حضرت مؤخرًا (مساء الجمعة 11 نوفمبر 2022م – 17 ربيع الثاني 1444هـ)، حفل «جائزة بصيرة العالمية 2022». الذي نظمته الجمعية السعودية لطب العيون في فندق الريتزكارلتون بجدة. بحضور صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن أحمد بن عبدالعزيز آل سعود (رئيس الجمعية السعودية لطب العيون). ضمن فعاليات مؤتمر البحر الأحمر الدولي السادس لطب العيون.
وهي مناسبة سنوية استحدثتها الجمعية في العام 2017م باسم «أمسية نجاحات في الظلام». وفي العام 2019م أطلق عليها اسم «جائزة بصيرة». وتعقدها ضمن فعاليات مؤتمرها السنوي الذي يُعد أحد المؤتمرات الطبية المتخصصة في خدمات طب العيون والبصريات، وعرض المستجدات البحثية. وإيجاد منصة مشتركة بين الجهات الصحية داخل المملكة وخارجها لتبادل الخبرات التي تستشرف مستقبل خدمات العيون. وذلك للسعي نحو تحقيق رؤية المملكة 2030 فيما يخص هذا المجال الطبي الحيوي.
ووفق رئيس لجنة الجائزة د. سعود الجهني فإنها تقدم للمعاقين بصريًا المتميزين من الذين قدموا خدمة ورسالة إنسانية أسهمت في نشر الوعي والتثقيف المجتمعي. وقد كُرم هذا العام (٩) مكفوفين من المملكة العربية السعودية، الأردن، الإمارات، البحرين، فلسطين، قطر، مصر، المغرب.
وفي هذا السياق أشيد بالجمعية السعودية لطب العيون على مبادرتها. فتكريم المكفوفين واعلاء شأنهم ضمن محافل رسمية هي واجهة حضارية تعكس الرقي الإنساني. فضلًا عن إنها من صميم تعاليم ديننا الحنيف. فقد أعلى الله شأن الصحابي «عبدالله ابن أم مكتوم» مؤذن رسول الله ﷺ بإنزال وحي في شأنه ثلاث مرات.
كما كان الرسول ﷺ يفرش له ردائه ويقول له “مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي”. وهذه مكانه تميز بها أبن أم مكتوم عن سائر الصحابة الذين حذوا حذو رسول الله ﷺ في تكريم المكفوفين. واستمر المسلمون عبر مختلف العصور بالاهتمام بهم. ما حافظ على مكانتهم وأبرز إبداعاتهم وتخليد أسمائهم خصوصًا المتميزين منهم كشاعر العصر الأموي والعباسي «بشار بن برد». الذي تناقلت الأجيال قصائده وأشعاره على مر العصور، والفيلسوف الأديب «أبو العلاء المعري» صاحب كتاب رسالة الغفران. وعميد الأدب العربي «د.طه حسين» الذي تقلد العديد من المناصب أعلاها وزيرًا للمعارف. وترأس مجمع اللغة العربية بالقاهرة وحصل على شهادتي دكتوراه من جامعتي القاهرة ومونبلييه الفرنسية، بالإضافة إلى العديد من الجوائز العالمية. والفقيه «الشيخ عبدالعزيز بن باز» مفتي عام المملكة العربية السعودية الأسبق، والحاصل على جائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام. وغيرهم في شتى المجالات.
وبالعودة إلى حفل الجائزة لهذا العام فقد لاحظت ارتفاع عدد المكرمين إلى الضعف مقارنة بالأعوام السابقة. وأن الوقت الذي خصص للتعريف بكل محتفى به ومنجزاته التي كرم من أجلها كان قصيرًا ومقتضبًا. مقارنة بالوقت الذي خصص لفقرتي الشعر وأوبريت عيون الإنسانية. كما أنه لم يتم ذكر أسماء المكرمين ومنجزاتهم في البيانات الصحفية التي نشرت في وسائل الإعلام قبل وبعد الحفل.
وفي محادثة مع الزميل الأستاذ أنور النصار (مشرف عموم تربية خاصة بوزارة التعليم سابقًا وأحد مرشحي المحتفى بهم هذا العام). أثنى على الجائزة. وأكد على أهمية استمراريتها. وأنها ستكون حافزًا قويًا لإبراز المبدعين من ذوي الإعاقة البصرية في عالمنا العربي. ورأى أن تكون نسب المكرمين 75% للمبدعين المحليين و25% للإقليميين. وأن تتاح الفرصة للترشح للجائزة عبر موقع الكتروني وفق معايير وشروط تحددها لجنة الجائزة.
وفي هذا السياق أضيف. لكي تكون الجائزة نموذجًا متميزًا في تحقيق التميز الفكري والإبداعي والتعليمي للمعاقين بصريًا على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي. وتمكنها من اجتذاب الرواد المكفوفين العالميين كما تتطلع إليه لجنة الجائزة. لابد من توسيع نطاق الجائزة لتشمل المجالات التي ينشط فيها ذوي الإعاقة البصرية كالأدب، والفنون، والعلوم، والتقنية…الخ. وأن يحدد فائز واحد لكل فرع. وتكوين لجنة دائمة متخصصة. لاختيار المنجزين من ذوي الإعاقة البصرية لتكريمهم بناء على معايير وشروط تلبي طموحات الجائزة حسب المسارات المحددة. تخصيص جوائز ماليه لكل فرع لا تقل عن 75,000 ريال.
ومن المهم جدًا الاستفادة من التجارب العالمية في تحديد معايير وشروط الجوائز واختيار التجارب الملهمة. فمن خلال مشاركاتي السابقة في عدد من المؤتمرات الدولية المرتبطة بضعف البصر وإعادة تأهيل المعاقين بصريًا. لاحظت أنه يتم تخصيص جوائز بمعايير وشروط محددة وواضحة للمنجزين في المجال سواء كانوا من ذوي الإعاقة البصرية أو المختصين.
كما يتم اختيار شخصية رائدة من المكفوفين أصحاب التجارب الملهمة لتكريمه ضمن البرنامج الافتتاحي. ويكون بمثابة المتحدث الملهم في المؤتمر. وغالبًا ما تكون إنجازاته وتجربته الملهمة موثقة في كتاب، أو فيلم. ونال عليها جوائز عالمية، ويخصص له وقت لا يقل عن 20 دقيقة. للحديث عن تجربته وإنجازه وكيف أستطاع تحقيقه، وأهم الدروس والعبر المستفادة.
ومن أبرز شخصيات المكفوفين الذين حضرت تكريمهم وكانوا مصدر إلهام لي. الكفيف البريطاني «ستيف كانينغهام – Steve Cunningham» في مؤتمر (البصر 2005 – vision 2005) بألبرت هول بلندن (4 أبريل 2005). وهو أول كفيف يطير بطائرة خفيفة قطع بها أجواء بريطانيا مستخدمًا برنامج “قارئ شاشة” لقراءة معلومات الملاحة الجوية. وكان قبل ذلك قد أبحر بقارب سريع وسجل به رقمًا قياسيًا في عبور القناة الإنجليزية. بعد أن اعتبر في العام 1999م أسرع كفيف في العالم. لقيادته سيارة كرايسلر دودج فايبر بمطار ليسيسترشاير بمتوسط سرعة تجاوز 147 ميل في الساعة.
https://www.walesonline.co.uk/news/wales-news/blind-pilot-triumphs-round-uk-flight-2430160
كذلك الكفيفة الألمانية «صابري تنبيركين – Sabriye Tenberken». التي التقيت بها وتعرفتُ عليها في المؤتمر الدولي للتعليم التقني وإعادة تأهيل العوق البصري. الذي نظمه المجلس الدولي لتعليم المعاقين (ICEVI) في كوالالمبور بماليزيا (يوليو 2006م). حيث تم تكريمها باعتبارها أحد أبرز ذوي الإعاقة البصرية الملهمين. بما حققته من إنجازات إنسانية، منها تأسيس أول مدرسة في «لاسا» عاصمة بلاد التبت في العام 1998م بمجهودها الذاتي. لتعليم المكفوفين القراءة والكتابة بطريقة برايل بعد أن تعلمت لغتهم وطوعت طريقة برايل لتعليمهم بها. وتأسيسها لمنظمة برايل بلا حدود. ومشاركتها في حملة تعليم 4 ملايين طفل كفيف حول العالم محرومين من التعلم. ونيلها عدة جوائز عالمية منها جائزة آلبيرت إستشويزر للعام 2002م. جائزة من ملكة هولندا عام 2003م. لقب شخصية العام 2004م لمجلة التايمز الأوروبية والآسيوية. جائزة المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) لأصغر قائدة تقوم بعمل دولي.
والكفيف الأمريكي «إيد لوكس Ed Lucas» الذي التقيته في مؤتمر تحالف خدمات الإبصار للمنظمات والجمعيات الأمريكية الغير حكومية (نيويورك 2011م). وتم تكريمه في المؤتمر باعتباره أحد أبرز المتحدثين الملهمين. ومن أشهر نقاد ومعلقي رياضة كرة البيسبول الأمريكية التي فقد بصره بسببها في طفولته. وتعاونه مع فريق يانكي لدعم مدرسة سانت جوزيف للمكفوفين في مدينة جيرسي. واستقباله من قبل أربع رؤساء أمريكيين خلال فترة حكمهم. وتكريمه من قبل العديد من المنظمات الأمريكية والدولية. وألف كتابًا عن قصة حياته بعنوان «Seeing Home: The Ed Lucas Story» وأُنتج فيلمًا وثائقيًا عن قصته بعنوان «Bleacher Boys»
ولا يفوتني أن استحضر من ذاكرتي ذلك المشهد الملهم. الذي غطته عدد من وسائل الاعلام الأمريكية وشاهدته على قناة CNN الإخبارية في العام 1990م. وهي لحظة وصول الكفيف الأمريكي «بيل ايروين – Bill Irwin» إلى ولاية مين. وتكريمه بعد أن أنهى رحلته التي استغرقت ثمانية أشهر مشيًا على الأقدام برفقة كلبه وهو في الـ 50 من عمره. قطع خلالها الأودية والأنهار وتسلق فيها عدة جبال من بينها قمة جبل كاتادين بولاية مين البالغ ارتفاعه 5269 قدم.
وخلال رحلته تعرض لعدة حوادث أصابته بكسور وجروح. ومع ذلك أصر على الاستمرار وتحقيق هدفه بإكمال رحلته. ليصبح أول كفيف يجتاز مسار الأبلاش قاطعًا مسافة 3380 كيلومتر من ولاية جورجيا إلى ولاية مين. وألف في العام 1991م كتابًا عن رحلته بعنوان «Blind Courage» بالتعاون مع الكتاب (ديفيد مكاسلاند – David McCasland). وحول في العام 2014م إلى فيلم سينمائي بذات العنوان.
وقد كانت تلك التجارب مصدر إلهام لي. في تقديم فكرة إطلاق جائزة تحفيزية للمبدعين من ذوي الإعاقة البصرية والجهات العاملة على خدمتهم في العام 2009م. إبان إدارتي لجمعية إبصار الخيرية باسم «جائزة د. عصام قدس» بصفته أحد مؤسسي الجمعية تخليدًا لذكراه، وللأسف لم تستمر إلا لدورتين.
وخلاصة القول؛ إن تخصيص جوائز للمبدعين من ذوي الإعاقة البصرية وتقديم تجاربهم الملهمة في المناسبات والمحافل الدولية. يتماشى مع خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 فيما يتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. فضلًا عن إن فيها توعية للمجتمع، وتحفيز والهام لذوي الإعاقة البصرية الآخرين، واختم دردشتي بما قاله الشاعر الأعمى التُّطيلي (الإشبيلي):
والناسُ كالنّاسِ إلا أنْ تجرِّبَهُمْ *** وللبصيرةِ حُكمٌ ليسَ للبَصَرِ
كالأيْكِ مُشْتَبِهاتٌ في مَنَابِتِها *** وإنّما يقعَ التّفضيلُ في الثَّمرِ
الرابط المختصر لهذا المقال:
ماشالله لاقوة الابالله استاذ توفيق لمثلكم قرر التتويج
والتكريم تستاهل كل خير