نشر هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 1442/12/29هـ – 2021/08/08م
يحل العام الهجري الجديد «1443هـ» والعالم يواجه خطر حقيقي بسبب فيروس كورونا بحسب تصريح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس غيبريسوس على موقع المنظمة الإلكتروني إذ أصاب الفيروس حتى كتابة مقالي 203,268,184 شخص في 220 بلد وإقليم حول العالم توفي منهم 4,305,213 شخص اعلاها أمريكا بـ 36,519,801 توفي 632,995، الهند 31,944,077 توفي 428,072، البرازيل 20,151,779 توفي 563,082، روسيا 6,447,750 توفي 164,881، فرنسا 6,284,708 توفي 112,190، بريطانيا 6,069,362 توفي 130,320 وسجلت المملكة العربية السعودية 533,516 إصابة توفي منهم 8,334 شخص.
في الأثناء أسدل الستار على دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020م، بدون حضور جماهيري بسبب تزايد عدد حالات الإصابة بالعدوى ولم تحقق الدورة الانتعاش الاقتصادي لليابان كما كان متوقعًا، وفي غضون ذلك تشهد عدد من المناطق في العالم توترات واضطرابات سياسية جعلتها وكأنها على فوهة بركان. في الوقت الذي تعاني فيه مناطق اخرى من التغيرات المناخية، والمسلمون كما قال الشاعر طاهر زمخشري رحمه الله:
المسلمون تمادوا في تنافرهم *** فمزقتهم شرور كلها حمم
وطوقتهم بهول لا حدود له *** لأنهم قد تناسوا أمر ربهم
ولعله من المناسب أن أغتنم فرصة حلول العام الهجري الجديد بالدعاء والتضرع إلى الله بأن يجعله عام خير وبركة علينا وعلى الأمة الإسلامية، وأن يكشف الغمة عن الأمة ويكفيها شر الأسقام، ويسود السلم والسلام أرجاء المعمورة، والمودة والألفة بين الناس.
وفي هذا السياق استحضر شيئا من الذكريات لعادات وتقاليد موروثة سادت بين أهالي مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة دأبوا على مارستها مع حلول أول يوم عام هجري جديد اذ اعتادوا في ذلك اليوم إضفاء صبغة اللون الأبيض والأخضر على كافة مناحي حياتهم من باب التفاؤل بأن تكون السنة الجديدة كلها بيضاء وخضراء ويسودها الحب والوئام. وذلك بتحضير «قهوة اللوز» التي تعرف أيضُا بـ «القهوة البيضاء، القهوة الحلوة، القهوة الملوزة، قهوة ستنا خديجة» وتصنع بغلي كمية من الحليب مع السكر، يضاف إليه دقيق أرز مخلوط مع حليب بارد ويمزجا سويًا ويقلبا فوق النار ويضاف إليهما اللوز والهيل مع الاستمرار في التقليب حتى ينضج ويقدم ساخنُا وتختلف أذواق الناس ما بين من يفضل اللوز مجروشًا أو مطحونًا أو غير مقشر، ويتناولون طعام الغداء بوجبة الملوخية الخضراء مع الأرز الأبيض. وكانوا يفرشون البرسيم الأخضر في الطرقات والسير عليه مرتدين ملابس بيضاء، ويتبادلون الزيارات فيما بينهم للتهنئة بالعام الجديد، وتميز أهالي المدينة المنورة بشراء الورد المديني والنعناع والفل وتوزيعه على الأرحام والجيران. إضافة إلى حرص العائلات على أن يتم صرف المال في اليوم الأول من السنة بشكل اقتصادي بدون أي مبالغات حتى يستمر العام على نفس هذه الوتيرة.
وللأسف تلاشت تلك العادات الجميلة التي كانت تضفي البهجة على النفوس والتفاؤل وتكرس الحب والوئام بين أفراد المجتمع وتقوي علاقاتهم، باستثناء قلة لا تزال تمارس بعض تلك العادات خصوصًا صناعة «قهوة اللوز».
وفي ظل ما تشهده بلادنا من عمل دؤوب وحثيث لاستنهاض كل ما هو جميل من عاداتنا وتقاليدنا الجميلة فإنني أقترح على وزارة الثقافة بأن توثق تلك العادات ضمن التراث غير المادي للمملكة وتنظيمها في شكل مسابقات واحتفالات جماعية تبث روح البهجة في نفوس الناس وواجهة حضارية تشجع السياحة الداخلية.
وكان أول من أرَّخَّ بالهجرة في الإسلام هو الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فقد أخرج الحاكم عن الشعبي أن أبا موسى كتب إليه: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: أرخ بالمبعث، وبعضهم أرخ بالهجرة، فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها، وذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا قال بعضهم: ابدأوا برمضان. فقال عمر: بل المحرم، فإنه منصرف الناس من حجهم فاتفقوا عليه. ومن حينها اعتمد المسلمون التقويم الهجري وكان يوم 1 محرم من عام 17هـ هو بداية أول سنة هجرية.
وأنا بدوري أختم دردشتي بقصيدة «ذكرى الهجرة» للأديب الراحل طاهر عبد الرحمن زمخشري – رحمه الله – من ديوانه «همسات – 1952م/ 1372هـ» التي نظمها من 30 بيتًا مقسمة على أربعة مقاطع المقطع الأول خمسة أبيات المقطع الثاني ثمانية أبيات، المقطع الثالث أحد عشر بيتاً، المقطع الرابع ستة أبيات، مجد من خلالها هجرة المختار المصطفى عليه الصلاة والسلام ودعا فيها إلى ترك الأحقاد والضغينة لأنها سلاح المخفق. وفيما يلي أبيات القصيدة:
ناحتِ الشمسُ على عامِ مضَى *** ثم ذابت حمرةً في الأفق
وأفاضَتْ مِن شجاها زفرَةً *** صبغت أنوارها بالشَّفق
ووراء الأفق بحرٌ صاخبٌ *** يتلظّى بالبِلي المصطفق
تسبح الأجيال في تَيَّاره *** فلكه مُضْطَربٌ في نزق
فإذا ما لعبَ الْبَحرُ به *** ترجفُ الدُّنيَا له من فرق
*****
فهنا عام وقد ملَّ السُّرى *** فانزوى خلف سجافِ الغَسَّق
لاهثاً أكدى وللدهر يَدٌ *** بِعصور سلفت لم تُشفق
يا لِغَرْقَى ذهب الماضي بِهم *** وذكاءٌ في ذهول المطرق
كل عامِ تُرْسل الدَّمْع على *** راحلِ أحرزَ قصبَ السَّبَق
فإذا العام توارى غَرقَتْ *** لِتُحَييِّ فجرَ عامِ مُشرِق
هكذا المقدور يجري حكمه *** يا ليالي للبِلى فاَنْطَلقي
واتركي خلفكِ ذِكرى ربمَّا *** كانت النور على المْفُتْرَق
واقرئي من صُوَر الماضي لنا *** عِبَراً تَجلْو الصُّوى في الطرقِ
*****
فهُنا عامٌ وهذا فجره *** هلَّ موفورَ السَّنا والفَلقِ
تلعبُ الآمالُ في أعطافِه *** مُشْرقاتٍ في إهابٍ يَفَق
مُشرئبَّاتِ وفي مَطلعها *** غرةُ الصُبح المنير المونق
والشَّذا الفَوَّاح في موْكبها *** عاطرَ الأنفاس زاكي العَبَق
والسَّنا الضَّاحك في أفيائها *** يغمر الدنيا بسحرِ الرَّوْنقِ
طلعةٌ والصبح من إشراقها *** لِسوى عذبِ المنى لم تُخْلَق
ذكَّرتني، رُب ذكرى رقصت *** بِحنايا ذائبٍ مُحْتَرق
ذكَّرتني، موكب النور سرى *** وَضَحاً يغزو الدُّجىٰ كالفَيْلَقِ
ذكَّرتني الغار في جوف الدُّجىٰ *** وبه النصر الذي لم يُخْفِق
ذكَّرتني المُصْطَفَىٰ مُختبئاً *** يرقب الصُّبح وَلمَّا يَبْثُق
ذكَّرتني صرخةَ الحقِّ وقد *** كُبِتَتْ لكنها لم تُخْنَق
*****
هاجرَ المْختار من موطنهِ***مرهفَ العزمِ، قويَّ المنطق
فانتضى من عزمة الحق الظُّباَ *** جاهدتْ صفاً فلم يفَتَرق
جمعت شمل الأولَىٰ شادوا لَنَا *** صرْحَ مجدٍ، وسلامٍ مُشرقِ
ضله الأهواء لا تجني سِوىٰ *** خرقٍ، يا بئسَهُ من خرق
فاتركوا الأحقاد واحْتَثُّوا الخطَىٰ *** إنَّما الَضِّغْنُ سِلاَحُ المُخْفق
هجرة المختارِ ذكرى فيْضُهَا *** بات يَهْمي بالسّنَا الْمُنْبَثق
رابط المقال على صحيفة غرب الإخبارية
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.