في ظل النشوة والأفراح التي يعيشها نادي الاتحاد السعودي وجماهيره بالنتائج والمجد الذي حققه هذا الموسم بالفوز بالسوبر والدوري وانتقال عدد من نجوم كرة القدم العالميين إليه، فقد واحدًا من أهم رجالاته الذين كان لهم دور بارز في بناء هذه الأمجاد وهو رئيس مجلس إدارته الأسبق ورئيسه الفخري صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن منصور بن عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- الذي نعاه الديوان الملكي في بيانه الصادر بتاريخ «يوم الأحد 1444/12/14هـ – 2023/07/02»
“انتقل إلى رحمة الله تعالى صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن منصور بن عبد العزيز آل سعود، وسيصلى عليه -إن شاء الله- اليوم الأحد الموافق 1444/12/14هـ، بعد صلاة العشاء في المسجد الحرام بمكة المكرمة.
تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته ورضوانه وأسكنه فسيح جناته، إنا لله وإنا إليه راجعون”.

ولا شك أن هذا الخبر كان بمثابة فاجعة لكل من عرف سموه أو اطلع على ما قام به من جهود لخدمة الرياضة السعودية بصفة عامة والاتحاد بصفة خاصة.
ومن باب اذكروا محاسن موتاكم فإنني في هذا السياق أورد بعض ما دونته في كتابي “رحلتي عبر السنين – ج2“. عنه وعن النادي في حقبته التي شهدتها إبان التحاقي بالنادي كلاعب كرة يد وعضو رابطة مشجعي النادي فقد فكان لنا بمثابة الأب الروحي ومحفزًا وداعمًا لنا كنشء رياضي جديد يطمح للنجومية وتحقيق الإنجازات، حتى أنه لم يبخل علينا بمنحنا سيارات أو دراجات نارية من معرضه لتسهيل وصولنا إلى النادي وأداء التمارين. ولا زلت أحتفظ بعدد من خطابات سموه لي للاستئذان من المدرسة للمشاركة في خوض المباريات.

خطاب موجه من الأمير منصور بن منصور رحمه الله إلى مدير مدرسة ثانوية جدة للاستئذان للمشاركة في مباراة بين نادي الاتحاد ونادي الوحدة في مكة المكرمة – الثلاثاء 1397/12/25هـ


ومما أوردته في كتابي “في 15/11/1394هـ تولى الأمير الشاب الخلوق صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن منصور بن عبد العزيز، رئاسة نادي الاتحاد، وقد لمست من خلال متابعتي الصحف الرياضية أنه صاحب رؤية فكرية رياضية قاد من خلالها حركة تطوير شاملة للنادي مع أعضاء مجلس إدارته؛ أذكر منهم: إسماعيل مناع نائبًا للرئيس، وسليمان الحمدان، وأمين أبو الحسن، فاستطاع أن يدخل فكرًا كرويًا جديدًا في النادي، بتطوير مقر النادي وشراء حافلة جديدة، وتنشيط الألعاب الرياضية وتنميتها وتطويرها، بجلب مدربين لجميع الألعاب في حدود إمكانات النادي، لبناء أجيال صاعدة من الأشبال والناشئين، واستعادة قدامى اللاعبين القادرين على العطاء مثل النور موسى، والدكتور عبد الله بكر، وابن عمه هشام بكر، وإبراهيم فلاتة الشهير بـ «الفور»، ومصطفى مهدي الشهير بـ«أبو دلش»، وقدم وجوهًا جديدة قادوا مسيرة الاتحاد الكروية الجديدة، اشتهر منهم: خالد سلطان، وبكر خليل، وعيسى خواجي، وحامد صبحي، وإبراهيم السبيكة، وعبد الله زارع.
في غضون ذلك اجتذبتني تلك الحركة التطويرية لأنشطة النادي، فبدأت أزوره وأتردد عليه شيئًا فشيئًا كل يوم مع إخوتي، وابن عمتي نزار، والاتحاديين من أولاد الحارة، كمحمد عوض الغامدي وأخيه بدر، وسامي فضيل، لمتابعة وتشجيع النادي في مبارياته كافة للألعاب الجماعية والفردية التي تقام في النادي «سلة، طائرة، تنس الطاولة».
كان مقر النادي يقع في الشمال الغربي من حي البغدادية، على طريق المدينة، بالقرب من السفارتين الهندية والإندونيسية، وعلى بعد نحو 20 دقيقة مشيًا على الأقدام من بيتنا، حيث نتجه غربًا إلى شارع محمد العلي الحمراني، ونقطع شارع محمد عبد الوهاب، ونواصل السير إلى أن نصل للنادي. وعند مدخل النادي الرئيسي الشرقي على اليمين صالتان، شيدتا من ألواح الخشب، إحداهما لتنس الطاولة، والأخرى للحديد وكمال الأجسام، وفي مقابلهما مبنى معسكر للاعبين، وضم من جانبه الغربي «دكة» خارجية، تستخدم لجلوس مرتادي النادي للعب التسالي الجماعية من ورق، وضومنة «دومينو»، وكيرم… إلخ، وإلى جوارها بوفيه صغير لبيع المشروبات الساخنة والباردة، وحفظ كرات النادي. وأحيط من خلفه بحوش منفصل بأرضية إسمنتية، وله بوابة رئيسية من الجانب الجنوبي للنادي متعدد الاستخدامات، فمنه جزء لموقف حافلات النادي، ومساحة تستخدم ملعبًا للسداسيات، وعرض السينما أيضًا.
كما ضم النادي في الجهة المقابلة للمدخل الرئيسي ملعبًا يستخدم لكرة السلة والطائرة، شيدت على جانبه الشرقي مدرجات للجمهور، والجهة المقابلة خصصت لـ «دكة» الطاقم الفني والاحتياط وطاولة الحكام، أما الجهة الجنوبية للملعب فكان فيها المبنى الرئيسي للنادي الذي ضم المكاتب الإدارية، ورئاسة النادي، وصالة في المدخل، ضمت دواليب عرض لكؤوس ودروع البطولات، والكرات التذكارية، وبراويز لصور تاريخية لفرق ومباريات النادي.
وقد فرشت غالبية أرضية النادي بحصى صغيرة، باستثناء الملاعب، فكانت أرضيات إسمنتية ملساء ومخططة، وقد طليت الجدران الخارجية للصالات والمدرجات والمباني باللونين الأصفر والأسود، أما الحيطان الداخلية المحيطة فكانت بيضاء اللون. ومما كان يؤخذ على النادي الافتقار للمساحات الخضراء، ومساحة لملعب كرة القدم، حيث لم يكن للاتحاد أو الأندية الأخرى ملاعب لكرة القدم داخل المقرات، بل كانت تخصص في أراضي فضاء، يبتاعها أعضاء الشرف، أو رؤساء الأندية، حسب المناطق المتوفرة في جدة، وكانت ملاعب الاتحاد لكرة القدم ترابية في قصر خزام.
كان الجو العام في النادي ممتعًا ومثيرًا طوال الوقت، ففترة العصر تشهد ارتيادًا من العديد من أندادنا من البيوت، والأحياء المحيطة بالنادي، يلعبون كرة القدم، والبعض يتبادلون المواضيع العامة، خصوصًا ما يتعلق بالأخبار الرياضية واللاعبين، مع شراء مشروبات العم «جوكر» الساخنة من الشاي، والحليب، والنسكافية، أو المرطبات، وبعد المغرب يتقلص عدد الصغار، ويبدأ النادي الامتلاء بالكبار واللاعبين الذين لديهم تمارين رياضية، كفريق السلة، وفريق كرة الطائرة، وتنس الطاولة، وأهم ما كان يثير حماسنا في ذلك الوقت هو الالتقاء بالنجوم الكبار الذين يحضرون للتمرين أو قضاء بعض الوقت مع أصدقائهم في النادي، فنتبادل السلام معهم وأحيانًا الكلام رغم فارق السن.
أما الدكة فكانت تجمع عددًا من محبي النادي الذين أمضوا معظم حياتهم معه أذكر منهم: عبد الله الحربي الملقب بالجوكر، الذي كان يقيم في النادي، ويعمل في البوفيه، ومسؤولا عن حفظ الكرات، والخال موسى، والعم سالم سائقي حافلات النادي، ومحمد سعد طبيب مدلك النادي، ومحمد الحضرمي، وأحمد نظيف، بالإضافة إلى عدد من مرتادي النادي، فيتنافسون بالتناوب على لعبة البالوت والضومنة معظم الوقت إلى أن يغلق النادي أبوابه حوالي الساعة العاشرة مساء”.

صورة غلاف كتاب رحلتي عبر السنين – الجزء الثاني

وكان الاتحاد آنذاك متسيدً في بعض الألعاب ويحقق بطولاتها، مثل تنس الطاولة التي ضمت عمالقة اللعبة آنذاك، بقيادة الكابتن حلمي زاهد، ونادر خلاوي، وبندر العميري، وكرة السلة بقيادة فريد وأسعد زاهد، وعبد الرحمن فلاتة، وإبراهيم مرزوق، وغيرهم من النجوم في الألعاب المختلفة الفردية والجماعية.
وما كان يضفي إلى كل ذلك الجو العام من بهجة وسرور هو تواجد الأمير طلال بن منصور رحمه الله اليومي في وسط تلك الأجواء مطلًا بابتسامته الدائمة ومرحبا بالمتواجدين. ليس ذلك فحسب، بل كان يضيف إلينا ثقافة رياضية بما كان يكتبه في زاويته الأسبوعية بجريدة الملاعب “اسمحوا لي” التي كنت أحرص على قراءتها كعامة عشاق النادي والصحافة الرياضية.
ولا يفوتني أن أنقل ما ذكره الكاتب الرياضي نبيه ساعاتي في مقاله بصحيفة الرياضية «طلال بن منصور.. المنقذ» (2023/07/05) “الحقيقة أن الفقيد ورث حب الاتحاد عن والده الأمير منصور بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ والذي تبرع للاتحاد بطائرة خاصة تقل الفريق إلى الشقيقة مصر ذهابًا وإيابًا للاطلاع على النشاط الرياضي هناك والاستفادة منه، بعد الفوز على بارجة شيفرن الإنجليزية بهدف نظيف في المباراة الشهيرة التي أقيمت في عام 1370هـ، والتي كانت بمثابة ملحمة وطنية أبدع فيها نادي الوطن”.

وفي الختام لا أملك إلا أن أرفع خالص التعازي والمواساة إلى صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن طلال بن منصور بن عبد العزيز آل سعود وكافة أفرد الأسرة المالكة ورئيس وأعضاء مجلس إدارة نادي الاتحاد وكافة منسوبيه ومشجعيه في وفاة صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن منصور، واتضرع إلى الله بالدعاء بأن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان
إنا لله وإنا إليه راجعون

يذكر أن الأمير طلال بن منصور بن عبد العزيز آل سعود من مواليد مدينة مكة المكرمة عام1950م، نشأ في الطائف وتولت والدته رعايته بعد وفاة والده الذي كان أول وزيرًا للدفاع في المملكة العربية السعودية، تلقى تعليمه في مدارس الثغر بالطائف ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحصل على شهادة الدبلوم من كلية متخصصة في إدارة الأعمال. يعد رمزًا من رموز نادي الاتحاد وترأسه في الفترة من عام 1394هـ إلى 1401هـ – 1974 إلى 1981م، ثم من 1403هـ إلى 1405هـ – 1983 إلى 1985م، واستطاع أن ينهض به بعد تراجعه لسنوات. توفي يوم الأحد 1444/12/14هـ – 2023/07/02 عن عمر ناهز 73 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، وصُلي عليه في المسجد الحرام بمكة المكرمة، ودفن في مقبرة العدل.

عدد المشاهدات 286