-
آفي شيفمان اليافع الذي تصدى لكورونا
في الوقت الذي كان العالم منشغل بإجازة أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية 2020م، كان اليافع آفي شيفمان Avi Schiffmann – 17 عام- طالب ثانوية مدرسة ميرسير آيلاند منشغلاً من منزله بمدينة ميرسير آيلاند بولاية واشنطن بمتابعة أخبار ظهور مرض غريب بمدينة ووهان الصينية، ولاحظ صعوبة الوصول إلى معلومات عنه وأعداد المصابين به وانتشار الكثير من الشائعات المغلوطة.
فأدرك أهمية وجود معلومات وإحصائيات موثقة عن المرض وقرر على الفور توظيف هوايته في البرمجة التي صقلها ذاتيا عبر الانترنت على مدى الـ 10 سنوات الماضية بتصميم وإطلاق موقع إلكتروني يكون بمثابة مرجع مركزي للمعلومات عن المرض وإحصائيات المصابين به في مدينة وواهن الصينية، من خلال ربطه بمواقع إدارات الصحة بالمقاطعات الصينية وتحديث البيانات الإحصائية بمعدل كل دقيقة تلقائياً عبر “تجريف الويب”. وأن يكون الموقع سهل التصفح ومتوافق مع الأجهزة الذكية وخالي من الإعلانات، وفي 29 ديسمبر أطلق الموقع باسم ncov2019.live نسبة للاسم الذي أطلقه العلماء على المرض (covid-19) وكان عدد المصابين حينها لم يتجاوز الألف شخص.
ومع تحول المرض إلى جائحة عالمية أصبحت الحاجة إلى المعلومات والإحصائيات لتتبع خارطة انتشار الجائحة أمر ضروري وحتمي بطريقة ميسرة، فطور موقعه بربطه بمواقع منظمة الصحة العالمية والسلطات الصحية الوطنية في دول العالم وجلب الإحصائيات وعرضها بالطريقة التي صمم بها الموقع بحيث يتمكن الزائر من تتبع احصائيات المصابين، المتعافين، المتوفين، الحالات النشطة، على مستوى العالم أو القارات، الدول، الأقاليم، المدن، وأضاف صفحات تتضمن معلومات توعوية عن المرض وطرق الوقاية منه، وأحدث أخبار تطوير لقاحات للفيروس، وخاصية اختبار لقياس مدى الخطورة التي قد يشكلها المرض على المصاب في حالة إن كان لديه أمراض أخرى مثل أمراض القلب، السكري، ضغط الدم. وبذلك أصبح الموقع أول مرجع عالمي لمتابعة إحصائيات الكورونا دقيقة بدقية معدل زواره 6.5 مليون زائر يومياً وبحلول شهر أبريل تجاوزا 250 مليون زائر 50% منهم من خارج الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي دفعه للتخطيط إلى ترجمة الموقع للغات أخرى، وشراء نطاق جديد باسم تعقب الجرثومة (GermTracker.com)، وأوجد آلية لدعم الموقع عبر التبرع من خلال الضغط على أيقونة كتب عليها “اشتري لي كوباً من القهوة” وبالتالي يمكن للراغب في المتبرع شراء أي عدد أكواب قهوة افتراضية بـ 3 دولار لكل كوب تعود للموقع.
وقد لفت هذا الإنجاز انتباه المنظمات الصحية والباحثين وكبرى وسائل الإعلام العالمية فتناقلت أخباره وأجرت لقاءات صحفية وتلفزيونية مع مؤسسه آفي منها قناة الديمقراطية الآن الإخبارية (Democracy Now) التي قال لها إن من أهم ما تعلمه من إطلاقه للموقع هو التعرف على مدى تفاوت قوة الرعاية الصحية بين البلدان استناداً إلى معدلات الوفاه فيها، وضرب مثال على ذلك أنه عندما كان يتابع إحصائيات الدول لاحظ تقارب أعداد المصابين بين إيران وكوريا الجنوبية وتفاوت كبير في أعداد الوفيات بينهم، وروعة استخدام التكنولوجيا والإنترنت في تتبع إحصائيات الحالات فعلى سبيل المثال عندما انتشر وباء أيبولا وسارس لم يكن بالإمكان متابعة أو رصد معلومات عنها لعدم وجود موقع إلكتروني يمكن الرجوع إليه في ذلك، وتمكنه من الجمع بين التكنولوجيا والصحة العالمية وتقديم معلومات موثوقة، وتمنى أن يكون ما قام به مصدر إلهام للكثير من الأشخاص ربما لتعلم البرمجة وإنشاء أداة رصد خاصة بهم في المستقبل، لأنه كلما توفرت مصادر معلومات يمكن الوصول إليها بسهولة كان ذلك أفضل.
نموذج لأحدث المعلومات المستخرجة من موقع آفي ncov2019.live حتى تاريخ كتابة المقال:
عدد المصابين حول العالم 3,671,812 عدد الحالات الحرجة 49,619 عدد الوفيات 253,241، الحالات النشطة 2,209,396 إجمالي المتعافين 1,211,209 وأعلى الدول تأثراً
أمريكا 1,214,023 ، المتوفين 69,974 ، المتعافين 188,069 ، الحالات النشطة 955,980
اسبانيا 250,561، المتوفين 25,613 ، المتعافين 154,718 ، الحالات النشطة 70,230
إيطاليا 211,938 ، المتوفين 29,079 ، المتعافين 82,879 ، الحالات النشطة 99,980
بريطانيا 190,584 ، المتوفين 28,734 ، المتعافين غير معروف ، الحالات النشطة 161,851
فرنسا 169,462 المتوفين 25,201 ، المتعافين 51,371 ، الحالات النشطة 92,890
ألمانيا 166,199 المتوفين 6,993 ، المتعافين 135,100 ، الحالات النشطة 24,106
ومؤخراً نقلت صحيفة التايمز اللندنية خبر عن تواصل آفي مع الأمم المتحدة باتصال عبر الفيديو بشأن اهتمامها بأن يكون سفيرها للشباب في مجال التكنولوجيا.
وحقيقة إن قصة اليافع آفي تعد نموذج ملهم لأقرانه حول العالم في كيفية استغلال وقته ومهاراته المعلوماتية بما عاد عليه وعلى المجتمع بالنفع وجسدت مدى أهمية التكنولوجيا في الحد من انتشار الأمراض والتوعية الصحية للوقاية منها.
لذلك أدعو المعنيين بنظم المعلومات والقطاع الصحي في بلادنا الاستفادة من تجربة آفي بتطوير مواقع إلكترونية لتتبع ورصد الأمراض المزمنة المتفاقمة مثل السكري، أمراض القلب…الخ للحد من انتشارها والتوعية بطرق الوقاية منها وإجراء الأبحاث والدراسات بصورة سهلة وميسرة، كذلك التركيز على المواهب الشابة في مجتمعاتنا وصقلها وتنميتها وإتاحة الفرص لهم للمشاركة في معالجة المشكلات والأزمات الصحية.
كما أدعوا أولياء الأمور خلال فترة الحجر الصحي المنزلي توجيه أبنائهم باستغلال جزء من أوقات فراغهم التي يقضونها في ألعابهم الإلكترونية بالاستفادة مما تعلموه في المدارس بما يعود بالفائدة عليهم وعلى المجتمع وأختم دردشتي هذه بما قاله أمير الشعراء شوقي
وَاطلُبوا العِلمَ لِذاتِ العِلمِ لا *** لِشَهاداتٍ وَآرابٍ أُخَرْ
كَم غُلامٍ خامِلٍ في دَرسِهِ *** صارَ بَحرَ العِلمِ أُستاذَ العُصُرْ
وَمُجِدٍّ فيهِ أَمسى خامِلًا *** لَيسَ فيمَن غابَ أَو فيمَن حَضَرْ
-
الدراسة والصيام
نشر هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 2020/05/01م
مع حلول شهر رمضان المبارك في الدورة الفصلية التي جعلته ضمن الموسم الدراسي، تعالت أصوات تنادي بإيقاف الدراسة في رمضان لصعوبة ذلك على الطلاب والمعلمين، وحيث أنني قد خضت تجربة الدراسة والإجازة في شهر رمضان فإنني من الداعين إلى استمراريها بشكل طبيعي فقد عشت أول تجربة صيام شهر رمضان كاملاً في العام الدراسي 1392/1391هـ وأنا في الصف الرابع الابتدائي بالمدرسة النموذجية الابتدائية بالسبعة قصور بجدة وذلك بعد التدرب على صومه تدريجياً منذ الصف الثاني الابتدائي.
كنا ننام مبكراً ونستيقظ للسحور وصلاة الفجر ثم العودة للنوم والاستيقاظ ثانية للذهاب إلى المدرسة صائمين، حيث كان الدوام المدرسي يتأخر لمدة نصف ساعة فقط عن الايام العادية، وكانت الدراسة ستة أيام في الأسبوع من السبت إلى الخميس في فصول دراسية بلا تكييف،
وكل ما يتم هو تقليص وقت الفسحة وإيقاف المقصف، ومن لا يصوم عليه إحضار سندوتشاته من البيت خصوصا طلاب مراحل الفصول الدنيا، وتستمر الدراسة إلى يوم 24 رمضان ثم تبدأ إجازة العيد لفترة لا تتجاوز الخامس من شهر شوال.
كانت الدراسة في رمضان بمثابة التدريب العملي على الصيام، فالتنافس ينشط فيما بيننا عليه ومن لا يستطع فإن زملائه الطلاب له بالمرصاد بين التندر والمعايرة، ومن طريف ما أذكر أن أي من زملائك قد يسألك “فاطر ولا صايم من ورا الزير؟”، والزير هو إناء فخاري كبير بحجم البرميل يستخدم لحفظ ماء الشرب قبل عصر الثلاجات، ويقصد بذلك أنك تتظاهر بالصيام وتتسلل خلسة وتأخذ شربة ماء دون أن يراك أحد، وإن قلت له “صائم” يقول لك أرني لسانك فإن كان أبيض جاف يعني أنك صائم، وإن كان أحمر رطب يعني أنك فاطر.
أما من يرى وهو فاطر يأكل سندوتشه أو يشرب ماء فيتحلق حوله الطلاب معايرينه بصوت واحد “يا فاطر رمضان يا خاسر دينك … الكلب الأعور يأكل مصارينك”. ويستمرون في ترديد تلك العبارة حتى يضطر إلى الإقلاع عن الأكل والشرب أمامهم أو الهروب والاختباء منهم، وهكذا يكون تندر ومعايرة زملائك عامل مساعد على تحمل الجوع والعطش.
وعلى أي حال بنهاية اليوم الدراسي نعود إلى البيت بعد صلاة الظهر وننام إلى العصر ونستيقظ ونخرج للتسوق من بسطات المأكولات الرمضانية ((خبز، فول، قطائف، كنافة، جبنية…الخ))، والعودة إلى البيت، والتحلق أمام التلفزيون حول مائدة الإفطار في حضرة الأسرة في جو تسوده الألفة والروحانية إلى أن يدوي المدفع معلناً حلول وقت الإفطار.
وفي العام 1394هـ عشت تجربة صيام مختلفة حينما تغيرت الدورة الفصلية لشهر رمضان وأصبح ضمن الإجازة الصيفية، وهي المرة الأولى التي أقضي فيها رمضان خارج الموسم الدراسي منذ أن وعيت على الدنيا، ومعها طرأ تغييراً على برنامجنا اليومي تمثل في السهر طوال الليل والنوم من بعد الفجر إلى ما بعد الظهر، ففقدنا النشاط والحيوية في النهار وروحانية الصيام، واستمر هذا الحال إلى أن غادرت المقاعد الدراسية.
والحقيقة أن الدراسة في شهر رمضان كان لها دور بارز وهام في تدريبنا على الصيام مع المحافظة على نشاطنا وحيويتنا وتنظيم أوقتنا، وإدراك المفاهيم والأغراض والمعاني الإنسانية لشهر رمضان.
والآن وقد دخل رمضان في دورة فصلية ضمن المواسم الدراسية يتوقع أن تستمر حتى العام 1463هـ لذا وجب علينا توعية المجتمع بأهمية الدراسة بنشاط وحيوية خلال شهر رمضان وتهيئة كوادر التعليم والطلاب للإقبال على ذلك بعيداً عن التشكي والتذمر من الدراسة في رمضان.
رابط المقال على صحيفة غرب
-
دردشات الصومعة: حوائط الصد المنيع في مواجهة كورونا
أكثر من ثلاثة ملايين مصاب بداء كورونا في 210 دولة وإقليم في العالم توفي منهم 211,177 حتى تاريخ كتابة مقالي هذا أعلاهم أمريكا 1,007,514 توفي منهم 56,624، اسبانيا 229,422 توفي 23,521، إيطاليا 199,414 توفي 26,977، فرنسا 165,842 توفي 23,293، ألمانيا 158,434 توفي 6,061، بريطانيا 157,149 توفي 21,092.
ومع فداحة هذه الأرقام لاحت في الأفق بشائر الانتصار على الجائحة إذ أُعلن في الصين خلو إقليم ووهان بؤرة انتشار المرض من أي إصابات بخروج أخر مريض من المستشفى اليوم (الاثنين 27/04/2020)، ونجاح عمليتي زراعة رئة لحالتين كانتا مصابتين بتليف رئوي بسبب فايروس كورورنا، والانتقال للمرحلة الثانية في المواجهة وهي التفرغ للدراسات والأبحاث لإنتاج لقاح مضاد للفيروس، كما أعلنت بعض الدول الأوروبية الموبوءة عن سيطرتها على الوباء واستئناف الحياة الدراسية والاقتصادية تدريجياً مع الحفاظ على الإجراءات الاحترازية مثل التباعد الجسدي والعناية بالنظافة الشخصية والفحوصات المختبرية…الخ.
وكان للعناية الإلهية ثم دور الممارسين الصحيين الذين أطلق عليهم “حائط الصد المنيع” الفضل في الوصول إلى هذه المرحلة بما قدموه من جهود مضنية وتضحيات كلفت البعض منهم أرواحهم، والبعض صحتهم النفسية والمعنوية بانتقال العدوى إليهم وتعرضهم للإجهاد الذهني والإرهاق والقلق والصدمة والابتعاد عن أسرهم لفترات طويلة في ظروف صعبة، فعلى سبيل المثال اشارت بعض التقارير الصحفية إلى وفاة نحو 100 طبيب و30 ممرض وممرضة ومساعد طبيب في إيطاليا ونحو 119 طبيب في بريطانيا منهم 11 من أصول عربية.
وقد لفت مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم إن بعض الدول سجلت في تقاريرها أن 10% من عناصر القطاع الصحي أصيبوا بفيروس كورونا، بينما يتزايد القلق من انتشار الوباء أكثر فأكثر بين أعضاء الكادر الطبي في العالم، وتأتي هذه المخاوف باعتبار أن الكوادر الطبية تعتبر جدار الصدّ الأول، وهم يتعاملون مع المصابين منذ لحظة الاشتباه في حالاتهم الصحية، وصولاً إلى تعافيهم أو وفاتهم.
وفي هذا السياق أورد بعض القصص لتضحيات ستخلد في ذاكرة التاريخ مع هذه الجائحة منها قصة طبيب العيون الصيني لي وينليانغ الذي كان أول طبيب حاول تحذير زملائه من تفشي فيروس خطير في المستشفى، ليأخذوا الاحتياطات اللازمة، وذلك عبر وسيلة للتواصل الاجتماعي في الصين، وبعدها مباشرة، زاره مسؤولون في الشرطة وأخبروه بأن عليه أن يصمت، وبعد نحو شهر نشر قصته على الإنترنت من سريره في المستشفى بعد إصابته بالعدوى من إحدى مرضاه وتوفي في 06فبراير متأثراً بداء كورونا.
كذلك قصة أول ثلاثة أطباء بريطانيين توفوا بسبب إصابتهم بفيروس كورونا أثناء تأدية عملهم وهم الدكتور أمجد الحوراني والدكتور عادل الطيار من أصول سودانية، والدكتور حبيب الزيدي من أصل عراقي، والطبيبة المصرية سونيا عبد العظيم عارف التي توفيت بعد إصابتها بالعدوى ورفض سكان قريتها دفنها في القرية ظناً منهم أن العدوى ستنتقل إليهم مما استدعى تدخل الجهات الأمنية لدفنها، عدى عشرات القصص الإنسانية المؤثرة الأخرى حول العالم عُرف بعضها وبعضها لم يسمع عنها أحد.
ولا تزال طواقم الصد المنيع حول العالم تتعرض لمزيد من المخاطر بسبب زيادة عدد المرضى ونقص أجهزة ومعدات الاختبار والحماية، والضغط والإرهاق لطول فترات العمل، والقلق والخوف على أسرهم.
ولذلك يتحتم على المجتمعات أن تقدم لهم الدعم والمساندة اللازمة مع الشكر والتقدير والتضرع لهم بالدعاء على التضحيات والشجاعة التي يظهرونها في مواجهة هذه الجائحة، كذلك حمايتهم من العدوى بإعطائهم والكوادر المساندة لهم الأولوية في الفحوصات المختبرية للكشف عن فيروس كورونا ولكي لا يكونوا مصدر لنقل العدوى للأخرين، وتأمين الموار المالية الكافية لتوفير الأجهزة والمعدات والمستلزمات الطبية اللازمة لهم، وزيادة الوعي المجتمعي عن كل ما هو مرتبط بالوباء وطرق التعامل معه والوقاية منه للحد من انتشار الشائعات والمعلومات المغلوطة.
ولا يفوتني أن أنوه بما توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين من دعم للممارسين الصحيين في بلادنا لتمكينهم من أداء عملهم على أكمل وجه وحمايتهم من العدوى، واختم دردشتي هذه بما قاله الشاعر العباسي ابو العتاهية:
إِنَّ الطَبيبَ بِطِبِّهِ وَدَوائِهِ *** لا يَستَطيعُ دِفاعَ مَكروهٍ أَتى
ما لِلطَبيبِ يَموتُ بِالداءِ الَّذي *** قَد كانَ يُبرِئُ جُرحَهُ فيما مَضى
ذَهَبَ المُداوي وَالمُداوى وَالَّذي *** جَلَبَ الدَواءَ وَباعَهُ وَمَنِ اِشتَرى
وما قاله الشاعر محمود الوراق
كَم مِن مَريضٍ نَعاهُ الطَبيبُ *** إِلى نَفسِهِ وَتَوَلّى كَئيبا
فَماتَ الطَبيبُ وَعاشَ المَريضُ *** فَأَضحى إِلى الناسِ يَنعى الطَبيبا
-
دردشات الصومعة: الفن والإبداع لتكريم عمال مواجهة كورونا
يحتفي العالم في 21 أبريل من كل عام باليوم اليوم العالمي للإبداع والابتكار الذي أقرته الأمم المتحدة في العام ٢٠١٧م لإذكاء الوعي بدور الإبداع والابتكار في جميع مناحي التنمية البشرية، ابتداء من التعبير الفني وانتهاء بمهارات حل الإشكالات في إطار التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
وتأتي مناسبة هذا العام في ظرف حرج حيث تجتاح العالم جائحة فيروس كورونا (COVID-19) التي عطلت الكثير من مناحي الابداع والابتكار بما سببته من مرضى ووفيات في 210 دولة واقليم حول العالم إذ بلغ إجمالي المصابين حتى كتابة مقالي هذا 2,428,332 شخص توفي منهم 166,130 وأعلاهم إصابة أمريكا 765,613 توفي 40,620، اسبانيا 200,210 توفي 20,852، ايطاليا 178,972 توفي 23,660، فرنسا 152,894 توفي 19,718، ألمانيا 145,743 توفي 4,642، بريطانيا 120,067 توفي16,060.
وفي ظل هذا الوضع وجهت الأمم المتحدة نداء عالمي للمبدعين بمناسبة اليوم العالمي للإبداع والابتكار للمساعد في وقف انتشار فيروس كورونا (COVID-19) بتقديم أعمال فنية إبداعية مبتكرة باستخدام الوسائط لكافة الفئات العمرية عبر المنصات الإلكترونية المختلفة بهدف إيصال رسائل منظمة الأمم المتحدة المتعلقة بالصحة العامة في مواجهة فيروس كورونا (التباعد الجسدي، معرفة الأعراض، العدوى، المعلومات المغلوطة، التبرع).
ولا شك في أن للإبداع والابتكار الفني دور في التأثير على المجتمعات وذلك ما يؤكده الحفل الفني الافتراضي المبتكر الذي نظمته منظمة الصحة العالمية ومجموعة “غلوبال سيتزين” غير الربحية (السبت 18 أبريل) بعنوان “عالم واحد: معًا في المنزل”. “One World: Together At Home” للاحتفال بعمال الخطوط الأمامية لموجهة جائحة كورونا (COVID-19) وبثته كبرى المنصات على الإنترنت ومحطات التلفزة الأمريكية NBC و CBS و ABC على مدى 8 ساعات استضافها ثلاثة من ألمع مقدمي البرامج التلفزيونية الحية في أمريكا (جيمي فالون، جيمي كيميل، ستيفن كولبير)، (6) ساعات منها عرض مسبق وساعتين الحفل الفني الرئيسي الذي أعادت بثه محطة BBC البريطانية اليوم التالي.
شارك في الحفل عشرات من مشاهير ونجوم الفن العالميين من منازلهم أبرزهم ليدي غاغا، ستيفي ووندر، فرقة رولينج ستونز، جون ليجند، إلتون جون، سيلين ديون، ومغني الأوبرا الإيطالي الشهير أندريا بوتشيلي، وغيرهم ومن الفنانين العالميين ومن العالم العربي الإماراتي حسين الجسمي، بالإضافة إلى مشاركة سيدتي أمريكا السابقتين ميشيل أوباما ولورا بوش، والمقدمة الشهيرة أوبرا ونجم كرة القدم البريطاني ديفيد بيكهام.
تخلل الحفل كلمات ورسائل شكر وتقدير لكوادر العمل في الخطوط الأمامية (عمال النظافة، الصرف الصحي، التموين، المدرسين، خدمات التوصيل والبريد، المؤسسات غير الربحية، الطواقم الطبية). مع إبراز لبعض القصص والتجارب الملهمة التي واجهوها خلال تأدية عملهم، وتشجيع الناس حول العالم على البقاء في منازلهم، وجمع تبرعات وصلت إلى نحو 128 مليون دولار أمريكي قدمت لمنظمة الصحة العالمية دعماً لها في مواجهة جائحة فيروس كورونا (COVID-19).
وعلى ضوء ما حققه ذلك العمل الفني من أثر حيث اعتبره النقاد أنه أضخم الأعمال الفنية المبتكرة بما حصده من مشاهدات حيث تابعة على الهواء مباشرة 750 ألف مشاهد، و 23 مليون على الـ “يوتيوب”، فإنني أدعو الفنانين والمبدعين في عالمنا إلى توظيف فنونهم وإبداعاتهم في اليوم العالمي للإبداع والابتكار بدعم جهود وزارتي الداخلية والصحة وتكريم عمال الخطوط الأمامية في مواجهة جائحة كورونا (COVID-19) في بلادنا.
واختم دردشتي هذه بما قاله أمير الشعراء شوقي:
قيل ما الفن قلت كل جميل *** ملأ النفس حسنه كان فنا
وإذا الفن لم يكن لك طبعا *** كنت في تركه إلى الرشد أدنى
وإذا كان في الطباع ولم تحسن *** فما أنت بالغ فيه حسنا
وإذا لم تزد على ما بنى الأول *** شيئا فلست للفن ركنا
-
عودة المدفع
نشرت هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 2020/04/24م
بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك أهنئكم بأصدق التهاني وأدعو الله أن يعيده عليكم وعلى بلادنا والأمة الإسلامية بالخير واليُمن والبركات.
بعيداً عن جائحة كورونا وكل ما دار حولها من نقاش بشأن تغييرها لمظاهر رمضان الدينية والاجتماعية علينا، وددت أن أطل عليكم من نافذة أدبية جديدة أطلقت عليها “كلام رمضان” تعيد إليكم شيئاً من الجو الرمضاني الذي اعتدنا عليه، وقد استعرت العنوان من اسم برنامج إذاعي كان يقدمه الأديب الراحل طاهر عبد الرحمن زمخشري «بابا طاهر» في شهر رمضان قبل أكثر من 60 عاماً مدته 10 دقائق يذاع بعد مدفع الإفطار مباشرة، يخاطب من خلاله المجتمع عن الأكلات والعادات والتقاليد الاجتماعية الإيجابية والسلبية في رمضان من باب التوعية والتوجيه بأسلوب مشوق على طريقته المكاوية، فكان من أجمل وأنجح البرامج التي اجتذبت عشاق الإذاعة آنذاك.
وفي هذا الإطار سأسعى إلى إحياء مضمون ذلك البرنامج بما يتماشى مع عصرنا الحالي بدء بالكلام عن أحد أهم مظاهر العادات الاجتماعية لإعلان دخول شهر رمضان المبارك وغابت عنا منذ سنين ولم يتسن للجيل الجديد معايشتها أو حتى السماع عنها وهي إعلان دخول الشهر بـ «مدافع رمضان» وهي عادة سادت في معظم الدول الإسلامية منذ العام 1907م – 1324هـ،
بحيث تُطلق مدفع حربية من الطراز القديم قذائف بارودية ترمى باتجاه البحر أو من فوق الجبال لصناعة صوت مدوي للإعلان عن دخول شهر رمضان وفي تالي الأيام للإعلان عن حلول وقت الإفطار والإمساك ودخول عيد الفطر، واختلف المؤرخون في تحديد بداية تلك العادة فالبعض أرجعها إلى عهد السلطان المملوكي خوشقدم في العام 865هـ بالقاهرة، والبعض أرجعها إلى عهد الخديوي إسماعيل الذي تولى حكم مصر في العام 1279هـ، ومن حينها عمت العديد من المجتمعات الإسلامية والعربية واستمرت إلى عصرنا الحاضر وأصبحت عادة تمثل جانب من الإرث التاريخي للعديد من تلك المجتمعات بما في ذلك مجتمعنا حتى أن جبل المدافع بمكة المكرمة الممتد إلى جبل قعيقعان «أحد جبال الأخشبين» سمي بذلك نسبة للمدافع التي كانت تطلق منه إلى أن توقفت منذ سنوات في أوقات متفاوتة في مدننا.
كان سماع دوي تلك المدافع يدخل البهجة والسرور في نفوسنا والاحتفال بالشهر خصوصاً الأطفال الذين تعلوا أصواتهم بأهازيج وأغاني رمضانية على وقع تلك المدافع وتعم الفرحة الجميع بما في ذلك كتاب أناشيد الأطفال، ومن طريف ما كُتب لهم نشيد “مدفع رمضان” للشاعرة داليا مختار الذي نشرته في مجلة فارس:
قالوا زمان كان فيه سلطان
عثماني أصدر فرمان
عين فيه مدفع رمضان
علشان يضرب كل آذان
وقف المدفع كدة مبسوط
هتف للناس بكلام مظبوط
يلا يا صايم حضر نفسك
وحتاكل كل اللي في نفسك
غابت شمسك وأنتهى صومك
اسمع صوت راح يقلق نومك
وأدي إعلان مدفع رمضان
بمــــــــــبم بــــم … بمــــــــــبم بــــم
وفي ظل الاهتمام الذي نشهده بالتراث حبذا لو تم إعادة ضرب مدافع رمضان ضمن الأنشطة الترفيهية والثقافية الرمضانية وتوزيعها في أماكن ملائمة في أرجاء المدن ليسمعها الجميع سيما وأن المسلمون هم من بدأها وأكد جمهور العلماء بعدم حرمانيتها.
رابط المقال على صحيفة غرب الإخبارية
-
دردشات الصومعة: اللحاق بأثرياء العالم في موجهة كورونا
مضى شهر منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية في 11/03/2020م فايروس كورونا ((كوفيد-19)) وباء عالمياً تحول إلى جائحة وهو المصطلح الذي يستخدمه مختصو علم الأمراض المعدية لوصف الوباء المعدي الذي يصيب بلداً بأكمله أو عامة البلدان، حيث أصاب حتى تاريخ مقالي هذا (210) بلداً وإقليماً حول العالم أعلاها أمريكا بـ 560,433 مصاب توفي منهم 22,115، اسبانيا 169,496 توفي 17,489، ايطاليا 156,363 توفي 19,899، فرنسا 132,591 توفي 14,393، ألمانيا 127,854 توفي 3,022، بريطانيا 84,279 توفي 10,612، الصين 82,160 توفي 3,341.
وقد ترتب على ذلك أضرار إنسانية واجتماعية واقتصادية بالغة انبرى لها عدد من أثرياء العالم بتبرعاتهم السخية فتسابقت كبرى وكلات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية على تناقل أخبار تلك التبرعات من أبرزها تبرع المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «تويتر» جاك دورسي بمليار دولار وهو ما يعادل 28% من ثروته لتمويل المكافحة العالمية لفيروس كورونا، ورجل الأعمال البريطاني ومؤسس مجموعة فيرجن جروب ريتشارد برانسون بـ250 مليون دولار لدعم مرتبات 70 ألف موظف من المتضررين، ومؤسس شركة أمازون ومديرها التنفيذي «جيف بيزوس» بمبلغ 100 مليون دولار لبنوك الطعام في جميع أنحاء الولايات المتحدة، و 25 مليون دولار لـ “صندوق أمازون للإغاثة” لدعم السائقين العاملين في التوصيل والموظفين المؤقتين الذين يعانون ضائقة مالية، ومؤسس شركة مايكروسوفت بيل جيتس بـ100 مليون دولار لدعم أبحاث إيجاد لقاح للكورونا وتوفير الحجر الصحي، ورجال الأعمال الإماراتي عمر الفطيم نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة الفطيم بـ 27.2 مليون دولار ما يعادل 100 مليون درهم لإعفاء المستأجرين المستحقين في المراكز التابعة لمجموعته، ومؤسس ورئيس شركة فيس بوك مارك زوكربيرج بـ 25 مليون دولار لدعم تطوير لقاح لعلاج الفايروس، ورجل الأعمال الأمريكي ستيف بالمر الرئيس التنفيذي السابق لشركة مايكروسوفت بـ25 مليون دولار للمساعدة في محاربة فايروس كورونا، والصيني مؤسس ورئيس مجموعة علي بابا بـ14 مليون دولار لمعامل الأبحاث لتطوير لقاح كورونا، و500 ألف اختبار ومليون كمامة، والفرنسي برنار أرنو الذي يمتلك أكثر من خمسين ماركة من الماركات والعلامات التجارية العالمية الفاخرة حول مصانع العطور التي يمتلكها لتصنيع معقم اليدين مجاناً، والإماراتي مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة الحبتور خلف الحبتور بتأسيس مختبر متكامل لعلم الفيروسات والأبحاث ومبنى كامل للحجر الصحي و50 سيارة اسعاف، وسيدة الأعمال السعودية مريم المطيري بتوزيع معقمات وقفازات وقاية وكمامات على رجال الأمن المنتشرين في الطرقات، وتخصيص سيارات شركتها لتوصيل الطلبات من الصيدليات إلى منازل المواطنين مجاناً حتى انتهاء فترة حظر التجوال، ومبنى تبرعت به لوزارة الصحة مع استعدادها لتجهيزه بـ 30 سريراً طبياً.
فضلاً عن عشرات رجال الأعمال الأخرين الذين تراوحت تبرعاتهم ما بين 2 إلى 13 مليون دولار، وغابت أي تغطيات إخبارية عالمية أخرى غن تبرعات رجال الأعمال السعوديين إما لمحدوديتها أو ضعف إعلامهم وعلاقاتهم العامة أو رغبتهم في الإبقاء على تبرعاتهم سراً رغم أن ديننا الحنيف يحث على التبرع في السر والعلن كما قال تعالى ((الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)) البقرة – 274.
ولنا في الأثرياء من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أسوة حسنة كأبي أبكر الصديق، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم) عندما أعلن عن تبرعه بجل ماله لتجهيز جيش العسرة.
ومن هذا المنطلق أدعوا الميسورين في بلادنا للإنفاق بسخاء في دعم وتمويل المبادرات المجتمعية مثل مبادرة ((براً بمكة)) وتذكر الضعفاء والمساكين خصوصاً معدومي أو قليلي الدخل في هذه الظروف الاستثنائية وأن تبادر البنوك والشركات وأصحاب العقارات بإعفاء أو تخفيض الأقساط، الفواتير، الإيجارات أسوة بدعم حكومة خادم الحرمين الشريفين لأصحاب الأعمال والمواطنين المتضررين من تداعيات أزمة كورونا، والإعلان عن ذلك اتباعاً لتعاليم ديننا الحنيف وتحفيزاً للآخرين.
وخير ما اختم به دردشتي هذه ما قاله الأديب الشاعر العباسي أحمد بن جعفر البرمكي
أنفِقْ ولا تخشَ إِقلالا فقد قُسمت *** بينَ العبادِ مع الآجالَ أرزا قُ
لا ينفعُ البخلُ مع دنيا مولية *** ولا يضرُ مع الإقبالِ إِنفاقُ
وقول ابن خاتمة الأندلسي:
إذا جَدْتَ فَجُد للنَّاسِ قاطِبةً *** فالحالُ تَفنى ويَبْقى الذِّكْرُ أحوالا
لا سِيَّما ورسُولُ اللهِ ضامِنُهُ *** أنْفِقْ ولا تَخْشَ من ذِي العَرْشِ إقْلالا
-
نجوم الكرة وجائحة كورونا
يصادف اليوم الاثنين السادس من أبريل «اليوم الدولي للرياضة من أجل التنمية والسلام» الذي تعلنه الأمم المتحدة سنوياً في مثل هذا اليوم منذ العام 2013م، وبهذه المناسبة دعت الأمم المتحدة العالم هذا العام إلى الحفاظ على أنماط عيش حيوية وصحية للتغلب على جائحة فايروس كورونا التي أصابت العديد من مناحي الحياة في العالم بالشلل ومنها الأنشطة الرياضية كتأجيل أولمبياد طوكيو الصيفية إلى العام القادم، وتعليق عامة المنافسات الرياضية بما فيها كرة القدم الأكثر شعبية والأعلى إنفاقاً في العالم. ويتوقع أن يؤدي ذلك إلى خسائر مالية بمليارات الدولارات وفقدان آلاف الوظائف.
ومن المثير للانتباه أن أعلى الدول تأثراً بالجائحة هي الأعلى إنفاقاً في مجالات الرياضة كأمريكا التي بلغ فيها عدد المصابين حتى كتابة مقالي هذا 336,906 مصاب توفي منهم 9,621، اسبانيا 135,032 توفي 13,055، ايطاليا 128,948 توفي 15,887، ألمانيا 100,133 توفي 1,584، فرنسا 92,839 توفي 8,078، الصين 81,708 توفي 3,331.
وفي المقابل نجد أن نجوم الرياضة وخصوصاً كرة القدم في تلك الدول كانوا من أوائل المبادرين في التصدي لتلك الجائحة بدعمهم المعنوي للمجتمع وتبرعاتهم السخية فعلى سبيل المثال تبرع نجم المنتخب الارجنتيني ونادي برشلونة ليونيل ميسي بمليون يورو لدعم مستشفى في برشلونه وجزء لمركز طبي في الارجنتين، ونجم المنتخب البرتغالي ونادي يوفنتس الإيطالي كريستيانو رونالدو مع وكيل أعماله خورخة مينديز بمليون يورو لمستشفيات البرتغال، ونجم المنتخب الفرنسي ونادي باريس سان جيرما مبابي بمليون دولار لصالح الأطفال المتضررين من فايروس كورونا بفرنسا، ونجم المنتخب البرازيلي ونادي باريس سان جيرما نيمار بمليون دولار لمكافحة تفشي كورونا في البرازيل، والمدرب الاسباني بيب جورديولا بمليون دولار لشراء مستلزمات طبية للمستشفيات ومراكز علاج المصابين في اقليم كتالونيا، وكابتن المنتخب الاسباني ونادي ريال مدريد سيرجيو راموس بإمداد المستشفيات بـ 15000 جهاز كشف وألف جهاز حماية شخصي و 364 قناعاً للتنفس، وغيرهم من عشرات اللاعبين الذين تسابقوا في التبرع لموجهة هذه الجائحة فضلاً عن مساهمات كبار الأندية الرياضية بمساهمات مالية لشراء المستلزمات الطبية وعلاج المصابين في دولهم.
ومن اللافت أيضاً مبادرات العديد من أولئك النجوم بالتعاطف مع أنديتهم ومؤزرتها بتخفيض أجورهم طوعياً بنسب تراوحت ما بين 10% إلى 70% لتخفيف مصاريف النادي وتمكينه من صرف رواتب العاملين والإداريين بالنادي والاحتفاظ بوظائفهم.
ولاشك أن تلك المبادرات تجسد الأهمية والمعنى الحقيقي لمفهوم الاحتراف الرياضي الذي ينمي الشعور بالمسئولية الرياضة والإنسانية والاجتماعية لدى اللاعب، وهذا للأسف ما لم التمسه لدى لاعبينا أو أنديتنا فهناك غياب لمسئولياتهم الاجتماعية والإنسانية في ظل هذه الجائحة الأمر الذي يدعوني إلى مناشدتهم في هذا «اليوم الدولي للرياضة من أجل التنمية والسلام» للقيام بمسئولياتهم الاجتماعية تجاه المجتمع وعكس صورة نموذجية للعالم عن أنديتنا الرياضية ومحترفيها بالتبرع بجزء من أجورهم لشراء وسائل تعقيم ومستلزمات طبية وأدوية للأسر المحتاجة وغير ذلك من الاحتياجات اللازمة الأخرى، وتوظيف شعبيتهم لدعم حملات وزارة الصحة التوعوية سيما وأن كرة القدم هي معشوقة الجماهير ولها أثر كبير على قلوبهم ومشاعرهم فهي ليست مجرد للعب واللهو فقط بل أنها مسئولية اجتماعية أيضاً، واختم دردشتي هذه بما قاله الشاعر العراقي معروف الرصافي.
قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم*** كرة تراض بلعبها الأجسام
راضوا بها الأبدان بعد طِلابهم ***علماً تراض بدرسه الأفهام
فإذا شغلت العقل فالْهُ سويعةً *** فاللهو من تعب العقول جمام
إن الجسوم إذا تكون نشيطةً *** تقوى بفضل نشاطها الأحلام
-
حرب كورونا العالمية والدروس المستفادة
منذ أن نشرت مقالي «الكورونا بين الصين وإيطاليا وكيف نجابهه» في 17/03/2020م الذي أشرت فيه إلى التجربة الصينية في التعامل مع فايروس كورونا ومقاربة ذلك مع المنهاج النبوي في التعامل مع الأوبئة المعدية، ودعوت لأخذ المرض على محمل الجد وعدم الاستسلام له بممارسة حياتنا اليومية بصورة طبيعية مع الحيطة والحذر.
فقد تحولت مجابهة فايروس كورونا إلى حرب عالمية بالمعنى المجازي للحرب حيث هاجم الفايروس حتى كتابة مقالي هذا 199 دولة في العالم مصيباً 742,283 فرد توفي منهم 35,339 وشفي 157,043 وأعلى خمسة دول إصابة أمريكا بـ 144,410 توفي 2,600 وشفي4,573، إيطاليا 97,689 توفي 10,779 وشفي 13,030، اسبانيا 85,195 توفي 7,340، وشفي 16,780، الصين 81,470 توفي 3,304، وشفي 75,700، المانيا 63,929 توفي 560 وشفي 9,211.
وبالنظر إلى تلك الإحصائيات نجد أن الصين وألمانيا استطاعتا الحد من سرعة انتشار المرض وزيادة أعداد المتعافين وتقليص عدد الوفيات منذ إعلان تفشي المرض في شهر يناير، وقد يعود سبب ذلك إلى قوة نظام الرعاية الصحية المتوفر لديهما وفاعلية الإجراءات التي اتخذت فالصين قامت باحتوائه في بؤرة انتشاره بتطبيق حجر صحي صارم مدعوم بإجراءات طبية من أهمها توسيع الطاقة الاستيعابية لأسرة العناية المركزة وزيادة الطواقم الطبية، وتكثيف التوعية بأهمية اتباع التعليمات المرتبطة بالعناية الصحية الشخصية مثل غسل اليدين، تجنب لمس الوجه باليد والعينين والأنف والفم، استخدام معقم اليدين، تغطية الأنف والفم عند السعال باستخدام المرفق، الحفاظ على البعد الاجتماعي (مسافة متر)، العمل من المنزل وتجنب أي اجتماعات وجها لوجه.
وقامت ألمانياً بحظر التجمعات العامة لأكثر من شخصين والتشديد على ابتعاد المسافات بين الأشخاص في الأماكن العامة، إجراء فحوصات مبكرة على الحالات المشتبه فيها وزيادة طاقتها لتصل إلى نحو 16 ألف فحص أسبوعياً وفق معهد روبرت كوخ ، مضاعفة أماكن العناية المركزة والأجهزة في المستشفيات لمعالجة الحالات الحرجة واستخدام بعض الفنادق والصالات الرياضية كأماكن لعلاج الحالات الخفيفة تخفيفاً عن كاهل المستشفيات للتفرغ لعلاج الحالات الحرجة، منع تصدير المعدات الطبية الوقائية المتعلقة بفايروس كورونا باستثناء مبادرات المعونة الدولية المنسقة.
وفي هذا السياق لابد من التنويه والإشادة بالإجراءات الوقائية التي اتخذتها المملكة العربية السعودية للتعامل مع الفايروس من حيث الحجر الصحي، توفير الخدمات العلاجية وزيادة طاقتها الاستيعابية، تكثيف التوعية الصحية رغم انخفاض عدد الإصابات فيها مقارنة بتلك الدول.
ومن اللافت للاهتمام أن إجراء الحجر الصحي والتباعد المجتمعي والتوعية مع التحفيز المعنوي للفرد في مجابهة الأمراض والأوبئة المعدية هو من صميم تراثنا الإسلامي فقد ورد في الأثر أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد حجر بلاد الشام عندما انتشر الطاعون فيها، وولى عمرو بن العاص رضي الله عنه عليها بعد وفاة كل من أبي عبيدة ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما فخطب في الناس قائلاً: “أيها الناس إن الطاعون كالنار المشتعلة وأنتم وقودها فتفرقوا وتجبّلوا (أي اصعدوا إلى الجبال) حتى لا تجد النار ما يشعلها فتنطفئ وحدها”. فلما سمعوا واستجابوا نجوا جميعاً ورفع الله البلاء.
وبالعودة إلى حرب كورونا العالمية إن أهم درس سيستفيد منه العالم هو أهمية أن يكون لديه نظام صحي قوي مبني على خطط استعدادية للأوبئة، والاستثمار في الكوادر العاملة في القطاع الصحي والمختبرات والمستلزمات الوقائية الشخصية. فعلى سبيل المثال كان التفوق الألماني على الدول الأوربية في موجهة كورونا بسبب وجود نظام رعاية صحي قوي تميز بوفرة المختبرات والفحوصات وعدد الأماكن المتاحة بأقسام العناية المركزة في المستشفيات حيث يتوفر لديها 28031 سرير عناية مركز مجهزة بأجهزة تنفس صناعي موزعة على 1160 مستشفى أي 33,7 سرير عناية مركزة لكل 100 ألف نسمة.
ولابد من الأخذ في الاعتبار أيضاً بأهمية الايمان بالقضاء والقدر مع الوعي الصحي العام والأخذ بالأسباب وأفضل ما أختم به دردشتي هذه هو ما قاله الفقيه الأديب الشاعر والمؤرخ ابن الوردي قبل وفاته بالطاعون بيومين:
ولستُ أخافُ طاعوناً كغيري *** فما هوَ غيرُ إحدى الحسنيينِ
فإنْ متُّ استرحتُ من الأعادي *** وإنْ عشتُ اشتفتْ أذني وعيني
-
اليوم العالمي للسل في ظل جائحة كورونا
مضى على ظهور وتفشي جائحة فايروس كورونا (كوفيد-19) نحو 13 أسبوع أصيب فيها أكثر من 351 ألف شخص توفي منهم (15,337) وشفي (100,569) وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية انشغلت المجتمعات عن الأيام الدولية التي تعلنها الأمم المتحدة وتدعو الدول الأعضاء للاحتفال بها تحت شعارات محددة بهدف إحياء ذكرى أو مناسبة أو التوعية بقضية ما، وبدورهم يقومون بإحيائها كلاً حسب امكانياته وقدراته ومستوى الوعي المجتمعي لديه، وقد مرت بعض تلك الأيام خلال هذه الفترة دون إحيائها أو ذكرها بسبب تأجيل أو إلغاء فعالياتها بحكم الحجر الصحي المنزلي في معظم المجتمعات.
فعلى سبيل المثال مر اليوم العالمي للسعادة يوم 20 مارس الذي تعلنه الأمم المتحدة اعترافا بأهمية السعي للسعادة أثناء تحديد أطر السياسة العامة لتحقق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر وتوفير الرفاهية لجميع الشعوب وشعاره لهذا العام «السعادة للجميع إلى الأبد»، واليوم العالمي للشعر الذي يصادف 21 مارس بهدف دعم التنوع اللغوي من خلال التعبير الشعري، وإتاحة الفرصة للغات المهددة بالاندثار بأن يُستمع لها في مجتمعاتها المحلية، واليوم العالمي لمتلازمة داون بهدف توعية المجتمع بها وشعار هذا العام “نحن من يقرر”، واليوم العالمي للمياه الذي يصادف 22 مارس للتوعية بأهمية المياه العذبة والتشديد على أن المياه ومعايير الصرف الصحي هي مداخل أساسية في عمليات خفض الفقر والنمو الاقتصادي والاستدامة البيئية وشعار هذا العام ” المياه وتغير المُناخ”.
وبرأيي كان على المجتمعات أن تبتكر وسائل إبداعية لإحياء تلك المناسبات لتحقيق أهدافها أسوة بما فعلوه مع التعليم والعمل عن بعد، عوضاً عن انشغالهم بالكورونا فقط على حساب القضايا الأخرى كمن يوصد باب كوخه لحماية نفسه من العاصفة ويترك النوافذ مشرعة.
ومن هذا المنطلق أذكر باليوم العالمي للسل الذي يصادف يوم 24 مارس وهو ذكرى اليوم الذي اكتشف فيه الدكتور روبرت كوخ البكتيريا المسببة لمرض السل في العام 1882م، ويأتي احتفال هذا العام تحت شعار “حان الوقت” وذلك من أجل إذكاء وعي الجمهور بالعواقب الصحية والاجتماعية والاقتصادية المدمرة للسل وتكثيف الجهود الرامية إلى إنهاء وبائه في العالم، إذ لا يزال من أكثر الأمراض المعدية فتكاً في العالم، حيث يسبب يومياً هلاك أكثر من 4000 شخص واعتلال ما يقرب من 30000 حول العالم. رغم أنه بالإمكان الوقاية منه وعلاجه.
وللمصادفة يتزامن احتفال هذا العام والعالم يعيش حرباً مع أجد وأخطر أمراض الجهاز التنفسي جائحة كورونا (كوفيد-19)، وعليهم ألا يغفلوا عن التزاماتهم تجاه مرض السل من حيث تعزيز الاستفادة من فرص الوقاية منه وعلاجه، تعزيز المساءلة، ضمان توفير التمويل الكافي والمستدام، بما في ذلك لأغراض البحوث، الترويج لإنهاء الوصم والتمييز الناجمين عنه، تعزيز الاستجابة له على نحو منصف يراعي الحقوق ويركّز على الناس.
وفي هذ السياق اختم دردشتي هذه بمقتطفات من أبيات شعرية للأديب الراحل طاهر زمخشري رحمه الله نظمها في زوجته حينما اعتلت بمرض السل وماتت به في مطلع خمسينيات القرن الماضي ونشرها في ديوانه «أنفاس الربيع» عام 1955م من قصيدة «صبراً»
“وسألت الطبيب عن علتها.. فأرسل آهة طويلة.. وأردف بقوله: إنها علة السلال”
يقولون صبراً فقلت: وهل لها *** سوى ذاك؟ إن الصبر بالحر أخلقُ
فيا أيها الربان جدف ولا تخف *** رسوّ سفيني عن قريب محقق
لا تخافي
“وقالت وهي تلفظ أنفاساً مضطربة، إني أشعر بالموت يدب في مفاصلي..”
لا تخافي صولة الداء فما *** خفت يوماً من تصاريف القضاء
فاهزئي بالداء لا تخشِ الضنى *** كل داء سوف يتلوه شفاء
غُلبت على أمري
“وكانت في ليلتها الأخيرة هادئة مستغرقة في شبه غيبوبة الحالم فتهيأ لينام ولكن.”
يقولون لي: ماتت فقلت: أنا الذي *** أموت، وحسبي أن قلبي أسوان
تموت وأحيا بالشجون مفرداً *** في أي أذن نسكب الشجو أوزان؟
وزيدي يقيناً أنه بات ملهمي *** قلائد منها في مراثيك ديوان
يا ليالي
“وأودعتها مقرها الأخير وتفرق المشيعون ووقفت مكاني أذرف هذه الدمعة”
يا ليالي وأدت فيك سعودي *** وهو يختال في مطارف سود
هكذا الموت لا يبالي إذا *** ألقى شباكا بأرملٍ أو وليد
لو يعيد البكاء ميتاً لأغرقت *** جفوني بدمعتي كي تعودي
بيد أني وسدتك للتراب قسراً *** نحن من قبضة الردى في قيود
-
الكورونا بين الصين وإيطاليا وكيف نجابهه
مواكبة مع حديث الساعة “كورونا” الذي شغل العالم أجمع بما أحدثه حتى كتابة مقالي هذا من إصابة (181,335) توفي منهم (7,130) وشفي (78,332) مصاب، وخسائر تجاوزات مليارات الدولارات.
استوقفني هذا اليوم تصريح رئيس وزراء إيطاليا «جوزيبي كونتي» بقوله “الأسابيع المقبلة ستشهد الخطر الأكبر” وذلك بعد أن حلت بلاده ثاني أعلى دولة إصابة بالفايروس بعد الصين إذ بلغ عدد المصابين بها بمساء يوم الاثنين 16 مارس (27,980) توفي منهم (2,158) في أقل من شهر وهذا ما يعادل 7,70% من إجمالي المصابين وهو ضِعف نسبة المتوفين من المصابين في الصين 3,97%.
وقد يعود ذلك إلى أسباب مختلفة من أهمها التأخر في التعامل مع المرض بجدية منذ بداية تفشيه ونقص الخدمات والكوادر الطبية مقارنة بعدد المصابين مما جعل الأطباء في إيطاليا يعيشون مأساة إنسانية مع الحالات المتكدسة فنقلاً عن الدكتور أحمد نبيل الباحث بقسم الجراحة والسرطان بكلية لندن الإمبراطورية في تغريدات على حسابه في تويتر لأمثلة من معاناة المستشفيات في إيطاليا قال أحد أطباء العناية المركز في مستشفى بمدينة لومباردي الإيطالية “لقد عملت في بريطانيا وإيطاليا وأستراليا، ولا أريد لأحد أن يتصور أن ما يحدث يحدث في دولة من العالم الثالث.
لومباردي هي أكثر المدن الإيطالية تطورًا وبها نظام صحي استثنائي، من الصعب تصور الوضع الحالي، فالأرقام لا توضح الصورة كما هي على الإطلاق.
مستشفياتنا مُنهكة ومُرهقة بسبب مرض الكورونا وهي تعمل بسعة ٢٠٠٪، لقد توقفنا عن كل الأعمال الروتينية في المستشفى.
كل غرف العمليات تم تحويلها إلى غرف عناية مركزة. حتى أنه تم التوقف عن علاج حالات الحوادث والجلطات، أو تحويلها لأماكن أخرى.
لدينا مئات من المرضى الذين يعانون من فشل رئوي حاد وليس لدينا لهم سوى كمامات عادية، ومرضى الأمراض المزمنة من عمر الـ ٦٥ فأقل لا يتم حتى رؤيتهم من قبل أطباء العناية المركز.
أنا لا أقول بأنه لا يتم تنبيبهم (أي وضع أنبوب بلاستيكي في القصبة الهوائية لإبقاء مجرى التنفس مفتوحًا) بل أقول لا يتم رؤيتهم، ولا يوجد طاقم أطباء عناية مركزة لهم حتى عندما تتوقف قلوبهم، أصدقائي الأطباء يتصلون بي وهم يبكون لأنهم يرون الناس يموتون أمامهم ولا يمكنهم فعل شيء سوى إعطائهم الأوكسجين.
بسبب نقص الكوادر صرنا نستعين حتى بأطباء جراحة العظام وأطباء علم الأمراض، أرجوكم توقفوا هنا. اقرؤوا الكلام مجددًا. وتفكروا!، لقد رأينا ذات النمط في عدة أماكن مع فاصل زمني قدره أسابيع. ولا يوجد أي سبب أن نشاهد نفس النمط يتكرر في كل مكان.
النمط: الأول، إصابات قليلة مؤكدة، تطبيق إجراءات احترازية ووقائية بسيطة، الناس يمارسون حياتهم بشكل طبيعي ويستمرون في مناسباتهم الاجتماعية، الجميع يدعو لعدم الهلع.
النمط الثاني: بعض حالات الفشل الرئوي المتوسطة تحتاج إلى تنبيب. حتى الآن كل شيء يبدو رائعًا وبخير.
النمط الثالث: أفواج من المرضى يصيبهم فشل رئوي متوسط تسوء حالتهم مع الوقت حتى يتم ملئ كل غرف العناية المركزة ثم استنزاف جميع أجهزة التنفس وصولا للكمام والأكسجين العادي.
النمط الرابع تبدأ الكوادر الطبية بالإصابة بالمرض فيصبح من الصعب تغطية المناوبات. عدد الوفيات يزداد بحدة بسبب نقص الرعاية.
كل ما تحتاجونه من أساليب لمعالجة المرضى متاح على الإنترنت، لكن الشيء الوحيد الذي سيصنع الفارق هو عدم الخوف من اتخاذ أقصى الإجراءات المشددة لحماية الناس. إذا لم تتخذ الحكومات ذلك، فعليكم أنتم أن تحموا عوائلكم خصوصًا من لديهم أمراض مزمنة.
سلوك آخر شاهدناه كثيرًا أن الناس حينما تقرأ وتسمع هذا الكلام يقولون “نعم الوضع سيء يا صديقي” ثم يخرجون ويتناولون العشاء معاً معتقدين أنهم في مأمن. لقد رأينا نحن هول المشهد. قد يمكنكم تفاديه إذا أخذتموه على محمل الجد. أتمنى ألا يصبح الوضع لديكم بهذا السوء، لكن.. تجهزوا.”
وفي مشهد آخر لطبيب العناية المركزة Daniele Macchini منقول من حساب Silvia Stringhini يقول “الوضع حرب فعليًا، كل شيء يبدو كالحُلم. لم يعد هناك شيء اسمه اختصاصات طبية مختلفة الكل “طبيب” فقط ويخدم في كل مكان. لم يعد هناك “مناوبات” نحن في المستشفى ليل نهار. ترددت كثيرًا في كتابة هذا الكلام. لكني أعتقد أن عدم كتابته هو تصرف غير مسؤول.
تأتينا إصابة جديدة تلو الأخرى بنفس التشخيص؛ التهاب رئوي حاد، التهاب رئوي حاد، التهاب رئوي حاد. جميعهم يحتاجون لدخول المستشفى. الأعداد تتضاعف ولدينا ١٥-٢٠ دخول جديد للمستشفى كل يوم. بالله عليكم أخبروني أي إنفلونزا تلك التي تُسبب هذا المشهد؟
أنا من الأشخاص الذين شكوا بأن الوضع سيكون بهذا السوء. لكني لا أفهم الدراما في احتجاج البعض على تخويف الناس بحجة أنهم لا يريدون لحياتهم اليومية أن تتعطل “مؤقتًا”؟ ما أسوأ ما قد يسببه الذعر؟ ألا تتوفر الكمامات في السوق؟ هل هذا الثمن يستحق الأرواح التي تُزهق والمشهد الذي نعيشه؟
الحرب مستمرة ليل نهار. كوادرنا مُرهقة وأصابنا المرض رغم اتباعنا للبروتوكولات. لم يعد لدينا حياة اجتماعية. أجهزة التنفس في المستشفى أصبحت كالذهب. على الجميع مسؤولية. أرجوكم أوصلوا هذه الرسالة للجميع حتى نمنع حدوث هذا المشهد في أماكن أخرى من إيطاليا”.
وبدوري أنقل رسالة ذلك الطبيب لمجتمعنا حتى لا تتكرر تلك المشاهد المؤلمة في مستشفياتنا فكما قال استشاري طب الأسرة الدكتور سامي الرحيلي في تغريدة على حسابه في تويتر “مصطلح قمة جبل الجليد عند التعامل مع الامراض والاوبئة، هو ما يدفع الحكومات والجهات المختصة للقيام بإجراءات للسيطرة على عدوى المرضى المصابين دون أعراض ويبدون أصحاء، عدم الامتثال والتعاون يؤدي الى مثل قصة التايتنك عندما شاهدوا قمة الجليد واهملوا الجبل أسفل منها”.
وبالعودة إلى المقارنة ما بين الصين وإيطاليا فكلنا نذكر مع ظهور المرض وانتشاره في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي قامت الحكومة الصينية باتخاذ مجموعة من الإجراءات الهامة لمجابهة المرض مستفيدين من تجربتهم السابقة مع فايروس سارس حيث قامت بتشكيل لجنة مركزية برئاسة رئيس الحزب الحاكم، إلغاء احتفالات رأس السنة الصينية وتمديد إجازتها، التزمت بالإعلان بشفافية عن الحالات المصابة وإبلاغ منظمة الصحة العالمية بالمرض، عزل مقاطعة هوبي عن باقي الصين، تعليق الدراسة في كافة مدن الصين، إقالة المسئولين الذي تقاعسوا في التعامل مع المشكلة منذ بدايتها، وضع توقع لعدد المصابين وبناء مستشفى يضم 1000 سرير خلال 8 أيام عمل مع تحويل بعض الملاعب والصالات المغطاة إلى مستشفيات ميدانية، حظر التجول في المناطق الموبوءة وتوظيف التقنيات والذكاء الاصطناعي للمساعدة في توفير الاحتياجات اليومية للسكان مع نشر قرابة 300 مليون كاميرا رقمية لرصد ومتابعة انتشار الوباء.
وبهذا مثلت نموذج عملي للاقتداء به في مجابهة الكورونا وهو أقرب ما يكون للمنهاج النبوي في التعامل مع الأوبئة المعدية حيث ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الطَّاعونُ رِجْزٌ أُرسِل على بني إسرائيلَ أو على مَن قبْلَكم فإذا سمِعْتُم به بأرضٍ فلا تقدَموا عليه وإذا وقَع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرُجوا فرارًا منه»، والطاعون في معجم لسان العرب «المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد له الأمزجة والأبدان» وفي المعجم الوسيط «داء وَرَمِي وبائي سببه مكروب يصيب الفئران، وتنقله البراغيث إلى فئران أخرى وإلى الإنسان».
ولعل السبب في انتشار الفايروس في أرجاء الكرة الأرضية عندما سارعت الدول في إجلاء رعاياها من مقاطعة هوبي إلى بلدانهم في الوقت الذي كان عليهم البقاء في موطن الداء بدلاً من الفرار منه، وخلاصة القول علينا أن نأخذ المرض على محمل الجد، وألا نستسلم له ليشل حياتنا بالكلية، مع ممارسة حياتنا اليومية بصورة طبيعية وأخذ الحيطة والحذر خصوصاً وأنه لا يعرف على وجه التحديد متى سيتم إيجاد لقاح له، واختم دردشتي هذه بما قاله العلامة جلال الدين السيوطي:
فما الطاعون أفلاك ولا إذ *** مزاج ســـاء أو فسـد الهواء
رسول الله أخبرنا أن هذا *** بوخز الجـن يطعننــا العداء
يسلطهم إلــه الخلـق لمــا *** بهم تفشو المعاصي والزناء
يكون شهادة في أهل خير *** ورجساً للأولى بالشر باؤوا
أتانا كـل هـذا فــي حديث *** صحيح ما بــه ضعف وداء
الرئيسية
عدد المشاهدات 1٬010