Share

كما جرت العادة بأن أطل عليكم في مثل هذا الوقت من كل عام. عبر هذه النافذة «كلام رمضان» بمواضيع ثقافية عامة مرتبطة بشهر رمضان المبارك. والتي أبدئها في عامها الرابع بتهنئتكم بالشهر الكريم والدعاء بأن يتقبل الله من الجميع الصيام والقيام وصالح الأعمال. وأن يعيده علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليُمن والبركات.

لقد فرضت عليَّ مناسبة الأمسية الشعرية للمفكر والشاعر أدونيس التي نظمتها أكاديمية الشعر العربي مساء الثلاثاء 21مارس 2023م بالتعاون مع جامعة الأعمال والتكنولوجيا ودعم من هيئة الأدب والنشر والترجمة وذلك احتفاء بعام الشعر العربي 2023م في اليوم العالمي للشعر. والتي حضرتها بدعوة من جامعة الأعمال والتكنولوجيا، أن أبدأ أولى حلقات كلام رمضان هذا العام بالتطرق إلى «رمضان في الشعر العربي» حيث تزامنت الأمسية مع ليلة تحري رؤية هلال رمضان (29 شعبان 1444هـ) الذي حظي بمكانة عند الشعراء على مر العصور ما بين مشتاق إليه، ومرحب بقدومه، ومعددٍ لفضائله وأنواره، وراصدًا لمشاعر الصائمين ومظاهر الاحتفاء به، ومودعًا له، ومستقبلا لعيده. ومما قيل فيه

جاء الصّيامُ فجاء الخيرُ أجمعُه *** ترتيلُ ذِكرٍ وتحميدٌ وتسبيحُ

فالنَّفس تدأب في قولٍ وفي عملٍ *** صوم النَّهار وباللَّيل التَّراويحُ

وكانت الأمسية الشعرية قد بدأت بترجمة عن الشاعر قدمها د. منصور بن محمد الحارثي (مدير أكاديمية الشعر العربي) الذي أدار الأمسية ومما جاء فيها أنه شاعر وناقد وأكاديمي ومفكر اسمه الحقيقي علي أحمد سعيد إسبر واشتهر باسمه المستعار (أدونيس) وهو لبناني من أصول سورية ويحمل جنسية دولة فرنسا التي يقيم فيها ويصفه البعض أنه أعظم شاعر عربي معاصر، وله العديد من المؤلفات وحصل على عدد من الجوائز العالمية.


ثم القى أدونيس مختارات من شعره في الحب، أعقبها عرض مرئي موسيقي لمختارات غنائية من كلمات الأمير الشاعر عبد الله الفيصل -رحمه الله- وختمت الأمسية بإجابة أدونيس على أسئلة وتعليقات الحضور، والقائه لأبيات من قصيدته «الصقر» التي كتابها عن عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) قائلًا إنها من أحب قصائده إلى نفسه وبدأها باستهلاليته لها: “وأقبلت الخيل، فصاحوا علينا من الشط: ارجعـا لا بـأس عليكما، فسبحت، وسبح الغلام أخي، فالتفت إليه لأقوي من قلبه فلم يسمعني، وأغتـر بأمانهـم، وخشي الغرق، فاستعجل الانقلاب نحوهم، وقطعت أنا الفرات، ثم قدموا الصبي أخي الذي صـار إليهم بالأمان فضربوا عنقه ومضوا برأسه. وأنا أنظر إليه وهو ابن ثلاث عشـرة، ومضيت علـى وجهي، أحسب أني طائر وأنا سـاع علـى قدمي”.

وما أثار إعجابي هو الحضور الذهني وجمال وقوة الأداء للشاعر ذي الـ 93 عام بوقفته الشامخة على المسرح خلف الميكروفون واستحضاره لشيء من ذكرياته الأدبية ورأيه في الفيلسوف الشاعر أبي العلاء المعري والشاعر أبي نواس وتعليقه على جمال وخصوصية مدينة العلا وعظمة آثارها التاريخية.

والأجمل من ذلك كله بالنسبة لي شخصيًا هو اللقاء العابر الذي جمعني بالدكتور عبد الله صادق دحلان (رئيس مجلس أمناء جامعة الأعمال والتكنولوجيا) وتأكيده على الشروع في استكمال مبادرة الأديب الراحل عبد المقصود محمد سعيد خوجة -رحمه الله- بجمع أعمال الأديب طاهر زمخشري وإعادة إصدارها.

وقد تمنيت لو تضمنت الأمسية فقرة مرتبطة بـ «رمضان في الشعر العربي» خصوصا السعودي منه لتزامنها مع ليلة تحري هلال رمضان سيما وأنه حضي بمكانة في أغراض شعراء الرعيل الأول كحسين عرب، طاهر زمخشري، عبد القدوس الأنصاري، محمد إبراهيم جدع، محمد حسن فقي، وغيرهم.

وبحكم معايشتي للأديب طاهر زمخشري فقد وقفت على اهتمامه برمضان حتى أنه خصه بديوان بعنوان «دعاء السحر» لا يزال كمخطوطة بحوزتي أرجو أن تسعفني الظروف بإصداره قبل رمضان القادم بإذن الله، وكتب عدة قصائد منجاة وجدانية أخرى مثل قصيدة “رباه” التي لحنها واداها الفنان سعيد أبو خشبة رحمة الله بطريقة المجس، وأعاد توزيعها وغنائها فنان العرب محمد عبده لموسم رمضان 1431هـ ومن حينها أصبحت الاغنية الدينية الأشهر في منطقة الخليج حيث دأبت القنوات الخليجية بثها في الفترة الدينة قبل صلاة الجمعة خلال العام، ويكثف اذاعتها خلال شهر رمضان المبارك.

ربَّاه كفَّارتي عن كل معصيةِ *** أني أتيت، وملء النفس إيمانُ

أتيت أطرق باباً كلُّ مُجْتَرِمٍ *** أتاه يرجع عنه، وهو جذلان

وقصيدة «النفس المؤمنة» التي لحانها الشيخ الكفيف مرسي الحريري وغناها القارئ والمنشد الكفيف الشيخ محمد الفيومي لتصبح من الأناشيد الدينية الخالدة التي قدمتها فيما بعد فرقة الإنشاد الديني المصرية العالمية ضمن حفلاتها داخل وخارج مصر، آخرها حفلها الإنشادي على مسرح الجمهورية في 09 فبراير 2019م بقيادة المايسترو الدكتور علاء عبد السلام.

إيه يا نفسُ إلى الله أنيبي ثم تُوبي

وإذا وسوس شيطانٌ بإثمٍ لا تُجيبي

واذكري الله ففي صوتكِ تكفيرُ ذنوبي

وثقي أن وراء الغيب علاَّم الغيوبِ

وهو الله

وقصيدة «إلهٰي» التي أعد منها الإذاعي محمد أمين قطان في موسم رمضان 401هـ/1981م برنامج رمضاني قُدمت من خلاله الأبيات كابتهال على طريقة المجس الحجازي بصوت الفنان علي عبد الكريم أذيع طيلة ليالي شهر رمضان المبارك في ذلك العام والعام الذي تلاه.

إلهِي خطايَا ضِقْتُ ذرْعاً بحمْلِها *** وأنتَ لها باللُّطفِ تمحو وتغْفِرُ
رَحِمْتَ فلم أقصرْ فعادتَ خطيئتِي *** عليَّ بِهمّ وهو للنَّفسِ يَهْصُرُ

وعلي أي حال اقترح أن يخصص احتفال المملكة بيوم الشعر العالمي العام القادم عن «رمضان في الشعر العربي» خصوصا وأنه سيتزامن مع منتصف شهر رمضان 1445هـ

ويجدر بالذكر بأن اليوم العالمي للشعر هو احتفال تنظمه منظمة اليونسكو سنويًا في 21 مارس من كل عام بهدف دعم التنوع اللغوي من خلال التعبير الشعري، ولإتاحة الفرصة للغات المهددة بالاندثار بأن يُستمع لها في مجتمعاتها المحلية. كذلك دعم الشعر، والعودة إلى التقاليد الشفوية للأمسيات الشعرية، وتعزيز تدريس الشعر، وإحياء الحوار بين الشعر والفنون الأخرى مثل المسرح والرقص والموسيقى والرسم وغيرها، كما يهدف أيضا إلى دعم دور النشر الصغيرة ورسم صورة جذابة للشعر في وسائل الإعلام بحيث لا ينظر إلى الشعر بعد ذلك كونه شكلا قديما من أشكال الفن.

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 204
Share