تصادف اليوم العاشر من رمضان 1445هـ مع اليوم العالمي للشعر 2024 الذي يحتفل به العالم في 21 مارس من كل عام. بناء على قرار المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونيسكو» خلال دورته الـ 30 المنعقدة في باريس عام 1999، بهدف دعم التنوع اللغوي ومنح اللغات المهددة بالاندثار فرص أكثر لاستخدامها في التعبير. كذلك دعم دور النشر الصغيرة، ورسم صورة جذابة للشعر في وسائل الإعلام، بحيث لا يُنظر إلى الشعر بعد ذلك كونه شكلًا قديما من أشكال الفن. وهو فرصة لتكريم الشعراء ولإحياء التقليد الشفهي للأمسيات الشعرية. وتعزيز تدريس الشعر وإحياء الحوار بين الشعر والفنون الأخرى.
ولتزامن هذه المناسبة مع شهر رمضان المبارك فقد اخترت لهذه الحلقة من «كلام رمضان» قصيدة «يا ضمير الإنسان» التي نظمها الأديب طاهر زمخشري -رحمه الله- في شهر رمضان 1393هـ/1973م بمناسبة حرب (العاشر من رمضان).
وهي رابع الحروب العربية مع إسرائيل التي سجلوا فيها انتصارًا تاريخيًا ومهدت لتحرير سيناء بعبور الجيش المصري قناة السويس وهدم خط بارليف.
وفي هذا السياق أورد بعضًا مما كتبته عن الحرب وظروف كتابة القصيدة في الجزء الأول من كتابي رحلتي عبر السنين تحت عنوان «دراستنا في رمضان وحرب أكتوبر 1973م» “شهد رمضان ذلك العام حراكاً وأحداثاً سياسية كبيرة ارتبط بها عامة المجتمع بما في ذلك نحن في البيت والمدرسة، وهي اندلاع حرب 10 رمضان – 6 أكتوبر 1973م التي نشبت بين العرب وإسرائيل، واستمرت طوال شهر رمضان، وكنا نتابع أخبار الحرب ومجرياتها مما نسمعه من حولنا من الكبار في البيت والمدرسة عن انتصارات العرب المتتابعة على إسرائيل، وبلغت ذروة تفاعلنا مع الحرب عندما سمعنا عن الموقف البطولي للملك فيصل بن عبد العزيز -يرحمه الله- بإيقاف تصدير البترول إلى أمريكا والدول المتحالفة مع إسرائيل دعمًا لموقف العرب في الحرب.
وكنت شاهداً على تفاعل الأسرة وبابا طاهر «الأديب طاهر زمخشري» مع الحرب وهم يتابعون بشكل يومي صوت العرب من القاهرة وأخبار التلفزيون السعودي وكيف عكف بابا طاهر على كتابة قصائد شعرية عنها، وإشراكه لكل من حوله فيها من خلال اطلاعهم عليها بقراءتها عليهم قبل نشرها، أما أنا فلم أكن على وعي أدبي كافٍ يمكنني من إدراك معاني تلك الأشعار، ولكن كنت أعي مشاعر وأحاسيس بابا طاهر ومدى حماسه مع الحرب”.
ومن اللافت للانتباه هو تزامن العاشر من رمضان هذا العام مع اليوم 167 من الحرب على غزة التي اندلعت في أعقاب عملية «طوفان الأقصى» وأسفرت حتى الآن بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالأرض الفلسطينية المحتلة عن استشهاد أكثر من 31,819 وإصابة 73,934 فلسطينيًا ومقتل أكثر من 1,200، وإصابة 5,432 إسرائيليًا بما في ذلك الرعايا الأجانب، وتدمير أكثر من 70,000 وحدة سكنية في قطاع غزة وتهجير 1.7 مليون من أهليها، في ظل غياب الضمير الإنساني الذي ناداه الأديب -رحمه الله- في قصيدته «يا ضمير الإنسان» التي نظمها من (44) بيتًا شعريًا، ومهرها بـ “إلى الجندي العربي الباسل الذي شارك في حرب رمضان المبارك” وفيما يلي القصيدة كاملة كما نشرها في ديوانه «الشِّراع الرَّفَّاف1974م/1394هـ».
يا ضميرَ الإنسانِ إنّ دمانا *** قد تلظَّتْ مسعورة في حمانا
تطلبُ الثأر صارخا من طُغَاةٍ *** دَنَّسو الأرضَ غدرة لا طعانَا
وتباهَوْا بأنَّهم قد أصَابُوا *** ما أرَادُوا فألجموا خُذْلاَنَا
بعدَ أنْ أرهَفُوا العدَاءَ سلاحا *** زاده الحقدُ فيهمُ عُنْفُوَاَنَا
كُبْكُبُوا في جهنَّمَ أشعلُوها *** وارْتَمَوْا في لَهيبهَا عيدَانَا
والريَاحُ التي تُصْفرُ فيهمْ *** بعويلٍ يَسْتَنْجدُ الأَعوَانَا
أيُ عَوْنٍ لهمْ سوَى الشر يهذِي *** حين ضاقَتْ به الحياةُ مَكَانَا
ذَرّهُمْ كالهباء في كلِ صقْع *** حوّل الذّر منهمُ ديدانَا
وأفاقُوا على النِّدَاء تَعَالَى *** الوَغَى تُرْجعُ الصدَى نيرَانَا
فالإباءُ الذي يزمجرُ فينا *** حوّلتْهُ ثَاراتُنَا طُوفَانَا
وانبرَى يُرسلُ الكتائبَ أمواجا *** ويمتدُ باللهَّيب لساَنا
يُعلنُ النَّاسَ أنَّنَا قد كَتَبْنَا *** بدماء المجاهدين البَيَانَا
ليعيدَ الخطابَ فَصْلٌا بأنَّا *** قد قَهرْنا كوعدنا الطُّغْيانَا
فالطغاةُ الأُولى يريدونَ قَسْرا *** إنْ يُقيمُوا على ثَرَانَا كيَانَا
شُرِّدُوا قُتلوا وراحوا حيَارَى *** يتعاوَوْنَ أيْنَ نلقى الأَمانَا؟
“فالدّمار الذي نشرنا على الأَرضِ رمانا بهولهِ وَطَوَانَا”
“والفناءُ الذي يكشِّر نَابا *** لاكَ منَّا الأرواحَ والأَبدانَا”
“فانتثرنا على الأَديم حُطَاما *** وانتشرنا على الفَضَاء دُخَانَا”
“فلذَاتُ الأَكبادِ منَّا فتَاتٌ *** راحَ يبكي نثَارُه قَتْلانَا”
“جيفٌ أَنْتَنَتْ فَعَاث بهَا البومُ ، وكانتْ جلُودُهَا أكفانَا”
“ومن اللَّعنة التي طَارَدَتْنَا *** قد لَقينا من الأَنَام الهَوانَا”
“والوَغَى لا تزالُ تفغرُ فاهَا *** بعد أنْ صبَ هولُها ما دهانَا”
“أهمُ العربُ أم أبالسُ حَرْبٍ *** قد أجادَوا من فنِّه ألوانَا”
“وهيَ عَشْوَاءُ قد أدَارُوا رحاها *** ثم خاضوا غمارها شُجْعَانَا”
“والبطولاتُ فيهمُ تصنعُ النَّصرَ *** وتحمي الذّمارَ والأوطانَا”
***
يا ضميرَ الإنسَان إنَّا كما كُنَّا *** نُلَبي الندَاءَ إنْ مَا دَعَانَا
نقهرُ الصعْبَ لا نُريدُ عداء *** ونعّدُ الرّدى لمنْ عادانَا
ونشيدُ السَّلاَم صَرْحا على القوّة *** يبقَى موطّدا أركانَا
لا هُراء كما يريدُ التَّلاَحي *** بل نضَالا نُجيدُ فيه الطِّعانَا
نتحدَى إذَا تمادَى التَّعَدى *** أوْ يماري من رَامَنَا عُدْوَانَا
والسلاَمُ الإسْلاَمُ وهو لوَاءٌ *** قد بَسَطْنَا من حوله الْإَيْمَانَا
وانتفَضْنَا نُذُودُ عنه ونمضي *** في طريقٍ مُمَهَّد لخُطَانَا
كلُّنَا يحملُ الكتَابَ سلاَحا *** وهو ما زالَ في الوَرَى فُرْقَانَا
وحَدّتْنَا آيَاتُه وأنَارَتْ *** كلَ درب نرُودُه إخْوانَا
لا شقاقٌ كمَا يَظُنُ الأَعَادي *** بل وفاقٌ به بلغنا منانَا
فإذَا نحنُ أُمَّةٌ ترهفُ العَزْم *** وتُعْطي بحده البُرْهانَا
من قديمٍ بنا الليَّالي تُغَنِّي *** والصَّدَى لا يزالُ يُشْجي الزمانَا
وبخضر الربى وفي عُمْق سينا *** وبجولاننَا وأعلى ذُرانا
الفدَاءُ الذي بَذَلْنَا دمَاء *** لمْ يَكُنْ غيرَ قَطْرَة من دمانَا
أخْضَبَتْ منهُ أرضُنَا فَجنَيْنَا *** والمحاصيلُ من جسوم عِدانَا
وإلى نصرنَا المسيرَة نَمْضي *** والبراهينُ في طريق سُرَانَا
نُشْهدُ الله والملائكَ أَنَّا *** ما اندَفَعْنَا نُريدُ من وَالانَا
فمنَ القائد المظفر فينَا *** اقْتَبَسْنَا الإخْلاَصَ والإيمانَا
فيصَلُ العرب من حمَى حَوزة *** الدين بما في يمينه وافتدانَا
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.