نشرت هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 03-11-2021
بدعوة كريمة من رئيس اتحاد الكتاب الإرتريين بالمهجر الشاعر محجوب حامد أدم شاركت في حفل تدشين الاتحاد الذي نظم من القاهرة افتراضيا عبر حساب منصة سات على الفيسبوك مساء السبت 2021/10/30م بمشاركة نخبة من الأدباء والشعراء والدبلوماسيين الارتريين المقيمين في الخارج منهم الكاتب والدبلوماسي علي محمد صالح شوملي، الشاعر عبد القادر حكيم، الروائيين عبد القادر الوهداني ومحمد فتحي المقداد، الكاتب مصطفى محمد محمود، الناشطة سلوى نور، ومشاركة عدد من الكتاب والمهتمين غير الارتريين منهم القاضي بلجنة حقوق الإنساني الدولية ورئيسة ممثلي المحكمة الدولية لتسويق المنازعات البروفسور شمس عبد الله العمرو من الإمارات، الروائية والشاعرة فتحية دبش من تونس، الناشطة والشاعرة د. إشراقة مصطفى من السودان، الشاعر الحسن لروي من الجزائر، بالإضافة إلى الإعلامية الارترية نورا عثمان “برنتو” التي تألقت في إدارة الحفل على مدى ساعتين تخللها كلمات القاها كل من رئيس الاتحاد الشاعر محجوب حامد آدم، ونائب الرئيس الشاعرة فاطمة موسى، رئيس اللجنة المنظمة الناشطة أسهمان علي نعمان، والقى الروائي والكاتب هاشم محمود كلمة مؤسسي الاتحاد، وأعلن سكرتير الاتحاد محمد رمضان البيان التأسيسي، والقى الشاعر عبد القادر ميكال قصيدة بهذه المناسبة وقدم أحد الفنانين الشباب نشيد بعنوان ارتريا يا جارة البحر، وختم الحفل بمداخلات الضيوف من الجزائر وتونس سوريا مصر ليبا.
وكانت مداخلتي عبارة عن كلمة أعربت فيها عن شكري وتقديري للاتحاد وسلطت الضوء على العمق التاريخي الذي ربطنا بالثقافة الارترية منذ الهجرة الأولى للمسلمين إلى بلاد الحبشة الذي تحدثت عنه في مقالي “مصوع وأسمرة في ثقافتنا العربية” https://garbnews.net/articles/s/4936. فقلت:
لعل الذاكرة تعود بنا إلى أكثر من 1450 سنة من انطلاق أول هجرة من جدة إلى مصوع مرورا بجزيرة دهلك، ولعل هذه الليلة تحيي هذا الإرث التاريخي الذي يجمع ما بين هاتين الثقافتين.
وكم أنا سعيد أن أكون موجود بينكم في انطلاقة هذا المنار الثقافي، فللمصادفة انتهيت مؤخرا من كتابة رواية باسم “الحب المفقود في بلاد الحبشة” تبرز العلاقة التاريخية بين جدة ومصوع أسمرة وتداخل الثقافات فيما بينهم، تعلمت منها الكثير واكتشفت العمق التاريخي الذي كان غائب عنا فأنا أكتب في السير الذاتية والإعاقة البصرية والعمى ولكن قادني أحد الأصدقاء لكتابة قصة تجربة مر بها في العام 1969م حينما مرضت والدته ونصحها الأطباء في جدة للسفر إلى أسمرة للعلاج في المستشفى الإيطالي، فاستغربت أن الناس في ذلك الوقت كانوا يسافرون لتلقى العلاج في بلاد الحبشة، فبدأت أغوص في أعماق تلك البلاد وكم كنت سعيد أنني وجدت تراثا متبادلًا بين أهالي جدة وأهالي أسمرة ومصوع والعديد من المناطق الأخرى، فمن خلال الرواية عشت أياما في مصوع وأسابيع في أسمرة ما دفعني لقراءة تاريخ ارتريا وأول هجرة للمسلمين إلى مصوع وخط السير الذي اتبعوه وبنائهم أول مسجد في التاريخ الإسلامي الموجود أثاره حتى اليوم ويستخدم كمصلى للعيد، وتعرفت على الأكلات واللباس الشعبي ووجدت تشابه كبير مع تراثنا في جدة واستحضرت من ذاكرتي كيف أننا في صغرنا كنا نشاهد الكثير من المقيمين الارتريين في جدة يشغلون وظائف في السفارات والشركات، فجدة بطبيعتها متعددة الجنسيات والأعراق ومتداخلة العادات والتقاليد بحكم أنها البوابة الغربية لمكة المكرمة إذ يمر بها الحجاج والتجار من جميع أنحاء العالم بما في ذلك القادمون من بلاد الحبشة عبر مصوع، كما كانت أسمرة عاصمة ارتريا إحدى الوجهات السياحية والتجارية لأهالي جدة وبعضهم ربطتهم أواصر قربى ونسب وفي هذا السياق أتيت على ذكر المعماري «عامر الجداوي» الذي بنا «مسجد الخلفاء الراشدين» بأسمرة في العام 1900م – 1319هـ، وذكر بعض اسماء العوائل من أصول حضرمية أو سعودية من سكان أسمرة في القرن الماضي، واختتمت كلمتي بالتطلع إلى تدشين الرواية في فبراير القادم عبر الاتحاد.
والجدير بالذكر أن رواية الحب المفقود في بلاد الحبشة قصة واقعية دارت أحداثها بين جِدَّة ومصوع وأسمرة في صيف عام 1969م. رواها المؤلف مما رسخ في ذاكرته الشخصية، وما استقاه من ذاكرة أفراد أسرته الذين عايشوا تلك الأحداث، وقراءاته العامة؛ وذلك بهدف تسليط الضوء على جانب من بلاد الحبشة في الحقبة التاريخية لحكم الإمبراطور هيلا سيلاسي كانت غير معروفة للكثير من أفراد مجتمعنا، ومدى ارتباطها بالمجتمع الجداوي، مع التطرق إلى طريقة السفر منها وإليها عبر البحر وما يترتب على ذلك من معاناة ومخاطر. ولعل في ذلك فائدة للمهتمين بتاريخ إثيوبيا وإريتريا الحديث، بالإضافة إلى إبراز جانب من ملامح الحياة الاجتماعية.
والحقيقة إن الحفل كان عبارة عن أمسية أحيت الترابط الثقافي بين القرن الأفريقي ومنطقتنا ذلك ما أكده الأديب والدبلوماسي الارتري السابق حامد ضرار في مقاله المنشور على موقع سماديت كوم الإلكتروني (2021/10/31م) “وجدت في الكثير من مداخلات الضيوف وبخاصة الروائية التونسية فتحية دبش مقاربات عميقة ومفيدة لامست ارتباط الأدب بالهوية ودور الآداب في إبراز ثقافات الشعوب وخصوصياتها على نحو يساهم في تطورها ويرفع من مكانة وشأن انسانها”.
ولعلي أجدها فرصة مناسبة أن أقترح على كتابنا وأدباءنا العرب المقيمين في المهاجر بأن يحذوا حذو الكتاب الارتريين بتأسيس اتحاد لهم في إحدى دول المهجر فمن المؤكد أن الاغتراب والعيش في ثقافات مختلفة يولد أعمال ابداعية تستحق الاهتمام والرعاية كما حدث مع شعراء المهجر أمثال جبران خليل جبران وإليا ابي ماضي وغيرهم.
فاتحاد الكتاب الارتريين بالمهجر «مظلة أدبية ثقافية مستقلة لكل الكتاب والإعلاميين والأدباء الإرتريين في مختلف دروب الإنتاج والمعرفة، وهو كيان إرتري مستقل يهتم بالثقافة والتراث والأدب وأهدافه متخصصة في مجالات الإنتاج الفكري والأدبي ولا يحمل أي توجه سياسي وهدفه الأساسي توحيـد الجهـود بـين مثقفي إرتريا ورص صفوفهـم بمـا يتسق وتحقيق الأهداف السامية التي يتطلع إليهـا كل وطنـي غيـور يتمنى أن يرى اسـم إرتريا يزيـن المحافل والمنتديات وتكـون إرتريا معلماً بين الدول والشعوب».
واختم دردشتي هذه بأبيات من قصيدة إلى جارة البحـر للشاعر السوداني التجاني حسين دفع السيد
ارتريا .. يا وجع الرجال ..
يا زهرةً حمراء نامت في يد التلال ..
أنا لأشجار اللهيب فارسا أعود ..
وأنتِ لي وحدي أنا
وباسمك العظيم تأتي ساعةٌ
بها يدي ستسحق القيود ..
والشاعر الارتري محجوب حامد آدم
وآتيك يا وطني
هادراً كالنهرِ
غافلاً كالفجرِ
عابثاً بالرملِ
آتيكَ وفى عيني زرقة البحر
دفء التلاقي والحنين
آتيكَ أيها الوطن..
المرسوم في حناياي،
المنخور في خلاياي
آتيكَ..
عفواً
سهواً
حبواً
تحركني الشجون
خطوط الأطالس
وحروف الانتماء
رابط المقال على صحيفة غرب الإخبارية
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.