مع روحانية ثاني جمعة من رمضان 1445هـ وعلى غير عادتي تفقدت حسابي على الواتساب قبل ذهابي إلى الصلاة، وإذا بي أفاجئ برسالة من أحد معارفي بنبإ وفاة العلامة المحدث المدرس بالمسجد النبوي الشريف والمأذون الشرعي وعميد كلية التربية فرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة الأسبق فضيلة الشيخ الدكتور عمر بن حسن عثمان فلاته.

فكان ذلك بمثابة فاجعة بالنسبة لي حيث كنت على تواصل معه ومتابعة منه لمشروع أدبي ثقافي عهد إلى بتنفيذه، فضلًا عن المعرفة الأسرية التي ربطتني به.

فرأيت أنه من واجبي أن أسطر شيئًا مما عرفته عنه وعن مناقبه وأعماله، من باب اذكروا محاسن موتاكم، وفاء له وبرًا به، وتخليدًا لذكراه.

مناقبه وأعماله

لقد أجمع كل من عرفوه من أهله وأقاربه وزملائه وأصدقائه على دماثة خُلقه وطيب ولطف معشره، وصلته لرحمه، ودأبه في إصلاح ذات البين، وأنه كان محبًا ومحبوبًا من الجميع، ويشعرك بأنك قريب إلى نفسه بتواضعه، وحُسن تعامله، وحلاوة وطلاوة لسانه، وجمال كلامه.

وقد التمست ذلك شخصيًا من صوته الرقيق والحنون الذي لا يزال يلامس مسامعي عندما هاتفني بشأن مشرعه الأدبي، ثم تعزيتي في وفاة العم هاشم زمخشري، وفي وفاة العم محمد المدني.

وعلى الصعيد العملي عُرف بأدبه ورزانته وجودة قيادته وحُسن تصرّفه وتعامله الراقي مع طلابه ولين جانبه معهم، فغرس فيهم حبه. كما عرف بأياديه البيضاء للكثير من الذين عاشرهم طالبًا، ومعلمًا، وموجهًا، ومسؤولًا. وقد أفنى جل حياته في طلب العلم والتعليم والدعوة والإرشاد والتدريس في الحرمين الشريفين لنحو 50 عامًا، وخلف إرثًا علميًا بلغ أكثر من 4600 درس رفعت في تسجيلات صوتية على بوابة الحرمين الشريفين، تضمنت شروحًا لأمهات الكتب، وعلوم الحديث والعقيدة والشريعة، فضلاً عن مشاركاته في دورات أعدتها رابطة العالم الإسلامي في عدد من الدول العربية والإسلامية، وتقديمه للعديد من الأحاديث والندوات العامة والموسمية في التلفزيون والإذاعة، منها برنامج ندوة الكتاب في إذاعة نداء الإسلام.

علاوة على إصداره عدة مؤلفات منها «الوضع في الحديث» الذي طبع في 3 مجلدات في عدة طبعات وهو موضوع أطروحته للدكتوراه التي حازت على شهرة واسعة واحتفا بها العلماء وانتفع بها طلبة العلم، وأصبحت مصدرًا مهمًا في بابها، «جامع التحصيل لأحكام المراسيل»، للحافظ العلائي، دراسة وتحقيق (رسالة الماجستير)، الحديث الحسن مُطلقًا ومُقيَّدًا عند الإمام الترمذي، الشرح المُكمَل في نسب الحسَن المُهمَل، لأبي موسى المَديني الأصبهاني (تحقيق)، معلِّمو المسجد النبوي الشريف، بالاشتراك مع عبد الوهَّاب زمان، وعدنان درويش جَلُّون. وله ثبت يجيز به طلاب العلم عنونه بـ (تحفة الحرمين الشريفين بعوالي أسانيد ومرويات وإجازات الشيوخ الراسخين: ثبت الشيخ أبي ميسون عمر الفلاني المدني).

فضلًا عن حبه لأعمال الخير حيث ساهم في العام 1411هـ مع مجموعة من الخيرين من أبناء المدينة المنورة من أصول غرب أفريقية في تأسيس «الوقف الخيري للمواطنين المدنيين التكارنة»، ورخص من الهيئة العامة للأوقاف برقم (7035033336)، ورأس مجلس إدارته حتى وفاته. والذي من خلاله تم تقديم مساعدات لمئات الفقراء، والمساكين، والأرامل، والأيتام، والمرضى. بالإضافة مشاركته في عضوية مجلس إدارة الجمعية الخيرية الاجتماعية بالمدينة المنورة، ومجلس إدارة الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمدينة المنورة، وتوليه أمانة مركز حي الحزام.

ومن أجمل ما عُرف عنه سعيه للتحلي بأخلاق القرآن ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وحبه للمدينة المنورة وصلته الوثيقة بأهلها وتاريخها ومتابعته لكل ما يكتب وينشر عنها، فاختير ضمن المجلس العلمي لموسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة. واستمر في ذلك إلى آخر حياته رغم تقدمه في السن وضعف بصره.

كما كان عابدًا وزاهدًا وورعًا ومن مقيمي الصلاة والذاكرين الله كثيرًا إلى آخر لحظات حياته فقد روى قريبه الأستاذ محمد بن جبريل فلاته أنه في ليلة وفاته كان مصرًا على الخروج من المستشفى للذهاب إلى المسجد النبوي لأداء صلاة العشاء والتراويح، لكن صحته لم تكن تسمح بذلك، فصلى في غرفته يؤمه صهره بكري السنوسي، ولم تمض ساعات حتى فاضت روحه إلى بارئها.

فعسى ذلك أن يكون من مبشرات حسن خاتمته حيث توفي في الثلث الأخير من ليلة ثاني جمعة في رمضان (12 رمضان 1445هـ – 22 مارس 2024م) عن عمر ناهز 80 عامًا بعد معاناة مع المرض، وصلى عليه عشرات آلاف المصليين بعد صلاة الجمعة في المسجد النبوي الشريف، وشُيع من قبل آلاف المشيعين يتقدمهم علماء وأئمة ومؤذنو ومدرسو المسجد النبوي، وأهله وذويه، وزملائه وأصدقائه وتلاميذه، ودفن في بقيع الغرقد بجوار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنال -بإذن الله- فضل الموت في المدينة المنورة الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَن استطاعَ أنْ يموتَ بالمدينةِ فليمتْ فيهَا، فإِنِّي أشفعُ لمَن يموتُ بهَا» رواه أحمد، والترمذي، وابن حبان وصححاه، وابن ماجة، وغيرهم.

وفي غضون ذلك قدم رئيس الشؤون الدينية للمسجد الحرام والمسجد النبوي، الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس، باسمه واسم أئمة ومؤذني وعلماء وخطباء ومُدرسي الحرمين الشريفين تعازيه لأسرة الفقيد وصادق المواساة في وفاته بصفته أحد كبار علماء ومُدرسي المسجد النبوي الشريف.

ورثاه أستاذ الفقه المقارن والدراسات القرآنية في المعهد العالي للأئمة والخطباء بجامعة طيبة د. محمد يحيى غيلان بمرثية مما جاء فيها:

ان العلوم وأهلها قد فارقوا*شيخا كبيرًا في البقيع سيقبرُ

في مسجد المختار كان قد ابتدا*في همة يسعى بها يتَصبُّر

أخذ العلوم عن المشايخ عصبة*كانت ضياءً في المعارف أبحرُ

فمضى على نفس الطريق هداية*يوصي بها شيخٌ وآخرُ ينشرُ

في نصف قرن أو قريب درسُه*في المسجدين من الهداية يَنشرُ

يمضي مع التعليم في إصلاح ما  *** يَسْطيع في كل اتجاه يَعمُرُ

وَسَطُ التوجه فالغلو عدوه *** يدعو إلى الدين الحنيف ويَنْصُرُ

كسب القلوب وفي المدينة مشهدٌ *** ينبي عن السير الحميد ويُسفرُ

رحم الإله عن الجميع فقيدنا *** وأتاه في القبر النعيم ويَجبُرُ

وجزاه ربي بالحديث مثوبة *** عد الحروف بما يقول ويُخبِرُ

ويصاحب المختار والصحبَ الأولى *** نصروا الإله وثابروا وتصبَّروا

مقتطفات من سيرة حياته

كان -رحمه الله- قد دون متفرقات من سيرته في لقاءات تلفزيونية وصحفية ذكر فيها أن أصوله تعود إلى قبائل الفلان المعروفة أيضًا بالفلاتة التي نشأت نتيجة المصاهرة بين القبائل الأفريقية والعرب الذين ذهبوا إلى غرب أفريقيا إبان الفتوحات الإسلامية، ومنهم عقبة بن نافع -رضي الله عنه- لذلك تجد أن أكثر من 50% إلى 60% من لهجتها من كلمات ذات أصول عربية. وهي تنتشر على امتداد الغرب الأفريقي من موريتانيا إلى السودان واشتهرت بالعمل في الرعي.

وأن جده الشيخ عثمان هاجر إلى المدينة المنورة في العهد العثماني وانخرط في جيشه وتوفي إثر إصابة لحقت به لذلك نشأ والده يتيمًا فكفله عددًا من أصدقاء والده.

وعن ولادته قال -رحمه الله- إنه ولد في العام 1364هـ/1945م بحارة الأغوات بالمدينة المنورة (أغوات الحرم المدني) التي كانت تقع شرقَ المسجد النبوي بين المسجد والبقيع وأصبحت الآن ضمن ساحة المسجد النبوي.

وأنه الخامس بين إخوته، وحرص والده على تعليمه فألحقه حينما بلغ السادسة من عمره (1370هـ/1951م) لتعلم القرآن الكريم بمكتب الشيخ عبد الحميد هيكل بالمسجد النبوي الشريف، وفي كُتَّاب الشيخ جعفر فقيه والد الوزير أسامة فقيه وزير التجارة السعودي الأسبق.

وفي العام 1371هـ (1953م) التحق بالمدرسة الناصرية التي كانت تقع شمال شرق المسجد النبوي، واستمر فيها لمدة عامين ثم انتقل إلى المدرسة الفيصلية في العام 1373هـ (1954م) لقربها من مسكنه ونال منها شهادته الابتدائية في العام 1376هـ (1957م).

ثم التحق بالمعهد العلمي السعودي في العام 1377هـ (1958م) وأكمل فيه دراسته المتوسطة والثانوية وتخرج منه بتفوق في العام 1382هـ (1962م).

ولشغفه بالعلم الشرعي انتقل إلى مكة المكرمة ليلتحق بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية التي أصبحت لاحقًا جامعة أم القرى، وحصل منها على شهادة (البكالوريوس) في العام 1386هـ (1966م). وكان من بين زملائه الشيخ عيسى علي العكاس، والدكتور راشد الراجح الذي أصبح أول مدير لجامعة أم القرى، والشيخ صالح العبود الذي أصبح لاحقًا مديرًا للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

وعن تلك الفترة روى -رحمه الله- في لقائه الصحفي مع صحيفة المدينة (29 أبريل 2011م) “واصلت الدراسة في مكة لمدة أربع سنوات، وتخرجت عام 1386هـ، وكانت كلية الشريعة في مكة في تلك الفترة تركز على التعليم، وكان هناك نشاط رياضي وثقافي على مستوى محاضرات وصحف لكن كان تركيزي على الدروس الشرعية.. حتى أثناء دراستي في كلية الشريعة في مكة كنت ملتحقًا في حلقات دروس المسجد الحرام ودرست على يد كل من الشيخ السيد علوي المالكي (الأب)، والشيخ محمد أمين كتبي كان يدرسنا اللغة العربية، والشيخ محمد نور سيف، والشيخ حسن مشاط هؤلاء كانوا مشايخ الحرم في ذلك الوقت، فالتحقت بحلقاتهم بالإضافة إلى بعض الأساتذة الذين تطوعوا لتدريسنا مثل الشيخ محمد علي الصابوني الذي فتح لنا دراسة في علم المواريث”.

وعقب تخرجه عاد إلى المدينة المنورة وبدأ حياته العملية كمعلم في المرحلة المتوسطة بمدرسة أبو بكر الصديق بمنطقة الجنان في باب المجيدي، وبعدها بعامين انتقل إلى مدرسة عثمان بن عفان بقباء. وفي تلك الأثناء (1389هـ) تزوج من ابنة الشيخ بكر آدم التي أنجبت له 6 بنات أكبرهن ميسون التي يكنى باسمها (أبو ميسون).

وعندما فُتحت برامج الدراسات العليا في كلية الشريعة بمكة المكرمة لم يفوت تلك الفرصة التي كانت شغفه فتقدم لها فقُبل واستمر فيها لأربع سنوات نال فيها الماجستير (1392هـ/1972م) عن تحقيقه ودراسته لكتاب «جامع التحصيل لأحكام المراسيل» للحافظ العلائي. كأول طالب تُناقش رسالته للماجستير في المملكة، فكان حدثًا هامًا حظي بتغطية إعلامية واسعة ومتابعة من قبل وزير المعارف آنذاك حسن بن عبد الله آل الشيخ -رحمه الله- الذي حضر المناقشة شخصيًا مع عدد من الوزراء، ولفيف من كبار العلماء والمتخصِّصين والأعيان. ومن أبرز العلماء الذين انتفع بهم في تلك المرحلة الشيخ المصري عبد العظيم الغباشي الذي درسه التفسير وعلوم القرآن.

كذلك تتلمذ على يد جلة من كبار العلماء في الحرمين الشريفين من أبرزهم (حسن محمد مشَّاط، وعبد الله بن محمد بن حميد، والسيد علوي بن عباس المالكي، ومحمد أمين المصري، ومحمد أمين كُتبي، ومحمد نور سيف)، في مكة المكرمة و(حماد بن محمد الأنصاري، وعبد الحميد هيكل، وعبد العزيز بن باز، وعمر محمد فلاتة، ومحمد الأمين الشنقيطي، ومحمد المختار مزيد الشنقيطي) في المدينة المنورة، وحصل على إجازات علمية من بعضهم.

وكان حصوله على الماجستير محفزًا قويًا لمواصلة دراساته العليا فابتُعث إلى جامعة الأزهر بالقاهرة التي نال منها شهادة (الدكتوراه) من قسم السنَّة والحديث، في كلية أصول الدين عام 1397هـ (1977م)، عن أطروحته «الوضع في الحديث»، بإشراف الدكتور مصطفى أمين التازي.

ليعود بعدها إلى وطنه فقدم أوراقه في 7 شوال 1397هـ للعمل بجامعة الملك عبد العزيز (شطر مكة) التي أصدرت على الفور قرار تعيينه كعضو هيئة تدريس، وفي العام التالي كلف برئاسة قسم الشريعة حتى أواخر العام 1399هـ حيث انتقل فيه إلى المدينة المنورة وانضم للعمل في قسم الشريعة بكلية التربية فرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة، ثم قسم الدراسات الإسلامية ثم وكيلاً للكلية ثم عميدًا لها في العام 1403هـ، خلالها شارك في مناقشة العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعات المملكة المختلفة، وعضوية اللجنة الدائمة للمناهج بجامعة الملك عبد العزيز.

وعندما أحيل إلى التقاعد في العام 1414هـ (2005م) عمل عميدًا للمعهد العالي للأئمة والخطباء، وأستاذًا غير متفرغًا.

47 عام من التدريس في الحرمين الشريفين

بعد عودته من القاهرة متوجًا بشهادة الدكتوراه حظي بأكبر شرف يتمناه وهو الجلوس على كرسي التدريس في الحرمين الشريفين، حيث درَّس في الفترة من عام 1398هـ إلى 1400هـ في المسجد الحرام، ثم في المسجد النبوي الشريف من عام 1401هـ إلى أواخر حياته.

فضيلة الشيخ الدكتور عمر حسن فلاتة أثناء تقديم أحد دروسه بالمسجد النبوي الشريف ويظهر بجواره الشيخ محمد أيوب -رحمهما الله-

وعن ذلك روى -رحمه الله- في لقائه التلفزيوني مع قناة المجد “بعدما رجعت من القاهرة احتاجت الرئاسة العامة لتدريس بعض المشايخ في المسجد الحرام خاصة في أيام الموسم، فرشحت من كلية الشريعة بمكة المكرمة وكان ممن رشحني فضيلة الدكتور راشد الراجح للتدريس، واستمريت في التدريس في الحديث وبدأت بكتاب «سبل السلام» وأتاحوا لي فرصة أن أدرس ما أوقفوني واستمريت على هذا إلى أن كان انتقالي من مكة إلى المدينة، وكان إذ ذاك الرئيس الشيخ محمد بن عبد الله السبيل -رحمه الله- في العام 1401هـ فطلبت منه أن يأذن لي بأن أستمر في التدريس في المدينة، فكتب للمشايخ في المدينة من باب التعاون وكانت لفتة كبيرة منه فكتب لهم بأن هذا درس عندنا وإذا رأيتم أنه يصلح لكم استفيدوا منه، فقدمت الطلب في المدينة وكان في ذاك الوقت نائب رئيس المسجد النبوي الشيخ عبد الله العقلة -رحمه الله- فقال لي أنا من ناحيتي ما عندي مانع لكن شوف لجنة المسجد النبوي وكان يرأسها الشيخ عبد الله الزاحم -رحمة الله- والشيخ عبد الله الخربوش والشيخ عطية والشيخ حماد والشيخ عمر والشيخ محمد ثاني كل هؤلاء أعضاء في اللجنة، فلما قدمت لهم الطلب وافقوا بالإجماع على أن أُدرِّس وبدأت من ذلك الوقت ثم في العام 1411هـ صدر الأمر السامي بالإذن للتدريس لعدد من الأساتذة في المسجد النبوي وكنت من ضمن الذين ذكر اسمهم ولله الحمد”.

ومن لطيف ما ذكر أنه اختار موقع كرسيه في أواخر المسجد النبوي تأدبًا مع مشايخه بأن لا يتقدم عليهم وبعد وفاة الشيخ عمر محمد فلاته -رحمه الله- استأذن أن يجلس مكانه من باب إحياء ذكره واستكمال دروسه واستمرار أجره، فصادف أن تقرر تأخير كراسي التدريس لإتاحة الفرصة للزائرين في الروضة الشريفة، فاستمر في مكانه ويتنقل كرسيه حسب ما يطلب منه في أيام المواسم.

خاتمة مشاريعه الأدبية

لعلي كنت من قلائل المحظوظين الذين ارتبطوا معه في أواخر حياته بمشروع أدبي بعدما وقع اختياره عليَّ وتعاقد معي لإصدار كتاب ورقي وضع له عنوان مبدئي «التَّعريف بالمُواطنين المدنيين التَّكارِنة: الآباء والذُّرِّيَّة» عبر شركة سطور للنشر بجدة لصالح الوقف الخيري للمواطنين المدنيين التكارنة الذي كان يرأسه قبل وفاته -رحمه الله-.

وهو مشروع عكف على إعداده لفترة طويلة مع مجموعة من العارفين من أعضاء الوقف جمع خلاله تراجم 75 شخصية من العُلماء والمُعَلِّمين والمُوظَّفين والحِرَفيين، وغيرهم ممَّن وُلِدُوا أو سكنوا المدينة المنورة قبل عام 1351هـ ذوي الأصول غرب أفريقية، ضمنها الجوانب الاجتماعية لكل شخصية (الاسم واللقب والقبيلة والكُنية، والولادة والنشأة والسُّكنى، والجانب التَّعليمي، والمهنة والعمل، والإنجازات، والزواج والأبناء، وأبرز الصفات الشخصية، وتاريخ ومكان الوفاة).

وعين لجنة للمتابعة معي لإنجاز المشروع الذي بدأته في 25 شعبان 1445هـ وكان من المفترض أن أنتهي منه بنهاية شهر رمضان المبارك على أن يدشن في حفل العيد السنوي الذي ينظمه الوقف على شرف فضيلته -رحمه الله- لكن شاء الله أن يُتوفى قبل أن يرى مشروعه.

فاسأل الله أن يعيننا على إتمام هذا المشروع وتجييره له كعلم نافع ينتفع به بعد الممات كما جاء في الحديث الشريف «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم.

وفي هذا السياق أقترح على الأخوة العارفين من أعضاء الوقف بالعمل على تدوين وتوثيق سيرته ونشرها للانتفاع بها وتخليد ذكراه، وبناء مسجد باسمه في أحد أحياء أو قرى أو هجر المدينة المنورة المحتاجة لذلك. وأضم صوتي إلى ما أقترحه الكاتب والمؤرخ والجغرافي الدكتور تنيضب الفايدي في راسلته المنشورة عبر الواتساب بأن تخصص الجامعات في المدينة المنورة كراسي علمية تعتني بسيرته وما قدم لهذه المدينة المباركة.

سائلًا الله العلي القدير أن يجعل كل ما قدمه في ميزان حسناته وأن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته. 

عدد المشاهدات 677