Share

نشر هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 2021/04/23م

يمثل العاشر من رمضان ذكرى هامة في ذاكرة الأمة الإسلامية والعربية ففيه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة على رأس جيش المسلمين لفتح مكة في السنة العاشرة للهجرة، وفيه انتصر الجيش الأيوبي على الفرنجة في معركة المنصورة عام 648هـ -1250م، وفي عصرنا الحديث انتصر الجيش المصري على الجيش الإسرائيلي في حرب العاشر من رمضان 1393 – أكتوبر 1973م.

وعلى النطاق الاجتماعي والإنساني فإنه يمثل ذكرى هامة لخدمات المكفوفين في عالمنا العربي فكنت قد لفت الانتباه في مقالي السابق (كلام رمضان: كلو واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) https://garbnews.net/articles/s/4980 إلى التعامل مع المكفوفين من حيث إعطائهم الأولوية في الرعاية والاهتمام وإعلاء شأنهم ومكانتهم في المجتمع.

ففي 10 رمضان 1413هـ – 02 مارس 1993م نشرت صحيفة عكاظ في عددها 9714 نقلاً عن وكالة الأنباء السعودية «واس»: «الخطوط السعودية تحصل على جائزة عالمية في مؤتمر الأفكا» إذ حقَّقت الخطوط الجوية العربية السعودية آنذاك إنجازًا عالميًّا جديدًا في مجال التموين بحصولها على جائزة الشرف العالمية الكبرى «ميركوري» في مؤتمر الاتحاد الدولي لتموين الطائرات «إفكاIFCA » في أمستردام بهولندا (17-19 فبراير 1993م). حيث تقدَّمت بوجبة المكفوفين من المُسافرين التي قامت السعودية بإعدادها وتوفيرها على شبكة رحلاتها منذ نهاية عام 1992م بعد أن قامت جهازها المركزي للطعام والتجهيز بتنسيق خطوات تنفيذ هذه الخدمة مع المنظمات المحلية والعالمية بالمملكة في مجال رعاية فئات من المُسافرين بما يتناسب ودرجة الإعاقة لكل منهم. وكان رئيس هيئة التحكيم السير جونز هنسل قد قال: “فوز السعودية بجائزة «ميركوري» فوز التفوق والابتكار الفريد في نوعه، فهو لا يخدم فئات المكفوفين من المُسافرين فحسب، بل المُسافرين من هذه الفئات عالميًّا، حيث يُوجد أكثر من 60 مليون مُسافر من المكفوفين في العالم يحتاجون لهذه الخدمة، وإن إبداع السعودية في ابتكار هذه الخدمة لا ينقل مهام «إفكاIFCA» من مجرد تقديم وجبات طعام على رحلات شركات الطَّيران فقط، بل يُضاعف نطاق المسؤولية الاجتماعية للمنظمة تجاه هذه الفئات من المُسافرين”.

وأوضح مساعد المدير العام للتموين والمنسق التنفيذي لتموين السعودية آنذاك الأستاذ علي محرق أن خدمة الكفيف ورعايته يحثُّنا عليها ديننا الحنيف، ثم تراثنا الإسلامي وعاداتنا وتقاليدنا العربية الأصلية.

وفي 10 رمضان 1424هـ – 04 نوفمبر 2003م أعلن عن تأسيس أول جمعية عربية سعودية لخدمات الإعاقة البصرية وإعادة التأهيل «جمعية إبصار الخيرية» برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز رحمه الله «رئيس برنامج الخليج العربي للتنمية – أجفند» آنذاك، ومن حينها باشرت تقديم خدمات رائدة ومبتكرة محليًا وإقليميًا لذوي الإعاقة البصرية من المكفوفين وضعاف البصر بجميع فئاتهم العمرية والمتخصصين في المجال من أطباء العيون وأخصائيي البصريات والتربية الخاصة وإعادة والتأهيل.

حتى أن مجموعة البنك الإسلامي للتنمية التي ساهمت في دعم الجمعية قالت بعثتها للتقييم اللاحق للمشروع في تقريرها الصادر في ذو الحجة 1428هـ – ديسمبر 2007م «أن مركز إبصار نجح في أن يرقى الى مستوى مركز إحالة لمعظم مستشفيات وعيادات العيون التخصصية في جدة، والجهات الإقليمية الأخرى في مجال ضعف البصر وإعادة التأهيل». واختارتها الوكالة الدولية لمكافحة العمى المنبثقة من منظمة الصحة العالمية في عامي 2008، 2011م انموذج يقتدى به في خدمات ضعف البصر وإعادة التأهيل في منطقة شرق الأبيض المتوسط.
والواقع إن كلتا المناسبتين عزيزة على نفسي وقد ربطتني بهما تجربتي الشخصية مع فقدان البصر فالأولى عندما ألهمت بتوظيف خبرتي العملية في مجال خدمة عرض الطعام وإصابتي بإعاقة بصرية بأن أقدم فكرة مشروع كحل متكامل لسفر ذوي الإعاقة البصرية من وإلى المطار مروراً بالطائرات سميت «وجبة الراكب الكفيف» وحالت ظروف إحالتي إلى التقاعد المبكر من عملي بالخطوط السعودية في 15/10/1992م دون تنميتها وتطويرها.

والمناسبة الثانية هي تقديم فكرة «جمعية إبصار للتأهيل وخدمة الإعاقة البصري» وإدارتها لمدة 13عام حتى استقالتي منها في 1437/02/24هـ لرغبتي في الاستمرار في خدمة الجمعية عبر المشاركة في مجلس إدارتها، واتاحة الفرصة لإدارة جديدة تستكمل مسيرة الجمعية للعقدين القادمين لضمان استمرارية تناميها وتطورها. ومن حينها لم يحالف الحظ أي منا لتحقيق ذلك فقد أتى العاشر من رمضان هذا العام وخدمات ذوي الإعاقة البصرية تشهد تراجعاً اقيسه من واقع تجربة شخصية مررت بها مؤخراً.

فقد انكسرت عصاتي البيضاء التي تعتبر بمثابة النظارة الطبية لضعيف النظر فبها استشعر طريقي واستكشف معالمه للوقاية من الاصطدام في أي عوائق خلال تنقلاتي اليومية.. فسارعت لإيجاد عصا بديلة بأسرع وأيسر وسيلة بالتواصل مع جمعية إبصار على حسابهم في توتير، فأجابوا بلطف بعدم توفرها لظروف الجمعية الراهنة وأنهم بحثوا لي عنها في محالات الأجهزة التعويضية ولم يجدوها، وفي ذات الوقت لم أجد أي تفاعل من أي من الجهات المعنية بخدمات الإعاقة البصرية المتابعة لحسابي على تويتر.

فبحثت في أحد فروع المتاجر الإلكترونية العالمية في السعودية ووجدتها بمبلغ 306 ريال ولعلمي بسعرها الفعلي توجهت إلى موقعهم العالمي فوجدتها بسعر 167ريال شاملة الشحن السريع، فاشتريتها ووصلتني خلال 8 أيام مغلفه بتغليف جيد مضاد لأي من المؤثرات كالأتربة، والغبار والمياه والرطوبة.. الخ، واستأنفت استخدامها في تنقلاتي اليومية.

والحقيقة إن توفير المنتجات اللازمة لذوي الإعاقة البصرية مشكلة أدركتها إبان إدارتي لجمعية إبصار وقدمت حلاً لها بإنشاء فكرة شركة تجارية «شركة نور للخدمات البصرية الطبية» منبثقة من الجمعية لم يكتب لها الاستمرارية لمجموعة من العوائق الإدارية والفنية آنذاك واستمرت مشكلة عدم توفر المنتجات البصرية ومستلزمات الحياة اليومية لذوي الإعاقة البصرية بصورة ميسرة وأسعار تنافسية حتى يومنا هذا لمجموعة من الأسباب لست بصدد الخوض فيها الآن. ولكن كل ما أوده قوله هو أن أذكر المعنيين والمهتمين بخدمات الإعاقة البصرية والمسئوليات الاجتماعية في قطاع الأعمال بأن الإعاقة البصرية قد اندرجت ضمن أولويات ديننا الحنيف فسورة عبس قد نزلت في السنوات الأولى من البعثة قبل الكثير من آيات العبادات الأخرى بما فيها صيام رمضان وأن تشجيع المكفوفين على التعلم والتدرب على استخدام حواسهم التعويضية والتحفيز المعنوي توجيه نبوي لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه في صحيح مسلم قالَ: “أَتَى النبيَّ ﷺ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه ليسَ لي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلى المَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ له، فيُصَلِّيَ في بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ له، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقالَ: هلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بالصَّلَاةِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فأجِبْ”.
وحديث أَنسٍ مالك رضي الله عنه في صحيح البخاري قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يقولُ: إنَّ اللَّه قَالَ: «إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبدِي بحبيبتَيْهِ فَصبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجنَّةَ» يُريدُ عينيْه”.

رابط القال على صحيفة غرب الإخبارية

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 38
Share