بثت مؤسسة مَفَازَة للإنتاج الإعلامي على قناتها على اليوتيوب فيلمًا وثائقيًا على جزأين يومي 15 و17 أغسطس 2023م بعنوان «الطاهي الجوي» تناول قصتي كأول طاهي جوي سعودي على الخطوط السعودية في ثمانينيات القرن الماضي.
وتعود خلفية إنتاج الفيلم إلى أن الأستاذ ماجد المالكي مالك المؤسسة ومنتج الفيلم كان يعد سلسلة وثائقية عن تجارب السفر يحكي فيها الضيوف عن تجربتهم مع السفر والبلدان التي زاروها، ووقع اختياره عليَّ لأروي تجربتي مع السفر بصفتي ملاح جوي سابق ولي تجارب مع السفر إلى أكثر من 55 بلد حول العالم.
وأثناء تحضيره للمادة وقراءته لسيرتي الذاتية لاحظ أنني أول طاهي جوي سعودي على الخطوط السعودية. فقرر تغيير مسار الموضوع ليكون فيلمًا وثائقيًا عن ذلك، وأن يتم التصوير داخل صومعتي التي قرأ عنها أيضًا.
وفي مساء يوم السبت 12 أغسطس 2023م عند بدء التصوير سألت الأستاذ المالكي ما الذي سيجذب المشاهد لمتابعة تجربة مضى عليها أكثر من 30 عامًا، وقد تغير فيها الكثير من الأشياء في مجال السفر بما في ذلك مهنة الطاهي الجوي.!؟ فأجابني: إن لديك تجربة فريدة لم تأخذ حقها في الإعلام مقارنة بما أخذته تجربتك مع الإعاقة البصرية، وهي قصة كيف أصبحت أول طاهي جوي سعودي.
فجمعت أفكاري وبدئنا التصوير الذي استغرق نحو 5 ساعات على مدى يومين تم منتجتها في ساعة و17 دقيقة بثت على جزأين سردت فيها ذكريات من محطات في حياتي منذ طفولتي وحتى إحالتي إلى التقاعد المبكر من عملي في الخطوط السعودية في 1992/10/15م.
بدء بالحديث عن جانب من طفولتي مع الأسرة في سانت لويس بولاية «ميزوري» وسط الولايات المتحدة الأمريكية، وتنقلنا بعد ذلك ما بين حي الكندرة والشرفية بجدة، ووفاة والدي في العام 1967م إثر إصابته بمرض مفاجئ، وانتقال جدي لأمي الأديب طاهر زمخشري للعيش معنا ورعايتنا. وذكريات من رحلتي معه وأخي الأكبر «نجاتي» إلى تونس في العام 1976م.
مرورًا بسفري إلى بريطانيا لدراسة اللغة الإنجليزية في صيف العام 1979م وما دار فيها من طرائف وظرائف قادتني لتحقيق حلم طفولتي بالالتحاق بالخطوط السعودية في العام 1980م.
وتعريجي على كارثة رحلة الخطوط السعودية (163) التي نتج عنها انتقالي للعمل على الرحلات الدولية في فترة وجيزة من التحاقي بالعمل، وكيف أصبحت أول طاهي جوي سعودي في الخطوط عام 1985م، وانعكاسات ذلك على حياتي المهنية والاجتماعية. كما تطرقت إلى نظام جدولة الوجبات على الرحلات ومقارنة جودة طعام الخطوط السعودية بشركات الطيران الأخرى آنذاك، وبدء ظهور أعراض الالتهاب الصبغي الوراثي وما ترتب عليه من صعوبات وتحديات أثرت على أدائي الوظيفي ما أدى إلى إحالتي إلى وظيفة أرضية كمدرب خدمة جوية في أواخر العام 1988م لتدريب الطهاة الجويين وخدمات الدرجة الأولى على الرحلات الطويلة.
وقرار احالتي الى التقاعد بالتزامن مع ولادة أبني سندس وحالته المرضية، وما سبق ذلك من أداء متفرد ومتميز مُنحت على إثره لقب مدرب المضيفين المثالي في العام 1991م الذي حفزني على تقديم أفكار مبتكره منها فكرة المجموعة الاستشارية على الرحلات التي سافرت من خلالها مع فريق عمل حول العالم على شركات طيران مختلفة لإعداد دراسة لتطوير خدمات الرحلات على السعودية، بالإضافة إلى فكرة وجبة الراكب الكفيف واختتام الفيلم بقصة مشاركة تموين السعودية بها في عدة محافل دولية بعد إحالتي إلى التقاعد وحصولها على 3 جوائز عالمية في هولندا والولايات المتحدة الأمريكية. وبها أنهى المالكي فيلمه تاركًا للمشاهد التساؤل عما آل إليه وضعي ووضع مهنة الطاهي الجوي حيث إنه لم يضمن لفيلمه أي تعليق صوتي عن ذلك.
ولمحدودية الوقت تم اختصار الكثير من المحطات بشأن ذكرياتي مع الطاهي الجوي ووجبة الراكب الكفيف، ولكن من المهم أن أذكر هنا أنه بحكم أن من تبنى فكرة وجبة الراكب الكفيف إدارتي جهاز الطعام والتموين فقد تم تنفيذ الشق المتعلق بهما، وبقي ما لم ينفذ في حينه وهو تدريب العاملين على مهارة التعامل مع المكفوفين وترميز الأمتعة والحقائب واختيار أمكان جلوسهم في المقصورة بعيدًا عن ضوضاء المحركات مراعاة لحاسة السمع التي يعتمد عليها الكفيف في التواصل، وسهولة الوصول إلى أبواب الطوارئ ودورات المياه.
وأن بعد مغادرتي للخطوط السعودية بفترة. علق العمل بخدمة الطاهي الجوي، بدليل نشر عدد من الصحف المحلية منها سبق في (27/05/2015م) خبرًا عن تدشين الخطوط السعودية لخدمة الطاهي الجوي بدء برحلتها (041) الخميس (28/05/2015م) المتجه من جدة إلى لوس أنجلوس. ضمن خدمة جديدة على الرحلات التي لا تقل مدتها عن (7) ساعات يقدمها طهاة مهرة من (الأردن، أستراليا، تركيا، جنوب أفريقيا، ماليزيا، المغرب، المملكة، الهند). لديهم خبرة لا تقل عن خمس سنوات في مجال المطاعم والفنادق. لإعداد وتجهيز الأطباق وفق اختيار المسافر من قائمة الطعام المتنوعة على متن الرحلة بأسلوب يضاهي أرقى المطاعم العالمية وبشكل جذاب وشهي.
دون ذكر الخلفية التاريخية لتلك الخدمة وأنها كانت موجودة على الخطوط منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ومؤخرا تم الاحتفاء بتخريج الدفعة الأولى من برنامج الطاهي الجوي الذي نفذته الخطوط السعودية بالشراكة مع جامعة الأمير مقرن وبدعم من صندوق تنمية الموارد البشرية والذي كان قد أعلن عن فتح باب القبول للالتحاق به في أواخر العام 2021م للمواطنين والمواطنات من حملة الثانوية الذين يجيدون اللغة الإنجليزية بدرجة 72 في اختبار كفايات اللغة الإنجليزية (STPS) و5.5 في نظام اختبار اللغة الإنجليزية الدولي (IELTS).
وكان من الأوفق تكرار التجربة التي اثبتت نجاحها في الثمانينيات باختيار عناصر من المضيفين لديهم خبرة لا تقل عن 4 سنوات ومستوى جيد جدًا في اللغة الإنجليزية وخبرة في مجال الفندقة والسياحة والحاقهم ببرنامج تأهيلي خاص على مهنة الطاهي الجوي، خصوصًا وأنها ليست مجرد تفخيم خدمة الطعام وتقديم اختيارات متنوعة من القوائم للمسافرين، بل تمتد مسئولياتها إلى السلامة الجوية وعلاقات المسافرين ومهارات الاتصالات الإنسانية. والإلمام بمهارات السفر سيما وأن الرحلات التي يعمل عليها الطاهي الجوي لا تقل مدتها عن (7) ساعات وهذا النوع من الرحلات له متطلبات إضافية (ذهنية، ونفسية، واجتماعية) مختلفة عن الرحلات القصيرة العادية.
وعلى أي حال تمنياتي للقائمين على مهنة الطاهي الجوي بالتوفيق والنجاح في عملهم وتحقيق الأهداف التي ترجوها المؤسسة، أما بالنسبة لمن قد يتساءل من المشاهدين عما آل إليه وضعي فإنني أقول ما قاله الشاعر طاهر زمخشري رحمه الله في قصيدته «ترنيمة» من ديوانه الأفق الأخضر
طويت السنين وما راعني *** سوى أنني سائر لم أزل
ويوثق خطوي الأسى تارة *** وطوراً يمزق عزمي الملل
ولكنني في طريق الردى*** وبين ضلوعي يدب الأجل
أسير وفي النفس ترنيمة *** تجدد عزمي بحب العمل
الجزء الأول من فيلم الطاهي الجوي
https://mohammedbellow.com/3q6z
الجزء الثاني من فيلم الطاهي الجوي
https://mohammedbellow.com/u501
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.