..وأقول لـ «بابا طاهر» صورتك اليوم على مكتبي

إننا أحيانا نظن أننا اقوى برؤيتنا لكل الزوايا في الوقت الذي من الأفضل أن تكون بعض الأمور خفية علينا.

سارة المغلق

ضمن سلسلة قصص الفائزين بـ “مسابقة بابا طاهر لأدب الأطفال” التي نظمتها هيئة الأدب والنشر والترجمة في دورتها الأولى. أسلط الضوء في الحلقة الثانية من هذه السطور المضيئة على الفائزة في مسار القصة للكتَّاب الكبار سارة جاسم المغّلق وقصتها «وحّوش ذو العشرين عينا».

لمحة تاريخية:

تقول سارة ولدت في ٥ سبتمبر ١٩٩٠م بلندن ونشأت في مدينة صفوى بمحافظة القطيف. وبدأت مسيرتي التعليمية في المدرسة الابتدائية الثانية للبنات بصفوى. ثم المتوسطة الرابعة. ومنذ صغري كنت محبة للرسم، والألوان، والأشغال اليدوية، والفنية.. وأصبحت هوايتي المفضلة وتغلبت على كل الهوايات الأخرى المعتادة بين الأطفال. كاللعب والقراءة والكتابة.

وبحكم ابتعاث والدي إلى بريطانيا من قبل شركة أرامكو التي كان يعمل فيها لإجراء دراسة لمشروع واصطحابنا معه. أكملت المرحلة المتوسطة في أكاديمية الملك فهد بلندن، ثم انتقالنا إلى اليابان لاستكمال مشروع والدي. فالتحقت بمدرسة يوكوهاما العالمية الثانوية حيث درست الصف الأول فيها، وكانت سنة دراسية جميلة جدًا حافلة بالتجارب الجديدة. تعلمت خلالها الكثير من الثقافة واللغة اليابانية التي استمتعت بها كثيرًا، ونسيت معظمها بسبب عدم الممارسة. كما تعلمت كيف أبني علاقات مع أنواع وطبقات الناس بمختلف جنسياتهم واتعايش معهم واتقبلهم باختلاف ثقافاتهم.

كانت دراستي في لندن واليابان بمثابة إضافة لهوايتي في مجال الرسم والفنون. وبعد عودتنا إلى المملكة أكملت دراستي في المدرسة الثانوية الاولى للبنات بصفوى. وعقب تخرجي تمنيت الالتحاق بكلية الفنون لدراسة (التصميم أو الرسم أو الفنون التشكيلية).  

لكن فرصة الابتعاث للدراسة في الخارج التي سُنحت لي جعلتني اعدل عن أمنيتي والتحق ببرنامج الملك عبد الله للابتعاث الخارجي (المرحلة الرابعة) التي كانت مقتصرة على التخصصات الطبية المختلفة، فاخترت تخصص العلاج التنفسي على أن اغير التخصص في أمريكا تبعًا لما عملنه صديقات لي سبقنني في برنامج الابتعاث. فسافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية في فبراير ٢٠٠٩م. والتحقت بجامعة أنديانا-بوردو بمدينة أنديانابوليس – Indiana university purdue university indianapolis (IUPUI) ولم أستطع أن انفذ ارادتي بتغيير التخصص لممانعة الملحقية الثقافية لذلك. واضطررت أن استمر في دراسة تخصص العلاج التنفسي. وأنا أشعر بالحسرة كلما شاهدت طلاب كلية الفنون بالجامعة وهم حاملين لأدوات الرسم والفنون. فطلبت من والدي أن أغير التخصص إلى دراسة الفنون على حسابنا الخاص. لكنه اثناني عن هذه الفكرة وأقنعني بالاستمرار في دراستي واعتبار الفن كهواية. فاستسلمت لذلك وواصلت دراستي حتى تخرجت بتفوق في عام 2013م.

عدت إلى المملكة وعملت في وظيفة مؤقتة بمستشفى الولادة والأطفال في الدمام. وفي مارس 2014م تزوجت. وبعد انتهاء عقد عملي مع المستشفى أصبحت بلا عمل حتى حالفني الحظ بالعمل كمعلمة رياض أطفال لدى أكاديمية «هوني بي» بصفوى. حيث كانوا بحاجة ماسة لمعلمات يجدن اللغة الإنجليزية.

اكتشفت من عملي كمعلمة للأطفال قدرات ذاتية لم أكن أدركها، حيث وجدت ضالتي مع عالم فنون رياض الأطفال فهي المرة الأولى التي أحتك فيها مباشرة بالأطفال، وأمارس هذا النوع من الفنون.

كنت مستمتعة جدًا بعملي، حيث نميت من خلاله هواياتي الفنية التي احببتها منذ الطفولة، فكل يوم كنت أبتكر طرق ووسائل وأساليب فنية لتعليم الأطفال. وما كان يحفزني على الاستمرارية في ذلك هو تشجيع زوجي وتقدير الإدارة لما أقوم به. كان بيتي يزدحم بالأوراق والألوان التي أحضر بها الدروس والوسائل التعليمية، حتى أصبح بمثابة واحة فنية لرياض الأطفال.

وبعد انقضاء الفصل الدراسي الأول اضطررت إلى الاستقالة بسبب حصولي على وظيفة في مستشفى المواساة بالدمام في مجال تخصصي «العلاج التنفسي».

اتخذت قراري ذلك بصعوبة جدًا، وكنت حزينة لمغادرتي عالم رياض الأطفال. فقد أحببت العمل معهم ووجدت نفسي فيه. سيما وأنه أتاح لي فرصة ممارسة الكثير من هواياتي الدفينة في مجال الرسم والفنون. ولكن خوفي من فوات فرصة العمل الحكومي في مجال تخصصي دفعني لاتخاذ ذلك القرار الصعب الذي أدخلني في صراع نفسي لم أخبر به أحدًا.

وبعد ٣ أشهر من عملي في المستشفى اضطررت لتركه بسبب ظروف الحمل والولادة. حيث أنجبت طفلي الأول (فضل) في سبتمبر عام ٢٠١٥م. وحينها قررت التفرغ لحضانة وتربية مولودي الجديد ولم اعد للعمل ثانية. وفي منتصف عام 2016م انتقلت للعيش في مدينة الرياض مع زوجي بحكم عمله. ورزقت بمولدي الثاني (كرم) في يناير 2020م.

مشواري مع الرسم وأدب الأطفال..

بحكم أمومتي لطفلين أصبحت أكثر ميلًا لقراءة كتب وقصص الأطفال. ووجدت نفسي محبة ومنجذبة لها والتمعن في رسوماتها وأسلوب سردها كلما قرأتها على أطفالي. فأحسست بانتعاش هوايتي الدفينة الرسم للأطفال، الذي نمى معي وطبقته إبان عملي كمعلمة رياض أطفال. دون أن أدرك أن ذلك سيقودني لتنمية وصقل موهبتي في مجال الفنون وأدب الأطفال.

قررت تجربة تعلم مجال الكتابة للأطفال حيث وجدتها مرتبطة ارتباطًا كليًا بفن الرسم للأطفال. فالتحقت بورشة عمل في الكتابة الإبداعية لقصص الأطفال في مارس 2019م لمدة يومين بمكتبة «كان يا مكان» بالرياض. قدمتها الأستاذة إيمان الخطيب التي لعبت دورًا كبيرًا في إعادة اكتشاف موهبتي وصقلها. تضمنت الورشة كيفية استلهام الأفكار، والعناصر الأساسية للقصة، وتحديد الشخصيات الرئيسية، ومواصفاتها الشكلية والعمرية وقدراتها، للالتزام بها في كتابة القصة مع الابتعاد عن الوعظ المباشر.

وكلفنا في اليوم الأول بواجب منزلي بكتابة قصة وعرضها في اليوم التالي، وبعد عودتي إلى المنزل أمسكت بقلمي وبدأت أكتب وأكتب وأكتب دون أن أعي ما كنت أكتبه ولم أصل إلى نهاية لقصتي، كنت فقط أحاول أن أنهي واجبي المنزلي وأكون متدربة مجتهدة.

وفي اليوم التالي طُلب من كل منا قراءة قصته على الفصل. تردد الجميع، فتشجعت وكنت أول القارئين، فتفاجأت بإعجاب المتدربات ومدح وإطراء الأستاذة إيمان التي سألتني باستغراب.. أهذه أول تجربة لكِ؟؟؟ فأجبتها بنعم.

لقد خرجت من تلك الورشة بمهارة جديدة «الكتابة للأطفال» حيث تعلمت كيف استلهم الأفكار، الأجزاء المهمة في القصة، وكيف أطرح المشكلة وحلولها بدون وعظ مباشر وممل في القصة.. واكتشفت بأن لدي مخزون إبداعي لم أكن أعلم به. كما إني وجدتها تجربة جديدة لي وضعتني على الخطوة الأولى لاحتراف الكتابة في مجال أدب الأطفال.

فبعد فترة وجيزة من الورشة.. تواصلت معي الأستاذة إيمان. وطلبت مني المشاركة في كتابة سيناريو لحلقات فيلم رسوم متحركة تربوي ينتجه مجموعة من الرسامين. فترددت لعدم ثقتي بقدرتي على القيام بذلك، لكنها أصرت على مشاركتي وأكدت بأنها سوف تشرف على جميع الكتابات ونقدها وتقديم الاقتراحات اللازمة للتحسين من العمل. فوافقت وشاركت في ذلك العمل الذي لم ير النور بعد. ومن حينها أصبحت أتابع كل ما يتعلق بمواضيع الرسم للأطفال ونمو الخيال.. الخ.

مُشاركتي في مُسابقة «بابا طاهر»

ضمن اهتمامي الجديد بعالم أدب الأطفال وكل ما يرتبط به من عُلوم. تابعت الدكتور محمد الحاجي «دكتور في علم النفس السلوكي المجتمعي». على حسابة في السناب شات. حيث كان يتحدث عن أثر الكتابة في تحفيز الخيال لدى الانسان. وتطرق في محاضرته إلى مسابقة «بابا طاهر لأدب الأطفال» ففكرت؛ وقلت لنفسي لم لا أشترك في هذه المسابقة وأطبق ما تعلمته؟

وقررت المشاركة من أجل المشاركة فقط. رغم ترددي في البداية، وحددت مسار مشاركتي في المسابقة «القصة»، وبدأت كتابة قصتي التي استهدفت بها الأطفال دون الخمسة سنوات، واخترت لها عنوان «وحّوش ذو العشرين عينا».

واستلهمت فكرتها وأحداثها وشخصياتها من واقع مشاهدتي لحالة الخوف التي تسيطر على ابني (فضل) من الظلام.. وبعض الشخصيات التي كان يراها في التلفزيون.. والصراصير. لذلك أدخلتها في القصة التي تدور أحداثها حول شخصية وحّوش بطل القصة، وهو وحش لطيف الشكل، يحب أكل السمك كثيرًا فيأكل سمكة كل يوم. لم يكن وحوش مقتنع أو راضي عن شكله أو بقدراته كوحش. فقرر أن يحسن من شكله وقدراته بإلصاق عين السمك الذي يأكله على جسمه ليصبح بعيون كثيرة يستطيع من خلالها أن يرى كل شيء طوال الوقت. لكنه تفاجأ بأنه أصبح يرى أشياء لا يحبها ولا يريد أن يراها. فقرر أن يعود إلى ما كان عليه بشكله القديم.

وهدفت من خلال هذه القصة تعليم الأطفال القناعة والرضا بما هم عليه، والاقتناع بأشكالهم الجميلة، والثقة بقدراتهم. وأن كل إنسان جميل بصفاته الخاصة ومميز كما هو. وإننا أحيانا نظن أننا اقوى برؤيتنا لكل الزوايا في الوقت الذي من الأفضل أن تكون بعض الأمور خفية علينا.

وبعد الانتهاء من كتابة القصة وعرضها على قريبات لي للأخذ بآرائهن وملاحظاتهن حولها، قدمن لي بعض الاقتراحات والملاحظات اللغوية والتربوية. فأخذت بها ثم رفعت مشاركتي على منصة المسابقة في مارس 2022م. دون أن أتوقع الفوز أو حتى الترشيح للنهائيات كونها تجربتي الأولى في الكتابة. كنت فقط سعيدة بالمشاركة وإنني تمكنت من إنجاز أول قصة متكاملة في حياتي.

الفوز بمُسابقة «بابا طاهر» وأثره:

  • درع مسابقة بابا طاهر - سارة المغلق
  • درع مسابقة بابا طاهر - سارة المغلق

قبل موعد إعلان النتائج بأسبوعين تلقيت اتصال من هيئة الادب والنشر والترجمة أخبروني فيه أن قصتي ترشحت للنهائيات.

وفي 26/05/2022م أعلنت هيئة الأدب والنشر والترجمة أسماء الفائزين وكنت من ضمنهم. لم أكد أصدق ذلك. وأبلغت عائلتي بفوزي، ولكننا لم نستوعب حجم الإنجاز الذي حققته إلا بعد ما عدت إلى منزلي حيث تواصلت معي إحدى الصحف لإجراء لقاء صحفي بشأن فوزي في المسابقة حينها أدركت مدى حجم الإنجاز الذي حققته وذرفت عيناي دموع الفرح وشعرت بحلاوة الإنجاز. فالفوز بهذه المسابقة شرف عظيم بكل تأكيد.

وبهذا الفوز شعرت أنني تغلبت على الصراع النفسي الذي كنت أعيشه ما بين مسؤولياتي كأم لطفلين في عمر الحضانة (فضل ٧ أعوام، وكرم عامان ونصف) ورغبتي الجامحة لممارسة هوايتي واخراج ما بداخلي من مخزون إبداعي. وعليَّ الآن أن أكمل الطريق بإتمام رسومات القصة ونشرها، وتحويل الأفكار التي دونتها من مشاهدات حياة طفليَّ اليومية إلى قصص للأطفال، فهما مصدر الهامي الأول.

وفي هذا السياق لا بد من توجيه الشكر لهيئة الأدب والنشر والترجمة على إطلاق هذه المسابقة «بابا طاهر لأدب الأطفال» ففي نظري إنها كانت ضرورية لإظهار قدرات وامكانيات الأفراد الإبداعية التي قد لا يعلمون عنها. وخير دليل على ذلك تجربتي مع المشاركة في المسابقة. فأنا لم أكن أعي أو أدرك مدى قدرتي على تأليف وكتابة قصص للأطفال حتى اشتركت في هذه المسابقة. ومن المؤكد أنه سيكون لها دور في انتشار الثقافة الأدبية في مجتمعنا وتشجيع الأجيال الجديدة للمشاركة في مثل هذه المسابقات والتوجه للمجالات الأدبية.

ولا يفوتني أيضًا أن أشكر كاتبة قصص الأطفال الأستاذة ايمان الخطيب صاحبة سلسلة «عيوشة» التي لعبت دورًا هامًا في صقل موهبتي لإيمانها بمهارتي وتشجيعها ونصائحها لي.

وختامًا أقول لبابا طاهر رحمه الله، “الان أصبحت أشعر إنني انتمى لكل عمل في عالم أدب الطفل يحمل اسمك. وصورتك اليوم موجودة على رف مكتبي. وأنا سعيدة جدًا بحيازة درع يقترن فيه اسمي باسم أديب عظيم مثلك”.

عدد المشاهدات 388