Share

جلست أمامي في حفل أقامته الجامعة للقدماء من الخريجين ولم يبق منها سوى اسمها الذي أعرفه جيدًا. بدا كل شيء فيها مختلف وجميل ونابض بالحياة وكان لعينيها بريق لم أعهده مسبقاَ فعبث بي الفضول وذهب بعقلي كل مذهب، فسألتها ماذا فعلتِ وأي إجراءات تجميل قمتِ بها؟ فأجابتني بكل هدوء: تنازلت.

تنازلت يا صديقتي عن المركز الأول الذي كنت أنشده في كل نزال، وعن مقدمة الصف في معترك الحياة.

تنازلت عن الكلمة الأخيرة الصائبة في الجدال، وتأكيد صحة الرأي والاتجاه، وأدرت ظهري لجوائز الكمال، وشهادات المثالية، ونلت عن جدارة واستحقاق كأس السلام الداخلي.

أزحت ثقل سنام الماضي عن ظهري بكل ما فيه من مرارة وحلاوة، وتذوقت شهد اللحظة الحاضرة وعرفت فيها سر الأسرار.

لم تعد مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي وجدالها العقيم يغريني، وأصبحت أمر عليها مرور الكرام، ولم يعد لي من الزيارات سوى ما كان منها صلة رحم أو عيادة مريض أو تعزية لقريب وبعيد. بالمختصر أقفلت بوابة المجاملات والتضحيات في غير مكانها الصحيح.

هجرت نواح المسلسلات العربية، ورومانسيات التركية، وتنهيدات الأغنيات، وحفظت سمعي وبصري وفؤادي، واحتفظت بالصمت لأسمع صوت قلبي فقال لي عجبًا.

تنازلت عنه وعنها وعن علاقات كان ثمن الاحتفاظ بها يجبى ربًا من رصيد المحبة والسلام واحترام الذات، أفلت يدي من قبضتهم فسقطوا من حيث رفعتهم يومًا.

كل ما قمت به يا صديقتي أنني غيرت اتجاه الدفة، وأبحرت نحو ذاتي وأولوياتي وحاجاتي، ومن أحاطهم شغاف قلبي، وتنازلت عن كل قيد ووهم، وربحت نفسي واستوعبت أخيرًا درس الأربعين الماضية من عمري.

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 189
Share