تابعت ما تناقله رواد مواقع التواصل الاجتماعي تعبيرًا عن فرحتهم. بقرار إيقاف تطبيق إجراءات التباعد في الحرم المكي والمسجد النبوي والجوامع، مع الالتزام بلبس الكمامات.
وما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو اتصال هاتفي من زوجتي. صباح يوم الخميس 10 مارس 2022م بُعيد مغادرتها المنزل في طريقها إلى العمل. قائلة لي أن شقيقي الكفيف قد وقع أرضًا بعد تعرقله بالحاجز الموضوع في مدخل المسجد. وتصادف مرور أحد الجيران فساعده ورافقه إلى المنزل. وسألتني لماذا لا أكتب عن هذا الموضوع لخطورة تلك الحواجز على ذوي الإعاقة. فأجبتها بأنني قد كتبت عن ذلك مرارًا وتكررًا دون جدوى.
فتذكرت أننا على مشارف شهر رمضان المبارك. الذي يزيد فيه الإقبال على المساجد من عامة المجتمع كبارًا وصغارًا بما فيهم ذوي الإعاقة.
وقررت أن أعاود الكره مرة أخرى. مناشدًا معالي وزير الشؤون الإسلامية والإرشاد بالوقوف معنا كذوي إعاقة وكبار سن وأصحاب احتياجات خاصة. بإلزام القائمين على المساجد بتهيئتها بالوصول الشامل، ورفع مستوى الأمن والسلامة فيها. واعطائهم فرصة 6 أشهر كحد اقصى لذلك. وتعليق الصلاة في أي مسجد لم يلتزم بذلك مع تغريم المسؤول عنه.
حتى لا يكونوا سببًا في وضع الأذى في الطريق. الأمر الذي يتنافى مع شعب الإيمان. فقد ورد في الحديث النبوي (الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ) رواه مسلم.
فإن تلك العوائق بمثابة الأذى في الطريق الذي قد يحرم ذوي الإعاقة والمسنين من الذهاب الى المساجد تفاديًا من تعرضهم لإصابات. فعلى سبيل المثال اجتهدت برخصة فقهية لنفسي بالعذر عن الذهاب إلى المسجد باستثناء الجُمع بعدما أصبت بجشة في جبهتي نتيجة اصطدامي بحافة رف المصاحف المعلق على سارية المسجد. وفي مرة أخرى نتيجة اصطدامي بحديدة سنادات الظهر في الصف الأمامي اثناء نزولي للسجود. وحملت مسئولية ذلك أمام الله على كل من وضع تلك الحواجز والعقبات في طريقي وتسببت في عذري من الذهاب إلى المسجد.
عوائق وممارسات خاطئة
لا تزال العديد من مساجدنا غير مهيأة بالوصول الشامل لذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة. فساحاتها الخارجية صممت بمستويات ارتفاع مختلفة عن بناء المسجد. وبني لها درج وسلالم للوصول الى بوابات المسجد. دون بناء مزلقانات حسب المعايير والمواصفات الدولية للكراسي المتحركة. بالإضافة الى تركيب حواجز عند الأبواب بمستوى الساق لمنع المصلين من خلع احذيتهم داخل المسجد. كذلك عدم إنشاء مخارج إضافية للطوارئ. وتركيب شبك من الحديد أو الألمنيوم على النوافذ من الخارج مما يحول دون استخدامها كمخارج للطوارئ عند الحاجة.
فرش ساحة المسجد الداخلية بسجاد متلاصق بالكامل دون وضع حواف بارزة ليسترشد بها ذوي الإعاقة البصرية في تحديد مسار الصفوف والوقف السليم تجاه القبلة. فضلًا عن عدم ترك مساحات شاغرة للمصلين بالكراسي المتحركة مما يحرجهم في الدخول الى المسجد والسيرة بكراسيهم على سجاد المسجد.
تعليق رفوف للمصاحف على السواري (العواميد) في مستوى الرأس ما قد يسبب الاصطدام فيها، ووضع دعامات للظهر في الصفوف الأولى مسنودة بقوائم ارتكاز حديدية حادة مثبته على الأرض.
رفع مكبرات الصوت بمستوى عالي جدًا يتسبب في شوشره وفقدان التركيز عند ذوي الإعاقة البصرية الذين يعتمدون في التوجه والحركة على حاسة السمع الأمر الذي يعوق حركتهم باستقلالية او حتى سماع إرشادات من يرافقهم.
عدا عدم الأخذ باحتياطات الأمن والسلامة الكافية من قبل المقاولين أثناء تنفيذ مشاريع حول المساجد تستلزم حفريات أو وضع معدات ثقيلة وأدوات بناء مما قد يعرض المعاقين وكبار السن للوقوع أو الاصطدام فيها.
اما عن ممارسات بعض المصلين الخاطئة فهي تتمثل في إيقاف سياراتهم فوق الأرصفة المحيطة بالمسجد. أو ايقافها بطريقة عشوائية مما يجعلها عائقًا من الوصول إلى المسجد. كذلك خلع أحذيتهم أمام بوابات المسجد وتركها بدلًا من وضعها في الدواليب المخصصة لها. والتزاحم والتدافع عند الابواب أثناء الخروج من الصلاة خصوصًا أيام الجُمع، ورمضان، والاعياد، وصلوات الجنائز.
أما المراحيض ودورات المياه فهي اشد صعوبة في الاستخدام لذوي الإعاقة والمسنين بسبب طريقة تصميمها وسوء استخدام بعض المصلين لها.
حلول ومقترحات للوصول الشامل
- ولمعالجة تلك العوائق وجعل المساجد مهيأة بالوصول الشامل لذوي الإعاقة وأصحاب الاحتياجات الخاصة. فإنني أطرح هذه الحلول والمقترحات للقائمين على المساجد والمصممين والمعماريين والتي أرى أن بالإمكان تنفيذها تدريجيا على مراحل بدء بما يلي:
- اعتبار المستهدفين من الوصول الشامل للمساجد بأنهم ذوي الإعاقة الحركية، السمعية، الذهنية، البصرية (المكفوفين وضعفاء البصر)، والمسنين.
- إنشاء مزلقانات لدرج المساجد وفق المواصفات والمعايير المتبعة دوليًا للكراسي المتحركة.
- إزالة شبك النوافذ الحديدي الخارجي لاستخدام النوافذ كمخارج طوارئ عند الحاجة. مع وضع سلالم طوارئ خارجية للأدوار العلوية.
- تخصيص جزء من مواقف السيارات المحيطة بالمساجد لذوي الإعاقة. ومخالفة من يستخدمها من غيرهم.
- إزالة الحواجز المركبة عند بوابات المساجد.
- التأكد من توفر طفايات حريق موزعة في أرجاء كل مسجد ومرافقة حسب معايير السلامة المتبعة.
- السيطرة على الوهج باستخدام الإنارة المناسبة والحد من استخدام الطلاء والأسطح اللامعة. مع استخدام التباين في الألوان (فاتح/داكن) كوسيلة إرشاد لذوي الإعاقة البصرية في الوصول إلى الممرات والسلالم وأماكن الصلاة والأبواب ومخارج الطوارئ.
- تخصيص دواليب للأحذية يتناسب مع طاقة المساجد الاستيعابية.
- تركيب مسارات مدببة على حافة السجاد عند أماكن وقوف الصفوف. لاسترشاد ذوي الإعاقة البصرية بها في الوقوف السليم تجاه القبلة.
- ترك مساحات خالية من السجاد عند الأبواب والأجناب لتمكين مستخدمي الكراسي المتحركة من السير فيها والوصول إلى الصفوف.
- رفع مستوى رفوف المصاحف المعلقة الى أعلى من مستوى الرأس أو استبدالها بدواليب أرضية ترص في محيط المسجد.
- تغيير أنواع سنادات الظهر إلى أنواع تثبت دون الحاجة الى قوائم الارتكاز الحديدية.
- تخصيص دورات مياه لذوي الإعاقة وكبار السن حسب المعايير والمقاييس الدولية المعمول بها، وتخصيص عامل نظافة متفرغ لتنظيف دورات المياه وتجفيف الأرضيات أول بأول.
- تثبيت مستوى درجة ارتفاع صوت المكبرات ما بين 50-70% مع وضع المكبرات الخارجية في أعلى نقطة من المنارة وتوجيهها إلى الأعلى 70 درجة تفاديًا لاصطدام الصوت بالمباني الخرسانية.
- إلزام المقاولين المنفذين لأي مشاريع في محيط المساجد أو داخلها باتباع إجراءات سلامة صارمة تحمي المصلين من التعرض لأي أذى.
التزين بحسن الخلق عند المساجد
وبالعودة إلى فرحة رواد شبكات التواصل الاجتماعي بشأن قرار عودة المساجد لطبيعتها أحثهم بأن يوجهوا نشاطهم لتوعية مرتادي المساجد بحق الأشخاص ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة في الوصول إلى المساجد والجوامع والحرمين باستقلالية وأمن وسلام. فمن المهم جدًا أن تكون بيوت الله من أفضل الأماكن المهيئة بالوصول الشامل لذوي الإعاقة وأصحاب الحالات الخاصة. كذلك تذكير مرتادي المساجد بالتزين بالأخلاق الحميدة والسلوك الحسن عند المساجد اتباعا لقوله تعالى (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ..) (الأعراف 31) واختم دردشتي هذه بما قاله الشاعر المغربي الراحل محمد عبد الرحمن الحلوي – رحمه الله –
قـم باســم ربــك بانيـــا ومشيـــدا وارفع على تقواه هـذا المسجدا خيــر البقـــاع مساجـــد معمـــورة تلقـى بهـا الأرواح أفضل منتدى ومساجـد الإســلام خيـر مــدارس قد أشرقت منها مصابيـح الهدى حييت مسجـدنا وبـورك مــن رعــ ـــى حرمــاته ودعــا بـــه وتهجـــدا مــا للمساجـد في الحيــاة رسالـة إن لــم تعلمنـا التكافـل والفــــدا!
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.