Share

الحكمة هي أن توضع الأمور في مواضعها، والحكمة وليدة التأمل والتدبر ولتعقل، كلما تدبر المرء ما يقول كلما كان أقرب الى الصواب، وتلافى الوقوع في مواقع الحرج.

دائما الحكمة ضالة المؤمن، والمؤمن كيس فطن، ويقول المولى عز وجل في محكم تنزيله (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) البقرة (269).

ما دفعني أن اكتب في هذا الموضوع هو ما حدثني به من أثق في حديثه أنه تم دعوة من يحاضر في بعض المساجين الموقوفين في قضايا تعسر وغرم بأحد السجون وكلهم من الرجال، فيقول إنه وجميع الحاضرين ذهلوا عندما بدأ المحاضر محاضرته بالتحدث عن (غض البصر)!!!!

يقول محدثي أن المساجين والجالسين راحوا ينظرون الى بعضهم البعض ولسان حالهم يستنكر موضوع المحاضرة التي لم تكن تناسب الظرف، وأنصرف غالبية المستمعين عن موضوع المحاضرة، بل منهم أن أبدى امتعاضه على عدم توفيق المحاضر في اختيار موضوع محاضرته، فالظرف كان يستدعى أن تكون موضوع المحاضرة تبعث فيهم الأمل وتحثهم على الصبر وتبشرهم بالفرج بدلا من الحديث عن غض البصر في سجن كل نزلائه رجال. بل أن أحد الظرفاء علق قائلا ربما يريدنا أن نغض البصر عن حالنا الذى نحن فيه .

في هذه الواقعة لم يوفق المحاضر في نقطتين، النقطة الاولى إنه لم يحترم عقلية من كان يتحدث إليهم وأعتبر أنه يمكن أن يقول أي موضوع وهي محاضره والسلام، والنقطة الثانية وهى مرتبطة بالنقطة الاولى أنه لم يوفق في اختيار موضوع المحاضرة ولم يراعى حقيقة الظرف والمكان.

أيضا في هذا المقام حكى شيخنا الجليل رحمه الله الشيخ على الطنطاوي في أحد أحاديثه أنه حدث أن قدم بعض الغجر الى مدينة من مدن الشام وكان معهم بعض الراقصات ، يرقصن في الميادين ، ولم يعلم بأمرهم الا من شاهدهم مصادفة، ولكن حدث أن وقف إمام أحد المساجد الكبيرة بعد انتهاء الصلاة وأخذ يخطب في الناس ويتحدث عن الراقصات اللاتي جئن ليفسدن في المدينة وأخذ يهاجمهن وكيف أن من راهن وصفهن بانهن عاريات مائلات ..الخ، والذى حدث أن معظم الحضور أخذوا نعالهم وتركوا الإمام قبل أن يكمل خطبته وهرولوا ليروا الراقصات التي تحدث عنهن الإمام !!!

هكذا قام الإمام بإثارة انتباه حتى الناس الذين لم يكونوا يعلمون بموضوع حضور الراقصات ودفعهم للذهاب لمشاهدتهن، فربما لو لم يهاجم الراقصات ويتحدث عنهن ما سمع الكثيرون بهن.

لذا فمن الحكمة ألا نضخم صغائر الامور، ودائما علينا أن نحترم عقول الآخرين الذين نتحدث إليهم، ولا نرتجل أحاديثنا كيفما اتفق.

شيء من الحكمة وقليل من التروي كافيان لتلافى الكثير من الحرج.

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 49
Share