يقول أبو الطيب المتنبي:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ*** بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
وعطفاً على ذلك فجديد عيدنا هذا العام هي الظروف الاستثنائية التي عيد بها المسلمون بسبب جائحة كورونا وحربها على البشرية جمعاء منذ نحو 6 أشهر، فلقد أصابت حتى كتابة مقالي هذا 6,233,491 شخص في 213 دولة وإقليم أعلاهم إصابة
أمريكا 1,832,324 توفي منهم 106,114، البرازيل 505,487 توفي 29,013
روسيا 405,843 توفي 4,693، اسبانيا 286,509 توفي 27,127، بريطانيا 274,762 توفي 38,489، ايطاليا 232,997 توفي 33,415.
وقد أبلت الدول بلاء حسن في مواجهة هذه الجائحة أدى إلى تعافي 45% من عدد المصابين وذلك بفضل العناية الإلاهية ثم الإجراءات الاحترازية التي اتبعتها والأدوار التي قامت بها الكوادر الطبية وفرق العمل المساندة في المستشفيات والحياة العامة منهم فرق قامت بدور بطولي هام في موجهة هذه الجائحة وغاب عن الكثيرين منا الاهتمام بهم أو تسليط الضوء عليهم كما يجب، وهم عمال النظافة الذين يعانون ويتعرضون لمخاطر جمة أكثر من أي وقت مضى خصوصاً الذين يعملون في المستشفيات ويقومون بتنظيف غرف وأسرة المرضى وجمع النفايات الطبية…الخ مما يجعلهم الأكثر عرضة للإصابة بالفايروس ونقل العدوى للأخرين والأمر ينساق على عمال نظافة الشوارع والمرافق العامة الذين يعملون ليلاً ونهاراً على تنظيفها وجمع النفايات وبالتالي قد يصبحون قنابل صحية موقته في المجتمع، وبالرغم من تلك المخاطر إلا أنهم يواصلون عملهم دون كلل.
وقد التفتت بعض المجتمعات إلى مدى الأهمية التي يمثلونها والدور الذي يقومون به خصوصا في ظل هذه الجائحة فبادرت بتكريمهم مثالاً على ذلك الحفل الفني الذي نظمته منظمة الصحة العالمية ومجموعة “غلوبال سيتزين” “عالم واحد: معًا في المنزل”. “One World: Together At Home” وقد كنت تحدثت عن ذلك في مقالي «الفن والإبداع لتكريم عمال مواجهة كورونا».
ومن هنا أنادي عامة المجتمعات بأن يزيدوا من اهتمامهم بهذه الفئة من العمال والالتفات إلى احتياجاتهم الإنسانية وتقدير الجهود والأدوار التي يقمون بها خصوصاً في ظل هذه الظروف التي يعيشونها مع الجائحة، وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات المرتبطة برفع روحهم المعنوية، وزيادة وعيهم بالنظافة وقواعدها الصحية والطبية، وتحسين ظروفهم المعيشية والسكنية.
ولابد من التنويه إلى إن الاهتمام بعمال النظافة هو من صميم تعاليم ديننا الحنيف والسنة النبوية فقد ورد في الصحيحين: «أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، فسأل عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ماتت، فقال: أفلا كنتم آذنتموني؟ قال: دلوني على قبرها، فدلوه فصلى عليها»، ونستدل من هذا الحديث على أهمية النظافة والتشريف والمكانة التي يحظى بها من يقوم بها، أضف إلى ذلك إن إماطة الأذى عن الطريق هي من مراتب الإيمان.
ومن هذا المنطلق فإنني أدعوا برنامج توطين الوظائف الأخذ في الاعتبار توطين مهنة عامل النظافة بصورة تدرجية التي يشغلها أكثر من 82 ألف عامل في بلادنا وتشجيع أبناء الوطن بالتنافس على مثل هذه المهن طمعاً في الأجر والثواب، وتقليص نسبة البطالة، ولتحقيق ذلك لابد من تثقيف المجتمع بالمهنة وتحسين صورتها الذهنية في أعينهم، وضع أنظمة وقوانين صارمة تلزم المجتمع بالعناية بالنفايات وتحسين طرق التخلص منها، إلزام المجتمع بفصل النفايات وتصنيفها (بلاستيك، أوراق، زجاج، معادن…الخ) وتحفيزهم على ذلك تسهيلاً لإعادة تدويرها من أجل المحافظة على سلامة البيئة، توظيف التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في جمع النفايات وطرق التخلص منها، رفع مستوى أجور المهنة قياساً على الأجور العالمية التي تتراوح ما بين 50 ألف إلى 100 ألف دولار للعامل الواحد سنوياً مثل اليابان، بريطانيا، أمريكا.
وأختم دردشتي هذه بما قاله الشاعر إسماعيل بريك
أنا الكناس مكنستي….. حديث الناس للناس
فمنها أجتني رزقي….. وأمشي رافع الراس
لها حبي.. لها عشقي…. وفخري بين جلاسي
شوارعنا … تصافحها…. تقبل وجهها الكاسي
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.