Share

نشر هذا التقرير “حكاية رجل وجمعية” في مجلة جمعية المنارة بمدينة الناصرة بفلسطين عام 2011م

ليس رجلا ككل الرجال وليست جمعية كسائر الجمعيات وليست حكاية تشبه ما روته ا لألسن من روايات. محمد توفيق بلو يؤكد من جديد من خلال تجربته الشخصية المريرة المتمثلة بفقدانه البصر أن الله يأخذ شيئا ويعطي في المقابل أشياء شرط ألا يستسلم المرء لليأس. إليكم قصة رجل تميز بالإعاقة ومعها.

خرج محمد توفيق بلو من مبنى الخطوط الجوية السعودية تقوده عصاه. بعد أن أحيل إلى التقاعد تحت تأثير العجز البصري الكلي. ولم بمض به الوقت أكثر من ثماني سنوات حتى قدم للمكفوفين في السعودية خدمة مثلى. تمكنهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي. من خلال إنشاء مركز متخصص يؤهلهم للاستقلال الذاتي والتفاعل مع المجتمع.

بدأت قصة بلو مع العمى حين تعرض لالتهاب صبغي في العين. وهو مرض وراني يدهم ا لشخص في سن الثلاثينات بسبب خلل في الأعصاب. ما يؤدي إلى تآكل قاع العين ويتدرج حتى يصل إلى مرحلة الرؤية الأنبوبية ثم العمى الكلي. وكان وقتها يعمل في الضيافة الجوية. تحت مسمى «طاهي جوي».

وحصل من خلال عمله هذا الذي لم يكن مسبوقا في السعودية على جوائز عدة. حاول بلو طوال الفترة التي كان فيها مرض العمى يفتك بعينيه شيئا فشيئا أن يبقى على رأس العمل مدربا للمضيفين. غير أن إدارة الخطوط السعودية كانت حازمة في إحالته إلى التقاعد الاستثنائي. لكنه بذل محاولته الأخيرة بابتكار وجبة الراكب الكفيف. وهي طريقة يتعامل بها مضيفو الطيران مع الراكب صاحب الإعاقة البصرية مع «مينيو» بطريقة برايل.

وحققت هذه الفكرة للخطوط السعودية. جائزة عالية. في امستردام عام 1992. في الوقت الذي كان صاحب الفكرة ينهي أوراق نهابة خدمته للتقاعد. فما كان منه الا أن استعار شطرا من بيت جده لأمه الشاعر السعودي الراحل طافر زمخشري «أضاعوني وأي فتى أضاعوا».

ظل بلو حبيس الظلام وجدران منزله. مع زوجته الأميركية التي تعرّف عليها أثناء رحلاته المتكررة حين كان يعمل على «تفخيم» الوجبات لركاب الدرجة الأولى على متن الطائرة. زوجته التي دخلت الإسلام على يده. كانت سبباً كافياً من وجهة نظره لأن يعيد اكتشاف الظلام من جديد. وهو يعيش ذروة معاناته مع الحزن واليأس.

ساقر بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأميركية قاصداً معهدا معروفا يعمل على تأهيل فاقدي البصر. وإعانتهم على الاستقلال الذاتي. ويقول «شهر واحد كان كافيا. تمكنت بعده من حزم حقائبي بنفسي وعمل «التشيك أوت» من الشقة التي أسكنها. والذهاب إلى المطار من دون معاون».

عاد بلو من أميركا وقد تغير تماما. «تغيرت مفاهيمي عن الإعاقة البصرية وعن الحياة ككل. عرفت حينها أن الله يأخذ من العبد شيئاً ويعطيه أشياء أفضل. أخذ مني الطيران الذي كنت أعشقه للنخاع. وأعطاني فلسفة إنسانية وفكرا طموحاً استطعت به أن أخلق حياة أفضل للمكفوفين في بلدي».

تقدم بلو بفكرة إنشاء مركز مشابه للمركز الأميركي في السعودية إلى رئيس البنك الإسلامي للتنمية الدكتور أحمد محمد علي. فجاءت مباركته من قبل الأمير طلال بن عبد العزيز كونه رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأم المتحدة. وتقوم فكرة المركز على تدريب المعوقين بصرياً لمواجهة تحديات المستقبل. وتدريب الأطباء ليكونوا كوادر متخصصة في تأهيل ضعيفي البصر. واليوم يحمل هذا المركز مسمى «جمعية إبصار» لمكافحة العمى في جدة. التي يديرها صاحب فكرتها محمد توفيق بلو. وقدمت الجمعية خدماتها.

منذ أن أبصرت النور عام 2004 لأكثر من 900 حالة بين كفيف وضعيف بصر. واستفاد من برنامج تدريب الكوادر 600 طبيب عيون واختصاصي.

يتحرك مدير الجمعية برشاقة بين المكاتب. لا يحتاج كثيراً إلى العصا. ويقضى نحو 12 ساعة يوميا في العمل. يدير خلالها شؤون الجمعية. ويتصفح الانترنت من خلال برنامج «القارئ» أو تقنية النصوص المنطوقة. ويستقبل الكثير من المكالمات على هانفه الجوال. ويتعرف على المتصل من خلال برنامج ناطق الأسماء. ويحتفظ في مكتبه بمجموعة كتب قام بتأليفها. منها كتاب «حصاد الظلام» الذي يحكي فيه قصته
مع العمى. وكتاب آخر عن جده الشاعر المعروف طاهر زمخشري تحت عنوان «بابا طاهر» وكتاب أخرى تحت الطبع.

وحول مساهمات الجمعية في اليوم العالمي لمكافحة العمى يقول بلو: «إن الدور كبير في تطبيق مبادرة العمى (2020) التي تتوقع خلاص العالم من الأمراض المسببة للعمى في العام 2020, يقول «هذه الأمراض تستشري في العالم الثالث. ومكن ببساطة القضاء عليها من خلال توفير أطباء اختصاصيين ومدربين. خصوصاً أن شعار المبادرة يقول «أعيننا على المستقبل… محاربة أمراض العيون المسببة للعمى بسبب كبر السن.

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 36
Share