نشر هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 2020/05/01م
مع حلول شهر رمضان المبارك في الدورة الفصلية التي جعلته ضمن الموسم الدراسي، تعالت أصوات تنادي بإيقاف الدراسة في رمضان لصعوبة ذلك على الطلاب والمعلمين، وحيث أنني قد خضت تجربة الدراسة والإجازة في شهر رمضان فإنني من الداعين إلى استمراريها بشكل طبيعي فقد عشت أول تجربة صيام شهر رمضان كاملاً في العام الدراسي 1392/1391هـ وأنا في الصف الرابع الابتدائي بالمدرسة النموذجية الابتدائية بالسبعة قصور بجدة وذلك بعد التدرب على صومه تدريجياً منذ الصف الثاني الابتدائي.
كنا ننام مبكراً ونستيقظ للسحور وصلاة الفجر ثم العودة للنوم والاستيقاظ ثانية للذهاب إلى المدرسة صائمين، حيث كان الدوام المدرسي يتأخر لمدة نصف ساعة فقط عن الايام العادية، وكانت الدراسة ستة أيام في الأسبوع من السبت إلى الخميس في فصول دراسية بلا تكييف،
وكل ما يتم هو تقليص وقت الفسحة وإيقاف المقصف، ومن لا يصوم عليه إحضار سندوتشاته من البيت خصوصا طلاب مراحل الفصول الدنيا، وتستمر الدراسة إلى يوم 24 رمضان ثم تبدأ إجازة العيد لفترة لا تتجاوز الخامس من شهر شوال.
كانت الدراسة في رمضان بمثابة التدريب العملي على الصيام، فالتنافس ينشط فيما بيننا عليه ومن لا يستطع فإن زملائه الطلاب له بالمرصاد بين التندر والمعايرة، ومن طريف ما أذكر أن أي من زملائك قد يسألك “فاطر ولا صايم من ورا الزير؟”، والزير هو إناء فخاري كبير بحجم البرميل يستخدم لحفظ ماء الشرب قبل عصر الثلاجات، ويقصد بذلك أنك تتظاهر بالصيام وتتسلل خلسة وتأخذ شربة ماء دون أن يراك أحد، وإن قلت له “صائم” يقول لك أرني لسانك فإن كان أبيض جاف يعني أنك صائم، وإن كان أحمر رطب يعني أنك فاطر.
أما من يرى وهو فاطر يأكل سندوتشه أو يشرب ماء فيتحلق حوله الطلاب معايرينه بصوت واحد “يا فاطر رمضان يا خاسر دينك … الكلب الأعور يأكل مصارينك”. ويستمرون في ترديد تلك العبارة حتى يضطر إلى الإقلاع عن الأكل والشرب أمامهم أو الهروب والاختباء منهم، وهكذا يكون تندر ومعايرة زملائك عامل مساعد على تحمل الجوع والعطش.
وعلى أي حال بنهاية اليوم الدراسي نعود إلى البيت بعد صلاة الظهر وننام إلى العصر ونستيقظ ونخرج للتسوق من بسطات المأكولات الرمضانية ((خبز، فول، قطائف، كنافة، جبنية…الخ))، والعودة إلى البيت، والتحلق أمام التلفزيون حول مائدة الإفطار في حضرة الأسرة في جو تسوده الألفة والروحانية إلى أن يدوي المدفع معلناً حلول وقت الإفطار.
وفي العام 1394هـ عشت تجربة صيام مختلفة حينما تغيرت الدورة الفصلية لشهر رمضان وأصبح ضمن الإجازة الصيفية، وهي المرة الأولى التي أقضي فيها رمضان خارج الموسم الدراسي منذ أن وعيت على الدنيا، ومعها طرأ تغييراً على برنامجنا اليومي تمثل في السهر طوال الليل والنوم من بعد الفجر إلى ما بعد الظهر، ففقدنا النشاط والحيوية في النهار وروحانية الصيام، واستمر هذا الحال إلى أن غادرت المقاعد الدراسية.
والحقيقة أن الدراسة في شهر رمضان كان لها دور بارز وهام في تدريبنا على الصيام مع المحافظة على نشاطنا وحيويتنا وتنظيم أوقتنا، وإدراك المفاهيم والأغراض والمعاني الإنسانية لشهر رمضان.
والآن وقد دخل رمضان في دورة فصلية ضمن المواسم الدراسية يتوقع أن تستمر حتى العام 1463هـ لذا وجب علينا توعية المجتمع بأهمية الدراسة بنشاط وحيوية خلال شهر رمضان وتهيئة كوادر التعليم والطلاب للإقبال على ذلك بعيداً عن التشكي والتذمر من الدراسة في رمضان.
رابط المقال على صحيفة غرب
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.