Share

نشر هذا المقال على صحيفة الوطن السعودية في يوم الاثنين 27 سبتمبر 2021 – 20 صفر 1443 هـ

في ظل توجهات بلادنا بتنمية قطاع النشر وتحويله إلى صناعة مستدامة وتهيئة بيئة إبداعية وخلق فرص الاستثمار فيه باستحداث هيئة متخصصة في الأدب والنشر والترجمة (فبراير 2020)، وتوقيعها اتفاقية مع الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة «منشآت» (2021/09/08م) بهدف تنمية قطاعات الأدب والنشر والترجمة، وتطوير الكفاءة المالية والتشغيلية ورأس المال البشري.

فلا بد من الإشادة بهذه الخطوة، ومن المؤكد أنه سيكون لها أثر فعّال في تنمية وتطوير دور النشر ودعم المؤلفين السعوديين.

وفي هذا السياق أشير إلى ما يتميز به بعض فئات الأشخاص ذوي الإعاقة من قدرات تعويضية ومواهب إبداعية خصوصًا المكفوفين منهم. فعلى مر العصور انتفع العديد من المجتمعات بإبداعاتهم التي لا تزال آثارها ممتدة حتى اليوم خصوصًا في مجالات الفكر والأدب والفنون، مثل الصحابي «عبدالله ابن أم مكتوم» مؤذن رسول الله ﷺ الذي أنزل فيه الوحي ثلاث مرات ولقب بـ«شهيد القادسية» إثر استشهاده فيها، وشاعر العصر الأموي والعباسي «بشار بن برد» الذي تناقلت الأجيال قصائده وأشعاره على مر العصور، والفيلسوف الأديب «أبو العلاء المعري» صاحب كتاب رسالة الغفران. وفي عصرنا الحديث معجزة الإنسانية الأديبة والناشطة الأمريكية الكفيفة الصماء «هيلين كيلر» التي أبهرت العالم بقدراتها وتُرجمت مؤلفاتها إلى العديد من اللغات، وعميد الأدب العربي «د طه حسين» الذي تقلد العديد من المناصب أعلاها وزير المعارف، وترأس مجمع اللغة العربية بالقاهرة وحصل على شهادتي دكتوراه من جامعتي القاهرة ومونبلييه الفرنسية، بالإضافة إلى العديد من الجوائز العالمية، و«ستيفن هوكينج» أشهر عالم فيزياء نظرية وعلم الكون، الذي شل وهو في الـ21 من عمره نتيجة مرض العصبون الحركي.

وبلادنا كسائر المجتمعات تزخر بالموهوبين والمبدعين من ذوي الإعاقة الذين قدموا إسهامات جليلة، من أبرزهم الشيخ «عبدالعزيز بن باز» -رحمه الله- أبرز علماء وفقهاء العصر الحديث، تقلد العديد من المناصب أهمها مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، والمجمع الفقهي الإسلامي، ونال جائزة الملك فيصل في خدمة الإسلام، وله أكثر من 40 مؤلفا. فضلًا عن العديد من ذوي الإعاقة السعوديين المبدعين في شتى المجالات.

وبالنظر إلى القدرات والمواهب الإبداعية التي يتمتعون بها، وفي ظل الرعاية والاهتمام الذي توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – لتنميتهم المستدامة، فإنني أرى أن يكون لهم الأولوية في الانتفاع من تلك الاتفاقية «مشروع ريادة دور النشر» بفتح مسار خاص بهم يسهل وصولهم إليها، ويحصلون بموجبه على منح مالية وقروض ميسرة وبرامج تدريب متخصصة تمكنهم من صناعة محتواهم الفكري ونشره، أو فتح منشآت خاصة بهم تعمل في مجالات الأدب والنشر والترجمة، وفق شروط ومعايير تحددها «الهيئة» و«منشآت» بالعمل والتنسيق مع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية المعنية بالأشخاص ذوي الإعاقة، من أجل استثمار طاقاتهم وقدراتهم التعويضية وإبداعاتهم التي حباهم بها الله ودمجهم في التنمية الاقتصادية. على أن يكون المستهدفون من هم فوق 18 عاما من المسجلين في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ممن لديهم تخصص أو مواهب إبداعية في مجالات الأدب والنشر والترجمة، بهدف إتاحة الفرصة لهم للإسهام في تنمية وتطوير تلك القطاعات، وفتح مجالات عمل جديدة لهم تلائم ظروفهم الصحية وقدراتهم وخبراتهم العملية وتوظيف مواهبهم الإبداعية، وإيجاد برامج تسهم في الاكتفاء الذاتي والعيش الكريم لأصحاب المواهب الإبداعية من ذوي الإعاقة، علاوة على تسهيل وصول المجتمع وانتفاعه بمواهبهم وإبداعاتهم وإنتاجهم الفكري.

وإنني على يقين بأن تطبيق ذلك سـيكون له دور بارز في اكتشاف وانطلاق العديد من ذوي الإعاقة الموهوبين في مجالات الأدب والفنون خصوصًا الكتابة والتأليف. فلقد كانت لي تجربة شخصية حينما كُرمت من معالي وزير التجارة السابق د. توفيق الربيعة في ملتقى رواد شباب الأعمال (2016/04/08م) بمنحي سجلا تجاريا ومكتبا مجانيا لمدة عام، بصفتي أول كفيف يصدر سجلا تجاريا بمنظومة وزارة التجارة الجديدة، أسست بموجبه منشأة صغيرة ذات مسؤولية محدودة «سطور للنشر». ومنها انطلقت في مجال النشر والكتابة وأصدرت مؤلفي رحلتي عبر السنين، الأديب طاهر زمخشري في سطور. ومارست كتابة المقالات الصحفية رغم التحديات والصعوبات التي واجهتها بحكم إعاقتي البصرية.

يجدر الإشارة إلى أن المعوق يُعرف وفق نظام رعاية المعوقين في المملكة العربية السعودية الصادر في 1421/01/01هـ – 2000/04/06م بموجب المرسوم الملكي رقم م/37 بتاريخ 1421/09/23هـ. هو كل شخص مصاب بقصور كلي أو جزئي بشكل مستقر في قدراته الجسمية أو الحسية أو العقلية أو التواصلية أو التعليمية أو النفسية، إلى المدى الذي يقلل من إمكانية تلبية متطلباته العادية في ظروف أمثاله من غير المعوقين.

وإن الإعاقة هي الإصابة بواحدة أو أكثر من الإعاقات الآتية: الإعاقة البصرية، الإعاقة السمعية، الإعاقة العقلية، الإعاقة الجسمية والحركية، صعوبات التعلم، اضطرابات النطق والكلام، الاضطرابات السلوكية والانفعالية، التوحد، الإعاقة المزدوجة والمتعددة، وغيرها من الإعاقات التي تتطلب رعاية خاصة.

وبحسب آخر تقرير للهيئة العامة للإحصاء «مسح ذوي الإعاقة السعوديين 2017) فإن عددهم بلغ (1,445,723) نسمة. منهم (54,430) في الفئة العمرية من 15 -19 عاما. و(1,257,831) من 20 عاما فما فوق. وإن إجمالي الإعاقة البصرية (811,610) نسمة بدرجات متفاوتة، وأن الحالة العملية أو الوظيفية لذوي الإعاقة لمن هم فوق 15 عاما (12,485) صاحب عمل يوظف، (16,342) صاحب عمل لا يوظف، (233,561) مشتغلا بأجر، (5,425) مشتغلا بدون أجر، (29,110) يبحثون عن عمل وسبق لهم العمل، (71,363) يبحثون عن عمل ولم يسبق لهم العمل، (80,295) طالبا، (381,275) متفرغا لأعمال المنزل، (267,611) متقاعدا، (214,794) أخرى.

رابط المقال على صحيفة الوطن

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 25
Share