الأسلوب الطريف يجذبني في كتابة المذكرات

نشر هذا اللقاء في صفحة ثقافة اليوم (زيارة إلى مكتبة) بصحيفة الرياض السبت 7 جمادى الآخرة 1444 ه 31 ديسمبر 2022 م – العدد 19913.

تواجد مستمر للضيف بالمكتبة
تواجد مستمر للضيف بالمكتبة

حوار – بكر هذال

في أعلى سطح عمارة سميرة طاهر زمخشري الكائن بشارع جابر ابن حيان بحي العزيزية بجدة، قادتنا الخطى لتتبع مكتبة الكاتب والمؤلف محمد توفيق بلو الذي اتخذ من سطح العمارة سكنًا له وأسس مكتبته الخاصة اسماها “الصومعة” لتكون ملجأ له من آلام ومعاناة فقدان البصر وتبعاته ومكابد الحياة التي قد يعانيها أي من يريد أن يعيش ليرتزق مما يجنيه من منتوجه الأدبي والفكري.

وقد احتوت هذه المكتبة ما احتفظ به من مكتبة جده الأديب طاهر زمخشري وأعماله ومخطوطاته، بالإضافة إلى ما جمعه من كتب قديمة وحديثة وأشرطة مرئية ومسموعة لمواد ثقافية وفنية متنوعة.

*في أيِّ مرحلة من العمر تعرَّفتَ على الكتاب؟
بحكم نشأتي بين أكناف جدي لأمي الأديب طاهر زمخشري الذي كنا نسميه كما يحب بـ بابا طاهر، تعرفت على العديد من الكتب والمجلدات التي كان يمتلكها ويحتفظ بها في مكتبته المنزلية في بيتنا بحي الشرفية بمدينة جدة. ولصغر سني آنذاك لم أقرأها أو أعي أهميتها لكبر حجمها، لكن بعضها شدني لما كان فيها من صور وخرائط منها كتاب «تاريخ مدينة جدة» للمؤرخ عبدالقدوس الأنصاري، وكتاب «المنجد»، ومجلة العربي، ومجلة قافلة الزيت.

*هل تستطيع تحديد بعض بدايات تأسيس مكتبتك المنزليَّة؟
بدأت تكوين مكتبتي المنزلية منذ الصغر كمعظم الأطفال بجمع القصص التي كُنت اشتريها أسبوعيًا كمجلة سوبرمان، طارق وعنتر، الرجل الوطواط، مجلة سمير، مجلة ميكي. وفي الإجازات الصيفية اشتري مجلدات تلك القصص حيث إنها تتضمن كافة الأعداد التي صدرت خلال العام. بالإضافة إلى مجموعة قصصية منها قصص لكامل الكيلاني وأخرى كان بابا طاهر يحضرها لنا من تونس. ولعدم امتلاكي لدولاب خاص بالكتب كُنت أحتفظ بها في صندوق حديدي تسمى «الكوبر»، وبمرور السنين استمريت في اقتناء وحفظ الكتب والقصص المختلفة التي تجذبني أغلفتها أو أسمائها.
أما البداية الفعلية لتكوين مكتبة منزلية فهي عندما تزوجت واستقللت بمنزل خاص فأسست غرفة مكتب واستديو تسجيل خصصت جزءا منه مكتبة مصغرة، نظمت فيها ما احتفظ به من كتبي الخاصة، وبدأت بشراء ما يلفت انتباهي من كتب وما قد احتاجه في مجال عملي.

*ماذا عن معارض الكُتب، ودورها في إثراء مكتبتك؟
رغم امتلاكي لمكتبة لم أخصص وقت لحضور معارض كتب أو الاهتمام بها إلا بعدما بدأت بالتأليف والكتابة والمشاركة فيها، لكن كنت اعتمد في شراء الكتب من المكتبات مباشرة، أو عند بعض البسطات أو خلال سفرياتي الخارجية.

*ما أبرز المنعطفات التي رافقت نموَّ مكتبتك الشَّخصيَّة؟
وفاة جدي بابا طاهر -رحمه الله- وقراري بجمع كل ما كُتب عنه وأرثه الأدبي حيث أذكر أنه في أحد الليالي دار بيننا حديث مطول خلاصة ما أذكره منه أنه قالي لي: «عليك أن تقتني وتجمع كتب خصوصاً كتب الصالحين لعلك قد تجني أو تقتفي شيئاً من أثرهم». فرسخت تلك المقولة في ذاكرتي، وبدأت أهتم بجمع الكتب.

*حدثنا عن أوائل الكُتب التي دخلت مكتبتك؟
بحكم عملي كطاهي جوي في الخطوط السعودية (سابقاً) كان من أوائل ما اقتنيته مجموعة من كتب الطهي وفنون تقديم الطعام التخصصية الإنجليزية، منها: قاموس الطهي للطهاة المحترفين،دليل الطاهي المحترف، فن الطهي الاحترافي، وقاموس بيتي كراكر للطبخ. ومجموعة موسوعة دائرة المعارف الأمريكية. وفي نفس الوقت اهتممت بكتب السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، منها كتاب «موسوعة التاريخ الإسلامي» للبرفسور أحمد شلبي، وكتاب «الفتاوي الكبرى» لابن تيميه، و«قصص الأنبياء» للنجار.

*هل تحتفظ في مكتبتك بمخطوطات؟
إن المخطوطات الوحيدة التي أملكها في مكتبتي هي بعض النسخ اليدوية لدواوين بابا طاهر -رحمه الله-، وقصائده التي لم تنشر بعد.

*ماذا عن نصيب الكُتب القديمة والنَّادرة؟
لديّ مجموعة من الكتب القديمة التي اقتناها بابا طاهر -رحمه الله- في حياته، منها:نكتُ الهِيان في نُكتِ العُميان، تاريخ التمدن الإسلامي، معجم البلدان، إتحاف أهل الزمان، البيان والتبيين، وكتاب «الحيوان» للجاحظ، وديوان الشريف الرضا، وكتاب «يتيمة الدهر»، والعديد من أمهات الكتب الدينية والأدبية والتاريخية، وبعض الكتب العالمية المترجمة، منها رواية «ذهب مع الريح»، وتاريخ ألمانيا الهتلرية، وتاريخ موسيقى الجاز، وغير ذلك.. بالإضافة إلى «موسوعة دائرة المعارف الأمريكية إصدار 1964م» التي اقتناها والدي رحمه الله إبان ابتعاثه للولايات المتحدة الأمريكية.

*هل يوجد في مكتبتك كُتب مُهداة بتوقيع مؤلفيها؟
نعم لديّ مجموعة كتب موقعة من مؤلفيها أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: «الاثنينية» الجزء الأول والثاني لناشرها الشيخ عبد المقصود خوجة رحمه الله، «أنا وهم» للإعلامي القدير علي فقندش، «إنما نحن جوقة العميان» للكاتب تركي الدخيل، «مئة تحت الصفر – عمار أحمد شطا تحولاته ودروسه وعن مستقبل الأجيال» للكاتب أحمد مشرف، «شدو الدموع» و«أم كلثوم.. عملاقة الغناء العربي» توثيق الكاتب أنور باشا. وغير ذلك الكثير.

*ما أطرف المواقف التي حصلت لك في البحث عن الكُتب؟
بعد وفاة بابا طاهر زمخشري -رحمه الله- بسنين والانتهاء من ترميم منزلنا باشرت والدتي -رحمها الله- في التخلص من الكثير من الخردوات والأشياء القديمة وكان من بينها كوبرين (خزانتين) حديد مليئة بكتب شبه تالفة من «عثة الكتب» وكانت في طريقها للبيع في سوق الحراج، ولكني أدركتها في اللحظة الأخيرة وأصررت على الاحتفاظ بها والتعامل معها رغم حالتها وبدأت في فرزها على سطح المنزل وتنظيفها ورشها بالمبيدات، وبحمد الله استطعت جمع ما أمكني والبعض كان متهالك جدًا وتفرقت ورقاته لقدمه، وبعد عناء لأسابيع استطعت أن أرتب وأصنف ما أمكن منها في مكتبتي دون أن تتاح لي فرصة تصفحها، وبعد انقضاء نحو سنتين انتهيت من تهيئة المكان وتصنيفها ورصها الذي تزامن مع صدور قرار إحالتي للتقاعد المبكر بسبب إصابتي بإعاقة بصرية، وفي الأثناء استمريت في إكمال المهمة بمساعدة أصدقائي، وفي أحد الأيام وقع بين يدينا كتاب بالكاد يثبت من شدة قدمه وتهالك ورقه وغلافه كان موقع إهداء إلى بابا طاهر من أحد أصدقائه وبالكاد استطعنا قراءة عنوان الكتاب الذي كان «نكتُ الهِيان في نُكتِ العُميان» فظننته في بادئ الأمر عن نوادر العميان وما أن بدأنا في قراءته اكتشفت أنه كتاب أدبي تضمن كل ما يتعلق بالعمى في القرآن والأحاديث والشعر وقصص وتراجم لأعلام العميان.

*بما أنك مُهتم بالكُتب ولديك مكتبة منزلية ما أبرز الكُتب التي تحرص على قراءتها؟
أهتم كثيرًا بقراءة كتب التاريخ خصوصاً تاريخ جدة بالإضافة إلى كل ما ألف وكتب عن الأديب طاهر زمخشري. كما أحب كتب مذكرات الرحالة الغربيين الذين قدموا إلى الجزيرة العربية. والروايات الواقعية بالإضافة إلى الاعتماد الكبير في الوصول إلى المعلومات عبر البرامج الثقافية والأدبية المرئية والمسموعة.

*كم بلغ عدد مؤلفاتك حتى الآن؟ ومتى صدر لك أول كتاب وما هو؟
لديّ (6) مؤلفات حتى الآن، أولها كتاب «حصاد الظلام» الذي صدر في العام 2002م.

*هل طرافة الكتاب أو طرافة موضوعه من معايير انتقائه؟
لا.. ولكن آخذ في الاعتبار موضوع الكتاب ومدى سياقه مع ما أؤلف أو أحتاج إلى معلومات، ومع ذلك أحب الأسلوب الطريف في تحرير وكتابة المذكرات الشخصية.

*هل يوجد من قراءاتك كُتب لا تزال عالقة في الذهن، وما أسلوب الكاتب الذي يعجبك؟
نعم أذكر منها كتاب الجزء الأول من «موسوعة التاريخ الإسلامي» للمؤرخ أحمد شلبي، و«حياة محمد» لمحمد حسين هيكل باشا، و«الشخصية الجذابة» لدانيال كارنيجي، و«لغز الموت» للدكتور مصطفى محمود، و«نكتُ الهِيان في نُكتِ العُميان» لصلاح الدين بن أيبك الصفدي، فضلاً عن استفادتي كثيراً من كتب الطهي الاحترافي في مجال عملي السابق كطاهي جوي، وكتب المزج الصوتي في الاستديو المنزلي، والتصوير الفوتوغرافي الاحترافي اللذان استخدمت الكثير من معلوماتهم ومهاراتهم إبان ممارستي لهواية المزج الموسيقي والتصوير قبل فقداني للبصر.

*ماذا تُفضل. المكتبة الورقية أو الرقمية؟ وما السبب؟
أفضل المكتبة الورقية لسهولة تنظيمها والإحساس بها فهي أمامك وتلامسك دائماً، وتستخدم فيها حواسك الخمس، لكن على النطاق الشخصي مع ظروف حالتي البصرية تبقى المكتبة الرقمية الحل الأنسب لي.

*هل مكتبتك متخصصة أم متنوّعة؟
مكتبتي متنوعة فهي تضم مجلدات أدبية وعلمية وثقافية وكتب دينية، كما أنها تضم أشرطة صوتية جمعت من الإذاعات المحلة والعالمية، وأرشفت حسب مواضيعها، بالإضافة إلى مكتبة الفيديو التي تضم كافة العلوم الأدبية، والسياسية، والدينية، والرياضية، واسطوانات وأقراص مدمجة لمئات من الأغاني والموسيقى الغربية.

*هل تقتني الكتاب من خلال توصيات أو بانتقاء شخصي؟
اقتني كتبي بانتقاء شخصي خصوصاً عندما أشرع في تأليف كتاب معين.

*ما رسالتُك التي توجِّهها لكلِّ من يملك مكتبة منزلية؟
إن الكتاب كأحد أفراد الأسرة يجب العناية به ورعايته وعدم إعارته إلا للضرورة القصوى.

*كلمة أخيرة:
الكتاب كما قيل غذاء الروح والعقل، والمكتبة هي الأم الحاضنة للكتاب، وعلى الإنسان أن يتعامل معها على هذا الأساس فعليه تقديم كل ما يلزمها للحفاظ على نبضها، وعلينا تربية الأجيال على هذه المفاهيم والمعاني بضرورة العناية بالكتاب وملازمته كرفيق وصديق أبدي.

  • استلام جائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز
  • بلو في مكتبته الصوتية
  • مع الأديب عبدالمقصود خوجة
  • أول مجلة سعودية للأطفال «الروضة» التي أسسها الأديب طاهر زمخشري 1959م

رابط اللقاء على صحيفة الرياض

عدد المشاهدات 135