في اليوم السابع والخمسين من عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بقيادة حركة حماس عَبر ذراعها العسكري كتائب الشهيد عز الدّين القسام ردًّا على «الانتهاكات الإسرائيلية في باحات المسجِد الأقصى المُبَارك واعتداء المُستوطنين الإسرائيليين على المواطنين الفلسطينيين في القُدس والضفة والداخل المُحتَل» وفق ما أعلنه القائد العام للكتائب محمد الضيف، وما تبع ذلك من عدوان إسرائيل إجرامي ومجازر همجية وحشية لا إنسانية على قطاع غزة بحسب قرار القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية التي استضافتها الرياض (السبت 11 نوفمبر 2023).

وفي الأثناء التي ما زلت فيها أجمع كل ما نظمه الأديب طاهر عبد الرحمن زمخشري -رحمه الله- من أشعار في قضية فلسطين وحروب العرب مع إسرائيل منذ نشري لمقالي «سيف القدس والدروس المستفادة للأشخاص ذوي الإعاقة» الذي سلطت فيه الضوء على المعركة التي نشبت بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل (10 مايو 2021 – 21 مايو من 2021). وختمتها بأبيات من قصيدة «يا ضمير الإنسان» التي نظمها الأديب بمناسبة انتصار حرب أكتوبر 1973م ومهرها بـ «إلى الجندي العربي الباسل الذي شارك في حرب رمضان المبارك..!!”.

لاحظت أن القدس وقضية فلسطين وحروب العرب مع إسرائيل تكاد لا تغيب عن قصائد الأديب في المحافل وكانت جزء أساسي من أغراضه الشعرية التي لم تأخذ حقها الكافي من قبل الباحثين والدارسين رغم أنه خصها بديوان أصدره في العام 1389هـ، 1969م بعنوان «من الخيام» جاء فيه أنه قد أهدى قطرات من دمه التي ساهم بها في الكفاح في سبيل عودة الحق إلى نصابه. ومن قصائده في الديوان (في ظلال الإسلام، عروبة وإسلام، سلاح الصمت، يا ضمير الإنسان، يا بني الضاد، الشهيد، يوم الكرامة، موت الضمائر، يوم الجلاء، دم الثائر، يوم العودة، من الخيام، انتصار الحق).

وبينما كنت أتصفح اليوم (السبت 2023/12/02م) ما نشر عن الأديب على منصة X صادفني منشور من حساب الباحث في نوادر الاخبار _Samer Rafee4 تضمن أبياتًا من قصيدة «في الخيام» من ديوان «أغاريد الصحراء» وأرفق معها قصاصة من الجريدة التي نشرت القصيدة في العام 1377هـ

وعلى الفور رجعت إلى القصيدة من الديوان الذي صدر في العام 1378هـ – 1958م وطبعته «مطبعة مصر شركة مساهمة مصرية» وكدت لا أصدق أنفسي فيما اقرأ فكل بيت قاله الشاعر كأن به يصف حال هذه الليالي التي تمر بها غزة وأهلها ومخيماتها فقلت سبحان الخالق المعبود «ما أشبه الليلة بالبارحة» خصوصًا عندما أتيت على قوله:

ثَكلى يمزِّقها المخاض ، ولا تَئِنُّ ولا تبوحْ

وبكفها طفلٌ رضيعٌ ، والثُّديُّ بها قُروح

يبغي الغِذاء ولا غذاءَ سوى نَفَايات الجروح

وأمامها الصبيانُ ضَمَتْ من هياكلهم ضُروح

فرأيت أنه من المهم أن أشارك قرائي الأعزاء خصوصا النقاد والباحثين منهم القصيدة كاملة لإبراز واقع التفاعل الذي كان يعيشه الأديب طاهر زمخشري رحمه الله تجاه قضية فلسطين وقضايا أمته والقيام بدوره في الدفاع عنها بشاعريته وقلمه إذ مهر قصيدته بـ “مهداة إلى المجاهدين العاملين في سبيل الحرية والسلام وانتصار الحق..” واستهلها بقوله

الجوعُ يصرُخ فــي البطـونْ

والجَرح ينــزف في العيــونْ

واليتــم حاضَنــــــه البنـــــونْ

والبؤس يقتحم الحصــــونْ

والناس تُشـــوى فــي أتونْ

وبكـــــــل أرض لاجئــــــونْ

وواصل قوله

فالطفل يصرُخ أين أمي..؟!

والأم تهتــــــــــــف يا لَهَميِّ

والعـرب تَمْخُر فــي خِضَــمِّ

مـن ثـورة الخطـب الُمِـــلمِّ

تغفـــو بليـــــــــــل مُــدْلَهِمِّ

في مَربِض الهول الأَصـم

فوق الدروبِ ، وفي الصحارى ، في مغاراتِ السفوحْ

ثَكلــــــــى يمزِّقهــــــا المخــــاض ، ولا تَئِنُّ ولا تبـــــــوحْ

وبكفهـا طفــــلٌ رضيــــــــعٌ ، والثُّديُّ بهـــــــا قُـــــــروح

يبغــي الغِــــذاء ولا غـذاءَ ســـــوى نَفَـــــايات الجـــروح

وأمامهــــا الصبيـــــــــانُ ضَمَتْ من هياكلهم ضُـروح

أغوارُه شُعــــــــل اللهيب ونَفْـثُ هاجــــرهٍ تنــــــــوح

***

لــــم يبـق من زادٍ يُقـــــــات به الأرامــــــل والعــــــيال

وهــمُ عُــــراةٌ يزحفـــــــون من التوجُّــــــع والكَـــــــلال

أجسادهم قِطَـــعٌ لأشــــــلاء تفيــــض بهـــا الرمــال

وعلى شفاههُم اصفــرارُ المـــوت خلَّفــــه السُّــلال

ويتمتمون بِبَحَّةِ المخنــــوق يأمــــل فـــــــي النــــــوال

***

حتـــى المـــروجُ الخضر أجدبَ عُشبُها الزاهي النظيرْ

وتواثبتْ فيهــــا الأفاعـــــي الزاحفــــاتُ مع الهجيـــر

والأُفعوان الفحـــل فـــي شَدِقَيْه زَمْجَـــرةُ السعيــر

فتراكض الرعيــــانُ عن مرعَـــى المواشي ، والغــدير

وتسابقـــــوا والغانيـــــــاتُ لحيثُ يلقـــون المصـــــير

حيث الخيـــــــــامُ الباليــــــــــاتُ وللبــــــــــلاء بها هــدير

***

وَرصـــــاصُ أفَّاكين يهطـــل فوق أدمغةِ العـــذارَى

قــد أطلقــــــوا بالغــــــــدر وَابِلَـــــه، وظنُّـــــوه انتصارا

لم ينسفـــــــــوا بأتونــــــــه إلا الحرَائِـــــر والصغـــــــــارا

والكهـــــــلَ تحملــــه عصـــاه وقد تقوَّس حين سارا

والمرضعـــــاتِ الآمنـــــاتِ مــــع العشيِّ لَـــزِمْنَ دارا

***

أين المــــروءة يا أبـــــاةُ ، وهــــــــذه رمـــــــــم تنـــــــادي؟!

وهياكــــــلٌ كـانت جســـــــومًا بُعْثِــــــرتْ في كـل واد

جِيفٌ تآكـــل بعضُهـــا ، والبعـــضُ مزَّقــــــه الأعـــادي

وتنـــاوحُ الحــــزنِ العميــــــق يذيــــع هَيْنَمَةَ العـــوادي

وتحرُّكُ الأشـلاءِ أصــــــــداءُ النفيــــــر إلــــى الجهــــــــاد

للأخـــذ بالثـــارات عن صــــــــرعى ببطــش الاضطهــاد

وختم القصيدة بقوله

رامو الســـلام ولوَّحـــــوا بقــوى المهــــالك والدمــــــــارْ

وتفاخــــروا بالقاذفـــــات فضــــــــاع فــــــي الدنيا القـــرار

فالســــــلم في كهف الغيـــــوبِ وما أطـــلَّ ولا أَنـــــــــار

والحقـدُ يختـــطُّ الرمـــوسَ لمـــــن تمـــــادَى في النَّفـــــار

فــــإذا الحيـــــــاة مراجــــــل تطــــــوي لوافحُهـــــا الديــــــار

وإذا تُحــــــــارُ الحــــــرب لعنتُهـــــــم تصيــــــــح بكـــــــــل دار

ملأوا الأكف بشـر غُنـم

ولسوف يقذفهم بِغَمِّ

عدد المشاهدات 151