بحلول شهر رمضان المبارك يزداد الإقبال على المساجد من كافة فئات المجتمع بما فيهم ذوي الإعاقة وكبار السن خصوصا في العشر الأواخر منه، وتُبذل جهود مضنية من قبل القائمين عليها لتمكين المصلين من أداء صلواتهم بأمن ويسر وسهولة. ومع ذلك يواجه المصلين من كبار السن وذوي الإعاقة صعوبات وعوائق تجعلهم يترددون في الذهاب إلى المساجد وبالتالي يحرمون متعة أداء فريضة الصلاة مع الجماعة، وذلك بسبب سلوكيات وممارسات اجتماعية خاطئة وعيوب فنية في تصميم وتأثيث المساجد منها إيقاف السيارات بطريقة عشوائية حول المساجد، وجود درج ومزالج غالباً ما تفتقر لمعايير الوصول الشامل، خلع الأحذية وتكديسها أمام المداخل، محدودية الأبواب واتجاهات فتحها ووضع حواجز أرضية عندها، فرش كامل أرضية المسجد بالسجاد وعدم ترك ممرات للكراسي المتحركة، وضع سنادات للظهر في الصفوف الأمامية بدعامات حديدية أو خشبية أحياناً ورفوف مصاحف معلقة على الأعمدة بمستوى الرأس، عدا التدافع عند المخارج قبل وبعد الصلاة، وضع شبك من الحديد أو الألمنيوم على النوافذ مما يجعلها غير قابلة للاستخدام في حالات الطوارئ، عدم تهيئة المراحيض ودورات المياه لاستخدام ذوي الإعاقة وكبار السن.
وحيث أن تلك السلوكيات والممارسات تندرج ضمن الأذى الذي يأمرنا ديننا الحنيف بإزالته من الطريق تطبيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، أَعْلَاهَا: قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمان» لذلك لابد أن تكون المساجد خالية من الأذى ومن أفضل الأماكن تهئيةً لعامة المجتمع خصوصاً كبار السن وذوي الإعاقة وفقاً للمنهج النبوي في بناء وتصميم المسجد الذي قام على مبدئ جعله بـ 3 أبواب في اتجاهات مختلفة اثنين جانبية وواحد خلفي وخلو ساحته الداخلية من العوائق، الأمر الذي يتماشى مع المعايير والشروط الحديثة لسهولة الوصول الشامل لذوي الإعاقة وأنظمة ولوائح السلامة المعمول بها في أماكن التجمعات البشرية مثل صالات المطارات، الملاعب الرياضية، الأسواق المركزية…الخ.
وعليه أقترح وضع خطة استراتيجية لتطوير المساجد تبدأ بالعناية بالبيئة المحيطة بها بجعلها خالية من العوائق مثل (أحواض الزرع، علب الكهرباء …الخ) لتكون ميسرة للمشي والكراسي المتحركة، وفي حالة كان المسجد متعدد الطوابق لابد من وجود سلالم طوارئ خارجية مع مراعاة اقتصادية البناء، تخصيص أماكن لإنزال ذوي الإعاقة وكبار السن ومواقف خاصة بسياراتهم، بناء الدرج بمزالج ودربزينات للكراسي المتحركة حسب المواصفات والمعايير الدولية للوصول الشامل، تخصيص جزء من المساحة الأرضية للبناء لمواقف السيارات بما يتناسب مع طاقة المساجد الاستيعابية، جعل كافة الأبواب خالية من الحواجز وأن تفتح سحباً إلى الأجناب كهربائياً أو يدوياً، أن تكون ساحة المساجد الداخلية خالية من العوائق بأكبر قدر ممكن مثل الأعمدة والدواليب وسنادات الظهر …الخ وترك ممرات في المحيط الداخلي بها للمشي والكراسي المتحركة ووضع أرفف للأحذية على الحوائط المحيطة بها وتخصيص مساحات للمصلين على الكراسي الثابتة والمتحركة، عدم وضع أي شبك أو سياج حديدي على نوافذ المساجد للاستفادة منها كمخارج وتهوية إضافية في حالات الطوارئ والأعطال، العناية بتحسين ظروف الرؤية من خلال التباين في الألوان والتحكم في الإضاءة والسيطرة على الوهج، الاقتصاد في استهلاك الطاقة باستخدام حلول تقنية تنظم عمل الإضاءة والتكييف وفق الحاجة، تركيب كاميرات مراقبة وهواتف أرضية لاستخدماها في الطوارئ وعند الحاجة، تهيئة المراحيض والمواضئ لاستخدام ذوي الإعاقة وكبار السن وتشغيل كادر متخصص للنظافة والتعقيم الصحي للمسجد ومرافقه، عمل خطط وبرامج لتوعية وتثقيف المصلين بالعناية بالمساجد ومراعاة ظروف وحقوق المصلين الآخرين، تشجيع متطوعين من متحدثي لغة الإشارة لترجمة الآذان والإقامة والخطب للصم أو الاستعاضة عن ذلك بشاشات عرض إلكترونية.
وأمل أن تحظى هذه المقترحات بدعم الجهات القائمة على المساجد لجعلها أماكن مهيئة بالوصول الشامل لكبار السن وذوي الإعاقة وعامة المصلين كما يقتضيه ديننا الحنيف.
نشر هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 2019/05/23م
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.