلحظة وأعدت عشرات التقارير والبرامج الإذاعية عنها، وأجرت العديد من اللقاءات مع ذوي الإعاقة البصرية وأسرهم وحرصت على تقديمهم بصور مضيئة تعكس جوانب مشرقة عن الإعاقة البصرية والجمعية وخدماتها، فكان لذلك الأثر الكبير في زيادة وعي المجتمع وزيادة عدد مرتادي الجمعية خصوصاً ذوي الإعاقة البصرية الذين كانت الإذاعة تمثل لهم مصدراً رئيسياً لاستقاء المعلومات الإخبارية والثقافية.
وكانت كلما التقينا ما تفتأ تذكر بابا طاهر وتترحم عليه وتروي الحكايات والذكريات لمواقفه معها ودعمه لمسيرتها الإعلامية منذ أن قدمها كأصغر مذيعة تلتحق بالإذاعة وهي في الخامسة عشرة من عمرها، وكان يلقبها بعدة ألقاب منها «القيثارة» ويرفض أن يقدم أحد غيرها برنامجه «روضة المساء» حتى أنها في أحد الأيام أصيبت بوعكة صحية فأوقف البرنامج إلى أن تشفى ورفض أن يذاع بصوت إذاعي آخر.
فتحية لهذا الوفاء الذي أصبح من أكبر النعم على الإنسان في هذه الأيام إذا تحلى به أو رزق بأناس أوفياء من حوله.
وأختم هذه الدردشة برباعية «الوفاء الجريح» التي نشرها الأديب في ديوانيه «رباعيات صبا نجد 1973م/1393هـ» وتضمنت أحب بيتين من أشعاره إلى نفسه.
يا أعذب الحُبِّ..؟!
نبضي، كاد يُسكِتهُ.. صوت
الأنين، ومن نجواك ينتظمُ
***
حسبي من
الحُبِّ، أنِّي بالوفاء له.. أمشي
وأحمل جُرحًا ليس يلتئمُ
***
وما شكوتُ..
لأنِّي إن ظلمت فكم.. قبلي
من النَّاس في شرع الهوى ظلموا
***
وهل يحسُّ..
ضياعًا من شدوتُ له؟!
والرَّجع ما زال للأطياف يبتسمُ؟!
-
اللغة العربية والذكاء الاصطناعي «تحديات وحلول»
نشر هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 2019/12/17هـ
يحتفل العالم في 18 ديسمبر من كل عام بــ «اليوم العالمي للغة العربية» وهو اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها التاريخي في العام 1973م، بأن تكون «اللغة العربية» لغة رسمية سادسة في المنظمة.
ويأتي موضوع احتفال هذا العام «اللغة العربية والذكاء الاصطناعي»، وبهذه المناسبة ستقيم اليونسكو بمقرها في باريس احتفالية بالتعاون مع الوفد الدائم للمملكة العربية السعودية لدى اليونسكو، ومؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية، يتخللها تنظيم عدة موائد مستديرة تناقش دور الذكاء الاصطناعي في صون اللغة العربية وتعزيزها، كما تتطرق لمسائل متعلقة بحوسبة اللغة العربية.. وإطلاق التقرير الإقليمي بعنوان «بناء مجتمعات المعرفة في المنطقة العربية: اللغة العربية بوابة للمعرفة».
وتكمن أهمية موضوع هذا العام من حيث أن الذكاء الاصطناعي تقنية حاسوبية تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها وسيعتمد عليها العالم في شتى مناحي الحياة التعليمية، الصحية، الاقتصادية، العسكرية…الخ، واللغة العربية من أهم اللغات في العالم وأكثرها انتشاراً إذ يتحدثها وفق منظمة الأمم المتحدة أكثر من 422 مليون نسمة في الوطن العربي وما جاوره، وهي لغة القرآن الكريم المرجعية الأساسية للدين الإسلامي الذي يستلزم ممارسة شعائره الحد الأدنى من اللغة العربية.
وعلى ما اعتقد إن موضوع هذا العام قد يواجه بعض التحديات في مجتمعنا في المنظور القريب على الأقل لأسباب مختلفة منها اجتهاد مطوري المناهج التعليمية المدرسية بدمج مواد اللغة العربية في مادة واحدة باسم «لغتي»، وهذا اجتهاد يحتاج إلى إعادة نظر فلكل لغة أسمها ولا يمكن إلغائه و«العربية» هو اسمها وإتقانها يستلزم تعلم مهاراتها المرتبطة بالنطق، القواعد، القراءة، الكتابة، الإنشاء، البلاغة والنقد، كل على حدة، وهذا معمول به في تعلم كل اللغات الأخرى فعلى سبيل المثال اللغة الإنجليزية في مدارس البلدان الناطقة بها مسماة باسمها ومقسمة إلى مواد (محادثة، قواعد، إملاء، تعبير …الخ).
الاعتماد الكلي على اللغة الإنجليزية في استخدام العلوم الحديثة مثل علوم الحاسب، الهندسة، الطب، الطيران …الخ، وتوجه فئات من المجتمع إلى تعليم أبنائهم في المدارس الدولية والأجنبية بالإنجليزية بدلاً من اللغة العربية على أساس أنها لغة العصر والعلوم الحديثة، والواقع إن اللغة العربية لغة إبداعية متجددة وقادرة على استيعاب كافة العلوم بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة مثل علوم الحاسب، الهندسة، الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، الشعر، الفلسفة، الموسيقى، وهي محفوظة وأبدية الوجود بحكم أنها لغة القرآن الكريم.
كذلك عدم وجود معاهد ومراكز لتعليم اللغة العربية في بلادنا بطريقة حديثة ميسرة وسهلة في ظل توافد العديد من الجاليات غير الناطقين بها للعمل والإقامة في المملكة، أضف إلى ذلك اعتمادنا على استخدام اللغة العامية في حياتنا اليومية بدلاً من اللغة العربية الفصحى مما سيصعب تعلمها ونقل العلوم الأخرى إليها.
ولمواجهة تلك التحديات أرى أنه لابد من توعية المجتمع بأهمية اللغة العربية والمحافظة عليها، وإعادة تسمية مادة «لغتي» إلى «علوم اللغة العربية» وتقسيمها إلى مواد علمية مسماه حسب اتجاهاتها المهاراتية (النطق، القواعد، الإملاء، التعبير …الخ)، وتطوير أساليب تعليمها، وإلزام الطلاب بالتحدث بالفصحى خلال حصصها الدراسية، تكثيف ترجمة الكتب الأجنبية العلمية والأدبية إلى اللغة العربية ونشرها وتشجيع كافة فئات المجتمع على قراءتها، الاستفادة من برامج التحول الوطني بالاستثمار في فتح معاهد لتعليم اللغة العربية لغير المتحدثين بها في عموم مدن المملكة، وتطوير مناهج مشوقة وعملية لتعلمها بيسر وسهولة أسوة بمعاهد اللغة الإنجليزية المنتشرة في بلادنا.
رابط المقال على صحيفة غرب الإخبارية
الرئيسية
عدد المشاهدات 1٬010