Share

استمتعت مؤخرًا بقراءة كتاب «عصر العلم» لمؤلفه العالم المصري الدكتور أحمد زويل -رحمه الله- الذي شرف مصر والعالم العربي كله في جهاده العلمي.

 ولما التمست فيه من متعة وفوائد وإلهام، لم أجد بدًا إلا وأن أشارك القراء الأعزاء باستقراء ملخص عن الكتاب فلقد شدني من مقدمته التي كتبها الأديب نجيب محفوظ والحائز على جائزة نوبل عام 1988م.

والمقدمة الخاصة التي كتبها الإعلامي المصري المعروف الأستاذ أحمد المسلماني والتي ذكر فيها أن القارئ سوف يلمس تمازجا بين السرد الشخصي للسيرة الذاتية وبين السرد الموضوعي لحركة العلم، ثم بينهما رؤية فلسفية وفكرية واسعة تحوي وجهات نظر.

وقد جاء الكتاب في 259 صفحة، قسمت إلى جزئيين. عرض فيها الكاتب مسيرته الذاتية من بداية نشأته في مصر ثم تجربته العلمية ما بين مصر وبنسلفانيا وبيركلي وكالتك وحصوله على جائزة نوبل عام 1999م.

كما استعرض الكاتب خلال فصول هذا الكتاب بعض من مقابلاته مع بعضًا من المقامات العلمية والسياسية الذين أثروا الحياة الإنسانية وأناروا القرن العشرين وسرد نماذج من محاضراته ومقالاته التي تناول فيها حال العالم الذي نعيشه والعالم الذي نأمل أن يكون وعن العالم إلى المستقبل الذي يحمل الكثير من الرجاء.

فقد تحدث دكتور زويل في الجزء الأول من الكتاب عن سيرته الذاتية والتي سبق أن نشرت في كتاب بعنوان «رحلة عبر الزمن.. الطريق إلى جائزة نوبل» والتي ترجمت إلى عدة لغات.

فقد كانت بداية زويل في مدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة في دلتا مصر حيث ولد في26 فبراير عام 1946م من عائلة لها شأن كبير في كل من دمنهور والإسكندرية، اشتهرت في دمنهور بصناعة القطن. نشأ في جو ديني عائلي مستقر يتسم بالحب والمودة، ولقد خلص زويل في سيرته الذاتية أن من أهم الدروس التي تعلمها من والديه هو تعلم الحياة وكيف يستطيع ويستمتع بالحاضر وكيف يتطلع إلى المستقبل، فلقد تعلم من والده كيف يتعلم المرء الحياة وأنه لا يوجد تناقض بين الحب الشديد للعمل وبين حب الحياة والاستمتاع بها.

وكان زويل قد تلقى تعليمه الأولي في مدينة دسوق بمدرسة حكومية ولقد ظهر شغفه منذ الصغر في تعلم مسائل الميكانيكا والفيزياء والكيمياء والوسائل التحليلية.

أنهى دراسته في مدينة دسوق والتحق بكلية العلوم جامعة الإسكندرية وتخرج منها عام 1967م وكان الأول على دفعته، وعليه عين معيدًا في كلية العلوم بجامعة الإسكندرية مما أتاح له مواصلة دراسته العليا ونال درجة الماجستير من نفس الجامعة.

لم تقف طموحات عالمنا الجليل فلقد كان شغوفا لتكملة أبحاثه ودراساته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية لما يتوفر فيها من إمكانات ومراكز أبحاث وتطور علمي.

و-بالفعل- بعد مراسلات كثيفة بالجامعات ومراكز الأبحاث في الولايات المتحدة تم قبوله في جامعة بنسلفانيا بولاية فيلادلفيا، وبعد مجهودات مع جامعة الإسكندرية للسماح له بقبول المنحة الدراسية التي قدمت له من جامعة بنسلفانيا، تم سفره إلى الولايات المتحدة ليبتدئ رحلة أخرى من الكفاح.

بدأت رحلة زويل إلى جامعة بنسلفانيا وهي اول جامعة أمريكية خاصة أنشئت في الولايات المتحدة عام 1740م على يد مؤسسها بنجامين فرانكلين وتعد جامعة رفيعة المستوى رائدة في مجال التعليم العالي، ونال منها شهادة الدكتوراة عام 1973 وكان موضوع الأطروحة “أطياف الرنين الضوئي والمغناطيسي للأكسيتونات والحالات الموضعية في البلورات الجزيئية”.

انتقل زويل بعد ذلك إلى جامعة بيركلي ومنها إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا كالتك وتدرج في المناصب العلمية الدراسية داخل جامعة كالتك إلى أن أصبح أستاذ ورئيس قسم علم الكيمياء بها وواصل أبحاثه ومسيرته العلمية والتي تتركز على رصد الظواهر الجزيئية بمقياس الفيمتوثانية باستخدام أشعة الليزر في رصد ترابط الجزيئيات على الغازات والمواد الصلبة، وتم نشر أكثر من 350 بحث علمي في الكثير من المجلات العلمية العالمية والتي قد أحدثت ثورة في المجالات العلمية ووسائل الإعلام.

فاقت شهرته في الولايات المتحدة وجميع دول العالم والتي أصبحت تتحدث عن د. أحمد زويل رائد كيمياء الليزر فائق السرعة بحلة الفيمتوثانية. وبفضل أعماله المتألقة والتي تمثل نقطة تحول فإن كل الكيميائيين في كل أنحاء العالم يمكنهم الآن رصد ورؤية دينامكانية الروابط الكيميائية وتكسرها في زمن حقيقي وقد جاءت أعماله بنوع جديد من الكيمياء التطبيقية والتي يمكن فيها وبها التحكم في مسار التفاعلات الكيميائية وتوجيهها لإنتاج مواد نافعة لمصلحة الجنس البشري ورفاهيته.

وقد فتح زويل عيون العالم على واجهة ساحرة أساسية بالغة العمق من واجهات الطبيعة أو مظاهرها على المستوى الذري. استحق بهذا التفوق العلمي الذي حققه الحصول على جائزة نوبل في عام 1999م في الكيمياء بعد اختراعه كاميرا تحليل الطيف بسرعة الفيمتوثانية مما أحدث ثورة كبيرة في علم الكيمياء.

تقلد د. أحمد زويل عددًا من الجوائز والأوسمة منها:

  • جائزة الملك فيصل في العلوم من مؤسسة الملك فيصل.
  • وسام بنجامين فرنكلن من معهد فرانكلين في الولايات المتحدة.
  • قلادة النيل العظمى، وهي أعلى وسام مصري.
  • جائزة ماكس بلانك وهي الأولى في ألمانيا.
  • جائزة وولش الأمريكية.
  • جائزة هوكست الألمانية
  • قلادة بريستلي ارفع وسام أمريكي في الكيمياء.

أما في جزءه الثاني فقد تحدث عن مستقبل العالم الجديد وعن آفاقه المستقبلية البراقة وعن تحديات القرن الحادي والعشرون، كما يركز على مستقبل العلم والتطور العلمي في الدول النامية بما فيها الدول العربية مع تركيزه في الحديث عن مستقبل العلم في مصر ويقترح خطوات عملية لتحقيق النهضة والتطور العلمي، منها:

  • إنشاء نظام تعليمي جديد مع التركيز على التفكير الناقد والمنطقي واستحداث تعليم يرتكز على رؤى جديدة للقيم الأخلاقية والاجتماعية والثقافية.
  • إنشاء مراكز تفوق جديدة تضاهي نظيراتها في العالم المتقدم.
  • إنشاء صناعات جديدة تعتمد على العلم والتكنولوجيا المستحدثة والمتطورة محليا
  • إنشاء مؤسسات وطنية للعلم والتكنولوجيا
  • إنشاء الأكاديمية العربية في العلوم وتتيح لهم تبادل المعرفة مع نظرائهم في شتى أنحاء العالم

وينهي زويل الجزء الثاني من الكتاب بذكر نماذج مختلفة من دول مختلفة في العالم نجحت في تحقيق الكثير من النهضة في مجال العلم والتكنولوجية والاقتصاد والانتقال من التخلف إلى التقدم بشتى صوره، منها التجربة الماليزية على يد مهاتير محمد، تجربة الهند وتجربة أيرلندا وعدد آخر من الدول.

ختم زويل كتابه بطرحه لمشروع مبادرة من أجل العلوم والتكنولوجيا في مصر مع وضع أهداف وبنية جامعة العلوم والتكنولوجيا في مصر.

وبرأيي أجد أن الكتاب تميز بعرض جيد مشوق بأسلوب راقي سهل. ولذلك أوصي بشدة على قراءته حيث إن قصة كفاح الدكتور أحمد زويل ستبقى نموذجًا تقتدي بها الأجيال جيلًا تلوى الآخر وتلهم المبدعين في شتى العلوم.

لما فيها من قصة كفاح فريدة قد تعين وترشد الكثير من القائمين على بناء الحاضر وعونًا للسائرين إلى المستقبل من شباب هذه الأمة.

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 325
Share