نشر هذا المقال في صحيفة غرب الإخبارية في 2019/10/21م
جدة المكان.. جدة الناس.. جدة التاريخ من مقدمة كتاب «تاريخ جدة من أقدم العصور حتى نهاية العهد العثماني» لمؤلفه معالي الدكتور عبد الإله بن عبد العزيز باناجه – رحمه الله – الذي صدرت طبعته الأولى عام 1436ه-2015م وجاءت في 502 صفحة من القطع الكبير 17×24سم، على أمل أن يسد فراغاً في المكتبة العربية عن تاريخ جدة.
«لقد حبت الأقدار جدة موقعاً حيوياً، لا تنافسها فيه أي مدينة أخرى، فهي أقرب الموانئ لمكة المكرمة وهو ما أعطى جدة المكان خصوصية متفردة، فكانت مرفأ لضيوف الرحمن، ومورداً للتجارة والمنافع من شتى البقاع…مما جعل جدة قبلة للتجار من مشارق الأرض ومغاربها. وقد كان لموقع جدة دوره الفعال في إبراز أهميتها، فضلاً عن موقعها البحري المميز، فقد كانت ملتقى لكثير من الطرق التجارية البرية بين الشمال والجنوب… فمن أراد السيطرة والتحكم في الجزيرة العربية والحجاز عليه السيطرة والتحكم أولاً على جدة… تعد جدة البوتقة التي انصهرت فيها الكثير من الحضارات والثقافات العلمية نظراً لطبيعة موقعها وأهميتها وبوصفها مقصداً ومرفأ رئيساً تأتي إليه الوفود التجارية والدينية من شتى بقاع الأرض، ومنهم من يستقر بها ويفضل البقاء سواء أكان ذلك لأغراض دينية بالقرب من الحرمين الشريفين، أم لأغراض اقتصادية وتجارية… أما جدة التاريخ.. فهي مسيرة طويلة منذ نشأتها في قديم الزمان، مروراً بعصور عديدة، أفرزت عدة حوادث وشخصيات ورموز ودلالات، وصولاً إلى العصر الحالي».
هذا من أهم ما خلص إليه المؤلف في مقدمته للكتاب الذي تناول تاريخ جدة في قسمين:
القسم الأول: موزع على أربعة فصول
الفصل الأول «تاريخ جدة من أقدم العصور حتى نهاية العصر المملوكي» تناول تعريف جدة وموقعها الجغرافي، وبحث في نشأتها وبداية وجودها، من خلال مناقشة الآراء المختلفة التي وردت في ذلك منذ أقدم العصور.
الفصل الثاني «تاريخ جدة منذ عصر ظهور الإسلام حتى نهاية العصر الأيوبي» تناول تاريخ جدة عبر العصور الإسلامية المتتالية منذ عهد البعثة النبوية المشرفة، وعهد الخلفاء الراشدين، ثم الحوادث التي مرت بها في العصر الأموي والعصر العباسي، وصولاً إلى العصر الأيوبي.
الفصل الثالث «جدة في العصر المملوكي» وتناول تاريخ جدة خلال العصر المملوكي والصراعات الداخلية بمكة المكرمة وأثرها على مكة وجدة، منها الاضطرابات التي حدثت بين أبناء أبي نُمَي، والشريف سند ضد أخيه عجلان، وتمرد الشريف كبيش بن عجلان ضد عدنان بن مغامس.
الفصل الرابع «نظم الإدارة بجدة في العصر المملوكي» وتناول نواب جدة المعينين من قبل شريف مكة، والمعينين من قبل الدولة المملوكية، مع بيان قضاة جدة المعينين بدء بالقاضي موسى بن حسن بن موسى عبد الصمد الشيباني نهاية بالقاضي محب الدين بن أبي السعادات.
واختتم هذا القسم بالحديث عن الغزو البرتغالي لجدة الذي تصدى له النائب حسين كردي الذي بنى سور جدة حماية لها من تكرار الهجمات عليها.
أما القسم الثاني: فتناول تاريخ جدة في العصر العثماني الذي شهد كثيراً من الصراعات من أجل السيطرة عليها لأهميتها الاستراتيجية وموقعها الفريد وبوصفها الميناء الأهم والأخطر على البحر الأحمر، وبوصفها المدخل البحري إلى مكة المكرمة وبلاد الحجاز بعد ذلك، وعلاقة مصر بأمراء جدة خلال العهد العثماني، وميناءها والحركة التجارية، والحامية العسكرية في تلك الفترة، ونابليون والشريف غالب وجدة، ثم تناول حال جدة إبان الحرب العالمية الأولى، موردًا أسماء بعض ولاتها ابتداء من النائب أحمد بك وانتهاء بمحمد باشا محسن زاده، وأسماء من شغلوا منصب قائمقام جدة منذ توفيق باشا حتى إبراهيم باشا.
وأرى أن المؤلف رحمه الله قد وفق قبل وفاته صباح يوم الجمعة ١٤/06/٢٠١٩م بسد الفراغ في المكتبة العربية عن تاريخ جدة بهذا الكتاب الذي يعتبر مرجعاً هاماً لتاريخها، رغم أنه لم يتطرق إلى ملامح الحياة الاجتماعية والأدبية والفنية خلال الحقب التاريخية التي تناولها، وقد بذل جهداً مضنياً في جمع معلوماته وتحقيقها وتدقيقها وتمحيصها لمحدودية المصادر والمراجع العربية التي تناولت التاريخ السياسي لجدة عبر العصور، باستثناء بعض الاجتهادات التي تحتاج الى التدقيق والتمحيص، لذلك نجده استند في مصادره على كتب تاريخ مكة المكرمة والبحر الأحمر لارتباطهما بجدة، والمصادر المملوكية والعثمانية المرتبطة بتاريخ مكة وجدة، وكان موضوعياً ومحايداً في طرحه فلم يدلي بأي اراء أو تعليقات شخصية حول الحقب التاريخية التي أوردها، واكتفى بإيراد الحقائق كما توصل اليها من المراجع والوثائق التاريخية التي حصل عليها بعد تدقيقها وتحقيقها.
رابط المقال على صحيفة غرب الإخبارية
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.