تحتفل المملكة العربية السعودية مع دول العالم اليوم 4 يناير باليوم العالمي لبرايل الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر عام 2018م. بموجب قرار رقم (A/RES/73/161) الذي نص على “إعلان يوم 4 كانون الثاني/يناير يومًا عالميًا للغة برايل، على أن يحتفل به سنويًا ابتداء من عام 2019، من أجل إذكاء الوعي بأهمية لغة برايل، باعتبارها وسيلة من وسائل الاتصال، في الإعمال الكامل لحقوق الأشخاص المكفوفين وضعاف البصر”.

ودعت جميع الدول الأعضاء ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة المعنية والمنظمات الدولية الأخرى والمجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، إلى الاحتفال باليو العالمي للغة برايل بالشكل المناسب من أجل توعية الجمهور بلغة برايل باعتبارها وسيلة من وسائل الاتصال؛ وشجعت الدول الأعضاء على اتخاذ التدابير اللازمة في جميع مناحي المجتمع لزيادة الوعي بلغة برايل باعتبارها وسيلة من وسائل الاتصال؛ وطلبت من الأمين العام إطلاع كافة الدول الأعضاء ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة على هذا القرار على أن تمول تكاليف جميع الأنشطة التي تنجم عن تنفيذ هذا القرار من التبرعات.

وقد اختير يوم 4 يناير لتوافقه مع يوم ميلاد الكفيف الفرنسي لويس برايل مبتكر طريقة برايل التي يستخدمها ملايين الأشخاص المكفوفين وضعاف البصر حول العالم للكتابة والقراءة. وهي عبارة عن عرض للرموز الأبجدية والرقمية باستخدام ست نقاط بارزة يمكن تحسسها باللمس. لتمثيل كل حرف أو عدد بما في ذلك رموز الموسيقى والرياضيات والعلوم. وسُمّيت بهذا الاسم نسبة إليه، وطورت على مدى السنين من الفرنسية إلى اللغات الأخرى (العربية، والإنجليزي، والأسبانية، والصينية…إلخ). فوفق إحصائيات الأمم المتحدة يبلع عدد الأشخاص ذوي الإعاقة زهاء مليار شخص في جميع أنحاء العالم.

وفي هذا السياق استحضر شيئا مما كتبته في مقالي «صابري التي صنعت الفرق للتبت بطريقة برايل» من قصة الكفيفة الألمانية صابري تنبيركين (Sabriye Tenberken) التي التقيت بها وتعرفت عليها في كوالالمبور بماليزيا ضمن فعاليات المؤتمر الدولي للتعليم التقني وإعادة تأهيل العوق البصري. الذي نظمه المجلس الدولي لتعليم المعاقين (ICEVI) بماليزيا في الفترة من 16 – 21 يوليو 2006م، والهمتني بتجربتها إذ إنها تعتبر واحدة من أبرز الشخصيات من ذوي الإعاقة البصرية المعاصرين الذين ساهموا في دعم ونشر طريقة برايل في العالم وبلاد التبت. وشاركت في الحملة العالمية لدعم تعليم 4 ملايين طفل كفيف كانوا محرومين من التعلم، ونالت عدة جوائز عالمية لإنجازاتها الإنسانية من أشهرها جائزة آلبيرت إستشويزر للعام 2002م. جائزة من ملكة هولندا عام 2003م. لقب شخصية العام 2004م لمجلة التايمز الأوروبية والآسيوية. جائزة المنتدى الاقتصادي العالمي WEF)) لأصغر قائدة تقوم بعمل دولي.

صورة تذكارية مع صابري والسيد بول كروننبرغ
صورة تذكارية مع صابري والسيد بول كروننبرغ

فقد ولدت في كولونيا بألمانيا وفقدت بصرها وهي في الـ 12 من عمرها. فالتحقت بمدرسة داخلية لذوي الإعاقة البصرية في مدينة بون. تعلمت فيها مجموعة من المهارات الحياتية منها الفروسية، السباحة، لغة برايل والاعتماد على النفس. وتأقلمت وكونت علاقات إنسانية فريدة مع زملائها. ثم التحقت بجامعة بون وكانت الطالبة الكفيفة الوحيدة من بين 30,000 طالب وطالبة. درست علوم آسيا الوسطى بالإضافة إلى المنغولية والصينية الحديثة. والتبت القديمة والحديثة في تركيبة مع علم الاجتماع والفلسفة. ومن خلال دراستها لفت انتباهها إقليم التبت ولاحظت أن لغة هذا الإقليم من اللغات الموجودة في قارة آسيا. وليست مكتوبة أو مقروءة بلغة برايل.

وهكذا بدأت بتعلم لغة التبت حتى أجادتها نظرياً، فقررت تأسيس مشروع لاستحداث لغة التبت بطريقة برايل. وقد واجهت صعوبة قصوى في دراستها وحاول أساتذتها ثنيها عن إكمالها لصعوبة تلك اللغة. وعدم وجود تجارب سابقة لطلاب مكفوفين أو مراجع بطريقة برايل في هذا التخصص. ولكن بإصرارها وقوة عزيمتها وصلابة إرادتها استطاعت أن تطور أسلوب خاص بها. من أجل متابعة دراستها وأبحاثها عبر نظام كمبيوتر يقوم بتحويل لغة التبت الى لغة برايل.

وعندما وجدت من خلال دراستها وأبحاثها أن نحو 30,000 شخص. في بلاد التبت يعانون من إعاقات بصرية مختلفة وقد يستفيدون من هذا النظام في التعليم. سافرت في العام 1997م إلى التبت بمفردها والتنقل على الدواب بين قراها النائية لتقييم أوضاع المكفوفين. وتبين لها أنهم محرومون من التعليم لعدم وجود أي مدارس. فأسست في العام 1998م بمجهودها الذاتي أول مدرسة في «لاسا» عاصمة التبت. لتعليم المكفوفين القراءة والكتابة بطريقة برايل. تعلم اللغات وغيرها من المجالات الحياتية المختلفة. بدأتها بتعليم خمسة أطفال بنفسها بالإضافة إلى عملها كمنسقة ومستشار ثم بدأت في تدريب التبتيين الأصليين كمدرسين. واختيار جميع أعضاء المدرسة والإشراف عليهم.

واجهت صعوبات ومعاناة كبيرة حيث كانت تضطر لامتطاء جوادها يومياً للانتقال من القرية التي تقطن فيها الى المدرسة. كما أن الوعي المجتمعي لم يساعدها فالعديد من الأسر كانوا يخفون أطفالهم المكفوفين. إضافة إلى شح الموارد المالية لعدم تلقي الدعم من المنظمات والجمعيات الأوروبية المانحة وغيرها. لعدم قناعتهم بقدرتها ككفيفة على إنجاح مثل هذا المشروع إلى أن التقت بالسيد «بول كروننبرغ». الذي كان يعمل في الصليب الأحمر في «شيجاتسي». وأمن بها وبقدراتها فانضم إليها ودعمها في مشروعها وأسسا سوياً في العام 2002م منظمة «برايل بلا حدود». ضمت المدرسة ومركز تدريب مهني للبالغين المكفوفين بالقرب من مدينة «شيجاتسي» واتخذا شعاراً للمنظمة «الكفيف يقود الكفيف».

وهكذا استطاعت السيدة صابري تحقيق هدفها الذي حلمت به واستحقت بموجبه الإشادة والتقدير والحصول على العديد من الجوائز.

والحقيقة لا يمكن ذكر طريقة برايل وأهميتها للمكفوفين خصوصًا الصم منهم دون المرور على ذكر الكفيفة الصماء الأمريكية «هيلين كيلر 1880م – 1968م» التي لقبت بـ «معجزة الإنسانية» نظير إنجازاتها ونشاطاتها الأكاديمية والإنسانية والسياسية منها عضويتها في الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، الحزب الوطني للمرأة، الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، وعمال الصناعة في العالم، ونيلها عدة أوسمة من عدد من رؤساء العالم منها وسام الحرية الرئاسي من الرئيس ليندون جونسون في عام 1934م، والرئيس جون كيندي عام 1964م، ووسام استحقاق الجمهورية الإيطالية، ونالت شهادة الدكتوراة الفخرية من عدة جامعات عالمية عريقة أشهرها هارفرد، وأصدرت عدة مؤلفات منها «العالم الذي أعيش فيه»، «الخروج من الظلام»، «هيلن كيلر في اسكتلندا»، «أضواء في ظلامي»، «قصة حياتي».

وهاتان التجربتان دليل على قدرة الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية على العمل والإنجاز في أصعب الظروف، وللأسف الشديد أنه لا يزال ذوي الإعاقة البصرية في عالمنا اليوم يصارعون من أجل الحصول على فرص عمل عادلة لقدراتهم ومؤهلاتهم مقارنة بنظرائهم المبصرين. فقد اطلعت اليوم على منشور هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة على منصة X ذكرت فيه “ساهم القطاع الخاص بتوظيف أكثر من 5700 مواطن سعودي من ذوي الإعاقة البصرية، داعمين مسيرة العمل والاقتصاد الوطني.” وبرأيي أن هذا الرقم لا يزال متواضع مقارنة بعدد ذوي الإعاقة البصرية في بلادنا الذين يقدر عددهم بـ (811,610) وفق الهيئة العامة للإحصاء (نتائج مسح ذوي الإعاقة لعام 2017)، فضلا عن أن بعضهم يعينون في وظائف بسيطة من أجل رفع نسبة التوطين وبالحد الأدنى للأجور مهما كانت مؤهلاتهم وقدراتهم.

عدد المشاهدات 146