Share

وتواري حلمه بإنشاد قصائد الأديب طاهر زمخشري

نشر هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 2020/09/01م

فجعت بنبأ وفاء الزميل والصديق المنشد ذو الإعاقة البصرية المثنى بن خالد بن أحمد بديوي الذي وافته المنية يوم الخميس 27/08/2020م – 08/01/1442هـ بمدينة توليدو بولاية أوهايو الأمريكية في الثلاثينيات من عمره إثر نزيف مفاجئ بالقولون حيث كان يعاني من التهاب القولون التقرحي.

والفقيد ربطتني به علاقة منذ العام 2002م إبان انطلاقة مشروع جمعية إبصار وهو في المرحلة المتوسطة حينما كان من أوائل الملتحقين بدورات الحاسب الآلي للمكفوفين واستخدام المكبر الإلكتروني، وقد لفت انتباهي بحفظه لكتاب الله في مرحلة مبكرة من عمره وعذوبة وحلاوة صوته في القراءة والإنشاد، فأصبحت أدعوه لقراءة القرآن في إفتتاح مناسبات إبصار وتقديم وصلات وابتهالات انشاديه، وتشجيعه على تطوير أداءه الإنشادي إلى أن أصبح أحد المنشدين على مستوى الخليج العربي وأحيا عدداً من الحفلات في السعودية والبحرين والإمارات، ودشنت له الجمعية أولى ألبوماته في العام 2008م ضمن فعاليات “فنون وإبداعات المعوقين بصرياً” بالغرفة التجارية الصناعية بجدة. وكانت أخر مشاركاته مع الجمعية في محرم 1436هـ في حفل جمعية إبصار بمناسبة مرور عشرة سنوات على تأسيسها برعاية صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله بفندق الهيلتون بجدة.

وعلى مدى السنين استمر تواصلنا وكان أخر عهدي به محادثة صوتية عبر برنامج الوتساب في 15 يوليو 2020م بعد وصوله إلى مدينة لوس انجلس بالولايات المتحدة الأمريكية لبدء دراسة الدكتوراة قال فيها “السلام عليكم يا أبو سندس اسعد الله أوقاتك بكل خير ويا رب تكون في أتم صحة وعافية أنا يا سيدي حبيت أبشرك أنه جاني قبول للدكتوراة في أمريكا في ولاية مسيسبي وإن شاء الله نبدأ في أغسطس القادم فدعواتك يا حبيب، أنت من الناس اللي حريصين أنه إحنا نكون معاهم ونتواصل معاهم ونبشرهم بالأخبار الطيبة والله يفتح علينا وعليك ويبارك في وقتك ومجهودك بالأشياء اللي شغال عليها مؤخراً بارك الله فيك تحياتي لك.. فأنت تستاهل كل خير، فأنتم أصحاب فضل بعد الله سبحانه عز وجل إنه كنتم داعمين من البداية من دخولنا للإعلام وأثناء دراستنا للماجستير فلكم حق وواجب أنه نشارككم هذي المشاعر الله يبارك فيك ويحفظك،.. أما عن نشاطي الفني والإعلامي الواحد الآن ما يبغا يشتت نفسه في أكثر من حاجة أحاول اسلي نفسي فنياً على منصات التواصل الإجتماعي قدر الإمكان، استنا اني بس استقر وأبدأ بالإنتاج الفكري والإعلامي إذا ربنا أكرمنا بالوقت والأفكار اللي تستحق أنها تظهر ربنا يسهل، كذلك الجزئية الفنية بأحاول حتى لو إني تواجدت في السعودية أو إني خلاص استقرت أموري وعرفت موضوع الاستديوهات والتعامل مع برامج الصوت نحاول نشد حيلنا ونطلع بعض الأعمال إذا ربي يسر وبرضه نطور نفسنا في العود، انا العود ماخذه شي جانبي أو مساعد لا أقل ولا أكثر فما اعطيته وقت بصراحة لا الفترة الماضية ولا أظن الفترة المقبلة لكن هو فقط حيصير فيه تطور من باب أنه الواحد عنده هذي المهارة وربنا إن شاء الله ييسر الأمور، ومافي حالياً أي ارتباط بعمل، طلعت على برنامج الابتعاث حق خادم الحرمين تبع مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعطوهم مقاعد وابتعثت عن طريق المركز نفس حكاية الماجستير وربنا يسهل إن شاء الله دعواتك يا بو سندس واشكرك على مشاعرك الطيبة ودعواتك الله يبارك فيك”.

كانت تلك مقتطفات من محادثة طويلة ختمتها بالاقتراح على الأخ المثنى اغتنام فرصة التواجد في أمريكا والالتحاق بأحد معاهد الموسيقى إلى جانب الجامعة ليتعلم عزف البوقيات واله البيانو والهارموني كي نبت في العمل الذي كنا نتطلع إليه منذ زمن بإعادة إنتاج القصائد الدينية التي كتبها الأديب طاهر زمخشري (رباه، النفس المؤمنة، إلهي…الخ) بنموذج عصري حديث، وقد كنت على قناعة أن المثنى رحمه الله كان صاحب موهبة فنية ويستطيع أن ينجح في تقديم تلك الأناشيد والابتهالات بأسلوبه كما نجح من قبله الفنانين الذين أدوها مثل سعيد أبو خشبة طارق عبد الحكيم، عباس البليدي، الشيخ محمد الفيومي، مها الجابري رحمهم الله بالإضافة إلى محمد عبده وعلي عبد الكريم، فهو موهوب فنيناً ومتفوق علمياً وملتزم دينياً حيث دأب على إمامة المصلين في صلاة التراويح بجامع حيه بالصفا بجدة، واشتهر كأحد المنشدين في الساحة الخليجية وكان أول طالب معاق بصرياً يحصل على بكالوريوس تخصص العلاقات العامة والاتصال الجماهيري من جامعة الملك عبد العزيز ودرجة الماجستير في إدارة الاتصالات من جامعة وبستر بمدينة سانت لويس بولاية ميزوري الأمريكية في العام ٢٠١٦م.

ومن باب اذكروا محاسن موتاكم وجدت أنه المناسب أن اغتنم هذه الفرصة لأنشر هذه السطور المضيئة التي خصني بها برسالة في 07/03/2016م بعدما قدم محاضرة علمية ضمن ورقة بحثية في جامعة ويبستر بمدينة سانت لويس بولاية ميزوري الأمريكية إبان دراسته للماجستير بعنوان “نشاط العلاقات العامة في جمعية إبصار الخيرية” ركزت على تقديم نبذة عن الجمعية وأهدافها ورسالتها ورؤيتها ونشاط وأهداف العلاقات العامة في الجمعية وأصحاب القرار فيها، والفئة التي تستهدفها والأنماط التي تتفاعل من خلالها الجمعية مع الإعلام والمصادر المالية لها والكادر البشري العامل فيها.

وقال لي أنه اختار موضوع الجمعية لكتابة هذه الورقة البحثية كونها أحد النماذج المميزة والفاعلة في مجال خدمة العوق البصري في المملكة العربية السعودية، كما أن إنجازاتها الكبيرة التي استطاعت تحقيقها على مدى أكثر من عشر سنوات وإسهاماتها في رفع مستوى الخدمات المقدمة للمعاقين بصريا كان لها أثرها على المعاقين بصريا وعلى المجتمع، وقد هدفت في بحثي إلى معرفة أهم نقاط القوة والضعف فيما يتعلق بنشاط العلاقات العامة بالجمعية، بالإضافة إلى معرفة آليات الجمعية في طرح قضاياها في الإعلام، وقد خلص بحثي إلى نتائج إيجابية عن الجمعية وأظهر أنها تمتلك رؤيا واضحة ساعدتها على تحقيق الكثير من الإنجازات، كما أنها متفاعلة بشكل دائم مع الإعلام وتطرح قضاياها فيه بكل شفافية، وارتفاع مستوى الوعي لدى المعاق بصريا والمجتمع يؤكد وصول رسالة الجمعية وأن برامجها تسير في المسار الصحيح، وأن أهم السلبيات التي لابد على الجمعية تفاديها أن أهداف الجمعية العامة وأهداف العلاقات العامة متداخلة وتحتاج لإعادة توصيف وصياغة والهيكلة الإدارية لم تبنى على أساس عامل الخبرة مما أدى إلى وقوع الجمعية في بعض المشكلات ومواجهة الكثير من الصعوبات أثناء مسيرتها، ودور العلاقات العامة غير مفعل بالشكل الصحيح مما يؤدي إلى محدودية نشاطاتها. وقد أثنت أستاذة مادة العلاقات العامة بالجامعة المشرفة على الورقة البحثية الاستاذة Crystal Adkisson وأبدت إعجابها بما عرفت عن الجمعية.

وحقيقة إن التحاقي بقسم الإعلام لم يكن مصادفة بل كان عن رغبة وحب في هذا المجال، حيث راودتني الفكرة بعد إنهائي دراسة السنة الأولى في الجامعة. فقمت بالتقديم على قسم الإعلام وبفضل الله كان معدلي يتيح لي الالتحاق بالقسم، بعد أن كانت رغبتي الأساسية دراسة تخصص الإذاعة والتلفزيون وبحكم المعوقات والصعوبات التي ستواجهني أثناء دراسة هذا التخصص وجهني الدكتور عاطف نصيف الأستاذ في قسم الإعلام بجامعة الملك عبد العزيز بأن أدرس تخصص العلاقات العامة كونه يركز على الجانب النظري أكثر من التطبيقي، كما كان لدعم الأستاذ رائد السمهوري الذي كان إمام الجامع المجاور لمنزلي آنذاك، بالإضافة إلى بعض الأساتذة والزملاء دور كبير في تشجيعي لألتحق بقسم الإعلام.

المثنى بديوي رحمه الله أثناء مشاركته في فعاليات فنون وإبداعات المعوقين بصريًا بالغرفة التجارية الصناعية بجدة 2008م

وقال إنني أتطلع إلى إكمال دراساتي العليا في مجال الإعلام والعلاقات العامة والحصول على الدكتوراة في إحدى الجامعات الأمريكية والالتحاق بإحدى الجامعات للتدريس فيها بعد إتمام الدراسة بإذن الله، والاستمرار في هوياتي الفنية التي أعشقها وهي الإنشاد الذي بدأته منذ عدة سنوات بتشجيع من أصدقائي وجمعية وإبصار بصفة عامة ومنكم بصفة خاصة بنصيحتكم لي الاستفادة من تواجدي في الولايات المتحدة الأمريكية لتعلم دروس النوتة الموسيقية والأوبرا لتطوير أدائي الإنشادي لاسيما وأنني بدأت أحيي بعض حفلات الإنشاد الديني في عدد من المراكز الإسلامية بأمريكا وأطمح لأتخصص أكثر في مجال التلحين لحبي وشغفي به، والتعاون معكم لتنفيذ بعض قصائد الراحل طاهر زمخشري رحمه الله في قالب غنائي جديد بعد عودتي من أمريكا في الصيف القادم إن شاء الله.

ولا أخفيكم أنني استفدت كثيراً من تجربتكم مع الإعاقة البصرية فهي من التجارب الملهمة التي بثت في روح الإصرار والطموح. ففقد نعمة البصر ليس أمرا سهلا على شخص كان يمارس حياته بشكل طبيعي إلا أنكم استطعتم أن تحولوا هذا الألم إلى أمل وحققتم لنفسكم وللمعاقين بصريا ما لم يتوقع أن يتحقق يوما من الأيام. فلولا الله ثم أنتم لما عرفنا جمعية إبصار وهذا يكفينا فخراً.

وهكذا غيب الموت المثنى بديوي رحمه الله بعد أن حقق جزء من حلمه بالوصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية لنيل درجة الدكتوراة من جامعة «بولينغ غرين ستيت owling Green state university» بمدينة توليدو بولاية أوهايو ولكن القدر كان أسرع بوفاته المفاجئة في بلاد العم سام، ولا يزال جثمانه بإنتظار العودة إلى أرض الوطن لتوقف الرحلات الدولية بسبب جائحة كورونا.

فاسأل الله أن يغفر له ويتغمده بواسع رحمته ويأجر ذويه وينعم عليهم بالصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.

رابط القال على صحيفة غرب الإخبارية

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 14
Share