Share

افتتح مؤخراً في مدينة جدة أول دار حديثة للسينما، بعد صدور موافقة مجلس إدارة الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع (الاثنين 22/03/1439 هـ – 11/12/2017م) على فتح دور للسينما في المملكة العربية السعودية وفق معايير السياسة الإعلامية للمملكة بما يتوافق مع القيم والثوابت المرعية بما يتضمن تقديم محتوى مثرٍ وهادف لا يتعارض مع الأحكام الشرعية ولا يخل بالاعتبارات الأخلاقية في المملكة.

والحقيقة إن السينما سيف ذو حدين إما ينفع أو يضر حسبما تستخدمه، فهي من أهم وسائل القوى الناعمة التي تستخدمها العديد من الدول في أغراض متعددة ترفيهية، اجتماعية، سياسية، توثيقية …إلخ لكن الأهم من ذلك كله استخدامها اقتصادياً لتدعيم ناتجها المحلي، فعلى سبيل المثال حققت شبابيك دور السينما في العالم أرباح بلغت نحو 40 مليار دولار في نهاية العام 2016م، 60% منها في دور السينما بالولايات المتحدة الامريكية وكندا و40% لباقي دول العالم، فضلا عن إيرادات أخرى مثل الدعاية والتسويق التي قد تصل إيراداتها إلى قيمة إنتاج الفيلم نفسه فقد يرصد لإنتاج فيلم ميزانية ما بين 40-75 مليون دولار مع ميزانية دعاية وإعلان تتخطى الـ20 مليون دولار عدا الايرادات من مبيعات المنتجات التابعة للفيلم «تحف، هدايا ….الخ» فمثلاً سلسلة «حرب النجوم» الأمريكية الشهيرة تسببت شعبيتها في صنع دمى تشبه شخصيات الفيلم وتقدر أرباح الشركة المنتجة من منح تراخيص إنتاج تلك الدمى فقط منذ عام 1977 إلى أواخر العام 2017م بحوالي 12 مليار دولار، كما حققت “ديزني لاند” من مبيعات دمى فيلم “قصة لعبة” حوالي 2.4 مليار دولار.

لذ أرى أن قرار فتح دور للسينما خطو صائبة من المنظور الاقتصادي وفق ما يأمله المجلس من تطوير اقتصاد القطاع الثقافي والإعلامي ككل، وتوفير فرص وظيفية في مجالات جديدة للسعوديين، وإمكانية تعليمهم وتدريبهم من أجل اكتساب مهارات جديدة. وأضيف إلى ذلك أنه علينا الاستفادة من السينما في تنمية وتطوير الآداب والفنون الأخرى المكلمة لها لتوظيفها في تربية الأجيال وفق مبادئنا وقيمنا وترسيخ صورة ذهنية إيجابية عن ثقافتنا وقضايانا لدى الآخرين، وفي هذا السياق يحضرني فيلم «الرسالة» الذي أنتجه واخرجه مصطفى العقاد عام «1976م» وكيف استطاع أن ينقل من خلاله صورة حضارية وإنسانية للمجتمعات الغربية عن السيرة النبوية والدعوة الإسلامية، وفيلم «عمر المختار» عام «1981» الذي أبرز من خلاله المظلمة التي تعرضت لها المنطقة العربية في القرن الماضي من الاستعمار الإيطالي، بالإضافة إلى عديد من أفلام أخرى شاهدناها في صبانا غرست فينا قيم توافقت مع آدابنا الاجتماعية إلى أن أغلقت دور السينما أبوابها في ثمانينيات القرن الميلادي الماضي بعد حركة «جيهمان».

يذكر أن فكرة افتتاح دار للسينما في جدة تعود إلى عهد المؤسس الملك عبد العزيز –رحمه الله- إذ ذكر الأديب الراحل أحمد قنديل -رحمه الله- في معرض ذكرياته أن الشيخ محمد سرور صبان وزير المالية آنذاك قد بادر مع الأستاذ سليمان الحمد وباخشب بافتتاح أول دار للسينما في تاريخ المملكة العربية السعودية في مدينة جدة وقرروا أن تنشأ في بيت باخشب ولكنهم واجهوا بعض المعارضات جعلتهم يصرفون النظر عن الفكرة وبقي مكانها في بيت باخشب معلماً شاهداً على ذلك.

وفي مطلع السبعينيات وعيت على سينما البيوت والأحواش في جدة حيث كانت بعض الأسر الميسورة تنشء سينمات خاصة في بيوتهم، وأسر أخرى تعتمد على استئجار الأفلام ومكينة العرض والفني المشغل لها في المناسبات كحفلات النجاح أو التجمعات الأسرية كنشاط ترفيهي في آخر الأسبوع، وكان حي البلد في جدة هو مكان محلات تأجير الأفلام من أشهرها (البلجون، الجمجوم، النحاس، سنيور، أبو صفية)، وتتراوح قيمة استئجار الافلام والماكينة مع الفني المشغل لها ما بين 100 إلى 150 ريال ويأتي الفني إلى المنزل ويقوم بتسمير شاشة من القماش الأبيض على الحائط ثم يعرض الفيلم وبنهايته يغادر حاملاً ماكينته.

في غضون ذلك ظهرت في جدة نوعين من دور السينما الأول في أحواش مفتوحة في الهواء الطلق للرجال فقط من أشهرها سينما «فهد المغربي» بحي الشرفية، سينما «البلجون» و «سفيان فطاني» في حي العمارية، «عبدالله صالح الغامدي» في كيلو 2، «أبو صفية» في حي الهنداوية، سينما «الدرج» بحي النزلة اليمانية، «سراج سحاحير» في حي الشاطئ، وسينمات أخرى منتشرة في أحياء جدة الأخرى، وكان برنامجهم عرض 3 افلام ليلياً تبدأ بعد صلاة العشاء مباشرة الأول عربي والثاني كاراتيه والثالث أمريكي بوليسي أو كابوي، ومتوسط أسعار الدخول يبلغ 5 ريالات، وكان سكان العمائر المحيطة بها يتمتعون بمتابعة الأفلام من نوافذهم وأن كان الصوت يكون بعيد عنهم.

والنوع الثاني من السينما في جدة كان عبارة عن قاعات مغلقة ومكيفة وبإمكان العوائل دخولها مثل سينما «فندق العطاس» بأبحر الجنوبية، وسينما «الجمجوم» في حي البغدادية التي كانت بعدة درجات «بلكون، درجة أولى، درجة ثانية» وتعرض فيلم واحد عدة مرات في اليوم، ويتراوح متوسط سعر الدخول 15 ريال، كما كان لنادي الاتحاد سينما مفتوحة للجماهير برسوم رمزية تعرض فيلماً أجنبياً واحداً في عطلة نهاية الأسبوع ضمن نشاط النادي الثقافي والترفيهي، كما كانت معظم سفارات الدول تعرض أفلاماً في مقراتها ضمن نشاطها الترفيهي لجالياتها وبعض السفرات كانت تسمح للعامة بالدخول بتذاكر.

ومع الأحدث والتغيرات التي طرأت على المجتمع في مطلع الثمانينيات منعت السينما وأغُلقت دورها تدريجياً بالتزامن مع ظهور أجهزة الفيديو المنزلية التي أنهت وجود دور السينما في جدة.

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 60
Share