كما جرت العادة بأن أطل عليكم في مثل هذا الوقت من كل عام. عبر هذه النافذة «كلام رمضان» بمواضيع ثقافية عامة مرتبطة بشهر رمضان المبارك. والتي أبدئها في عامها الخامس بتهنئتكم بالشهر الكريم والدعاء بأن يتقبل الله من الجميع الصيام والقيام وصالح الأعمال. وأن يعيده علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليُمن والبركات.
وكنت مقررًا أن أخصص حلقات هذا العام للحديث عن موائدنا الرمضانية وفرص الاستفادة منها من خلال إعادة التدوير لبعض المنتجات عالية الاستهلاك في هذا الشهر وذات قيمة اقتصادية كنوى التمور الذي له فوائد صحية للإنسان والحيوانات والنباتات، وإعادة تدوير للمواد البلاستيكية المستهلكة في موائد الإفطار كقناني الماء والصحون، والملاعق، والشوك، وغيرها.، بالإضافة إلى زيوت الطهي كأحد موارد الطاقة المتجددة
لكن منشورًا للإعلامي القدير الدكتور أحمد العرفج على حسابه في منصة X
ذكرني بما كنت اقترحته رمضان الماضي في مقالي «كلام رمضان: مع أدونيس في ليلة تحري هلال رمضان» بأن يخصص احتفال المملكة بيوم الشعر العالمي العام القادم عن «رمضان في الشعر العربي» خصوصًا وأنه سيتزامن مع منتصف شهر رمضان 1445هـ (21 مارس 2024م).
لذا؛ قررت أن آخذ على عاتقي تسليط الضوء على بعض الابتهالات الدينية التي كتبها الأديب طاهر زمخشري -رحمه الله- واشتهرت وراجعت في رمضان على مدى عقود، وتغنى بها عدد من الفنانين العرب في المواسم الرمضانية فأصبحت من ضمن الشعر العربي المعاصر المرتبط برمضان.
وفي أولى حلقات هذا العام سأتناول قصيدة «رباه» وما جمعته من معلومات عنها فهي أول وأشهر قصيدة دينة تُغنى له، نظمها من 13 بيتًا شعريا، ونشرها في ديوانه «أغاريد الصحراء» في العام 1378هـ/1958م وقررت ضمن مادة النصوص في المناهج الدراسية للمرحلة المتوسطة في المملكة العربية السعودية.
وكان الجسيس الراحل سعيد أبو خشبة رحمة الله قد اختار منها 12 بيتًا ولحنها وأداها بطريقة المجس الحجازي على مقام البنجكاه ببراعة وإبداع مطلق النظير أوصل من خلاله مشاعر ووجدان الزمخشري الروحانية إلى آذن وقلوب المستمعين. بصحبة فرقة الإذاعة التي كونها الزمخشري آنذاك من (محمد علي بوسطجي عازف عود، وسليمان شبانة «الدكتور» عازف كمان، وسعيد شاولي عازف كمان، وحمزة مغربي عازف قانون، والهرساني عازف ناي، وعبد المجيد الهندي ضابط إيقاع).
وما أضفى على الأداء جمالًا هو تناوب العزف المنفرد بين آلة القانون تارة واله العود تارة أخرى وكأنهما تحلقان بك بين عصور فنون الموسيقى العربية منذ نشأتها وحتى عصرنا الحديث.
فانتشر المجس انتشارًا واسعًا وأصبح يغنى في كافة المناسبات الاجتماعية خاصة في مكة المكرمة. وأرشف في إذاعة جدة بتاريخ 28/02/1378هـ. ليصبح الجسيس سعيد أبو خشبة أول فنان سعودي يغني من كلمات الزمخشري وفق ما أورده الأديب -رحمهما الله-.
وبمرور السنين كاد المجس أن يندثر لولا أن فنان العرب محمد عبده الذي أحياه بإعادة توزيعه وغنائه في فيديو كليب لقناة MBC أذيع لأول مرة في رمضان عام 1431هـ، ومن حينها استعادة مكانته ليصبح الابتهال الديني الأشهر في منطقة الخليج حيث دأبت القنوات الخليجية بثه في الفترة الدينة قبل صلاة الجمعة خلال العام، ويكثف إذاعته عبر إذاعة MBC وبانوراما FM خلال شهر رمضان المبارك.
ولم يقل فنان العرب براعة وإبداعا في أداء هذا المجس عن الفنان سعيد أبو خشبة فلقد أظهر من خلاله ذكاؤه الفني وقدراته الصوتية العالية التي يستخرجها من جمجمته بطريقة لا يدركها الا خبراء الصوت، وتمكن ببراعة وقدرة فائقة التنقل بين المقامات كما فعل سعيد أبو خشبة، وإن كان الفنان محمد عبده استبعد أداء العزف المنفرد للقانون والعود مع المجس وبدلًا من ذلك أنشد مطلع الأبيات مع مجموعة صوتية (كورال) مما أعطها صبغة فنية مختلفة عن لون الفنان سعيد أبو خشبة.
وفيما يلي فيديو المجس بأداء الجسيس سعيد أبو خشة -رحمه الله-
والقصيدة كاملة كما نشرت في الديوان:
ربَّاه كفَّارتي عن كل معصيةِ *** أني أتيت، وملء النفس إيمانُ
أتيت أطرق باباً كلُّ مُجْتَرِمٍ *** أتاه يرجع عنه، وهو جذلان
قد استضاف كريماً لا يَمُنُّ بما *** يُعطي، وفي منِّه للعبد رضوان
فاغفرْ وسامحْ وتُبْ واصفح ففي كبدي*** الإثم يصرخ والاحساس يقظان
ربَّاه هذي يدي تمد ضارعة*** ومن نَدَاك لها صفحُ وغفران
وفي الحنايا براكينٌ معربدةٌ *** ومن لظاها على الخدين طوفان
جرتْ به عينُ من ناداك معترِفاً *** بالذنب، وهو لما قد فات ندمان
أيامه البيضُ فرَّت من أناملهِ *** لَّما عصْاك فعاثتْ فيه أحزان
ربَّاه جاءك لا يرجوك نائلة *** إلا رضاكَ ففي العينين هتان
جاشت به حسرةٌ في النفس جامحةٌ *** وأناب فيه فؤادٌ وهو حرَّان
فإن أخذتَ مُسيئاً بالذي اقترفت *** منه اليمينُ، فقد أغواه شيطان
فنال عَدْلاً ولم تخسر بضاعتهُ *** فالعدل شرعُك، والغفرانُ إحسان
وإن رحمتَ ففضلٌ واسعٌ كرماً *** وأنت بالفضلِ حَنَّان ومنَّان
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.