نشرت هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 2020/04/24م
بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك أهنئكم بأصدق التهاني وأدعو الله أن يعيده عليكم وعلى بلادنا والأمة الإسلامية بالخير واليُمن والبركات.
بعيداً عن جائحة كورونا وكل ما دار حولها من نقاش بشأن تغييرها لمظاهر رمضان الدينية والاجتماعية علينا، وددت أن أطل عليكم من نافذة أدبية جديدة أطلقت عليها “كلام رمضان” تعيد إليكم شيئاً من الجو الرمضاني الذي اعتدنا عليه، وقد استعرت العنوان من اسم برنامج إذاعي كان يقدمه الأديب الراحل طاهر عبد الرحمن زمخشري «بابا طاهر» في شهر رمضان قبل أكثر من 60 عاماً مدته 10 دقائق يذاع بعد مدفع الإفطار مباشرة، يخاطب من خلاله المجتمع عن الأكلات والعادات والتقاليد الاجتماعية الإيجابية والسلبية في رمضان من باب التوعية والتوجيه بأسلوب مشوق على طريقته المكاوية، فكان من أجمل وأنجح البرامج التي اجتذبت عشاق الإذاعة آنذاك.
وفي هذا الإطار سأسعى إلى إحياء مضمون ذلك البرنامج بما يتماشى مع عصرنا الحالي بدء بالكلام عن أحد أهم مظاهر العادات الاجتماعية لإعلان دخول شهر رمضان المبارك وغابت عنا منذ سنين ولم يتسن للجيل الجديد معايشتها أو حتى السماع عنها وهي إعلان دخول الشهر بـ «مدافع رمضان» وهي عادة سادت في معظم الدول الإسلامية منذ العام 1907م – 1324هـ،
بحيث تُطلق مدفع حربية من الطراز القديم قذائف بارودية ترمى باتجاه البحر أو من فوق الجبال لصناعة صوت مدوي للإعلان عن دخول شهر رمضان وفي تالي الأيام للإعلان عن حلول وقت الإفطار والإمساك ودخول عيد الفطر، واختلف المؤرخون في تحديد بداية تلك العادة فالبعض أرجعها إلى عهد السلطان المملوكي خوشقدم في العام 865هـ بالقاهرة، والبعض أرجعها إلى عهد الخديوي إسماعيل الذي تولى حكم مصر في العام 1279هـ، ومن حينها عمت العديد من المجتمعات الإسلامية والعربية واستمرت إلى عصرنا الحاضر وأصبحت عادة تمثل جانب من الإرث التاريخي للعديد من تلك المجتمعات بما في ذلك مجتمعنا حتى أن جبل المدافع بمكة المكرمة الممتد إلى جبل قعيقعان «أحد جبال الأخشبين» سمي بذلك نسبة للمدافع التي كانت تطلق منه إلى أن توقفت منذ سنوات في أوقات متفاوتة في مدننا.
كان سماع دوي تلك المدافع يدخل البهجة والسرور في نفوسنا والاحتفال بالشهر خصوصاً الأطفال الذين تعلوا أصواتهم بأهازيج وأغاني رمضانية على وقع تلك المدافع وتعم الفرحة الجميع بما في ذلك كتاب أناشيد الأطفال، ومن طريف ما كُتب لهم نشيد “مدفع رمضان” للشاعرة داليا مختار الذي نشرته في مجلة فارس:
قالوا زمان كان فيه سلطان
عثماني أصدر فرمان
عين فيه مدفع رمضان
علشان يضرب كل آذان
وقف المدفع كدة مبسوط
هتف للناس بكلام مظبوط
يلا يا صايم حضر نفسك
وحتاكل كل اللي في نفسك
غابت شمسك وأنتهى صومك
اسمع صوت راح يقلق نومك
وأدي إعلان مدفع رمضان
بمــــــــــبم بــــم … بمــــــــــبم بــــم
وفي ظل الاهتمام الذي نشهده بالتراث حبذا لو تم إعادة ضرب مدافع رمضان ضمن الأنشطة الترفيهية والثقافية الرمضانية وتوزيعها في أماكن ملائمة في أرجاء المدن ليسمعها الجميع سيما وأن المسلمون هم من بدأها وأكد جمهور العلماء بعدم حرمانيتها.
رابط المقال على صحيفة غرب الإخبارية
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.