-
الوقاية من العمى وضعف البصر في ظل جائحة كورونا
ختمت مقالي في الأسبوعي الماضي «السكري ومضاعفاته في ظل جائحة كورونا» بمناشدة الميسورين من أصحاب القلوب الرحيمة لمساعدة المواطنة أم فيصل بتحمل قيمة عملية علاج زوجها لإنقاذه من العمى في ظل عجز الجمعيات والجهات الخيرية عن ذلك وتعذر مستشفى العيون عن إجراء العملية.
وبعد أن أكدت لي جمعية إبصار الخيرية للتأهيل وخدمة الإعاقة البصرية بأنه لم يعد باستطاعتها اجراء العمليات الجراحية للعيون مكتفية بأداء أهدافها المناطة بها، راسلتهم مرة أخرى على حسابهم الرسمي في توتير بالتالي:
«أشكر تجاوبكم وحيث أنه لا يوجد جمعية أخرى في المنطقة تعمل على الحد من حالات الإعاقة البصرية ومساعدة المحتاجين منهم، فإننا نناشدكم بمساعدة هذا المواطن الذي يعتبر من ذوي الإعاقة البصرية وذلك ضمن أحد أهداف الجمعية المعلنة: تأهيل المعوقين بصرياً والمختصين والعاملين في المجال، تقديم اختبارات تقويم البصر لضعاف البصر، توفير التكنولوجيا لضعاف البصر مع الدعم والمساندة التدريبية، توعية المجتمع عن أسباب الإعاقة البصرية وطرق الوقاية منها، تجميع وتصنيع الأدوات البصرية، إنشاء مراكز البحث العلمي والمعاهد المتخصصة في خدمة العوق البصري، دعم الأبحاث والدراسات المتعلقة بالإعاقة البصرية، تطوير الأبحاث والخدمات المتعلقة بالعوق البصري.
حيث أن المواطن معرض للإصابة بالعمى في حالة عدم إجراء العملية الجراحية ومضاعفات صحية أخرى. وأنا على يقين أن المحسنين من أبناء المنطقة لن يترددوا في دعم الجمعية لتمويل علاجه والحصول على تخفيض 50% من إحدى المستشفيات. وجزاكم الله خير على مساعيكم الحميدة».
وردوا بالتالي «وحتى في المملكة لا يوجد جمعية .. كانت ابصار تقوم بذلك كهدف غير معلن من تلقاء نفسها ضمن برامج مكافحة العمى لأن ليس من اهدافها اجراء العمليات .. ونظراً للظروف التي تكالبت على الجمعية قبل اعلان مجلسها الجديد .. افضل شيء للمواطن ان يراجع مستشفى العيون لعل وعسى ..».
وعلى ضوء تلك الإجابة أدركت أن هناك حاجة ماسة وعاجلة لتوعية الجمعيات الأهلية العاملة في المجال الصحي خصوصاً خدمات الإعاقة البصرية وإعادة التأهيل بقضية العمى الممكن تفاديه للحد من تزايد أعداد حالات الإعاقة البصرية خصوصاً في ظل جائحة كورونا التي سجلت حتى الآن 12,057,584 حالة في 213 بلد وإقليم حول العالم أعلاهم أمريكا بـ 3,122,040 توفي منهم 134,347، البرازيل 1,683,738 توفي 67,113، الهند 769,041 توفي 21,144، روسيا 700,792 توفي 10,667، بيرو 309,278 توفي 10,952، تشيلي 303,083 توفي 6,573، واحتلت المملكة المرتبة 13 بتسجيل 220,144 حالة توفي 2,059.
وفي المقابل بلغت حالات الإعاقة البصرية حول العالم وفق إحصائية منظمة الصحة العالمية 2.2 مليار شخص منهم 1 مليار على الأقل كان بالإمكان إنقاذهم من العمى أو لم يتم معالجتهم بعد، وفي هذا السياق ذكر مدير عام المنظمة د. تيدروس أدهانوم: «إن أمراض العين وحالات ضعف البصر مستشرية على نطاق واسع، وهي غالباً لا تحظى بالعلاج إلى حد جدّ بعيد. ويجب أن يتمكن الذين تلزمهم العناية بالعين من الحصول على تدخلات عالية الجودة من دون التعرض لأزمات مالية، وأن تُدرج هذه العناية في الخطط الصحية الوطنية ومجموعات خدمات الرعاية الأساسية بوصفها جزءاً هاماً من جهود كل بلد من أجل تحقيق التغطية الصحية الشاملة».. و «من غير المقبول أن يكون هناك 65 مليون شخص من المصابين بالعمى أو حالات ضعف البصر بالوقت الذي يمكن فيه تصحيح رؤيتهم بين عشية وضحاها بفضل إجراء عملية علاج إعتام عدسة العين، أو أن يعاني يومياً أكثر من 800 مليون شخص أثناء مزاولتهم لأنشطتهم من جراء تعذّر حصولهم على النظارات الطبية».
وعلى النطاق المحلي فإن المملكة العربية السعودية من ضمن دول العالم التي يشهد فيها العمى وضعف البصر تزايداً إذا تشير إحصائيات الهيئة العامة للإحصاء لعام 2017م أن الصعوبات البصرية تمثل نسبة 46% من إجمالي السكان ذوي الإعاقة وهي الأكثر انتشاراً في المملكة. وهناك ما يقارب 830,745 حالة ضعف بصر بدرجاتها الثلاث (خفيفة، شديدة، بالغة) يمثل الذكور أكثر من النصف (55%) بينما نسبة الإناث تقارب 45% من الحالات، ووفق رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة العمى “لمع ” صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن أحمد بن عبد العزيز فإنّ معدّل الإعاقة البصرية يصل إلى 3.9% لدى من تزيد أعمارهم عن الخمسين عامًا، في حين تصل نسبة ضعف البصر الشديد بينهم إلى 2.6% والمتوسط إلى 14.9%..
وكانت المملكة من أوائل الدول التي انضمت إلى المبادرة العالمية (الرؤية 2020: الحق في الإبصار) التي هدفت إلى وقاية 100 مليون شخص من العمى بحلول العام 2020م، ممثلة في وزارة الصحة واللجنة الوطنية لمكافحة العمى برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن أحمد بن عبد العزيز، والتي من أهم مبادئها توحيد وتنسيق الجهود بين القطاعات الحكومية والخاصة والأهلية لمكافحة العمى الممكن تفاديه وعلى هذا الأساس انضمت جمعية إبصار إلى عضوية اللجنة الوطنية لمكافحة العمى بموجب قرار جمعيتها العمومية (الثلاثاء الموافق 27/03/1427هـ -25/04/2006م)، ومن حينها بادرت الجمعية بتنفيذ برنامج لعلاج حالات أمراض العيون المؤدية للعمى مع تقديم برامج وخدمات إنسانية أخرى.
والحقيقة إن تكلفة إنقاذ مريض من الإصابة بالعمى أقل بكثير من الكلفة المالية والاجتماعية لإعادة تأهيل وتدريب شخص أصيب بالعمى أو ضعف البصر وكان بالإمكان إنقاذه ولذلك أكرر دعوتي إلى جمعيات الإعاقة البصرية في بلادنا بأن يضعوا مكافحة العمى الممكن تفاديه ضمن أولوياتهم خصوصاً وأن الدراسات والأبحاث العالمية أكدت تزايد حالات العمى الناجمة عن اعتلالات الشبكية بسبب السكري، وأن التدخل المبكر عنصر فعال للحد من ذلك، كذلك تكثيف أنشطتهم الاجتماعية والإنسانية خصوصاً في ظل هذه الجائحة التي نمر بها.
ومناشدة عامة أهل الخير بمساعدة المواطنة أم فيصل في علاج زوجها المهدد بالإصابة بالعمى وفق التقارير الطبية بالحالة وذلك من باب فعل الخير والإغاثة واختم بقول الشاعر السوري الراحل خليل بن أحمد بك:
إِنْ كان قلبك لم تعطفه عاطفةٌ *** عَلى المساكين فاستبدلْ به حجرا
-
السكري ومضاعفاته في ظل جائحة كورونا
كان من المفترض أن أتناول في دردشتي هذا الأسبوع القمة العالمية «اللقاح للجميع» التي أقيمت يوم الأحد 28 يونيو بمبادرة مشتركة بين المفوضية الأوروبية الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، ومنظمة المواطن العالمي (Global Citizen)، وتضمنت حفلاً غنائياً افتراضياً بث تلفزيونياً في أنحاء العالم شارك فيه عدد من نجوم الغناء العالميين منهم مايلي سايرس، جاستن بيبر، شاكيرا، الثنائي الغنائي كلوي، هالي، وآشر وغيرهم، جُمع خلالها نحو 7 مليار دولار ستخصص لاختبارات الكشف عن كوفيد-19 والعلاجات واللقاحات ذات الصلة، لدعم أفقر المجتمعات وأكثرها تهميشا في العالم، مع التشديد على ضرورة توفير اللقاح للجميع عند التوصل إليه.
سيما وأن الجائحة لا تزال محط قلق عالمي بتزايد أعداد الحالات إذ سجل حتى الآن 10,690,566 إصابة في 213 بلد وإقليم حول العالم أعلاها أمريكا بـ 2,751,571توفي 130,390، البرازيل 1,426,913 توفي 60,194، روسيا 654,405 توفي 9,536، الهند 604,808 توفي 17,848، بريطانيا 313,483 توفي 43,906، اسبانيا 296,739 توفي 28,363، واحتلت السعودية المركز 15 بتسجيل 194,225 حالة توفي منهم 1,698.
ولكن اتصالاً على جوالي جعلني أغير مسار مقالي لأتناول حالة إنسانية قد تكون نموذج لحالات أخرى مشابهة تستدعي الدعم والمساعدة العاجلة وأنشغل عنها المجتمع بجائحة كورونا، فقد كان الاتصال من مواطنة من محافظة جدة رمزت لنفسها بأم فيصل سألتني إن كان هذا رقم جمعية إبصار فأجبتها بالنفي وأن هذا رقمي الخاص وقد تركت العمل بها منذ 5 سنوات، فسألتني عما إذا كان لدي معلومات عن شروط المساعدة وهل أتوقع أن تساعدها الجمعية فسألتها عن حاجتها.
فقالت إن زوجي بحاجة إلى عملية جراحية عاجلة في عينه حيث أفادنا الطبيب أنه يعاني من مياه بيضاء وزرقاء بالعين اليسرى ويحتاج إلى إجراء عملية لإزالة المياه الزرقاء بواسطة صمام أحمد وإزالة المياه البيضاء وزارعة عدسة، وأن تكلفة العملية تبلغ 27550ريال ويجب إجراءها خلال شهرين على الأكثر تفادياً لفقدانه الرؤية فيها، خصوصاً وأنه فقد الرؤية في عينه الأخرى بسبب المرض.
وقد انقضى شهرين ونصف دون أن نتمكن من إجراء العملية لعدم قدرتنا على تحمل قيمتها فنحن نعيش على الضمان الاجتماعي منذ أن توقف زوجي عن عمله كسائق أجرة قبل 10 سنوات بسبب داء السكري الذي سبب له ضعف في الرؤية ووظائف الكلى إضافة إلى أنه يعاني من مشاكل صحية أخرى منها قصور في عضلة القلب وكولسترول في الدم وهو لا يزال في الـ 47 من عمره، كما زادت جائحة كورونا من صعوبة حالتنا الاجتماعية فلدينا 5 أطفال أكبرهم 15عام وأصغرهم رضيع وفقدت عملي من المدرسة الأهلية التي كنت أعمل بها إدارية لزيادة دخل الأسرة بعد أن توقفت المدرسة بسبب الجائحة، وكل ما أرجوه الآن انقاذ زوجي من العمى فهو في حالة نفسية سيئة جداً ولا يتوقف عن البكاء خوفاً ورهبة من فقدان بصره كلياً وعدم تمكنه من رؤية أبنائه.
ومن واقع تجربتي السابقة مع حالات مشابهة إبان عملي في جمعية إبصار أدركت الحالة النفسية التي يمر بها الزوج والأسرة وأنهم في أمس الحاجة إلى إجراء العملية الجراحية عاجلاً ومراجعة عيادة ضعف بصر، وبرنامج إعادة تأهيل شاملاً إرشاد أسري وتثقيف صحي، فنصحتها بالاتصال على جمعية إبصار وعرض حالة زوجها عليهم وطلب مساعدتهم، كذلك ينبغي عليها تفعيل المساعد الصوتي بالجوال لتمكين زوجها من الاعتماد على نفسه في استخدام الهاتف وتطبيقاته لما لذلك من أثر إيجابي في رفع روحه المعنوية واستعادة ثقته بنفسه تدريجياً.
وفي اليوم التالي أبلغتني بأنها ذهب إلى مستشفى العيون بجدة كمحاولة للإسراع في إجراء العملية وأُبلغت بأن حالته الصحية تصنف ضمن الحالات الحرجة وأن الظروف لا تسمح بإجراء العملية له في ظل الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا، وأبلغتها جمعية إبصار بأنهم لا يدعمون العمليات الجراحية والخدمة المتوفرة لديهم هي التدريب والتأهيل فقط، بالإضافة إلى اعتذار جمعيات وجهات خيرية أخرى تواصلت معهم لنفس الغرض.
والحقيقة إن قصة أم فيصل مثيرة للاهتمام فهي تعكس واقع داء السكري وانعكاساته الصحية على الفرد والمجتمع وأنه يمثل خطورة لا تقل كثيراً عن كورونا، إذ يتوقع أن المصابين به قد بلغوا نحو 13.2% من السكان، و 16.3%. معرضين للإصابة به، ومضاعفاته تسبب حالات العمى وإعاقات أخرى ومشاكل صحية قد تصل إلى حد الوفاة، كما تؤكد قصتها ضرورة تضمين برنامج مكافحة العمى الممكن تفاديه ضمن أنشطة وبرامج الجمعيات الصحية الأهلية خصوصاً المتخصصة في الإعاقة البصرية.
ومن هذا المنطلق فإنني أدعو جمعيات الإعاقة البصرية في بلادنا بأن يضعوا مكافحة العمى الممكن تفاديه ضمن أولوياتهم خصوصاً وأن الدراسات والأبحاث العالمية أكدت تزايد حالات العمى الناجمة عن اعتلالات الشبكية بسبب السكري، وأن التدخل المبكر عنصر فعال للحد من ذلك، كذلك تكثيف أنشطتهم الاجتماعية والإنسانية خصوصاً في ظل هذه الجائحة التي نمر بها.
وبالعودة إلى موضوع أم فيصل في ظل عجز الجمعيات والجهات الخيرية التي توجهت إليهم لمساعدتها فإنني أناشد الميسورين من أصحاب القلوب الرحيمة لمساعدتها في إجراء العملية لزوجها وانقاذه من العمى من باب صنع الجميل وإغاثة الملهوف، وأختم دردشتي بإعادة الأبيات التي أوردتها في مقالي السابق للشاعر السوري الراحل خليل بن أحمد بك:
صنعُ الجميلِ وَفعلُ الخيرِ إِنْ أُثِرا *** أبقى وَأَحمد أَعمال الفتى أَثَرا
بَلْ لستُ أَفهم معنى للحياة سوى *** عن الضعيفِ وإنقاذ الذي عثرا
والناسُ ما لم يواسوا بعضَهمْ فهمُ *** كالسائماتِ وَإِن سمَّيتهمْ بشرا
إِنْ كان قلبك لم تعطفه عاطفةٌ *** عَلى المساكين فاستبدلْ به حجرا
هي الإغاثةُ عنوانُ الحياةِ فإِنْ *** فقدتها كنت مَيْتاً بعد ما قبرا
-
دردشات الصومعة: العودة للنشاط التجاري والتعافي الاقتصادي من جائحة كورونا.
مع مطلع الأسبوع عدنا بفضل الله إلى فتح النشاط الاقتصادي الكلي كمعظم دول العالم بعد فترة إغلاق دامت لأكثر من 3 أشهر بسبب الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية للحد من انتشار فيروس كورونا الذي لا يزال يعصف بدول العالم خصوصاً الأميركتين، إذ بلغ عدد المصابين به حتى الآن 9,436,028 شخص في 213 بلد وإقليم حول العالم أعلاهم إصابة أمريكا بـ 2,440,811 توفي منهم 123,830، البرازيل 1,157,451 توفي 52,951، روسيا 606,881 توفي 8,513، الهند 472,947 توفي 14,906، بريطانيا 306,862 توفي 43,081، اسبانيا 294,166 توفي 28,327، واحتلت المملكة المركز 15 من بين دول العالم بعدد إصابات 167,267 توفي 1,387.
وقد سبب الإغلاق أضراراً اقتصادية للعديد من الدول وقطاعات الأعمال نتج عنها خسائر مالية وتسريح العديد من العاملين من وظائفهم بالإضافة إلى أضرار اجتماعية أخرى، ولتقليص تلك الاضرار والحد منها اتخذت العديد من دول العالم خصوصاً المتقدمة اقتصادياً مجموعة من التدابير والإجراءات على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية ضخت أكثر من 2 ترليون دولار مساعدات تحفيزية تتضمن دفعات نقدية فورية للأمريكيين ذوي الدخل المحدود، ألمانيا 750 مليار يورو لمساعدة الشركات والأشخاص المتضررين من تفشي فيروس «كورونا»، إسبانيا 200 مليار يورو لمساعدة الشركات وحماية العمال والمجموعات الأضعف التي أرهقها انتشار فيروس كورونا، وعلى النطاق المحلي ضخت المملكة العربية السعودية 230 مليار ريال لحماية الوظائف والأعمال، وتخفيف العبء الاقتصادي للأزمة.
وبرغم تلك الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الدول فإنه يتوقع أن يدخل العالم في حالة انكماش وكساد اقتصادي بنسب متفاوتة ووقوع فئة من المجتمعات في الفقر بسبب انخفاض مستوى أجورهم أو فقدان وظائفهم حيث أن العديد من الأنشطة التجارية التي تدر عوائد مالية لاقتصادات الدول وتوظف آلاف العاملين مثل السياحة والسفر والترفيهية وما يرتبط بها من أنشطة تجارية أخرى ستحتاج مزيد من الوقت لاستعادة أنشطتها بطاقتها الكاملة وتعويض خسائرها، وقد لا تستطيع ذلك ما لم يظهر لقاح للفيروس، إذ أكد البيان الصحفي للبنك الدولي المنشور على موقعه الإلكتروني في (08/06/2020م) حول تقريره (الآفاق الاقتصادية العالمية – يونيو 2020): “إن الصدمة السريعة والشديدة لجائحة فيروس كورونا وتدابير الإغلاق التي اتخذت لاحتوائها هوت بالاقتصاد العالمي في غمرة انكماش حاد. وطبقا لتوقعات البنك، فإن الاقتصاد العالمي سيشهد انكماشا بنسبة 5.2% هذا العام،..” “وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 4.2%..” ورجح مدير مجموعة آفاق اقتصاديات التنمية في البنك الدولي «أيهان كوسي» أن يكون الكساد الناجم عن جائحة كورونا أشد كساد الاقتصادات المتقدمة منذ الحرب العالمية الثانية، وينبغي على واضعي السياسات أن يكونوا مستعدين لاستخدام مزيد من التدابير الإضافية لدعم النشاط الاقتصادي. واستناداً إلى ذلك تنبأ خبراء دوليون أن يؤدي فيروس كورونا إلى سقوط 71 مليون شخص حول العالم في براثن الفقر المدقع على أساس خط الفقر الدولي 1,90 دولار للفرد في اليوم. وأما في ظل سيناريو تدهور الأوضاع فسيرتفع هذا العدد إلى 100 مليون.
ولربما تكون تلك التنبؤات والجائحة وآثارها على بعض المجتمعات أشبه بما ذكره ابن خلدون عن «عام الرمادة» الذي روى عنه “أصاب الناس سنة ثمان عشرة قحط شديد وجدب أعقب جوعا بعد العهد بمثله مع طاعون أتى على جميع الناس” والدارس لتلك الحقبة التاريخية سيخلص إلى نتيجة مفادها إن المجتمع قد تجاوز تلك المحنة باللجوء إلى الله والتكافل الاجتماعي واتخاذ الإجراءات الوقائية من الوباء.
ومن هذا المنطلق أرى للتعافي من آثار الجائحة بصور أسرع والوقاية من الوقوع في الفقر علينا أن نقوم بمبادرات اجتماعية وخيرية لمؤزرة بعضنا البعض (شركات، مؤسسات، أفراد) وذلك من خلال:
- إطلاق برامج قروض حسنة صغيرة وميسرة للمتعثرين من الأفراد والمؤسسات لسداد المستحقات المتأخرة عليهم بسبب الإغلاق الاقتصادي (إيجارات، فواتير، رسوم، موردين…الخ).
- قيام ملاك العقارات بإعفاء المستأجرين من 40% على الأقل من قيمة إيجارات فترة الإغلاق وتأجيل وقت السداد لـ 3 أشهر أسوة بالتسهيلات التي قدمتها الدولة لقطاعات الأعمال.
- قيام الموردين بتأجيل تحصيل الدفعات المستحقة من تجار التجزئة لـ 3 أشهر إضافية.
- توجيه برامج الجمعيات الأهلية المدعومة من القطاع الحكومي والخاص لتقديم دعم عاجل لمستفيديها المتضررين من جائحة كورونا.
- تكثيف التوعوية بأهمية التآزر والتكافل الاجتماعي في الأزمات.
وأختم دردشتي بما قاله الشاعر السوري الراحل خليل بن أحمد بك
صنعُ الجميلِ وَفعلُ الخيرِ إِنْ أُثِرا *** أبقى وَأَحمد أَعمال الفتى أَثَرا
بَلْ لستُ أَفهم معنى للحياة سوى *** عن الضعيفِ وإنقاذ الذي عثرا
والناسُ ما لم يواسوا بعضَهمْ فهمُ *** كالسائماتِ وَإِن سمَّيتهمْ بشرا
إِنْ كان قلبك لم تعطفه عاطفةٌ *** عَلى المساكين فاستبدلْ به حجرا
هي الإغاثةُ عنوانُ الحياةِ فإِنْ *** فقدتها كنت مَيْتاً بعد ما قبرا
إِن فاتك الخيرُ والإِحسان في بطلٍ *** “حيّى البطولةَ والإِحسانَ في “عمرا” “
“أَمسى “”الخليفة”” يولى مِن معونتِه” *** مَنْ أنشب الجوعُ في أَطفالِها ظفرا
-
الأشخاص ذوي الإعاقة في ظل جائحة كورونا
في ظل متغيرات العالم الجديدة بسبب جائحة كورونا التي أصابت حتى كتابة مقالي هذا 8,196,036 شخص في 213 بلداً واقليماً حول العالم، أعلاهم أمريكا بـ 2,195,378 مصاب توفي منهم 118,741، البرازيل 904,734 توفي منهم 44,657، روسيا 545,458 توفي 7,284، الهند 352,815 توفي 11,882، بريطانيا 298,136 توفي 41,969، اسبانيا 291,189 توفي 27,136، فقد أثرت تلك الجائحة على مختلف نواحي حياة الاشخاص بصفة عامة، والأشخاص ذوي الإعاقة بصفة خاصة الذين يقدر عددهم بمليار شخص، بسبب مجموعة من العوامل منها العوائق الاجتماعية والبيئية، بعض التعاملات التمييزية، وظروف البنية التحتية.
وبحسب تدوينة منشورة على مدونة البنك الدولي بتاريخ 04 يونيو 2020 بعنوان “تلبية الاحتياجات الصحية للأشخاص ذوي الإعاقة خلال COVID-19 أنه “غالبًا ما يكون للأشخاص ذوي الإعاقة احتياجات صحية أساسية ستزداد شدة الحاجة لها إذا أصيبوا بـ COVID-19، وأنهم أكثر عرضة للإصابة بالفايروس بسبب نقص المعلومات حول انتشار المرض وأعراضه، بالصيغ التي يعتمدون عليها في الحصول على المعلومات مثل برايل، الطباعة بالأحرف الكبيرة، لغة الإشارة، التسميات التوضيحية، الصوتيات، الرسومات، كما أن التباعد الاجتماعي قد يعرض تقديم الرعاية المنزلية الأساسية لهم للخطر. وفي نفس الوقت هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بالعدوى في أماكن الرعاية المنزلية من مقدمي الخدمة أو المقيمين معهم. و COVID-19 ما هو إلا مثال آخر على التفاوتات الصحية الطويلة الأمد التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة. على الرغم من أننا لا نعرف التأثير الكامل حتى الآن، لكن لدينا فهم جيد لأين كنا قبل الوباء”.
ومن المؤكد أن الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم سيواجهون تحد كبير خلال هذه الفترة والفترة القادمة بسبب التباعد الاجتماعي والتحديات الاقتصادية التي ستواجه المجتمعات.
وعلى ضوء تلك الحقائق بدأت تحركات دولية وإقليمية ومحلية لموجهة آثار جائحة كورنا على الأشخاص ذوي الإعاقة حيث ستنظم لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) وقطاع الشؤون الاجتماعية – إدارة التنمية والسياسات الاجتماعية بجامعة الدول العربية في 24 يونيو 2020 اجتماعاً عبر الانترنت مع كبار المسؤولين في الدول العربية المعنيين بملف مواجهة آثار جائحة كوفيد – 19 على الأشخاص ذوي الإعاقة في الدول العربية، بالتنسيق مع السيدة ماريا سوليداد سيسترناس رييس، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بالإعاقة وإمكانية الوصول، بالتعاون مع المنظمة العربية للأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك بهدف استعراض الجهود المبذولة من كافة الجهات المعنية لمساندة ودعم الأشخاص ذوي الاعاقة في هذه المحنة الصعبة، من خلال تبادل الخبرات والممارسات الجيدة، في سياق جائحة كوفيد -19، بشأن استئناف أو مواصلة تقديم الخدمات الصحية والتأهيلية والتعليمية، وتحديد التحديات والحلول والأدوار لمختلف أصحاب المصلحة، أي الحكومات ومنظمات الأشخاص ذوي الإعاقة وكيانات المجتمع المدني الأخرى وكيانات القطاع الخاص وغيرها، لتلبية احتياجات وتوقعات الأشخاص ذوي الإعاقة في سياق كوفيد – 19، وعرض نتائج المسح الذي أجرته الإسكوا للتدابير التي اتخذتها الحكومات العربية والمواد التوعوية التي تم إصدارها بصيغة ميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة، والمنشورة على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، ودور جامعة الدول العربية لتعزيز الجهود الرامية لضمان شمولية السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتخذة لاحتياجاتهم أثناء الجائحة وبعدها.
وعلى النطاق المحلي كانت جمعية إرادة بالجبيل قد نظمت بالتعاون مع هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة “الملتقى السعودي لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة في مواجهة جائحة فيروس كورونا COVID-19” لمدة 3 أيام (16 – 18 رمضان) شارك فيه عدد من ممثلي الجهات الحكومية المعنية وخبراء من مؤسسات أكاديمية وبحثية وطنية ناقشوا سبل دعم الأشخاص ذوي الإعاقة في ظل جائحة كورونا، ووفق ما تناقلته وسائل الإعلام عن نتائج الملتقى فإن المشاركين أكدوا بأن أغلب المعلومات عن آلية دعم ذوي الإعاقة أو حتى القطاع الثالث غير متوفرة، والأرقام غير متوفرة، وطالبوا بضرورة أن يكون هناك أبحاث وتوزيع للأدوار ومبادرات وعمل جماعي متكامل وتشريع وتنسيق من خلال سياسات إدارة الأزمة عبر مجلس الشورى على أن تتولى جهة معينة تدريب قادة العمل الموجهة لهم.
ومن واقع تجربتي العملية السابقة في مجال الإعاقة فإنني اتفق معهم فيما خلصوا إليه وأضيف إلى ذلك إن الإعاقة في مجتمعنا تشكل تحد كبير حيث أنها تمثل 7.1% من إجمالي السكان السعوديين منهم 67% في سن التعليم والعمل، والبنية التحتية لغالبية الجمعيات والمؤسسات العاملة في مجال الإعاقة غير مهيئة للعمل في مثل هذه الأزمة، وليس لديها خطط معدة مسبقاً لضمان استمرارية تقديم خدماتها في مثل هذا الظرف.
ولدعم ذوي الإعاقة في الوضع الحالي بصورة فاعلة وعملية لابد أن تبدأ المراكز والجهات العاملة في مجال خدمات الإعاقة بإجراء دراسات عاجلة لتحديد الآثار المترتبة من الجائحة على مستفيديها وتحديد احتياجاتهم، والعمل مع المسئوليات الاجتماعية في القطاعين الحكومي والخاص لإطلاق برامج دعم عاجلة معنوية ومادية لمعالجة تلك الآثار وتلبية احتياجاتهم اللازمة، إطلاق حملة توعوية وإرشادية مكثفة عن المرض وأعراضه وطرق الوقاية منه بالصيغ التي يعتمد عليها ذوي الإعاقة في الوصول إلى المعلومات مثل (برايل، الطباعة بالأحرف الكبيرة، لغة الإشارة، التسميات التوضيحية، الصوتيات، الرسومات)، تنمية وتطوير آليات فاعلة لضمان استمرارية تقديم خدمة التدريب وإعادة التأهيل عن بعد مراعاة للتباعد الجسدي.
تنفيذ المقترحات التي قدمت من ذوي الإعاقة لهيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة في الملتقى الذي عقدته معهم في 17 أبريل 2019م بجدة ونُشرت في مقالي «هيئة رعاية الاشخاص ذوي الإعاقة والأمل المنشود» بتاريخ 28/04/2019م. https://garbnews.net/articles/s/3915
وفي هذا السياق أذكر بإن الاهتمام بالأشخاص ذوي الإعاقة ورعايتهم وأجب ديني ووطني يعود بالنفع على المجتمع والأشخاص ذوي الإعاقة الذي أولاهم الإسلام اهتماماً خاصاً تجلت صورته في قصة الصحابي الجليل الكفيف عبد الله بن ام مكتوم الذي شرفه الله بنزول الوحي فيه في أكثر من موضع وكان رسول الله صلى الله يبسط له رداءه ويقول: ” مرحبا بمن عاتبني فيه ربي “. ويقول: ” هل من حاجة “؟ واستخلفه على المدينة مرتين، وأختم دردشتي هذه بقول الشاعر الفلسطيني فاروق إبراهيم مواسي:
اللهُ يَـجْـزي عَبـدَهُ *** بِـبَـصيـرةٍ بَـدَلَ البَصَرْ
هـذا المَـعـرّي شاعِرٌ *** كَـنْـزُ الأديـب الـمُدَّخَرْ
تَـهدي لُـزومِـيّـاتُـهُ *** نـورَ المَـواعِـظِ والعِبر
بَـشّـارُ يَـهْدي مُبْصرًا *** فـي شِـعـرِهِ هـذا ذَكَرْ
طــه عَـظيمٌ شـأنُهُ *** فـي شَـكّـهِ أبْـقـى أثَرْ
إنَّ الـذَكـاءَ لــغالِـبٌ *** عِـنْـدَ الّذي فَقَدَ الـبَصَرْ
-
جورج فلويد ضحية الكورونا والتمييز العنصري
في الوقت الذي كانت جائحة كورونا تعصف بالعالم احتفل في 21 مارس باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري تحت شعار الاعتراف والعدالة والتنمية وهو إحياء لذكرى اليوم الذي أطلقت فيه شرطة شاربفيل بجنوب إفريقيا النار على متظاهرين من السود وقتلت منهم 69 شخصًا شاركوا في مظاهرة سلمية ضد “قوانين المرور” المفروضة من قبل نظام الفصل العنصري عام 1960م.
وفي هذا العام الذي ركز فيه اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري على استعراض منتصف المدة للعقد الدولي للمنحدرين من أصل أفريقي، صدم العالم مساء الخامس والعشرين من مايو بجريمة قتل عنصرية ضد أحد الأمريكيين من أصول أفريقية من قبل رجال شرطة من البيض بمدينة منيابولس بولاية منيسوتا الأمريكية بخنقه حتى الموت على مرأى من المارة الذي شهدوا الحدث وصوره وتناقلوه مباشراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي مما اثار الذهول والغضب من تلك الجريمة الوحشية فعمت المظاهرات معظم المدن الأمريكية وعدد من العواصم الغربية، مطالبين بتحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين في الجريمة ومكافحة كافة أشكال التمييز العنصري لدى رجال الشرطة ضد الأمريكيين الأفارقة، وأمام تلك المطالبات قامت السلطات باعتقال افراد الشرطة وتوجيه تهمة القتل إليهم من الدرجة الثانية.
وعلى مدى العشرة أيام الماضية غطت كبرى وسائل الإعلام العالمية تلك الأحداث وقصة الضحية وتفاصيل الجريمة التي حدثت للسيد جورج فلويد ذو الـ 46 ربيعاً حينما قام أفراد من شرطة مدينة منيابولس بولاية منيسوتا بإلقاء القبض عليه إثر استلامهم بلاغ من أحد بائعي متجر “كاب فودز” لمالكه الأمريكي من أصول عربية محمود أبو مياله بأن فلويد دفع له ورقة نقدية مزورة من فئة 20 دولار، فكبلوا يديه وحاولوا إدخاله دورية الشرطة ولكنه امتنع بحجة أنه يعاني من فوبيا الأماكن المغلقة فلم يصدقوه وطرحوه أرضاً وقام أحدهم بالضغط بركبته على عنقه وهو يصيح “لا استطيع التنفس” فحاول بعض المارة تنبيه الشرطي لذلك دون جدوى حتى فقد الوعي وفارق الحياة.
وجاءت حادثة مقتل جورج فلويد في الوقت الذي لا تزال جائحة كورونا تتسبب بأضرار جمة على المجتمعات بما فيهم المجتمع الأمريكي الأعلى تضرراً إذ بلغ إجمالي المصابين حول العالم حتى كتابة مقالي هذا 7,115,557 فرد توفي منهم 406,606:
أمريكا 2,007,613 توفي 112,472
البرازيل 691,962 توفي 37,312
روسيا 476,658 توفي 5,971
اسبانيا 288,630 توفي 27,136
بريطانيا 286,194 توفي 40,542
الهند 258,090 توفي 7,207
وكان السيد فلويد قد انتقل في العام 2018م من مدينته هيوستن إلى منيابلس طلباً للرزق واملاً في تغيير حياته حيث عمل كسائق شاحنة وحارس أمن في أحد المطاعم، ومؤخراً قبل وفاته فقد عمله إثر إجراءات الحجر الصحي التي فرضت في ولاية منيسوتا بسبب جائحة كورونا مما انعكس عليه بآثار اجتماعية سلبية إذ أنه أب لابنتين 6 أعوام و22 عاماً.
والواقع إن التمييز العنصري مشكلة عانا منها المجتمع الأمريكي منذ عقود وذهب ضحيتها العديد من زعماءه التاريخيين من أشهرهم الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن الذي اغتيل في أبريل 1865م بسبب إلغاءه للعبودية ومطالبته بحق السود في التصويت على الانتخابات، والسيدة روزا لويس باركس الأمريكية الأفريقية التي رفضت التّخلي عن مقعدها في الحافلة لرجل أبيض فاعتقلت في ديسمبر 1955م بسبب مخالفتها ومقاومتها لقوانين الفصل العنصري في ألاباما، والداعية الإسلامي الأمريكية الأفريقي مالكوم اكس الذي اغتيل في فبراير 1965م بعد عودته من أداء فريضة الحج ومناداته للمساواة بين أفرد المجتمع، وزعيم الأمريكيين الأفارقة ومؤسس حركة الحقوق المدنية القس مارتن لوثر كينغ الذي اغتيل في أبريل 1968م بسبب مطالبته إلغاء قوانين الفصل العنصري والمساواة بين البيض والسود.
وفي المقابل استطاع عدد من الأمريكيين الأفارقة الانتصار على التمييز العنصري بنجوميتهم العالمية مثل أسطورة الملاكمة البطل المسلم محمد علي كلاي، وأساطير كرة السلة النجم التاريخي كريم عبد الجبار، ومايكل جوردن ومؤخراً كوبي براينت، وملك البوب مايكل جاكسون الذي أبهر العالم بأغانيه وعروضه الاستعراضية، وغيرهم الكثير في شتى المجالات وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.
والحقيقة إن التمييز العنصري هو مرض وسلوك اجتماعي مارسته البشرية منذ القدم وتسبب في التفرقة بين الناس وانتشار الظلم واندلاع الحروب، ولا يزال متفشياً بأشكال مختلفة حتى عصرنا الحالي، وقد وضع الإسلام منهاج وتشريعات لحماية البشرية من ذلك بقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13]، وقوله صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”). رواه الإمام أحمد.
ومن هذا المنطلق فإنني أدعو إلى توخي الحذر من ممارسات العنصرية المتمثلة في التمييز في المعاملة أو النعت أو عدم المصاهرة بسبب اللون أو العرق لمخالفتها الشرعية وما تسببه من كراهية وأضرار اجتماعية بالغة واختم دردشتي بقول الأديب الراحل طاهر زمخشري
لا يعيب السواد صفحة وجـه *** هـي بالـماء ذلـة لا تجود
لا ولا يرفـع البيـاض ذليلاً *** إنما المـرء مـا بنى أو يشـيد
فإذا كـان في السـواد عيوبي *** في صميـم الفؤاد بيض ورود
-
كورونا وعمال النظافة
يقول أبو الطيب المتنبي:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ*** بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
وعطفاً على ذلك فجديد عيدنا هذا العام هي الظروف الاستثنائية التي عيد بها المسلمون بسبب جائحة كورونا وحربها على البشرية جمعاء منذ نحو 6 أشهر، فلقد أصابت حتى كتابة مقالي هذا 6,233,491 شخص في 213 دولة وإقليم أعلاهم إصابة، أمريكا 1,832,324 توفي منهم 106,114، البرازيل 505,487 توفي 29,013، روسيا 405,843 توفي 4,693، اسبانيا 286,509 توفي 27,127، بريطانيا 274,762 توفي 38,489، ايطاليا 232,997 توفي 33,415.
وقد أبلت الدول بلاء حسن في مواجهة هذه الجائحة أدى إلى تعافي 45% من عدد المصابين وذلك بفضل العناية الإلاهية ثم الإجراءات الاحترازية التي اتبعتها والأدوار التي قامت بها الكوادر الطبية وفرق العمل المساندة في المستشفيات والحياة العامة منهم فرق قامت بدور بطولي هام في موجهة هذه الجائحة وغاب عن الكثيرين منا الاهتمام بهم أو تسليط الضوء عليهم كما يجب، وهم عمال النظافة الذين يعانون ويتعرضون لمخاطر جمة أكثر من أي وقت مضى خصوصاً الذين يعملون في المستشفيات ويقومون بتنظيف غرف وأسرة المرضى وجمع النفايات الطبية…الخ مما يجعلهم الأكثر عرضة للإصابة بالفايروس ونقل العدوى للأخرين والأمر ينساق على عمال نظافة الشوارع والمرافق العامة الذين يعملون ليلاً ونهاراً على تنظيفها وجمع النفايات وبالتالي قد يصبحون قنابل صحية موقوتة في المجتمع، وبالرغم من تلك المخاطر إلا أنهم يواصلون عملهم دون كلل.
وقد التفتت بعض المجتمعات إلى مدى الأهمية التي يمثلونها والدور الذي يقومون به خصوصا في ظل هذه الجائحة فبادرت بتكريمهم مثالاً على ذلك الحفل الفني الذي نظمته منظمة الصحة العالمية ومجموعة “غلوبال سيتزين” “عالم واحد: معًا في المنزل”. “One World: Together At Home” وقد كنت تحدثت عن ذلك في مقالي «الفن والإبداع لتكريم عمال مواجهة كورونا».
ومن هنا أنادي عامة المجتمعات بأن يزيدوا من اهتمامهم بهذه الفئة من العمال والالتفات إلى احتياجاتهم الإنسانية وتقدير الجهود والأدوار التي يقمون بها خصوصاً في ظل هذه الظروف التي يعيشونها مع الجائحة، وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات المرتبطة برفع روحهم المعنوية، وزيادة وعيهم بالنظافة وقواعدها الصحية والطبية، وتحسين ظروفهم المعيشية والسكنية.
ولابد من التنويه إلى إن الاهتمام بعمال النظافة هو من صميم تعاليم ديننا الحنيف والسنة النبوية فقد ورد في الصحيحين: «أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، فسأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ماتت، فقال: أفلا كنتم آذنتموني؟ قال: دلوني على قبرها، فدلوه فصلى عليها»، ونستدل من هذا الحديث على أهمية النظافة والتشريف والمكانة التي يحظى بها من يقوم بها، أضف إلى ذلك إن إماطة الأذى عن الطريق هي من مراتب الإيمان.
ومن هذا المنطلق فإنني أدعوا برنامج توطين الوظائف الأخذ في الاعتبار توطين مهنة عامل النظافة بصورة تدرجية التي يشغلها أكثر من 82 ألف عامل في بلادنا وتشجيع أبناء الوطن بالتنافس على مثل هذه المهن طمعاً في الأجر والثواب، وتقليص نسبة البطالة، ولتحقيق ذلك لابد من تثقيف المجتمع بالمهنة وتحسين صورتها الذهنية في أعينهم، وضع أنظمة وقوانين صارمة تلزم المجتمع بالعناية بالنفايات وتحسين طرق التخلص منها، إلزام المجتمع بفصل النفايات وتصنيفها (بلاستيك، أوراق، زجاج، معادن…الخ) وتحفيزهم على ذلك تسهيلاً لإعادة تدويرها من أجل المحافظة على سلامة البيئة، توظيف التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في جمع النفايات وطرق التخلص منها، رفع مستوى أجور المهنة قياساً على الأجور العالمية التي تتراوح ما بين 50 ألف إلى 100 ألف دولار للعامل الواحد سنوياً مثل اليابان، بريطانيا، أمريكا.
وأختم دردشتي هذه بما قاله الشاعر إسماعيل بريك
أنا الكناس مكنستي….. حديث الناس للناس
فمنها أجتني رزقي….. وأمشي رافع الراس
لها حبي.. لها عشقي…. وفخري بين جلاسي
شوارعنا … تصافحها…. تقبل وجهها الكاسي
-
ذكرى فتح بلاد الأندلس
نشر هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 2020/05/22م
في هذه الليلة المباركة من شهر رمضان المبارك أسدل الستار على هذه النافذة الأدبية “كلام رمضان” التي طللت عليكم منها خلال هذا الشهر الفضيل باستكمال حديثي عن أهم الأحداث التاريخية الرمضانية التي تراجعت عن البرامج والمسلسلات الرمضانية ومنها «فتح بلاد الأندلس» الذي صنع فارقاً تاريخياً للحضارة الإنسانية في العالم، وكان ذلك في 28 رمضان 92هـ بقيادة القائد الإسلامي الفذ «طارق بن زياد» في «معركة وادي لكة».
وبما أننا في أخر ليالي الشهر الفضيل التي نستعد فيها للاحتفال بعيد الفطر المبارك الذي يأتي هذا العام في ظروف استثنائية ستضطرنا لممارسة شعائره الدينية والعادات والتقاليد الاجتماعية المرتبطة به بطريقة مختلفة عن المعتاد، أجد أنه من اللطيف قبل الاستفاضة في حديثي عن «فتح بلاد الأندلس» أن استحضر ذكريات من ماضي مثل هذه الليالي التي تكون فيها ذروة الاستعدادات للاحتفال بعيد الفطر المبارك في أوجها، حيث تبدأ أنشطة رمضان الاجتماعية الليلة في التقلص تدريجياً مثل ألعاب الحواري المتمثلة في مباريات كرة الطائرة، القدم، الطيري، سبعة حجار وغيرها من الألعاب الشعبية المختلفة بما في ذلك بسطات الكبدة والبليلة والشربيت، وتنشغل الأسر ليلاً ونهاراً بالتسوق للعيد والتنظيفات المنزلية وتجديد الأثاث، وتجهيز حلويات ومأكولات العيد بشتى أصنافها، والبدء في نصب بسطات لوازم العيد والحلويات وألعاب الأطفال والمراجيح في الأسواق والحواري، وتخزين الأولاد للمفرقعات والطراطيع بجميع أنواعها استعداداً لإشعالها خلال احتفالات العيد.
تلك هي أهم ملامح ذكريات عادات وتقاليد المجتمع في أواخر أيام رمضان واسأل الله أن يعيده علينا وعلى الأمة الإسلامية كما كان عليه بالأمن والأمان من الشرور والأسقام لنحييه ونحتفل به كما اعتدنا عليه.
وبالعودة إلى «معركة وادي لكة» فقد كانت هي الانطلاقة لفتح بلاد الأندلس حيث وصل «طارق بن زياد» إلى موقع المعركة على راس جيش مكون من 12 ألف مقاتل بعد أن أمده «موسى بن نصير» والي أفريقية بـ 5 آلاف مقاتل بنا على طلبه بعد علمه أن ملك القوط «لذريق» خرج لمواجهته على رأس جيش من 100 ألف مقاتل فالتحم الجيشان على مدى 8 أيام قتل فيها الملك «لذريق» على يد «طارق بن زياد» معلناً انتصار جيش المسلمين وتوالت فتوحاته بلدة تلو الأخرى حتى اصبحت عامة «بلاد الأندلس» تحت الحكم الإسلامي لـ 8 قرون ازدهرت فيها العلوم وتطورت بشتى أنواعها ولمع فيها العديد من العلماء الذين أثروا الحضارة الإنسانية في شتى المجالات من أشهرهم الفقيه العلامة والأديب «الإمام ابن حزم الأندلسي»، والفقيه الفيلسوف وقاضي القضاة في زمانه «ابن رشد»، والفقيه والمحدث والمفسر «الإمام القرطبي»، وعالم الصيدلة «ابن البيطار»، وجامع علوم الشعر والرياضيات والفلك، والفيزياء والكيمياء والفلسفة «عباس بن فرناس» الذي قاد العالم لفكرة الطيران، وغيرهم الكثير.
وكل هذا الإنجاز يعود لفضل الله ثم لذلك القائد المسلم الفذ «طارق بن زياد» الذي يستحق التكثيف من ذكره في البرامج والمسلسلات التاريخية الرمضانية بما يليق بسيرته التي بدأت من مولده في بلاد المغرب سنة 50هـ/670م في العهد الأموي مروراً بفتوحاته في بلاد الأندلس التي تكللت بإطلاق اسمه على مضيق وجبل طارق حتى وفاته في دمشق عام 101هـ بعد أن استدعاه الخليفة للإقامة فيها.
وقبل الختام أود أن أعرج على ذكرى إعلامية رمضانية هامة تستحق أن تذكر وتعرف للأجيال وهي إنشاء أول إذاعة في تاريخ المملكة العربية السعودية بصفة عامة ومكة المكرمة بصفة خاصة في قلعة جبل هندي في ٢٣ رمضان ١٣٦٨هـ – بمجلس تأسيسي مكون من «الشيخ إبراهيم الشورى» رئيساً وعضوية السيد «هاشم زواوي»، «أحمد السباعي»، «طاهر زمخشري»، وبدأت بثها بتغطية موسم حج ذلك العام لأول مرة في التاريخ وبرنامج يومي نحو 3 ساعات تضمن القران الكريم، أدعية وأحاديث دينية، أخبار، ثم تطورت لتقدم بعض البرامج الإعلامية والاجتماعية التربوية والتوجيهية الهادفة، ومن حينها تطور الإعلام السعودي تدريجياً بكافة وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية ليصل إلى ما وصل إليه اليوم.
رابط المقال على صحيفة غرب الإخبارية
-
الأحداث التاريخية وبرامج التلفزيون الرمضانية
في مثل هذه الأيام المباركات من الشهر الفضيل تمر ذكرى لحدثين من أهم أحداث التاريخ الإسلامي، وهما عودة جيش المسلمين بقيادة النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة منتصراً في معركة بدر الكبرى (17رمضان 2هـ) على كفار قريش التي سماها الله سبحانه وتعالى «يوم الفرقان» لتفريقها بين الحق والباطل، ودخوله عليه الصلاة والسلام مكة المكرمة في (20 رمضان 8هـ) على رأس جيش المسلمين فاتحاً ومطهراً للمسجد الحرام من الشرك والمشركين مردداً قوله تعالى: «وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا» الإسراء: 81 و قوله تعالى «قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد» سبأ: 49.
وعلى مر السنين أثرانا المحدثون والمؤرخون وعلمائنا الأجلاء بالدروس والعبر المستفادة من تلك الحدثين عبر الكتب والمنابر، وفي العصر الحديث أصبح التلفزيون من أهم الوسائل لنقل تلك الدروس والعبر في صور مختلفة منها البرامج والمسلسلات التي يكثف عرضها في المواسم الدينية خصوصاً في شهر رمضان.
وعلى ذكر رمضان يحضرني ما وعيت عليه في الصغر من برامج ومسلسلات رمضانية رسخت في ذهني المعاني والعبر المستفادة من تلك الحدثين والأحداث التاريخية الأخرى من أشهرها برنامج «سير الصحابة» للأديب والمؤرخ محمد حسين زيدان رحمه الله، وتلك اللحظات الروحانية مع البث المباشر من الحرم المكي قبل مدفع الإفطار، و«على مائدة الإفطار» مع الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، ومسابقة القرآن الكريم للكبار التي كانت تحفز على التثقف في القرآن وعلومه بجوائزها القيمة، بالإضافة إلى مسلسلات السهرة الرئيسية التي تتناول الأحداث التاريخية الإسلامية الهامة، وإلى جانب تلك المواد الدينية والتاريخية اشتمل البرنامج الرمضاني على مواد أخرى متنوعة ثقافية واجتماعية وترفيهية منها فقرات الأطفال المتنوعة ما بين حكايات ومسلسلات شعبية مثل حبابة والشاطر حسن، فوازير الأطفال التي كانت تدمج بين الغناء والألغاز، ومسلسلات الكوميديا الاجتماعية.
ولابد من القول إن ذلك الهيكل للبرنامج الرمضاني كان متوازناً وجاذباً لعامة فئات المجتمع من الكبار والصغار، ولعب دورًا في جمع الأسر وتقاربهم فكرياً في جو يسوده الود والوئام، والأهم من ذلك كله أنه كان مكملاً لمظاهر الاحتفاء بالشهر الكريم، ومرسخاً لمعلومات الأحداث التاريخية الإسلامية الهامة في أذهان الأجيال وإحيائها في قلوبهم جيلاً تلو الآخر.
وفي السنوات الأخيرة تراجعت مواضيع الأحداث التاريخية في هيكل برنامج التلفزيون الرمضاني ومسلسلاته، فما أن يهل شهر رمضان حتى تصبح البرامج الرمضانية خصوصاً المسلسلات مثاراً للنقاش والجدل وتعالى الأصوات ما بين مؤيد ومعارض لها، فالبعض يرى أنها لا تنسجم مع طبيعة الشهر الكريم ومخالفة للعادات والتقاليد الاجتماعية، وأنها تغلب الجانب الترفيهي على الجانب الديني والثقافي، والبعض يرى أنها ملائمة للمجتمع ومتوافقة مع متطلبات العصر الحديث، مما يؤدي إلى اختلاف وجهات النظر وتباعد فكري وثقافي بين أفراد المجتمع ينتج عنه إيقاف البرامج أو المسلسلات المختلف عليها، بمعزل عن الخسائر المادية والمعنوية المترتبة على ذلك.
وأملي في السنوات القادمة أن تستعيد البرامج والمسلسلات الرمضانية مكانتها التي كانت عليها وتقدم محتوى فكري راقي يوافق العصر الحديث ويراعي خصوصية الشهر الكريم، ويوازن ما بين الجانب الديني والتاريخي والاجتماعي والترفيهي لإرضاء جل شرائح المجتمع بما في ذلك النشء الجديد، وذلك من خلال التركيز على الجوانب الإنسانية والاجتماعية المستقاة من الأحداث التاريخية الرمضانية التي تعالج مشاكل المجتمعات في عصرنا الحديث ولم تأخذ حقها في الأعمال التلفزيونية من قبل بما فيه الكفاية، مثل قصة الصحابي زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وكيف أصبح كاتباً للوحي وجامعاً للقرآن الكريم وترجمان للرسول صلى الله عليه وسلم ومفتي المدنية الذي قال عنه “أفرض أمتي زيد بن ثابت” أي أعلمهم بالفرائض، وذلك بعد أن كان من أوائل من استفادوا من مفاداة أسرى قريش في غزوة بدر الذين كلفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بتعلم أولاد الأنصار القراءة والكتابة مقابل حريتهم، لعلمه أن كثير منهم يجيدونها حيث أنهم تجار ويحتاجون إلى التدوين والحساب، أما الأنصار فغالبيتهم مزارعون ولا يجيدون القراءة والكتابة.
فتعلم زيد القراءة والكتابة وبرز من بين الصحابة رضي الله عنهم فاختاره الرسول صلى الله عليه وسلم لتدوين ما ينزل عليه من الوحي وكاتباً له وأمره بتعلم لغة اليهود “العبرية/السيريانية” ليترجم ويقرأ له ما يرسل إليه بها، فتعلمها في زهاء أسبوعين، وأتقن علم الفرائض، وفي زمن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه كلف بجمع القرآن الكريم، وفي زمن خلافة عثمان بن عفان كلف بتوحيد كتابة القرآن الكريم على لسان قريش.
وكان زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه يتيم الأب، ودخل الإسلام مع أهله وهو في الحادية عشر من عمره وقت قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة فدعا له بالبركة.
توفي بالمدينة المنورة في السنة 45هـ – 665م وعند موته قال بن عباس رضي الله عنهما: “لقد دفن اليوم علم كثير” وقال أبو هريرة رضي الله عنه: “مات حبر الأمة! ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه خلف”.
وبرأيي أن مثل هذه القصص ترسخ المفاهيم الإسلامية الصحيحة، لذا أدعوا معدي البرامج وكتاب المسلسلات أخذها في الاعتبار ضمن خططهم لبرامج رمضان المستقبلية لما فيها من دروس وعبر في التنمية وبناء المجتمعات والتحفيز على التعليم ونشر ثقافة التسامح.
-
دردشات الصومعة: في ظل جائحة كورونا فلنكرمهم أسوة بالنبي الكريم
حيا العالم نحو 28 مليون ممرض وممرضة حول العالم بمناسبة اليوم العالمي للتمريض الذي يحتفل به المجلس الدولي للممرضات في الثاني عشر من مايو من كل عام.
وأتي احتفال هذا العام في ظل ظروف استثنائية صعبة لم يشهدها العالم من قبل، وهي الحرب على جائحة كورونا التي أصابت حتى الآن 4,421,460 فرد توفي منهم 297,534 في 213 بلداً وإقليماً حول العالم أعلاهم إصابة:
أمريكا 1,427,739 توفي منهم 85,041
اسبانيا 271,095 توفي منهم 27,104
روسيا 242,271 توفي منهم 2,212
بريطانيا 229,705 توفي منهم 33,186
ايطاليا 222,104 توفي منهم 31,106
البرازيل 188,974 توفي منهم 13,149
والمتتبع لأخبار هذه الحرب سيلحظ أن طواقم التمريض هم رأس الحربة فيها من حيث المخاطر التي يواجهونها والتضحيات التي يقدمونها إذ توفي منهم حتى الآن وفق بيانات المجلس الدولي للممرضات أكثر من (260) فرد. ولا زال المزيد منهم يواجهون صعوبات ومخاطر فاقت قدرة تحملهم بسبب إصابتهم بالمرض أو نقص أدوات الحماية الطبية فترتب على ذلك آثار نفسية واجتماعية سلبية اوصلت بعضهم إلى حد الانتحار.
وحث المجلس الدولي للممرضات الذي يتخذ من جنيف مقراً له ويضم في عضويته نحو 130 اتحاداً وطنياً وأكثر من 20 مليون من العاملين بالتمريض السلطات على الاحتفاظ بسجلات أكثر دقة للمساعدة على منع انتشار الفيروس بين العاملين الصحيين والمرضى. ونبه بأن عدم تسجيل معدلات الإصابة والوفاة بين أفراد الطواقم الطبية يعرض حياة المزيد منهم للخطر.
واغتنم مناسبة اليوم العالمي للتمريض للتذكير بالدور الريادي للممرضات وتكريم النبي صلى الله عليه وسلم لهن منذ فجر الإسلام بدء بالصحابية رفيدة الأسلمية رضي الله عنها التي نصبت لها خيمة في المسجد النبوي في غزوة الخندق وفي المعارك الأخرى على نفقتها الخاصة، ووهبت حياتها لتمريض الجرحى من المسلمين أثناء المعارك ودربت فريقاً من الصحابيات على أعمال الإسعاف والتمريض فكن هؤلاء المجاهدات يتقدمن إلى الصفوف الأمامية لإنقاذ الجرحى وأخذهم إلى الخيمة للعلاج وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزورهم في خيمة رفيدة وفي غزوة خبير أظهر فريق رفيدة شجاعة كبيرة ولذلك أعطاهن الرسول صلى الله عليه وسلم نصيباً من الغنائم مثل الرجال وكرمهن بقلائد احتفظن بها حول أعناقهن حتى توفين ودفن بها.
ومن هذا المنطلق فإنني أدعو كافة المعنيين من القطاع الحكومي والخاص بتكريم الممرضين والممرضات أسوة بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم نظير الدور الإنساني والبطولي الذي يقدمونه فهم يواجهون هذه الجائحة كسائر كوادر التمريض في العالم بكل شجاعة رغم وجود تحديات اجتماعية وانسانية منها الاضطرار إلى ترك أسرهم وأبنائهم للقيام على رعاية المرضى المصابين بفيروس كورونا، فلقد أطلقت بعض شركات الفنادق والطيران العالمية مبادرة لتكريم منسوبي القطاع الصحي حول العالم بمنحهم تذاكر وإقامة مجانية في أي بلد يختارونه لمرة واحدة خلال عام من تاريخه.
كما أدعو الموجهين والمخططين للموارد البشرية بتشجيع الخريجين للالتحاق بكليات التمريض تفادياً لأي نقص مستقبلي في كوادر التمريض حيث أكدت منظمة الصحة العالمية بوجود نقص بنحو 6 ملايين ممرض في الدول الفقيرة في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا وأميركا الجنوبية، وأفادت تقارير المجلس الدولي للممرضات أن النقص في كوادر التمريض يؤدي إلى ارتفاع نسبة الإصابات والأخطاء الطبية والوفيات. وأختم دردشتي هذه بقول الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان:
بيض الحمائم حسبهن أنى اردد سجعهن
رمز السلامة والوداعة منذ بدء الخلق هن
المحسنات الى المريض غدون اشباها لهن
الروض كالمستشفيات دوائها ايناسهن
يشفي العليل غنائهن وخطفهن ولطفهن
مر الدواء بفيك حلو من عذوبة نطقهن
مهلا فعندي فارق بين الحمائم وبينهن
فلربما انقطع الحمائم في الدجى عن شدوهن
-
حرب رمضان في ذاكرتي
نشر هذا القال على صحيفة غرب الإخبارية في 2020/05/08م
مثل رمضان 1393هـ – أكتوبر 1973م ذكرى هامة لي كسائر العرب والمسلمين وهي حرب العاشر من رمضان رابع الحروب العربية مع إسرائيل التي سجلوا فيها انتصاراً تاريخياً ومهدت لتحرير سيناء بعبور الجيش المصري قناة السويس وهدم خط بارليف.
وقبل الحديث عن تلك الذكرى استحضر من ذاكرتي مظاهر الاحتفالات والعادات التي كانت تسود المجتمع ويحفظها البر والإحسان وذلك من أجل المحافظة عليها لما لها من أثر مباشر وفعال في تقوية وترابط الأواصر الأسرية والاجتماعية وإدخال البهجة والسرور في نفوس الكبار والصغار، فمع نهار اليوم الأول من رمضان تنطلق الأنشطة التجارية ببسطات المأكولات الرمضانية بما لذ وطاب من حلويات ومقليات…الخ. وتتجمع الأسر لتناول أول إفطار في بيت كبيرهم، ويتبادل الجيران والاقارب أطباق الأطعمة وإرسال أخرى إلى موائد الإفطار في المساجد طيلة الشهر فتزدان الموائد بشتى أصناف وألوان الأطعمة في جو تسوده الروحانية، انتظاراً لمدفع الإفطار، وما يعقب ذلك من متابعة برامج رمضان التلفزيونية وصلاة التراويح والانتشار لمواصلة أنشطة رمضان الليلية.
وعوداً إلى حرب رمضان التي رسخت في ذاكرتي على مر السنين أورد بعضاً مما كتبته عنها في الجزء الأول من كتابي رحلتي عبر السنين تحت عنوان دراستنا في رمضان وحرب أكتوبر 1973م «شهد رمضان ذلك العام حراكاً وأحداثاً سياسية كبيرة ارتبط بها عامة المجتمع بما في ذلك نحن في البيت والمدرسة، وهي اندلاع حرب 10 رمضان – 6 أكتوبر 1973م التي نشبت بين العرب وإسرائيل، واستمرت طوال شهر رمضان، وكنا نتابع أخبار الحرب ومجرياتها مما نسمعه من حولنا من الكبار في البيت والمدرسة عن انتصارات العرب المتتابعة على إسرائيل، وبلغت ذروة تفاعلنا مع الحرب عندما سمعنا عن الموقف البطولي للملك فيصل بن عبد العزيز -يرحمه الله- بإيقاف تصدير البترول إلى أمريكا والدول المتحالفة مع إسرائيل دعماً لموقف العرب في الحرب.وكنت شاهداً على تفاعل الأسرة وبابا طاهر “الأديب طاهر زمخشري” مع الحرب وهم يتابعون بشكل يومي صوت العرب من القاهرة وأخبار التلفزيون السعودي وكيف عكف بابا طاهر على كتابة قصائد شعرية عنها، وإشراكه لكل من حوله فيها من خلال اطلاعهم عليها بقراءتها عليهم قبل نشرها، أما أنا فلم أكن على وعي أدبي كافٍ يمكنني من إدراك معاني تلك الأشعار، ولكن كنت أعي مشاعر وأحاسيس بابا طاهر ومدى حماسه مع الحرب، بقصيدته التي عنونها بـ “يا ضمير الانسان” ومهرها بـ “إلى الجندي العربي الباسل الذي شارك في حرب رمضان المبارك” وجاء في مطلعها:
يا ضمير الإنسان إن دمانا *** قد تلظت مسعورة في حماناتطلب الثأر صارخاً من طغاة *** دنسوا الأرض غدرة لا طعانا
وتباهوا بانهم قد اصابوا *** ما أرادوا فالجموا خذلانا
وختمها بقوله:
نشهد الله والملائك أنا *** ما اندفعنا نريد من والانافمن القائد المظفر فينا *** اقتبسنا الإخلاص والإيمانا
فيصل العرب من حمى حوزة *** الدين بما في يمينه فافتدانا
وتواصلت الحرب وحان موعد التوقف عن الدراسة لإجازة العيد».
وفي ظل هذه الأيام التي نعيشها في الحجر الصحي المنزلي أعتقد أنه من المناسب لأولياء الأمور تعريف أبناءهم بهذه الذكرى التاريخية التي أدرجها المؤرخون من ضمن أعظم المعارك التي خاضها المسلمون والعرب في رمضان وانتصروا فيها بدء بغزوة بدر (17رمضان – 2هـ)، ثم فتح مكة (20 رمضان -8هـ) بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم ضد كفار قريش، فتح بلاد الأندلس (رمضان 92هـ) بقيادة طارق بن زياد، بلاط الشهداء (رمضان 114هـ) بقيادة عبد الرحمن الغافقي، حطين (رمضان 584هـ) بقيادة صلاح الدين الأيبوبي، عين جالوت (رمضان – 685هـ) بقيادة السلطان سيف الدين قطز والقائد العسكري الظاهر بيبرس.
رابط المقال على صحيفة غرب الإخبارية
الرئيسية
عدد المشاهدات 1٬009