Share

تلقيت خلال موسم حج هذا العام 2021م/1442هـ رسالة من عشرات الأشخاص على حساباتي الالكترونية، تناولت قصة مناسبة كتابة قصيدة «إلى المروتين» للأديب طاهر زمخشري التي لحنها وغناها الموسيقار طارق عبد الحكيم – رحمهما الله –.

وقد تضمنت القصة معلومة مغلوطة مفادها أن الشاعر طاهر زمخشري تعوّد أن يقضي كل الأعياد في مكة المكرمة بجانب البيت والخيف والأخشبين، ولكنه في ذلك العيد كان بالقاهرة فحين شاهد الكعبة في التلفاز فاضت عيناه دموعًا، شوقًا وخشوعًا، وفاض وجدانه بهذه الأبيات الجميلة ارتجالًا: أهيم بروحي على الرابية وعند المطـاف وفــي المروتين.. الى آخر القصيدة.

وما كنت لأهتم بتلك القصة لولا أنني لاحظت مدى انتشارها على شبكات التواصل الاجتماعي، وكادت أن ترتقي لتكون بمثابة معلومة موثوقة رغم عدم وجود مصدر لها، فما كان مني إلا أن رددت على كل من أرسل لي تلك القصة أو نشرها بمقالي الذي نشرته في صحيفة غرب بعنوان « المروتين.. الأغنية الأشهر كيف كتبها الزمخشري ولحنها الموسيقار طارق عبد الحكيم» من أجل تصحيح تلك المعلومات وتوثيق مناسبة الأغنية.

وكان الإعلامي القدير الأستاذ عدنان صعيدي قد نشر على صفحته في الفيسبوك ضمن سلسلته أحاديث حظرٍ معقّمة في جزئيها (82-83) (21/22 شعبان 1442هـ – 3/4 أبريل2021م) موضوعا تناول قصة كتابة القصيدة مما جاء فيه:

«اليوم ومن قبل وبتكرار لا حصر له تصلني عبر واتساب رسائل تحمل معلومة مغلوطة أو غير دقيقة عن قصة كتابة الأستاذ طاهر زمخشري لقصيدة المروتين، وآخر هذه الروايات مقالة للأستاذ الكاتب عبد الله الجعيثن نشرت في جريدة الرياض وتناقلها الناس.

ولأني أختزن معلومة لست متأكدًا من تفاصيلها سمعتها من بابا طاهر في لقاء إذاعي أجراه معه الأستاذ علي داؤود ــ قبل التحاقي بالعمل الإذاعي ــ اتصلت بالأستاذ محمد بلو للتأكد من صحة ما كتبه الأستاذ الجعيثن وما أختزنه من معلومة فذكر لي معلومات أدق وأصح مما كتبه الأستاذ الجعيثن وما يتناقله الناس كلما جاء موسم الحج أو سمعوا أغنية المروتين…، …وطبعها في الديوان الذي كان يقوم بطباعته حينذاك في القاهرة، وعندما عاد إلى جدة لممارسة عمله في الإذاعة زاره الفنان طارق عبد الحكيم لترتيب بعض التسجيلات فلاحظ الديوان على مكتب الأستاذ الزمخشري وأخذ يقلب في صفحاته فوقعت عيناه على قصيدة المروتين فطلب من بابا طاهر أن يسمح له بتلحينها وغنائها فوافق بابا طاهر.

بالطبع هناك تفاصيل أخرى ورتوش للقصة سمعتها في اللقاء الإذاعي الذي أجراه الأستاذ علي داؤود مع بابا طاهر، وأخرى كتبها وسمعتها من الأستاذ محمد بلو ليست هامة حتى أوردها هنا، فالأهم هو أن تاريخ كتابة القصيدة غير متوافق مع بداية البث التلفزيوني في المملكة الذي بدأ في عام 1965م، ولا بداية التلفزيون المصري التي كانت عام 1960م، وبالتالي فان رواية الأستاذ الجعيثن وغيره غير دقيقة.

بالمناسبة (الرابية) هي غرفة أو سكن لبابا طاهر في مكة المكرمة كان يخلو فيها بنفسه وقد أطلق عليها اسم الرابية لأنها تطل من موقعها في جبل هندي بمكة المكرمة على المسجد الحرام لذلك حنت نفسه للرابية التي منها يرى المطاف والمروتين فكان مطلع القصيدة (أهيم بروحي على الرابية)».

وكنت قد نشرت قصة مناسبة القصيدة وأغنيتها لأول مرة في لقاء مع صحيفة الوطن نشر بتاريخ 03/10/2016م بعنون «87 أغنية إرث زمخشري تكشف علاقة الأدباء بالفن» على أثر الانتشار الواسع لمقطع فيديو مدته دقيقة و20 ثانية اخرجته ونشرته بعنوان «بابا طاهر يقدم المروتين» بمناسبة إطلاق قناتي على اليوتيوب في 02/02/2014م وبدايتي مع جمع إرثه الأدبي والفني، تضمن الفيديو مقتطف لكلمته المرتجلة في حفل تكريمه بجائزة الدولة التقديرية للأدب عام 1985م، ممزوجة بخلفية موسيقية لأغنية “المروتين”. فلقي الفيديو رواجًا واسعًا على شبكات التواصل الاجتماعي بالتزامن مع حلول موسم حج ذلك العام.

وعندما شاهدت خالتي ابتسام -رحمها الله – (صغرى بنات الأديب) الفيديو أعجبت به كثيرًا وروت لي قصة قصيدة «إلى المروتين» قائلة «في هذه الأيام الفضيلة وعند سماعي إلي أهيم بروحي على الرابية تذكرته وتذكرت ذكرياته الجميلة ودروسه الحلوة لي في الحياة، كان المربي والمعلم وانا أعتز بما استفدت منه، مدرستي في الحياة، وهنا اذكر القصة كيف نزل عليه الهام قصيدة أهيم بروحي على الرابية حيث روى لي “كنت في مصر تلك الايام مشغول بطباعة أحد دواويني الشعرية وكنت في دعوة لتناول طعام الغذاء عند المذيعة الاستاذة همت مصطفي وعند بداية الطعام قالت همت يا جماعة كل سنة وانتم طيبين لقد أعلن في السعودية اليوم غرة شهر ذي الحجة. في تلك اللحظة شعرت بغصة وألم استأذنت وخرجت مهرول إلى الشارع أمشي في الطرقات ولا أدري الي أين، أنا تعودت أن أكون دايم في الجبال المقدسة في مكة الكرمة، ولا أدري إلا وأنا في حديقة الحيوانات، أذرف الدمع السخين وكتبت يا ابنتي تلك القصيدة بدموع ساخنة وحرقة لأنني بعيد عن مكة، ولارتباطي مع المطبعة لم أستطيع السفر».

الآن وقد انقضت على تلك الأغنية منذ تسجيلها وإذاعتها عبر الإذاعات العربية خلال مواسم الحج أكثر من ستين عامًا، لا تزال حتى يومنا هذا تمثل أحد أهم وأجمل الأغاني التي تعبر عن الشوق والحنين للوطن بصفة عامة ومكة المكرمة بصفة خاصة، وتلقى رواجًا بين النشء الجديد خصوصا في موسم الحج، ويتغنى بها الكثير من مؤدي الفنون الشعبية في المناسبات الاجتماعية والجلسات الطربية الخاصة، وكان الفنان الراحل طلال مداح قد تغنى بها في تسجيل خاص على العود ومن بعده الجسيس محمد أمان – رحمهما الله.

ويجدر بالذكر أن الحج احتل حيزًا من أغراض الأديب الشعرية– رحمه الله- إذ خصه بالعديد من القصائد الوجدانية منها موكب الحجيج، لبيك، نشيـد الغفـران، أغـاريـد الحـج، استغفـار، روابـي الهـدى، أغـاريد العيـد. وقد تغنى عدد من الفنانين العرب ببعض منها كلبيك رب العالمين التي أداها الموسيقار الراحل طارق عبد الحكيم والفنانة السورية مها الجابري – رحمهما الله – وابتهال «رب لبيك» رياض باعشن – رحمه الله-، و«فضل الله» الموسيقار غازي علي، فضلاً عن إصداره لديوان شعر باسم «لبَّيك» في العام 1968م/1388هـ.

وبالعودة الى قصة كتابة قصيدة «إلى المروتين»، أهيب بمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي خصوصًا النخب منهم بتوخي الدقة عند تداول أي معلومة ذات بعد تاريخي وذلك بالرجوع إلى مصدرين مختلفين على الأقل للتحقق من أي معلومة قبل نشرها. واختم دردشتي هذه بأبيات من قصيدة «إلى المروتين» من ديوان «أغاريد الصحراء 1958م/1377هـ»

أهيم بروحي على الرابيهْ

وعند «المطـاف» وفي «المروتين»

وأهفو إلى ذِكَرٍ غاليهْ

لدى «البيت» «والخيـف» والأخشبين

فيهدر دمعي بآماقيهْ

ويجـري لظاه على الوجنتين

ويصرخ شوقي بأعماقيهْ

فأرسل مـن مقلتي دمعتين

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 1٬566
Share