بعد انتهاء عيد الفطر بخمسة أيام (1445/10/08) تواصلت معي موظفة إحدى جمعيات جدة الأهلية العاملة في مجال الإعاقة، وطلبت مني أن أكتب مقالًا عن العيد لنشرة الجمعية الإلكترونية. فكتبت لهم مقالًا من 400 كلمة بعنوان «عيد الفطر وأهميته في دمج ذوي الإعاقة» استعرضت من خلاله ما يمثله العيد من أهمية للمسلمين من معانٍ وقيم تدخل الفرح والسرور على قلوبهم، وكيف تتجلى فيه قيم التعاون والرحمة والاهتمام بالآخرين، وأبعاده الإنسانية والاجتماعية وما تتيحه من فرصة للتواصل والتقارب بين جميع شرائح المجتمع، بما فيهم الأشخاص ذوي الإعاقة. والفوائد التي تعود عليهم كالتضامن والتعاطف معهم فغالبا ما تتزايد المشاعر والمبادرات الإنسانية في العيد ويكون أفراد المجتمع أكثر تهيئ وإقبال لتقديم العون والدعم لمن يحتاجون إليه. فينعكس ذلك إيجابيًا على المزاج والروح المعنوية لذوي الإعاقة.
وخلصت في نهاية المقال بأن مناسبة عيد الفطر فرصة لتعزيز الاندماج الاجتماعي والروح المعنوية لذوي الإعاقة، وتحقيق الأمل وزيادة الوعي بقضاياهم، كما أنه يجسد روح التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع بمختلف قدراتهم وثقافاتهم، وإن مشاركة ذوي الإعاقة ودمجهم بشكل فعال في الاحتفالات يعكس قيم الرحمة والاهتمام التي يجب أن تتجلى في هذه المناسبة السعيدة.
وبعد إرسالي للمقال بأيام أثار اهتمامي كيفية تعامل جمعيات ذوي الإعاقة مع الأشخاص ذوي الإعاقة إنسانيًا واجتماعيًا خصوصًا في مثل هذه المناسبات، فالجمعية التي كتبت لها المقال وتعلم أنني من الأشخاص ذوي الإعاقة لم تكلف نفسها على الأقل بإشعاري عن إجازة المقال وموعد نشره رغم تأكدي من استلامهم له عبر حسابهم على الواتساب.
وللوقف على واقع حال ذوي الإعاقة الذين يمثلون نحو 6% من إجمالي السكان في العيد ومدى مشاركتهم في فعالياته ودور الجمعيات الأهلية في ذلك، حيث إنني غير متابع منذ فترة لجمعيات الإعاقة الأهلية وأنشطتها. أجريت بحثًا سريعًا عبر محرك البحث (Google) ومواقع الجمعيات الإلكترونية وحساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي لاستطلاع مدى اهتمام الجمعيات الأهلية المختصة بالإعاقة بمناسبة عيد الفطر وتوظيفها لخدمة المعاقين وقضايا الإعاقة، وللأسف الشديد لاحظت غيابًا إعلاميًا شبه تام عن أي فعاليات نظمت للأشخاص ذوي الإعاقة مرتبطة بمناسبة العيد باستثناء أخبار محدودة لا يتجاوز عددها أصابع اليد عن تنظيم بعض الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة لفعاليات أغلبها للأطفال، وتهانٍ عامة بمناسبة العيد على حساباتهم في منصة X.
ثم توجهت بالسؤال إلى الصديق التربوي الكفيف ماجد العسيري الناشط في مجال الإعاقة البصرية ومؤسس موقع شبكة الكفيف العربي الإلكتروني عما دار من أنشطة وفعاليات لذوي الإعاقة في العيد؟!
فأجابني بدء بانطباعه عن تجاهل المجتمع لذوي الإعاقة في العيد وأن ذلك يُعتبر تجسيدًا مؤلمًا لعدم المساواة والتمييز. مبينا أنه في هذه المناسبات الاجتماعية التي تمثل فرحة وتلاقٍ بين الأفراد، يجد البعض من ذوي الإعاقة أنفسهم مهمشين، مما يُضاعف من شعورهم بالعزلة والاستبعاد.
وأضاف أنّ تجاهلهم يُظهر عدم الوعي بحقوقهم وقدراتهم، ويُسلط الضوء على الفجوة الاجتماعية التي لا يزال يعاني منها هؤلاء الأفراد.
مشددًا على أنّ التضامن والاحترام لذوي الإعاقة، يجب أن يكون جزء أساسي من ثقافتنا وتقاليدنا في الاحتفال بالعيد وفي كل يوم.
ولفت قائلًا: وأنا أتصفح مجموعات وشبكات التواصل الاجتماعي هذا العيد لم أعثر على أي إعلان لأي مركز ترفيه أو أمانة منطقة أو حتى جمعيات مختصة بإعاقة بعينها أو متخصصة بذوي الإعاقة بشكل عام، يفيد بتنظيم أي فعالية مخصصة لذوي الإعاقة أو أنهم جزءً منها، في الوقت الذي يجب أن يكون العيد فرحة لكل فئات المجتمع.
وما زاد الطين بلة: إنك لا تجد حتى فعالية على الخط المباشر على الإنترنت تذكرت ذوي الإعاقة بمعايدة في هذا العيد.
ولولا معايدات بعض الأهل لأبنائهم من ذوي الإعاقة لكانوا نسيا منسيا، فكيف بفئة ما من ذوي الإعاقة لا زالوا مهمشين لحد هذا اليوم في بيوت عوائلهم.
وكأن لسان حالهم يردد قول الشاعر:
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ *** بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
واختتم بتنويهه إلى أن بعض المتنزهات تخبرك أن لديها خدمات لذوي الإعاقة، وإنها تنتظر أن يصلوا إليها لتقديمها لهم، ولكنهم لم يعلنوا عنها أصلًا في أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي: بل بقيت ضمن النوايا الحسنة في ميثاق تأسيسها.
موضحًا إنه مع تقادم المتنزه وتعيين موظفين جدد لا يعرفون ما يقدم من تسهيلاتها لذوي الإعاقة، قد يجد المعاق نفسه في حرج عندما يطلب خدمة فيرد عليه الموظف الجديد بعدم تقديم المتنزه لمثل هذه الخدمة، فكيف سيفكر المعاق في العودة مجددا لهذا المكان؟!
وخلصت إلى نتيجة مفادها إن من يتتبع الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة في الأعياد والمناسبات سيخلص إلى أن العديد من الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة بحاجة إلى توعية وتطوير في كيفية توظيف المناسبات الاجتماعية خصوصًا الأعياد، لخدمة ذوي الإعاقة وقضاياهم بشكل فاعل.
فالعيد لا يقتصر على الاحتفال وتبادل الهدايا وإعداد وتناول الأطعمة الخاصة بمناسبته، بل له أبعاد إنسانية واجتماعية.
فهو فرصة لتسليط الضوء على قضايا ذوي الإعاقة والعمل على تعزيز حقوقهم وتحسين ظروفهم المعيشية والاجتماعية. إذ يمكن للحوارات والنقاشات والفعاليات المنظمة خلال أيام العيد أن تساهم في توعية المجتمع بأهمية دمج ذوي الإعاقة وتوفير الفرص المتساوية لهم.
كما أنه مناسبة لتعزيز الاندماج والتقارب الاجتماعي والتواصل بين جميع شرائح المجتمع، بما فيهم الأشخاص ذوي الإعاقة ما يعزز شعورهم بالانتماء للمجتمع.
كذلك تشجيع المبادرات الخيرية والتطوعية التي تستهدف دعم ذوي الإعاقة وأسرهم وتقديم الرعاية والمساعدات اللازمة لهم، لتمكينهم من الاستمتاع بهذه المناسبة الخاصة بكل مكوناتها وفعالياتها، مما سيسهم في تحسين ظروفهم ورفع مستوى جودة حياتهم.
ولتحقيق ذلك لا بد من أن تتضمن الاحتفالات والفعاليات الاجتماعية التي تقام بمناسبة العيد برامج وأنشطة ترفيهية متنوعة مهيئة وميسرة لذوي الإعاقة بحيث تتيح لهم فرصة التفاعل مع الآخرين وتعزز مهاراتهم الاجتماعية والحياتية.
فأرجو أن يكون في أعيادنا القادمة خير الفرص لاستعادة الهناء والسعادة لعموم الأشخاص من ذوي الإعاقة، ولعل فيما كانت تقوم به جمعية إبصار في سابق عهدها أنموذجًا يستحق دراسته وتطوير للانتفاع به بما يناسب وقتنا الحاضر من حيث تكثيف جمع التبرعات النقدية والعينية مع حلول شهر رمضان ورفع عدد المستفيدين من برنامج الوقاية من العمى. وصرف مساعدات عينية ونقدية في الفترة ما بين 27 إلى 29 رمضان للمستحقين من المستفيدين وموظفي الجمعية ذوي الأجور المنخفضة لإدخال الفرح والسرور على قلوبهم بمناسبة عيد الفطر، ومن باب العلاقات العامة إرسال تهانٍ شخصية لأعضاء الجمعية، والداعمين، والمتبرعين، والمعنيين بشؤون الإعاقة.
وأختم دردشتي هذه بأبيات من قصيدة «رؤى العيد» للأديب طاهر زمخشري من ديوانه «عودة الغريب».
يا رُؤَى العيد في مَغانِي الضياءِ ومجالي الرشادِ للأَهْواء
جئتُ لا أشتكي إليكِ الذي أَلَقى، ولكن لأَستعيدَ هنائي
وأَعُبُّ الصفاءَ من همسِ لَأْلائِكِ في جُنْح ليلِكِ الوضَّاءِ
وأُغَنِّي كما تعودتُ في رحْبِكِ. والحبَّ مِزهَري للغناءِ
الرابط المختصر لهذا المقال:
ربما علي ان اواسي اخوتي ذوي الاعاقة بحقيقة ان العيد ماعاد كما كان علينا جميعا.. فتطبيقات التواصل الاجتماعي قلصت الى حد كبير مظاهر التواصل التقليدية المعتادة التي طالما تميز بها العيد. ولكن مع هذا تظل البهجة بالعيد ملكا لصاحبها أينما كان ومع من يكون.
أرجو ان تحلو الأعياد القادمة وأن تحمل معها البشائر والافراح لقلوبكم وقلوب المسلمين أجمعين.