Share

منذ أن نشرت مقالي «الكورونا بين الصين وإيطاليا وكيف نجابهه» في 17/03/2020م الذي أشرت فيه إلى التجربة الصينية في التعامل مع فايروس كورونا ومقاربة ذلك مع المنهاج النبوي في التعامل مع الأوبئة المعدية، ودعوت لأخذ المرض على محمل الجد وعدم الاستسلام له بممارسة حياتنا اليومية بصورة طبيعية مع الحيطة والحذر.

فقد تحولت مجابهة فايروس كورونا إلى حرب عالمية بالمعنى المجازي للحرب حيث هاجم الفايروس حتى كتابة مقالي هذا 199 دولة في العالم مصيباً 742,283 فرد توفي منهم 35,339 وشفي 157,043 وأعلى خمسة دول إصابة أمريكا بـ 144,410 توفي 2,600 وشفي4,573، إيطاليا 97,689 توفي 10,779 وشفي 13,030، اسبانيا 85,195 توفي 7,340، وشفي 16,780، الصين 81,470 توفي 3,304، وشفي 75,700، المانيا 63,929 توفي 560 وشفي 9,211.

وبالنظر إلى تلك الإحصائيات نجد أن الصين وألمانيا استطاعتا الحد من سرعة انتشار المرض وزيادة أعداد المتعافين وتقليص عدد الوفيات منذ إعلان تفشي المرض في شهر يناير، وقد يعود سبب ذلك إلى قوة نظام الرعاية الصحية المتوفر لديهما وفاعلية الإجراءات التي اتخذت فالصين قامت باحتوائه في بؤرة انتشاره بتطبيق حجر صحي صارم مدعوم بإجراءات طبية من أهمها توسيع الطاقة الاستيعابية لأسرة العناية المركزة وزيادة الطواقم الطبية، وتكثيف التوعية بأهمية اتباع التعليمات المرتبطة بالعناية الصحية الشخصية مثل غسل اليدين، تجنب لمس الوجه باليد والعينين والأنف والفم، استخدام معقم اليدين، تغطية الأنف والفم عند السعال باستخدام المرفق، الحفاظ على البعد الاجتماعي (مسافة متر)، العمل من المنزل وتجنب أي اجتماعات وجها لوجه.

وقامت ألمانياً بحظر التجمعات العامة لأكثر من شخصين والتشديد على ابتعاد المسافات بين الأشخاص في الأماكن العامة، إجراء فحوصات مبكرة على الحالات المشتبه فيها وزيادة طاقتها لتصل إلى نحو 16 ألف فحص أسبوعياً وفق معهد روبرت كوخ ، مضاعفة أماكن العناية المركزة والأجهزة في المستشفيات لمعالجة الحالات الحرجة واستخدام بعض الفنادق والصالات الرياضية كأماكن لعلاج الحالات الخفيفة تخفيفاً عن كاهل المستشفيات للتفرغ لعلاج الحالات الحرجة، منع تصدير المعدات الطبية الوقائية المتعلقة بفايروس كورونا باستثناء مبادرات المعونة الدولية المنسقة.

وفي هذا السياق لابد من التنويه والإشادة بالإجراءات الوقائية التي اتخذتها المملكة العربية السعودية للتعامل مع الفايروس من حيث الحجر الصحي، توفير الخدمات العلاجية وزيادة طاقتها الاستيعابية، تكثيف التوعية الصحية رغم انخفاض عدد الإصابات فيها مقارنة بتلك الدول.

ومن اللافت للاهتمام أن إجراء الحجر الصحي والتباعد المجتمعي والتوعية مع التحفيز المعنوي للفرد في مجابهة الأمراض والأوبئة المعدية هو من صميم تراثنا الإسلامي فقد ورد في الأثر أن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد حجر بلاد الشام عندما انتشر الطاعون فيها، وولى عمرو بن العاص رضي الله عنه عليها بعد وفاة كل من أبي عبيدة ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما فخطب في الناس قائلاً: “أيها الناس إن الطاعون كالنار المشتعلة وأنتم وقودها فتفرقوا وتجبّلوا (أي اصعدوا إلى الجبال) حتى لا تجد النار ما يشعلها فتنطفئ وحدها”. فلما سمعوا واستجابوا نجوا جميعاً ورفع الله البلاء.

وبالعودة إلى حرب كورونا العالمية إن أهم درس سيستفيد منه العالم هو أهمية أن يكون لديه نظام صحي قوي مبني على خطط استعدادية للأوبئة، والاستثمار في الكوادر العاملة في القطاع الصحي والمختبرات والمستلزمات الوقائية الشخصية. فعلى سبيل المثال كان التفوق الألماني على الدول الأوربية في موجهة كورونا بسبب وجود نظام رعاية صحي قوي تميز بوفرة المختبرات والفحوصات وعدد الأماكن المتاحة بأقسام العناية المركزة في المستشفيات حيث يتوفر لديها 28031 سرير عناية مركز مجهزة بأجهزة تنفس صناعي موزعة على 1160 مستشفى أي 33,7 سرير عناية مركزة لكل 100 ألف نسمة.

ولابد من الأخذ في الاعتبار أيضاً بأهمية الايمان بالقضاء والقدر مع الوعي الصحي العام والأخذ بالأسباب وأفضل ما أختم به دردشتي هذه هو ما قاله الفقيه الأديب الشاعر والمؤرخ ابن الوردي قبل وفاته بالطاعون بيومين:

ولستُ أخافُ طاعوناً كغيري *** فما هوَ غيرُ إحدى الحسنيينِ

فإنْ متُّ استرحتُ من الأعادي *** وإنْ عشتُ اشتفتْ أذني وعيني

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 26
Share