Share

فوجئت برسالة وصلتني عبر الوتساب تُحيّيني وترحب بي من رقم دولي لا أعرف جهته أو صاحبه، فأهملتها ظناً مني أنها من رسائل النصب والاحتيال التي تصلنا من دول مختلفة، لكن صاحبها كرر الرسائل ووجهها باسمي فاضطررت أن أرد عليه لاستطلع من هو وماذا يريد.

عرفني بنفسه بأنه الداعية والمدرس حسين يونس توري من جمهورية بنين بغرب أفريقيا مدير مركز تحفيظ القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بألوتوري ويقيم في مدينة قودومي Godomey بمنطقة أبومي كالافي Abomey Calavi، وأنه من المتابعين لمقالاتي واستفاد منها كثيراً بما احتوته من التوعية والتعليم والتربية والتاريخ والأدب، لذلك أحب التواصل معي وشكري عليها بعد أن حصل على رقمي من أحد مجموعات التواصل على الانترنت، وأنه بحاجة ماسة للكثير من المعلومات خصوصاً الدعوية فأرسلت إليه مقاطع فيديو قصيرة عن الحجرة النبوية والروضة الشريفة ومعالم المسجد النبوي فما كان منه إلا أن أرسل إلي رسالة شكر مطولة مليئة بالثناء والدعاء، لما كان لتك المقاطع من قيمة وفائدة معلوماتية عظيمة له ولجميع من معه.

فأثار فضولي ردة فعله وشغفه بالعلم فتبادلت معه الحديث وعلمت منه بأن أحوال دولة بنين جيدة وطبيعتها ممتازة وتعيش بسلام وأمن ولا يوجد بها أي مشاكل أو معاناة بين القبائل أبداً، واللغة الرسمية للبلاد هي اللغة الفرنسية ومعظم السكان لا يجيدون اللغة العربية، والكل يعمل عمله في تلك الدولة الصغير، وبحسب علمه أن نسبة المسلمون تصل إلى 60% والدعاة يعملون ليلاً ونهاراً على إقناع غير المسلمين للدخول في هذا الدين الحنيف.

وأنه درس في جامعة الملك سعود بالرياض دبلوم عالي لتعليم المعلمين في الفترة من 2015 إلى 2017 وبعد عودته إلى مدينته قودومي وجد أن فيها نحو 2000 طالب يدرسون في مراكز مختلفة لتحفيظ القرآن الكريم ويواجهون مشاكل وصعوبات كبيرة جداً، فالمساحات ضيقة وعدد الطلاب يتراوح ما بين 500 أو إلى 700 طالب في المركز الواحد مما يجعل بعضهم يدرسون وهم جالسون على الأرض وأخرين واقفين.

فقرر أن يساهم لوجه الله تعالى في حل هذه المشكلة بقدر إمكانياته بتطبيق ما تعلمته في جامعة الملك سعود، فاستأجر من رجل مسيحي بيتاً مكون من 6 غرف بمبلغ 100 دولار شهرياً، أسس فيه مدرسة أسماها «مركز تحفيظ القرآن الكريم والدراسات الإسلامية بألوتوري» وانضم إليه 10 من زملائه من البلد تخرجوا من جامعات سعودية مختلفة (الجامعة الإسلامية بالمدينة، جامعة الإمام، جامعة الملك سعود، جامعة الملك عبد العزيز، جامعة القصيم)، وبعضهم من جامعة الكويت والإمارات وفروع للجامعات العربية في أفريقيا، والتحق بالمدرسة حتى الآن 200 طالب يدرسون القرآن الكريم، الحديث، التفسير، الفقه، العقيدة، السيرة، النحو والصرف، القراءة العربية، الإملاء والخط/ بالإضافة إلى اللغة الفرنسية لأنها اللغة الرسمية للبلاد، منهم طلبة منتظمون على مدار الأسبوع من السبت إلى الأربعاء وأخرون ملتحقون بمدارس فرنسية ويأتون في عطلة الأسبوع والإجازات الصيفية.

وحددت رسوم رمزية بقيمة تعادل نحو 6 ريال شهرياً للطالب الواحد ومع ذلك لا يستطيع معظمهم دفعها لأنهم آبائهم فقراء لا يجدون قوت يومهم، وخصصت مكافآت شهرية بما يعادل 80 ريال شهرياً للمعلم الواحد لمساعدتهم على تحمل أعباء الحياة، وفي المقابل لا يتلقى المركز أي دعم أو تمويل حكومي، وتعذر عليهم استقبال أي طلاب مكفوفين في المدرسة لعدم توفر أي وسائل أو مهارات تمكنهم من ذلك ولو توفرت لهم الوسائل والتدريب لتمكنوا من تعليم المكفوفين أيضاً وقد يكون وسيلة لاجتذاب غير المسلمين.

ورغم ما عانته المدرسة من الصعوبات كعامة المدارس الدينية الأخرى من تكدس الطلاب ونقص المصاحف والمقررات والمناهج التعلمية إلا أن العديد منهم استطاعوا حفظ أجزاء من القرآن الكريم والبعض حفظه كاملاً، ولا يزال الطلاب يتزايدون يوم بيوم والأهالي سعيدون بتعليم أبنائهم القرآن الكريم، ويرجو أن يتمكن من فتح مراحل جديدة للإعدادية والثانوية ولكن ضيق المكان لا يسمح بذلك، وعرض على مالك المبنى توسيع المقر إلا أنه رفض واشترط عليه شراء المبنى كاملاً الأمر الخارج عن قدرته وإمكانياته وزملائه المعلمين ووضع أمله في الله أنه سيستطيع مع زملائه يوم ما تحقيق هذا الحلم بامتلاك المبنى.

كما علمت منه أن أهم مشكلة يعاني منها أهالي الطلاب هي الافتقار إلى ماء الشرب النقي والمُصليات في قراهم ومناطقهم التي يقطنونها، وخدمات طب العيون لأنها شبه منعدمة، وإن كان تأتي من وقت لأخر قوافل طبية خيرية من الكويت ومصر وغيرها لعلاج مرضى العيون يُعلن عنها في المساجد حتى يذهب إليهم المحتاجين للكشف وتلقي العلاج.

ولمن لا يعرف جمهورية بنين هي دولة تقع في غرب أفريقيا وعاصمتها بورتو نوفو ومساحتها 110,000 كيلومتر مربع وعدد سكانها حوالي 8,800,000 نسمة وهي عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي.

وأختم دردشتي هذه بالشد على يد أخينا الداعية حسين يونس توري على ما قام به من عمل جعل من مدينة قودومي باباً من أبواب الخير للمحسنين فاسأل الله أن يجزيه ويجزي كل من سيقف معه في هذا العمل خير الجزاء، وكما قال أمير الشعراء شوقي في قصيدة «مملكة النحل»:
إِنَّ الأُمورَ هِمَّةٌ          لَيسَ الأُمورُ ثَرثَرَةْ

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 27
Share