Share

كرمت هيئة الترفيه السعودية الفنان السعودي الراحل طلال مداح رحمه الله الملقب بـ «صوت الأرض» بـ مسرح «محمد عبده أرينا» في بوليفارد رياض سيتي في ليلة تاريخية مساء يوم الأربعاء 1 فبراير 2023م – 10 رجب 1444هـ. بحضور أكثر من 40 من نجوم فن الغناء والموسيقى العرب وعدد من نجوم المنتخب السعودي بطل آسيا عام 1984م .

قُدم خلالها ميدلي أغاني الفنان الراحل بأداء مجموعة من الفنانين، وديو غنائي، وأداء فردي ومفاجئة الحفل بـ الدويتو الذي اداه الفنان محمد عبده مع اطلالة طلال عبر تقنية الهولوجرام على المسرح بأغنيتهم “قلبي تولع بالرياض” تكريمًا لمسيرة الراحل الفنية التي امتدت لنحو 50 عامًا.

بالإضافة إلى عرض تقرير مصور روى من خلاله أصدقاء الراحل أبرز الأحداث والمواقف التي جمعتهم به، وكرم معالي المستشار تركي آل الشيخ عائلة الراحل «طلال مداح» وقام السفير المصري بالمملكة أحمد فاروق بتكريمهم أيضا، وأعلنت الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة مرواس ندى التويجري إطلاق اسم طلال مداح «صوت الأرض» على أكبر استديوهاتها. . وكان معالي وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان قد أطلق اسم الفنان طلال مداح على مسرح المفاتحة بأبها في 4 يونيو 2019م تخليدًا لذكراه.

ولا شك بأن الراحل رحمه الله استحق ذلك التكريم وأكثر، فقد كان من فرسان الأغنية السعودية الذين انطلقوا بها خارج الحدود.

ولعله من المناسب أن أسلط الضوء في هذه السطور المضيئة على جانب من السيرة الفنية للراحل لم تلق حظها في برنامج التكريم؟ وهي مكانة الفنان في شعر طاهر عبد الرحمن زمخشري أحد أبرز رواد الأدب والشعر في المملكة والأب الروحي للعديد من رواد الفن السعودي، والعلاقة التي ربطت فيما بينهما سيما وأن الأديب رحمه الله لعب دورًا مباشرًا في بروزه وانتشاره عبر الإذاعات العربية وبلاد المغرب العربي وقال عنه “طلال قمة في الفن.. أحبه.. وأحب فنه.. وهو قمة في الأخلاق والفن.. واسميه مُعزف الحب”.

البدايات

ارتبط الأديب طاهر عبد الرحمن زمخشري الملقب بـ «بابا طاهر» بعلاقة فنية وصداقة وطيدة بالفنان طلال مداح منذ بداياته الفنية في أواخر خمسينيات القرن الماضي، وأعجب به وبفنه كثيرًا حتى إنه عندما حقق طلال مداح أولى نجاحاته بأغنيته «وردك يا زارع الورد» في مطلع الستينيات

كتب فيه قصيدة بعنوان «يا طلال» نشرت في صحيفة البلاد عام ١٩٦٣م -١٣٨٣هـ ومما جاء فيها:

يا طلال الفريد في واحة الحب، ويا معزف الهوى للقلوب

أنت يا صيدح السلامة والقيم، وآسي الجراح للمكروب

أنت ابدعت حين غنيت للورد فجاءت أنفاسه بالطيوب

وترنمت في ربى الأرز والاصداء تسري مع الندى المسكوب

أنت فيه الشادي، وصوتك قيثار واوتاره نياط القلوب

أسمر حليوة.. انطلاقة المداح في العالم العربي

وكانت باكورة تعاونهما الفني أغنية «أسمر حليوة» التي كتبها الأديب للفنانة اللبنانية سلامة إبان إقامته في مصر، ولحنها الموسيقار غازي علي، وسجلت في بيروت.

وعن قصة غنائها روى الموسيقار غازي علي في حديث صحفي مع الناقد الفني الأستاذ علي فقندش «عكاظ 03/04/2014م» «جاءت فكرة أن نلتقي أنا وطلال مداح وبابا طاهر زمخشري في بيروت التي كان طلال يسجل فيها أعماله لأسجل أنا أغنياتي الجديدة يومها هناك، كان ذلك بعد عامين لحنت خلالها أيضا في مصر «أسمر حليوة»، أي في العام 1964، التقينا هناك ومعنا يومها منتج الأسطوانات السعودي الشهير من المنطقة الشرقية عبدالله حبيب صاحب «توزيعات الشرق» والتقيت في حديث عابر مع طلال في أحاديث حول جديده الذي يسجله هناك، وبالمقابل طلب أن يعرف ماذا أريد أن أسجل بصوتي فأسمعته «سلام لله» التي كنت قد كتبتها لأقدمها بصوتي، أصر طلال أن تكون الأغنية له وبصوته قائلا: لا هذه لي هذه أغنيتي، قلت تفداك وبعدها وأنا أسمعه أغنية بابا طاهر زمخشري «أسمر حليوة» التي كنت قد لحنتها للمطربة سلامة التي اتفق معها بابا طاهر أن تكون الأغنية لها، قال طلال لا وهذه أغنيتي «يا بوي ابن البلد أولى بخيرها» قلت فداك… ودخلنا ستوديو جورج شلهوب بقيادة المايسترو الكبير عبود عبد العال رحمه الله ـ وهو الأستوديو الذي كنا نسجل فيه معظم أعمالنا السعودية».

ومن حينها انتشرت الأغنية في عموم الإذاعات العربية والعالمية منها إذاعة الـ بي بي سي العربية، لتصبح أحد أشهر الأغاني السعودية والعربية في ذلك الوقت، ورائعة الثلاثي المداح وغازي والزمخشري الذي قال عنها في لقاء إذاعي مع الإعلامي القدير الأستاذ علي داود. بثته إذاعة جدة في عام 1976م. «الواقع أنا بعتز بأغنية جدًا. لأنها حصلت على شهرة كبيرة في العالم العربي. وسمعت صداها في كثير من البلدان العربية وتعليقات عليها أسعدتني.. هي أسمر حليوه».

“أسمر حليوه.. حليوة مخاصمني
سماره هو.. وهو اللي ظالمني
قريب مني في أحلامي بعيد عني وقدامي
ولا يرضى يكلمني وإن عاتبته يتبسم
أسمر.. أسمر حليوه مخاصمني”

صوة تجمع الأديب طاهر زمخشري (بابا طاهر) والفنان محمد عبده وطلال مداح والصحافي جلال أبو زيد

انطلاقة طلال في بلاد المغرب العربي

وأما عن ثاني أهم تعاون فني بينهما كان في تونس حينما رتب له دعوة من وزارة الثقافة التونسية في عام 1969م لتسجيل أغاني للإذاعة والتلفزة التونسية وإحياء حفل عيد ميلاد رئيس الجمهورية التونسية آنذاك الحبيب بورقيبة، برفقه رفيق دربه الفنان لطفي زيني. وعن ذلك روى الأديب رحمه الله في معرض ذكرياته في اخر لقاء تلفزيوني له مع التلفزة التونسية ضمن برنامج «كتاب مفتوح» “أنه ضمن التعاون الثقافي بين المملكة العربية السعودية والجمهورية التونسية وبعد أول لقاء للتلفزة التونسية سجلت أنا وزميلي المخرج التونسي الأستاذ منصف المكشر مجموعة من الأغاني لطلال مداح وكانت هي السبب لانطلاقة طلال في المغرب العربي”.

وقد أورد المؤرخ والناقد الفني الأستاذ يحيى مفرح زريقان عن تلك الرحلة في تغريدة على حسابه في تويتر “إنه زار الأديب طاهر رحمه الله في منزله بتونس في شارع الحرية بالقرب من التلفزة التونسية وقال له أن طلال أحيا هذا الحفل على شرف الرئيس بو رقيبة وحضور رئيس الوزراء سيد زويلة وحرمه الحبيبة الوسلاتي وقد قام الفنان طلال مداح بالسلام عليهم في نهاية الحفل”.

وكان من الأغاني التي سجلها وغناها طلال في تلك الرحلة من ألحانه أغنيته الشهيرة آنذاك
يا قمر تونس حنانك.. بالقلوب العاطفية
كملك ربي وزانك.. بالعيون التونسية.
التي كتابها الفنان لطفي زيني في زوجته الإذاعية السيدة قمر التونسية بعد أول لقاء جمعهما في تونس إبان تسجيل الأغاني في أستوديوهات الإذاعة التونسية. وهي بداية انتشار وشهرة طلال في تونس وعامة بلاد المغرب العربي.

مُعزف الحب

في غضون ذلك تعرض الفنان طلال مداح لعارض صحي حجبه عن الساحة الفنية والمجتمع فعاده الأديب في منزله للاطمئنان على صحته وسر برؤيته وعقب تلك الزيارة كتب فيه قصيدة من 44 بيتًا عنونها بـ “يا مُعزف الحب” ومهرها بقوله “يا صديقي.. ما زلت أردد «أحسن الأيام يوم أرجعك»” ونشرها في ديوان نافذة على القمر 1970م-1390هـ، مما جاء فيها

يا مُعزف الحب إن الروض مزدهر    فطاب فيه لمن هاموا بك السـمر

طلال أنت وما في الأيك شـاديـة        إلا وساجــلــــها في كفك الوتر

فأنت قيثارة إن أرسـلــت نغـمـا             في كل نافذة من وقــعــة اثـر

وأنت من نعم المولى ونـائـلهــا             قد أنتشـى بنداه السمع والبـصر

فان تغيبت عنا خـــلــف غــائمة            خلف السحائب كم قد غيب القمر

يا مُعزف الحب أحلام الهوى رقصت     أطيافها وهي للألحان تـنـتــظــر

اعد إليها الهوى إن النشيد بكـى           وسوف يضحكه تـغـريدك الـعطر

فأنت أنت لمن يهـــــواك أغــنية           تسري فيطرب من ترديدها البشر

واستمرت تلك العلاقة حتى وفاة الأديب رحمه الله في العام 1987م.

ولعلي أكون من المحظوظين الذين شهدوا جانب من تلك العلاقة الإنسانية والفنية التي ربطت بينهما منذ طفولتي حينما كان جدي لأمي «بابا طاهر» يصحبني معه احيانًا إلى سوق البلد بجدة، حيث يلتقي بأصدقائه من الفنانين، في «استريو النغم الحائر» المجاور لـ«استريو عش البلبل» ومن بينهم الفنان طلال مداح وعلى ما اتذكر ايضًا الفنان لطفي زيني وعازف الناي ثواب عبيد، ومشقاص، وكنت أستمع إليهم وهم يتبادلون الحديث والنقاش حول أعمالهم الفنية والأدبية، والحكايات والذكريات الطريفة التي جمعتهم.

يذكر أن الفنان طلال مداح من مواليد مكة المكرمة عام 1940م واسمه الحقيقي طلال عبد الشيخ بن أحمد الجابري. ولقب بـ المداح نسبة لزوج خالته علي المداح الذي تربى في كنفه. وهو من أبرز الفنانين العرب والسعوديين الذين ساهموا في تطوير ونشر الاغنية السعودية داخل وخارج المملكة، غنى من ألحانه العديد من الفنانين العرب وتعاون مع عشرات الملحنين والشعراء العرب من بينهم الأديب طاهر زمخشري رحمه الله، وغنى من كلماته «أسمر حليوة»، و «مر في تيهه» وهي مقتطفة من قصيدة شعرية بعنوان «نداء» من ديوان «أنفاس الرَّبيع1955م/1375هـ».

وقد نسبت أغنيته «علميني يا حياتي» للأديب خطأ، والصحيح أنها من كلمات الشاعر المصري محمود أبو الوفا من ديوانه ص (227)، وأيضًا أغنية «سلام لله يا هاجرنا» وهي من كلمات الموسيقار غازي علي.

توفّي رحمه الله في 11 من أغسطس عام 2000 على مسرح المفتاحة بابها. نقل بعدها إلى مسقط رأسه مكة المكرمة وصُلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة الجمعة ودفن في مقابر المعلاة.

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 999
Share