Share

أرسل إلى الصديق كابتن طيار متقاعد سعود السعيد عبر الواتساب هذه الصورة الممهورة بـ «الخطوط السعودية في الماضي». قائلًا لي إن أحد زملائه في الخدمة الجوية نشرها مؤخرًا (أغسطس 2024) في إحدى مجموعات الخطوط السعودية فقام بنسخها وإرسالها إليَّ.

فوجدتها فرصة مناسبة أن أطلق بها هذه السلسلة الجديدة بعنوان «حكاية صورة» وأن تكون باكورتها الحديث عن حكاية تلك الصورة التي التقطت قبل نحو 32 عامًا وسميت بـ «وجبة الراكب الكفيف» وقد لا يعرف الكثير قصتها وما دار في كواليسها، حيث إنها حققت للخطوط السعودية فوزا عالميُا في حينها، وأبرزت جانبا مهمًا من تطور الخدمة على رحلاتها.

التقطت هذه الصورة من قبل السيد ديفيد هيدسون – David Hudgson (إختصاصي وسائل إعلام الخدمة الجوية – IFS Media Specialist) في محاكي (Mockup) مقصورة الدرجة الأولى لطائرة بوينج (B747-168) بمركز تدريب الخدمة الجوية بالخطوط السعودية بحي الكندرة بجدة، بحضور ممثلين عن إدارة (أنظمة وإجراءات الخدمة الجوية، وتدريب الخدمة الجوية، وجهاز الطعام، وتموين السعودية) في أواخر العام 1992م، استعدادًا للمشاركة بها في معرض مؤتمر رابطة خدمات الرحلات الجوية الدولية (International Flight Services Association – IFSA) بالولايات المتحدة الأمريكية للعام 1993م حيث تعرض شركات الطيران أحدث خدماتها على الرحلات، كذلك المشاركة في مسابقة مجلة (On-board services) لأفضل صورة عرض خدمة على الطائرات.

وذلك في أعقاب إعلان فوز الخطوط السعودية بجائزة (ميركوري 1992م) الممنوحة من قبل الرابطة الدولية لتموين السفر (International Travel Catering Association – ITCA) (IFCA سابقًا) عن فكرة «وجبة الراكب الكفيف».

وتعود خلفية الصورة إلى أن رئيس طهاة وعضو لجنة تطوير فكرة وجبة الراكب الكفيف زكريا النخلي -رحمه الله– قد اتصل بي ودعاني بأن أحضر للمشاركة في تصوير «وجبة الراكب الكفيف» بصفتي مقدم الفكرة ومشارك في تنفيذها حيث إنها ستعرض في المؤتمر المذكور.

رحبت بذلك واستبشرت خيرًا حيث إنني كُنت أسعى جاهدًا للعودة إلى العمل بعد إحالتي الإجبارية للتقاعد المبكر بموجب قرار الهيئة الطبية العامة (أكتوبر 1992م) لإصابتي بضعف بصر شديد ناجم عن التهاب الشبكية الصباغي.

و-بالفعل- حضرت في اليوم التالي مرتديًا نظارتي الطبية السوداء التي استخدمها للوقاية من أشعة الشمس تفاديًا لتفاقم تسارع حالتي البصرية. وكان شعوري مختلطًا ما بين التحمس للتصوير والحزن على أني محروم من المشاركة في تلك الفعاليات بحكم إحالتي إلى التقاعد المبكر.

هيئ مكان التصوير في المحاكي (Mockup) وأخذت مكاني والتُقطت لي مجموعة من الصور الاحترافية وأنا مرتدٍ لنظارتي كراكب كفيف في الدرجة الأولى وبيدي لائحة الطعام بطريقة برايل وأمامي صينية الوجبة ومضيفة تباشرني.

انتهى التصوير وغادرت المكان وأنا أحمل أمل عودتي إلى العمل. مرت أسابيع دون أن أسمع أو اعلم أي شيء عما آلت إليه تلك الصور. حتى بشرني في أحد الأيام الصديق د. منصور الحسيني (مدير إدارة جهاز الطعام بالإنابة آنذاك) والمنفذ الرئيسي للفكرة، بأن خدمة وجبة الراكب الكفيف قد فازت أيضًا بجائزة رابطة خدمات الرحلات الجوية الدولية (International Flight Services Association – IFSA) للعام 1993م كأفضل خدمة على الرحلات عن العام 1992م، وحققت صورتها جائزة مجلة (On-board services) كأفضل صورة عرض خدمة على الرحلات لعام 1993م.

وعقب ذلك نُشرت الصورة في عدد من المجلات العالمية والمحلية المتخصصة في مجال السفر والسياحة، من بينهم مجلة On-board services، وغلاف مجلة السياحة والمعارض (العدد: 4 ذي القعدة 1413هـ – مايو 1993م).

وبرغم أن فوز تلك الصورة وانتشارها آنذاك أثبت قدرتي على الاستمرارية في العمل والإنجاز بطرق مختلفة إلا أن ذلك لم يؤدِ إلى إعادتي إلى العمل والاستمرارية في العطاء. وكنت قد أشرت في كتابي «حصاد الظلام» إلى إمكانية عمل الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في كافة المجالات المختلفة في الطيران والتي منها -على الأقل- مجال الدعاية والإعلان، وإن فوز تلك الصورة وتقديمي لفكرة «وجبة الراكب الكفيف» وما حققته من نتائج لخير دليل على قدرتي على العمل والابتكار…

والآن بعد مرور 32 عامًا على تلك الفكرة وصورتها، لا زلت أحتفظ بذكرى المشاعر السعيدة على فوزها والأسف على عدم تمكيني من الاستمرارية على تطويرها آنذاك، حيث إنها لم تكن مجرد فكرة وجبة للأكل فقط، بل كانت خدمة متكاملة للمسافرين المكفوفين قامت على أساس تدريب العاملين على مهارة التعامل معهم، وترميز أمتعتهم وحقائبهم لإيجادها بسهولة في محطة الوصول، واختيار مقاعدهم في الطائرة في أماكن سهلة الوصول إلى أبواب الطوارئ ودورات المياهوبعيدًا عن ضوضاء المحركات مراعاة لحاسة السمع التي يعتمدون عليها. وتوفير بطاقة إرشادات السلامة لهم على الطائرة ومجلة بطريقة برايل، ولائحة طعام مكتوبة بطريقة برايل توضح أسماء ومواقع محتويات الصينية حسب عقارب الساعة، وتحضير وجبات اللحوم والأسماك كقطع صغيرة خالية من العظم أو الشوك، والسلطات والحلويات خالية من السوائل وسهلة التناول باليد أو بالشوكة دون الحاجة إلى استخدام السكين. مع توفير منديل قماشي مع الصينية لاستخدامه عند الحاجة للوقاية من تساقط الأطعمة على الثياب.

وتخصيص رمز خاص للخدمة في نظم الحجز الآلي بالخطوط السعودية ليتمكن الكفيف من طلبها، وأشعرت بها الرابطة الأمريكية للتموين والرابطة الدولية لتموين السفر التي كافأت الخطوط السعودية على الفكرة وأقرت ابتكارها الإبداعي وجهودها المتميزة من حيث درجة الإبداع والابتكار والإضافة ومستوى الجودة وفاعلية التطبيق التي أدت إلى تحسين وترقية مستوى الخدمة وتحقيق أثر إيجابي في اقتصادياتها وتعزيز المستوى الصحي ورضا العميل.

ولكن الله أبدلني عن ذلك بفوزي بجائزة الأميرة صيته بنت عبد العزيز للتميز في مجال العمل الاجتماعي 2015م بالرياض نظير إسهاماتي في تطوير خدمات الإعاقة البصرية بتقديم فكرة وجبة الراكب الكفيف وجمعية إبصار الخيرية، وتكريمي من قبل معالي وزير التجارة الأسبق الدكتور توفيق الربيعة في فعاليات ملتقى رواد شباب الأعمال الثامن «أبريل 2016م»، ثم جائزة «أوسكار الإبداع العربي 2019» من الاتحاد الدولي للمنجزين العرب والأفارقة – القاهرة، فضلًا عن تمكيني من الإبداع في الكتابة والتأليف بتأسيس دار نشر وتأليفي 8 مؤلفات حتى تاريخ هذا المقال.

ما يجعلني اختم حكايتي هذه برسالة إلى كل كفيف «استمر ولا تقف.. فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس».

استلام جائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز من معالي د. ماجد القصبي وزير الشؤون الاجتماعية آنذاك وزير التجارة حاليًا
استلام السجل التجاري لشركة سطور للنشر من معالي د. توفيق الربيعة وزير-التجارة الأسبق – ملتقى رواد شباب الأعمال الثامن «أبريل 2016م»
استلام جائزة أوسكار الإبداع العربي 2019 من اللواء د. سامح لطفي رئيس الاتحاد الدولي للمنجزين العرب والأفارقة

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 217
Share