Share

تعود حكاية جريان منهل ادبنا العربي السعودي في الربع الثاني من الخمسينيات الميلادية، عندما صرح ذاك الشاب المثقف «عبد القدوس الأنصاري» لأصدقائه عن حلمه بنشر الثقافة والعلوم الأدبية والتاريخية والأثرية عبر مجلة ثقافية فوجد منهم التشجيع والدعم، فرفع طلبًا بذلك إلى جلالة الملك عبد العزيز -رحمه الله- الذي وافق على طلبه فصدر صك شرعي من المحكمة بإنشاء أول مجلة سعودية باسم «المنهل» بدأ صدورها في ذو الحجة عام 1355هـ الموافق 1937م بالمدينة المنورة.

وقد كتب مؤسسها الشيخ عبد القدوس الأنصاري -رحمه الله- في افتتاحية عددها الأول “… أما بعد فإن من دلائل نجاح المنهل أن تكون أول مجلة أدبية ثقافية من نوعها تصدر بالحجاز في عهد صاحب الجلالة (عبد العزيز) آل سعود ملك المملكة العربية السعودية الذي جعل مبدأه الحميد أن يأخذ من أسباب المدنية الحديثة كل جديد ونافع وصالح لأمته، مع الاحتفاظ بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف والاستضاءة بهديه القويم”.

وقد مرت المنهل بمراحل ومنعطفات عديدة وتحديات كادت أن توقفها عن الصدور، ومن تلك المراحل انتقالها إلى مكة المكرمة ثم إلى جدة، أما عن تلك التحديات توقفها بسبب ازمة الورق أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم عودتها إلى الصدور بعد انتهاء الأزمة، بفضل ما بذله الشيخ الأنصاري من الغالي والنفيس وتسخير جل وقته وجهده في سبيل استمراريتها وتحقيق رسالتها، الى أن وافته المنية في رجب 1403هـ، رحمه الله واسكنه الفردوس الاعلى من الجنة.

ثم تولى من بعده المهمة ابنه الأستاذ نبيه عبد القدوس الأنصاري -رحمه الله- ورئاسة تحريرها الذي كان سكرتيرًا لوالده منذُ العام 1377هـ، ورافقه في العديد من رحلاته فاكتسب منه من الخبرات التي مكنته من أن يملأ فراغ والده.

وكان قد بدأ ممارسة الكتابة في المجلة منذ العام 1369هـ ونشر أولى مقالاته في عدد ربيع الأول/الثاني قال في مطلعه “أردت بالكتابة في هذا الموضوع ان اشق طريقي إلى الكتابة الأدبية وأن هذا الموضوع هو أول موضوع اكتبه… فأقول: طرأت فكرة جميلة لدى والدي الأستاذ عبد القدوس الانصاري عندما انتهى من الدراسة بإنشاء مجلة علمية أدبية بهذه البلاد وباسم المنهل فعرض رغبته الى الحكومة السعودية فاختبرته فوجدت منه الكفاءة فأصدرت امرها له بالموافقة على انشائها وكان في ذلك الوقت لا يملك غير أربعين ريالًا سعوديًا ولكن همة الرجال تقام الجبال فاتفق مع إدارة مطبعة المدينة بطبع العدد الاول بالمقدار الذي لديه فطبع العدد…”

وأستمر فيها وعمل على تطويرها حتى حولها إلى دارة للنشر (دارة المنهل للنشر)، تُصدر الأعداد الخاصة والكتب (سلسلة اصدارات المنهل).. وسعى جاهدًا من خلالها إلى إعادة إصدار مؤلفات والده «الشيخ عبد القدوس الأنصاري».. ومخطوطاته التي لم تر النور بالتعاون مع الأندية الأدبية في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والقصيم. حتى وافته المنية في العام 1424هـ

وتولى بعدها ابنه الأستاذ زهير نبيه رئاسة التحرير، مع صدور عدد جمادي الثانية/ رجب سنة 1424هــ الذي كان قد بدأ العمل في المجلة منذ صغره إبان عهد جده الشيخ عبد القدوس ومن ثم أبيه واستمر في إدارتها 15عام حتى صدور أخر عدد لها (651) في (رمضان/شوال) 1439هـ. بعد أن كانت لنحو 84 عامًا منارة لأدباء الرعيل الأول السعوديين ومن تلاهم من أجيال، وجزء لا يتجزأ من نهضتنا الثقافية والأدبية، وبها حقق الشيخ عبد القدوس الأنصاري -رحمه الله- حلمه بنشر العلوم والآداب في كل أرجاء الوطن، وتكوين أرشيف ثقافي وأدبي للأجيال.

وكان الشاعر المغربي الكبير محمد بن إبراهيم المراكشي المعروف بشاعر الحمراء قد نظم قصيدة عنها نشرت في (عدد صفر1356هـ) مما جاء فيها

قد جرى منهلا فأبدى ثمارًا .. من جناه لمن يود اقتطافه

فهو روض البيان نظمًا ونثرًا .. ومجال لنبذ كل خرافه

الجدير بالذكر إن الشيخ عبد القدوس الأنصاري أديبو مؤرخ موسوعي وصحفي وعالم محقق ولغوي معجمي. ولد بالمدينة المنورة في العام (1324هـ) ونشأ وترعرع فيها. تلقى تعليمه الأولي على يد شيخه وأستاذه العلامة محمد الطيب الأنصاري في المسجد النبوي الشريف، حيث تلقى منه علومه الدينية واللغوية والتربوية، ثم التحق بالمدرسة دون الخامسة من عمره، وفيها حفظ القرآن الكريم، وأعقبه بحفظ المتون في علوم التفسير والحديث والفقه واللغة، في عام 1341هـ التحق بمدرسة العلوم الشرعية في المدينة المنورة وخلال دراسته اختير للعمل كموظف في ديوان إمارة المدينة المنورة وبعد تخرجه عام 1346هـ.

عين أستاذا للأدب العربي في مدرسة العلوم الشرعية وظل فيها أكثر من اثني عشر عامًا إلى جانب عمله في إمارة المدينة المنورة، وفي العام 1359 هـ نقل إلى مكة المكرمة في وظيفة رئاسة تحرير صحيفة أم القرى بموجب قرار من جلاله الملك عبد العزيز -رحمه الله- موجه إلى إمارة المدينة المنورة واستمر فيها حتى عام 1361هـ، حيث صدر أمر سمو الأمير فيصل بن عبد العزيز ولي العهد آنذاك بنقل الأنصاري ليعمل في ديوانه في جدة، وبقي فيه حتى عام 1386هـ بعد ذلك تفرغ تفرغا كاملا لمجلته المنهل. توفي رحمه الله في 22/07/1403هـ (5 أبريل 1983) بمكة المكرمة وصلي عليه بالمسجد الحرام ودفن في مقبرة المعلاة. وله العديد من المؤلفات منها (مع ابن جبير ورحلته (1978)، بنو سليم في التاريخ. (1971)، بين التاريخ والآثار. (1969)، ديوان الأنصاريات (1964)، موسوعة تاريخ مدينة جدة (1963)، آثار المدينة المنورة (1935).

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 162
Share