نشر هذا المقال على صحيفة البلاد في 24 جُمادى الأولى 1444 هـ – 17 ديسمبر 2022
البلاد-ياسر خليل
تمثل اللغة العربية ركناً من أركان التنوع الثقافي، ومن إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، إذ يتحدث بها يومياً ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان العالم، بينما يحتفل العالم في 18 ديسمبر من كل عام بــ”اليوم العالمي للغة العربية”، وهو اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها التاريخي في العام 1973م، بأن تكون “اللغة العربية” ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة. وأبدعت اللغة العربية بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة، كما يزخر تاريخ اللغة العربية بالشواهد التي تبيّن الصلات الكثيرة والوثيقة التي تربطها بعدد من لغات العالم الأخرى.
“البلاد” استطلعت آراء عدد من المثقفين والأدباء والمهتمين باللغة العربية، مؤكدين أهميتها، إذ قال الكاتب والمؤلف محمد توفيق بلو أمين عام جمعية إبصار الخيرية سابقاً، إن اللغة العربية تعد ركناً مهماً من أركان التنوع الثقافي للبشرية، إذ يتحدث بها وفق منظمة الأمم المتحدة أكثر من 400 مليون نسمة في الوطن العربي وما جاوره، فهي لغة القرآن الكريم المرجعية الأساسية للدين الإسلامي الذي يستلزم ممارسة شعائره الحد الأدنى من اللغة العربية.
وأكد بلو أهمية اللغة العربية كلغة عالمية وعصرية، أثبتت على مدى العصور هويتها، مشجعاً الشباب على استخدامها كلغة أم دون تأثرها باللغات الأخرى، مثمناً حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله– على تعزيز لغتنا العربية، من خلال تأسيس مَجْمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، للمساهمة في تعزيز دور اللغة العربية إقليمياً وعالمياً، وإبراز قيمتها المعبّرة عن العمق اللغوي للثقافة العربية والإسلامية، وليكون مرجعية علمية على المستوى الوطني فيما يتعلق باللغة العربية وعلومها. وليسهم بشكل مباشر في تحقيق أهداف برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030.
وأشار بلو إلى أن حكومة المملكة تدعم العديد من الملتقيات والمناشط المحلية والعالمية على رأسها معارض الكتب التي تقيمها وزارة الثقافة في مناطق المملكة المختلفة ضمن مبادرة “معارض الكتاب” إحدى المبادرات الاستراتيجية لهيئة الأدب والنشر والترجمة، التي تعمل من خلالها على التوسع في إقامة معارض الكتاب بالمملكة، بوصفها نوافذَ ثقافية تجمع صنّاع الأدب والنشر والترجمة من المؤسسات والشركات المحلية والدولية مع القراء والمهتمين، بالإضافة إلى البرامج الثقافية المثرية المصاحبة لهذه المعارض، لتوفر تجربة ثقافية متكاملة لمختلف أطياف المجتمع.
تمثّل الهوية
أكدت المستشارة التربوية الدكتورة مريم سعود أبو بشيت، إن اللغة بشكل عام تمثّل الهوية، وهي تعني مجمل السمات التي تميّز شيئاً عن غيره أو شخصاً عن آخر أو جماعة بشرية عن غيرها، مضيفة: “نعلم أن اللغة هي من أهّم أساسيات الميزات المشتركة المتشابهة للمجموعات البشرية، فاللغة وسيلة للتواصــل بين الناس وهي أيضاً لسان يحكي قصة الحضارة، لينقل الخبرات والأخبار منذ بدء الخلق والخليقة. اللغات العالمية تربو على 5000 آلاف لغة على امتداد الزمن والحضارات الإنسانية، وقد اندثر منها أكثر من 2500 لغة، إذ هي عرضة للموت والتلاشي، كما أنّ لهــــــــا الحيلة والإضافة والتغيير والاستمرارية والازدهار”.
وأضافت: “للغة مستويات متعدّدة، والعربية تأتي في المستوى الأول بوصفها الأكمل فلها ست عشرة ألف جذر، حروفها 28 حرفاً، والحرف الواحد له رمزية وإيحاء خاص به كحروف القرآن المقطعة (كهيعص) كما يصحبها الإيقاع والتلوين لتعطي بيان المفردة وعكسها، وتتميز بغنى المفردات والمترادفات والاشتقاق والتفعيل والتركيب لذا كان محصولها اللغوي غنياً جداً ومتميزاً متفرداً عدا عن كونها تعّبر عن مراد المتحدّث بأقل الكلمات. وأول من نطق بها من الأنبياء سيدنا إسماعيل حيث تعلّمها من أهلها بمكة المكرمة، واستمرت اللغة العربية محكيّة وغير مكتوبة حتى بدايات العصر الإسلامي وبنزول القرآن الكريم الذي شُرفت به تكريماً وتعظيماً وحفظاً إلى يوم الدين بوعد من الرحمن القائل في كتابه الكريم: (إنّا نحنُ نزلّنا الذكر وإنّا له لحافظون).
وتابعت الدكتورة مريم: “لا يفوتني تبيان أنّ اللغة تختلف عن الكتابة والتعبير ولها -أيضاً- قواعد النحو والصرف والبناء وقواعد الإملاء والقراءة. اللغة العربية عشق، لها أسرارها ونوادرها التي عرفت بها وبها تغنّى أحمد شوقي أمير الشعراء بكلّ الحب قائلاً: إنّ الذي ملأ اللغات محاسنا… جعلَ الجمالَ وسرّه في الضاد”.
وأردفت بالقول: “اللغة العربية كونها لغة ساميّة قديمة شكلـّت هويّة العرب قبل الإسلام برغم تباين لهجاتهم ووحَدّتهم بعد تشريفهم وتكريمهم بنزول النبي محمد صلى الله عليه وسلّم برسالة التوحيد وبلسان عربي مبين، وقد حفّز ذلك العربي المسلم على الاجتهاد والعمل من أجل التدوين والتقعيد والاشتغال على لغته التي تعني هويته التي حملت الفكر الراقي والمشاعر السامية العظيمة وأسهمت في بناء الأفراد والجماعات وتشييد المعارف والحضارة وارتقاء الأمتين العربية والإسلامية ونهضت بالعرب ليبحوا في الصدارة العالمية بانفتاحهم على ثقافات العالم”.
أهمية مركزية
في السياق ذاته، قال الدكتور إبراهيم عباس نـَتّو، عميد سابق بجامعة البترول:” دأبت الأمم المتحدة على بث إعلان احتفاليٍ سنوي تكريماً لعدد من اللغات، منها العربية التي لها أهمية ومركزية لخدمتها لـ300-400 مليون عربي إضافة إلى مليار مسلم”، منوهاً إلى ضرورة إعادة ترتيب أوضاع التعليم لمعالجة ضعف مُخرجات تدريس اللغة العربية.
أما الدكتورة منى الحضيف أستاذة اللغة العربية في جامعة المعرفة، قالت: “حينما نتكلم عن اليوم العالمي للغة العربية، فنحن لا نتكلم عن مجرد تاريخ أو يوم يتكرر قدومه كل عام؛ إنه هوية تثبت قيمة، وتحكي تاريخاً ومجداً وثراءً ثقافياً وعلمياً باقياً، ويكفينا في ذاك أن لغتنا العربية هي لغة القرآن الكريم الكتاب المحفوظ إلى يوم الدين.
واعتزازنا بهذه الهوية ليس جهداً فردياً، بل هو اعتزاز متأصل زرعته فينا دولة عظيمة التزمت ذلك ومستمرة عليه كما أكدت في رؤيتها 2030م.
سنحافظ على هويتنا الوطنية ونبرزها ونعترف بها وننقلها إلى أجيالنا القادمة، وذلك من خلال غرس المبادئ والقيم الوطنية، والعناية بالتنشئة الاجتماعية، واللغة العربية”.
فيما اعتبر المعلم أحمد آل هجاد، أن اللغة هي الوعاء الذي ينقل ثقافات الشعوب، وبه يتواصلون، ووفقاً للإحصائيات فإن اللغة العربية تحتل المركز الرابع بين أكثر اللغات انتشاراً، ويتحدث بها سكان في نحو 66 دولة في العالم منها، كل الدول العربية، ويقدر عدد المتحدثين بها بحوالي 6.6 % من سكان العالم، مضيفاً: “مما لا يخفى على القارئ أن قوة اللغة تكون بقوة شعوبها ولا ينكر عاقل أن قوة اللغة العربية كانت في أوجها منذ بزوغ فجر الإسلام. واستمرت مستمدة روافدها من الشريعة الإسلامية وتخطت أصعب الحقب التي حاولت طمس هويتها حتى وصلت إلينا محافظة على كينونتها وناقلة لنا أجمل لآليها وكنوزها، التي ينبغي المحافظة عليها”.
لغة العلم والأدب
من جهته، أكد قائد مدرسي تعليم جدة علي الزهراني: “منذ عصور الإسلام الأولى انتشرت العربية في معظم أرجاء المعمورة، وبلغت ما بلغه الإسلام وارتبطت بحياة المسلمين، فأصبحت لغة العلم والأدب والسياسة والحضارة فضلاً عن كونها لغة الدين والعبادة.
لقد استطاعت اللغة العربية أن تستوعب الحضارات المختلفة؛ الفارسية، واليونانية، والهندية، المعاصرة لها في ذلك الوقت، وأن تجعل منها حضارة واحدة، عالمية المنزع، إنسانية الرؤية، وذلك لأول مرّة في التاريخ، ففي ظل القرآن الكريم أصبحت اللغة العربية لغة عالمية، واللغة الأم لبلاد كثيرة”.
المستشارة الإعلامية الدكتورة وفاء أبوهادي، تقول: “عندما نتكلم عن اللغة العربية فلا بد أن نستحضر كآفة حواسنا بهذه اللغة الفريدة ذات البلاغة المتميزة والمعاني العميقة. نتحدث عن لغةٍ نزل بها القرآن الكريم، فماذا بعد هذا الدستور السماوي الذي فضل اللغة العربية وجعل بها كتابه الحكيم ودعا بها نبيه الكريم لرسالة التوحيد. وعلى الأجيال القادمة الحفاظ عليها والاعتزاز بها بدلاً عن التفاخر بلغات أخرى”.
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.