Share

نشر هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 2021/06/10م

انتهيت مؤخرًا من قراءة رواية «مقام حجاز» لمؤلفها الأديب الراحل محمد صادق دياب رحمه الله التي صدرت في مارس 2011م قبل وفاته بشهر.

ورغم مرور 10 سنوات على صدورها ووفاته، إلا أنها لا تزال تنبض بحلاوة أدبها وتحيي سيرة مؤلفها لتبقيه في ذاكرة جيله ومن تبعهم من عشاق الفكر والأدب. ولعله من المناسب ان اغتنم هذه السطور المضيئة لتسليط الضوء عليها وعلى مؤلفها، لما فيها من معلومات تاريخية هامة سردها المؤلف بأسلوب أدبي وفكري جمع فيه بين الواقعية والفانتازيا التي حلل من خلالها واقع المجتمع في زمنه وكأن به يحاكي صور لواقع مجتمعنا اليوم، كيف لا وهو أديب جمع بين تخصص علم النفس التربوي «ارشاد نفسي»، وعلم الاجتماع وحصيلة خبرة عملية متراكمة في مجال التعليم والتوجيه قادته ليحلق في عالم الصحافة والأدب بإبداعاته التي ختمها بـ «مقام حجاز».

غلاف رواية مقام حجاز

صدرت الرواية عن دار جداول للنشر والتوزيع في بيروت في عدة طبعات بعد ما اندرجت ضمن قائمة أعلى الكتب مبيعًا في معرض الكتاب الدولي بالرياض في العام 2011م، وتضمنت 4 فصول اتسمت بسرد أدبي شائق وبسيط بحيث يستطيع عامة القراء استيعاب مضامينها بيسر وسهولة، تنقل من خلالها المؤلف بين أهم الحقب التاريخية لمدينة جدة التي صنعت جزء هام من تاريخها، واستوحى شخصيات رسمت بعض ملامح المجتمع الجداوي في تلك الأزمنة دمج فيها بين الواقع والخيال بدء من العام 1513م في العصر المملوكي الذي انتهى ببناء سور جدة، وحادثة مقتل المظلوم في العام 1725م التي نسبت إليها “حارة المظلوم”، ومذبحة الدبلوماسيين في جدة في العام 1858م، والعام 1916م الذي أخرج أهالي جدة الأتراك وجنودهم منها ليستقلوا بذاتهم، معتمدًا في ذلك على مصادر تاريخية موثوقة كمخطوطة «الجواهر المعدة في فضائل جدة» للمؤرخ أحمد محمد الحضراوي، «تاريخ مدينة جدة» لأحمد السباعي، «موسوعة تاريخ مدينة جدة» لعبد القدوس الأنصاري.

وختم روايته بالعام 2011م الذي حلق فيه بخياله لصور اجتماعية لمدينة جدة من خلال تجسديه لأوضاع احفاد بطل روايته «ابن دحمان» بعد 500 عام من رحيله. تاركًا لنا صورة لملامح المجتمع الجداوي، وتحليل نقدي له بأسلوب ماتع قليلًا من الكتاب سطروا مثله. ورسائل احتجاج عليه من أبطال روايته الذين دارت حولهم الأحداث.

أبطال الرواية..

القائد المملوكي حسين الكردي الذي انتدبه السلطان المملوكي قنصوه الغوري في العام 1513م للدفاع عن مدينة جدة من الغزو البرتغالي. واستطاع في أقل من عام بناء سور للدفاع عنها. وقيل عنه أنه كان ظلومًا غشومًا يسفك الدماء، ولا يرحم. حتى بلغ من قسوته أن أحد البنّائين تأخر عن موعده أثناء مرحلة بناء السور فأمر ببناء السور عليه وهو حي أمام أعين الحاضرين.

وكان قد فرض على عامة الأهالي والتجار حمل الطين والحجر حتى أتمّ بناء السور منذ أن خطب فيهم قائلًا: «يا أهل جدة، يا أهل العزيمة والشدة، تعلمون أنكم على ثغر من ثغور الإسلام.. أمرني السلطان المظفر قنصوه الغوري أن أبني سورًا حول مدينتكم، يكون قادرًا على الصمود في وجه الأعداء، ودفع البلاء. فهذه جيوش البرتغاليين عبرت إلى بحر الإسلام، يعتزمون مهاجمة جدة، وتدمير البيت الحرام، ونبش قبر الرسول الكريم ونقل رفاته الطاهرة.. عليكم جميعًا واجب العمل في بناء السور، كبيركم وصغيركم، غنيكم وفقيركم، وقد أعذر من أنذر، ونبّه وحذّر، وسيكون العمل ابتداء من صباح الغد دون تأخير أو مماطلة أو تقصير، والسلام على من سمع وأطاع». ومن شدة جبروته وظلمة للأهالي وقسوته عليهم أصبح له أعداء انتقموا منه شر انتقام بعد عزله من قبل السلطان العثماني سليم الأول عام 1517م إذ أخذوه موصدًا بالأغلال على مركب صيد إلى منطقة أم القروش بالقرب من جزيرة سعد وألقوا به في البحر مغرقًا بدمائه لتتناتشه أسماك القرش المفترسة.

و«مرجانة» التي انتهى بها المطاف في «قوز الهملة» الذي كان خارج نطاق المدينة، ومرتعًا للمطلوبين الفارين من العدالة أو جور العبودية، وله قانونه الخاص فسكانه يحكمون أنفسهم بأنفسهم فلا سلطة للحاكم عليهم ولا يعتبر نفسه مسؤولاً عما يحدث لهم. وكان قدومها قد أربك الرجال الفارين من المدينة إلى القوز وأثار جمالها غيرة النساء هناك، فما كان منهن إلى أن تسللن إلى مرقدها ليلًا فحلقن شعر رأسها، فلم تجد من يواسيها في ذلك سوى مطرب جدة «دحمان» الذي صدّق روايتها باختطافها من قريتها الصغيرة على الضفاف الأخرى من البحر حينما كانت صبيّة لتجد نفسها سبية تباع في سوق النخاسة فهربت منه إلى قوز الهملة. لينتهي بها المطاف في أحضان دحمان، فعاشا سوياً إلى أن وجدت نفسها تستظل تحت ظلال شجرة السدرة التي نمت مكان موته بعدما كان أول ضحايا القائد حسين الكردي.

وكان دحمان مطرب جدة لا يحلو له الغناء إلا بعد أن يعبّ من ابنة الكرم حتى يرتوي، فهو مسكون بالعفاريت، تتلبسه في لحظات مجونه، وتكسب صوته طراوة إذا سمعها الحمام. ولا ينسى الناس لدحمان دوره في الإعلام عن المراكب التي يتأخر وصولها إلى جدة، حينما يزفه البعض بالطبول والزمور من داخل البلدة إلى مقبرة أمنا حواء، وهناك يسقط مغشيًا عليه، ويسألونه عن خبر المراكب المتأخرة، فينتفض، ويسيل الزبد من شفتيه، وهو يحدّد مواقعها في البحار، لتتعمق حيرة الناس حوله، كيف يمكن لرجل عربيد وسكير كدحمان أن تكون له كرامات الأولياء…

اما «الأغا ميمون» أتى من الحبشة ليكون أحد آغوات المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، وعمل فيه لسبع سنوات ارتدى فيها العباءة الاستانبولية والثوب الواسع المطرز المشدود بالحزام، ينام في المسجد ويسرج الشموع في أرجائه وينظفه بعد انصراف المصلين. وترقى إلى ان أصبح برتبه نصف خبزي. وتنعم بمزايا الآغاوات والمال الوفير الذي مكنه من شراء جاريته بشرى لتخدمه. خلالها أكتشف في أحد الأيام أنه ليس كالآغاوات وانه رجل مكتمل الرجولة، وانتهى الأمر برفع خطاب من مشيخة ومديرية المسجد النبوي إلى نظارة الأوقاف في إستانبول، يشير إلى أنه بناء على ظهور علامات الرجولة على ميمون آغا، فلم تعد لديه الصلاحية للعمل في المسجد، وبناء عليه تمّ شطب قيده. وجرد من مزايا الآغوات واوقافهم ونقل إلى غرفة صغيرة مع زوجته بشرى في مبرة السادة منحه إياها السيد عبد الكريم البرزنجي، الذي استصدر السلطان العثماني لاحقاً أمرًا بقتله هو وابنه ورفاقه بعد اتهامهم بأنهم وراء الفتنه التي وقعت بين آغوات المدينة المنورة والحامية العسكرية. فهربوا سويًا بمساعدة ميمون آغا لينتهي بهم المطاف في بيت مرجانه بقوز الهملة بعيد عن أعين الجنود حتى افتضح أمر السيد عبد الكريم البرزنجي في أحد الأيام حينما ذهب إلى المسجد الحرام متخفيًا فطاف بالبيت وصلى ركعتين فتعرف عليه الجنود والقوا القبض عليه وسلموه لوالي جدة «باكير باشا» الذي نفذ فيه حكم الإعدام بأمر السلطان، أمام أعين الأهالي بجدة الذين حزنوا عليه واطلقوا على مكان إعدامه بمحلة المظلوم، وهرب ابنه حسن وصديقه محمد الدلال برفقه «ميمون آغا» إلى مصر حيث مكثوا فيها إلى ان ماتوا بعد عدة سنوات بداء الطاعون.

أما «داهشة» اختارت أن تعيش أنثى وهي رجل، ربطتها علاقة خاصة بساحر جدة ثمودا، فكانت سمساره الذي يجلب له الزبائن، ووسيلة دعايته التي تروج لأعماله منذ أن جاءا معًا من المجهول ليستوطنا جدة، ويمارس شعوذته على أهلها بمساعدتها، إلى أن غدر بها في أحد الأيام بعد أن تلقى من رئيس حرس الوالي «مرادي عبد الحميد» عدد من الجنيهات الذهبية نظير أن يجلب له «سلمى الجبالي» أجمل فتيات جدة التي افتتن بها، فأخذ الجنيهات واختفى ووجدت «داهشة» في بيته مفصولة الرأس برائحه نتنة نتيجة تخثّر دماؤها. ولكن ما صدم المجتمع هو حينما جاءت «أمون القبورجية» لتغسيلها وتكفينها، اكتشفت أنها رجلًا فصرخت والتم الناس من حولها ليشاهدوا بأعينهم ذلك. فطلق «مرزوق الداشر» زوجته التي كانت تنام كل ليلة مع «داهشة» على السطح، ومن شدة غضبه اقترح أن يحرق جثمان «داهشة» بدلاً من دفنه، لكن الجنود الأتراك حملوا الجثمان إلى جهة غير معلومة، وبقي أمر «داهشة» حديث المجتمع.

مذبحة جدة..

استعرضت الرواية حدث دك البارجة البريطانية لجدة انتقاماً لما عرف بمذبحة جدة عام 1858م إثر إشاعة انتشرت في المدينة بأن شركة أجنبية للسفن البخارية تسعى مع بعض أثريا جدة لاحتكار شؤون الملاحة. فغضب الأهالي وتوعدوا من يقترب من بحرهم وقطع لقمة عيشهم.

واتسعت دوائر الغضب بعد ذلك لتمتد إلى شرائح العلماء وأئمة المساجد، وجعل الأئمة الشائعة موضوع خطبتهم في صلاة الجمعة، فقال الشيخ حسان عطية إمام المسجد العتيق: «قطع الأعناق، ولا قطع الأرزاق، وما دون الحلق إلا الذراع، فإن صحّ ما يتبادله الناس فإن الصامت آثم». أما شيخ خليل نعمة اللّه إمام مسجد المغربي فدعا الناس إلى الجهاد إن صحّت الشائعة، وأن يعدوا من الآن ما استطاعوا من متطلبات الجهاد. ولجأ الأوربيون الدبلوماسيون والتجار منازلهم، ولم يظهروا في الأسواق إلا للضرورة. وتحولت المدينة إلى خزان بارود ينتظر من يشعل فتيله.

في مقهى باب البنط كان دحمان الصغير شيخ البحّارة وبعض أبناء عمومته من آل الجبالي والجُدي ينفردون بمركازهم في المقهى، يناقشون تزايد نفوذ القنصل الإنجليزي، وتدخلاته في شؤون مدينتهم، وكيف غدا بعض التجار يتباهون بأنهم من رعايا الإنجليز للحماية والنفوذ.

واستثارتهم غطرسة القنصل الإنجليزي ورجاله. فثار السكان وهاجموا القنصلية الإنجليزية، وقتلوا القنصل الإنجليزي وبعض رجاله. كما اقتحموا قنصلية فرنسا وقتلوا القنصل الفرنسي وزوجته، كما قام آخرون بقتل الخواجة صاوه وعدد من رجاله، وبلغ عدد القتلى من الأوربيين في ذلك اليوم 21 قتيلًا، وهرب الناجون سباحة إلى حيث تقف البارجة العسكرية الإنجليزية «سيكلوب».

ارتعد والي جدة التركي «نامق باشا» مما آلت إليه الأمور ولإظهار براءته مما حدث ملأ السجون بالأبرياء والمذنبين، وانتزع اعترافاتهم. شاع الخوف والحزن بين الناس وفتحت البارجة الإنجليزية نيران مدافعها على المدينة، فاشتعلت البيوت بالحرائق، وتعالت ألسنة الدخان.

وحكم بالإعدام على 12 رجلًا من بينهم عبداللَّه سمكري، سليمان قهوجي، مبارك قارورة، عبد الخير باخريبة، محمد نوّار، بلال عتيق باناجه، وآخرون. كما أعدم بعد شهرًا من الأحداث شيخ الحضارم سعيد العمودي، ومحتسب المدينة عبد اللَّه فران.

روح «ابن دحمان» ورسائل الاحتجاج..

إبدع المؤلف بخياله الخصب باستحضار روح «ابن دحمان» الجد التي عادت لتحلق بمدينة جدة بعد نحو 500 عام من وفاته، ليستطلع أوضاع وأحوال أحفاده وأقاربه ليجد كل شيء تغير، وأول من التقى به منهم عباس المجنون الذي كان يجلس على أحد مقاهي حي الهنداوية وحكى لها قصته التي آلت به إلى الجنون، ثم توجهت روحه إلى دار العجزة حيث كان حفيده «درويش الدحماني» يقيم بها منذ ثلاث سنوات ولا يفارق غرفته، وخلف جدار متهدم بحي قويزة عثرت روح «ابن دحمان» على حفيد ثالث وهو «حمدان أبو بصير» الذي كان عليل البصر متوقد البصيرة وأحد أطرف ظرفاء مدينة جدة، فكان بمثابة بائع حكمة متجول يسكب الموعظة في الطرقات على رأس من أرادها، وله في كل مسألة رأي أو وجهة نظر. ومنذ أن جرف السيل بيته في حي قويزة استسلم لحالة اكتئاب حاد، ولم يعد يغادر أطلال داره إلا نادرًا. فغادرته روح «ابن دحمان» إلى حفيد آخر وهو «الكابتن مصطفى»، لاعب كرة سابق في نادي «الهلال البحري»، سجل في النادي مقابل «دراجة نارية»، وأعجب به رئيس نادي شهير فضمّه مقابل «سيارة أوبل» أصيب في الغضروف فاعتزل كرة القدم ومن يومها وهو يعمل سائق حافلة على خط جدة مكة. فقررت روح «ابن دحمان» الرحيل عائدة من حيث أتت عندما وجدت أنها لا تستطيع المكوث أكثر من ذلك لكن الكابتن مصطفى أصر عليها بالبقاء لتستمع إلى قصص أحفاده الـ (12) التي من خلالها أبدع المؤلف في تشخيص وتحليل أحوال مجتمع جدة في زمنه بحبكة أدبية رائعة.

وبلغت ذروة إبداعه بتلك الرسائل الاحتجاجية التي خطها على لسان ابطال روايته ومما جاء فيها على لسان حسين الكردي.. لقد اجهدت نفسك في تصويري كطاغية مستبد، دون ان تقف طويلًا عند المسؤولية التي ألقيت على عاتقي، فلقد كنت في سباق مع الزمن بأن أفرغ من بناء سور جدة لحماية الأماكن المقدسة قبل وصول جيش البرتغاليين الذين وصلت مراكبهم إلى جزيرة «كمران» في البحر الأحمر، وهي مسؤولية تتطلب حزمًا وعزمًا، ولا ينفع معها اللين والتراخي، ولو لم أسلك هذا المسلك لما تمكنت من الانتهاء من بناء السور في أقل من عام، ولعل الأيام قد أثبتت لكم بعد موتي كيف لعب السور وقلاعة الدور الحاسم في صدّ هجوم البرتغاليين الذي جاء متأخرًا.

وقالت مرجانة.. لقد قسوتم كثيرًا على دحمان بتطبيق معاييركم الأخلاقية عليه، فركزتم على النصف الفارغ من كأس حياته دون اعتبار منكم لشمائله وخصاله وسماته الرائعة. فمن عرف دحمان عن قرب يعلم جيدًا رجاحة كفة الخير في شخصيته، أما مسألة مجونه فهي نتاج سياقات حياتية عاشها لا بدّ أن تترك بعض ندوبها على سلوكياته. فضلوع ذلك الرجل تنطوي على إنسان عذب يختلف بل يتناقض مع نتاج سلوكه الظاهر.

الأغا ميمون.. فرغت لتّوي من قراءة دوري في الرواية، وشعرت بالحرج إلى حد كبير لمرورك على هويتي الجنسية المضطربة، وكذلك علاقتي بزوجتي بشرى، فلم أكن أتصور أن حرية عصركم تتسع لمثل هذا المستوى من البوح، وقد يكون هذا البوح ضروريًّا لهذا النوع من العمل الأدبي الذي لم يكن منتشرًا في عصرنا، ولكنه يظل بالنسبة لي خارج دائرة المألوف في سياق الزمن الذي عشته.

داهشة.. أشعر أن من حقي أن أسألك: من منحك الحق في نبش قبري، وبعثرت سيرتي بعد مضي ما يقرب من مئتي عام لتجعل منّي لعنة متجددة في دواخل الناس، وأنا الذي عانيت طويلًا من تلك اللعنات.. ومن حقي أيضًا أن أسألك: ماذا سيستفيد قارئ روايتك من سيرة رجل ارتدى شخصية امرأة ليهرب من عالم الذكورة بجفافه وتجهمه وخشونته إلى عالم الأنوثة برقته وعذوبته وجمالياته. فأنا لا زلت أصرّ أنني امرأة بهويتي الروحية والنفسية لا هويتي الجسدية، وليذهب مرزوق الداشر الذي طلق زوجته بعد افتضاح أمري إلى الجحيم، فليس بيني وبين زوجته ما يبرّر فعله، فلقد كانت المسكينة كغيرها من النساء تجهل سري الذي أخفيته عن الجميع حتى عن الساحر ثمودا.

الحقيقة إنني استمتعت كثيراً بهذه الرواية التي غاصت بي في أعماق تاريخ جدة ومجتمعها وأضافت إليَّ بعد عن فن الرواية المحلية، فوجدت نفسي منساقًا للكتابة عنها كلمسة وفاء لصاحبها، فقد كان ممن لهم الفضل بعد الله على مسيرتي الإعلامية والأدبية حيث جمعتني الصدفة به في مكتبه بمجلة سيدتي بجدة عام 1996م حينما كنت أقوم بحملة إعلامية للتعريف بقضيتي مع فقدان البصر والعمل، فتحدثنا سويُا لفترة مطولة تعارفنا فيها وتعاطف معي وقدم لي التوجيه والإرشاد فيما يجب عمله للتوعية بقضيتي، وفاجئني لاحقاً بزيارتي في المنزل مع فريق برنامجه الذي كان يعده لقناة ART ((من السعودية مع التحية)) من إعداد الأستاذ محمد صادق دياب وسجلوا لي حوار مع الإعلامي المخضرم عدنان صعيدي، حاورني فيه عن تجربتي مع إعادة التأهيل في الولايات المتحدة الامريكية والتعريج على عملي في الخطوط السعودية وابتكاري لوجبة الراكب الكفيف قبل احالتي للتقاعد المبكر وبدئي لمشروع تأليف كتاب عن «الأديب طاهر زمخشري» لتعريف النشء الجديد به. وعلى إثر الحوار الذي دار بيننا قبل التسجيل فوجئت أنهما قدماني في الحلقة على أساس أنني كاتب ومؤلف وحينها لم أكن قد كتبت حتى سطرًا واحدًا، وكانت تلك أول إطلالة تلفزيونية لي عقدت العزم بعدها بأن أصبح مؤلفًا حتى لا يكون ذلك بمثابة “بكش إعلامي”. وتوالت لقاءاتي به بين الفينة والأخرى خلال زياراتي لمكاتب الشركة السعودية للأبحاث والتسويق (المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق). ورتب لي حوارات مع مجلة سيدتي بعد انطلاق مشروع مركز إبصار بمستشفيات مغربي.

فرحم الله الأديب وأسكنه فسيح جناته ونفع بأدبه البلاد والعباد.

رابط المقال على صحيفة غرب الإخبارية

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 21
Share