عمل يحيي الذاكرة بين جدة وأسمرة.
صدر حديثاً عن سطور للنشر رواية «الحب المفقود في بلاد الحبشة» لمؤلفها الرحالة أمين محمد علي غبره، وهي قصة واقعية دارت أحداثها بين جِدَّة ومصوع وأسمرة في صيف عام 1969م. رواها المؤلف مما رسخ في ذاكرته الشخصية بهدف تسليط الضوء على جانب من بلاد الحبشة في الحقبة التاريخية لحكم الإمبراطور هيلاسيلاسي كانت غير معروفة للكثير من أفراد مجتمعنا، ومدى ارتباطها بالمجتمع الجداوي، مع التطرق إلى طريقة السفر منها وإليها عبر البحر وما يترتب عليه من معاناة ومخاطر، بالإضافة إلى إبراز جانب من ملامح الحياة الاجتماعية في مدينة جِدَّة وعادات وتقاليد مجتمعها في تلك الفترة.
جاءت الرواية في 288 صفحة وزعت على 7 فصول تضمنت قصصاً قصيرة متسلسلة. روى من خلالها المؤلف قصة رحلته مع عائلته إلى الحبشة عبر البحر لعلاج والدته وما دار فيها من أحداث مثيرة وذكريات.
ويقول الغبره: رويت هذه القصة من أجل تخليد ذكرى والديَّ – رحمهما الله – برًّا بهما وعرفانًا بفضلهما، ومنهجهما التربوي الذي اتَّبعاه في تربيتنا، وتبيان مدى الحب والوفاء الذي ساد بينهما وأثره على ترابطنا الأسري، وتربيتنا التي لا نزال نعيش على أثرها حتى يومنا هذا، مثل سفر والدي بوالدتي واصطحابي وإخوتي معهما إلى بلاد الحبشة عن طريق البحر غير عابئ بأخطاره وأهواله ومشقة وعناء السفر، من أجل علاجها من مرضها الذي كانت تعاني منه، وكذلك لترك أثر للأجيال القادمة وإعطائهم فكرة عن ملامح حياتنا اليومية في جِدَّة في فترة ستينيات القرن الماضي، والعادات والتقاليد السَّائدة آنذاك.
وكنت قد تشرفت بالعمل مع المؤلف بتحرير الرواية وتحقيقها وراعيت في صياغتها وحبكتها الجوانب الثقافية للمجتمع الجِدَّاوي، والحبشي، والإيطالي في تلك الفترة لتكون مُهيَّأة ومُلائمة لترجمتها إلى اللغة الإيطالية، والأمهرية، والإنجليزية، وإنتاجها وتحويلها إلى مسلسل أو فيلم سينمائي.
وجاءت تسميتها «الحب المفقود في بلاد الحبشة» نسبة إلى بلاد الحبشة خلال الفترة التي حكمها الإمبراطور هيلاسيلاسي آخر أباطرة إثيوبيا في الفترة من 1928م إلى 1974م التي تعرف حاليًا بدولتي إثيوبيا وإريتريا. والحب المفقود هي الحسناء الإيطالية ابنة أسمرة التي خطفها الموت من حبيبها أحد أبطال الرواية، بعد أن كانا قد عزما على عقد قرانهما بمدينة نابولي بإيطاليا، فحال ذلك الحدث المأساوي بينهما.
وتكمن أهمية الرواية من أنها تُبرز العمق التاريخي وأواصر الصلة الاجتماعية والثقافية والتجارية التي تربط مدينتي أسمرة ومصوع ببلادنا منذ القدم، فـ «مصوع» التي عرفت أيضًا باسم «باضع» كانت مهبط أول هجرة في الإسلام وموقع لأول مسجد يبنى فيه.
وقد خلصت من الرواية بمدى العمق التاريخي والثقافي بيننا وبين مصوع وأسمرة بما في ذلك اللباس والأطعمة والكثير من العادات والتقاليد فعلى سبيل المثال نجد أن لباسهم الشعبي الذي يرتدونه في الأفراح والأعياد والجُمع هو الثوب الذي يسمى عرّاقي ويلبس عليه السديري والعمة الحلبية. وأشهر الأكلات الشعبية «أكّلَتْ» المعروفة عندنا بـ «العصيدة» و«المَاَدة/المضبي» و«المشكلة» وهي مجموعة ايدامات تضم «الزقني» و«الكمونية» و «العدس» تؤكل بخبز «الإنجيرة/الكسرة». وحتى فنونهم عرفت في بلادنا منذ العهد النبوي في المدينة المنورة فقد روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري «أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، دَخَلَ عَلَيْهَا، وعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ في أيَّامِ مِنًى تُغَنِّيَانِ، وتُدَفِّفَانِ، وتَضْرِبَانِ، والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتَغَشٍّ بثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُما أبو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن وجْهِهِ، فَقالَ: دَعْهُما يا أبَا بَكْرٍ، فإنَّهَا أيَّامُ عِيدٍ. وتِلْكَ الأيَّامُ أيَّامُ مِنًى. وَقالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْتُرُنِي، وأَنَا أنْظُرُ إلى الحَبَشَةِ، وهُمْ يَلْعَبُونَ في المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُمْ فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: دَعْهُمْ، أمْنًا بَنِي أرْفِدَةَ يَعْنِي مِنَ الأمْنِ».
وبلاد الحبشة المذكورة هي ما يعرف اليوم بدولتي إثيوبيا وارتيريا، وعرفت بهذا الاسم نسبة إلى أحد قبائل حمير من اليمن تدعى «حبشت» هاجرت قبل القرن الخامس قبل الميلاد من اليمن إلى تلك البلاد وأقامت مملكة بها حاضرتها «اكسوم» وهي مدينة تاريخية تقع حالياً شمال إثيوبيا في إقليم التجراي.
الجدير بالذكر أن مؤلف الرواية «أمين غبره» رحالة سعودي من مواليد مكة المكرمة، وهو عضو جمعية الرحالة السعودية وشبكة العرب المسافرون، عمل في الخطوط السعودية لنحو 40 عاماً تدرج في عدة وظائف من بينها مدير قاعدة الخدمة الجوية بنيويورك، القاهر، بانكوك، وممثلا للخطوط السعودية في المنظمة الدولية للخدمة الجوية (1987إلى 1990م) وكان آخر وظيفة شغلها هي مدير عام الخدمة الجوية للمساندة والتدريب. قام بالعديد من الرحلات الاستكشافية في أكثر من 600 دولة وإقليم ومدينة وقرية حول العالم. له العديد من المشاركات والمقالات في الصحف والمنتديات من أبرزها سلسلة مقالات مآذن حول العالم بجريدة المدينة السعودية.
الرابط المختصر لهذا المقال:
قصة جميلة جدا جدا ومشوقة وياليت كانت مكتملة
المقال جيد. وخمسين ان ابحث عن الحب المفقود لمؤلفه الغبرة. اعتقد اننا نحتاج الكثير من القاء الضوء على مفكرينا وادباينا حيث إن كثيرا من الجيل الجديد لا يعرفونهم
جميل هاذا المقال ومشوق حقا، اعطى القارىء فكرة عن الكاتب القدير ومدى عمق التراث وتواصل الحضارات المختلفة وبالاخص للارتريين مواليد السعودية امثالنا اللذين يحملون في قلوبهم الحب للسعودية كوطن ثاني وبلد يحمل كل ذكرياتهم الجميلة.
الشكر لصاحب هاذا المقال المشوق الكاتب محمد توفيق بلو
المقال رائع جدا، ولايمكن ان يوصف الا بالمقال المشوق الذي يدفعنا دون أن نشعر للبحث عن الكتاب والإستمتاع بتلك الرواية الواقعية، حتى نعرف اكثر عن هذا الحب المفقود، وكي تكتمل الصورة لابد من ثبر أغوار قصة الحب الذي لا يكتمل بتلك الحسناء الإيطالية.