Share

تداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي. صورة ضوئية لوثيقة كنت قد نشرتها في (٢١ أغسطس ٢٠١٦) ضمن منشور على صفحتي في الفيسبوك. تضمنت للأمر السامي بـ تأسيس أول بلدية للرياض. الذي نشرته جريدة أم القرى في عددها 922 الصادر في 16 شعبان 1361هـ 27 أغسطس 1942م. ونص على “لقد صدر الأمر السامي على أمين العاصمة بتشكيل إدارة بلدية للرياض. فرشح لذلك الموظفين اللازمين وقد صدر الأمر السامي بالموافقة عليهم وهم كالآتي:

الرئيس: محمود صالح قطان، الأعضاء السيد مصطفى أصغر الشيخ شفيق حريري. السكرتير طاهر زمخشري. المحاسب وأمين الصندوق خليل كتبخانة. كاتب الادارة بكر زمخشري. المهندس صالح جاوا. المفتشان حسن قباني. زياد عرفاء ومراقبون.” وأضافت الصحيفة أن المرشحين “سيغادرون العاصمة إلى الطائف للسلام على صاحب السمو الملكي النائب. المعظم ثم يواصلون السير في طريقهم إلى الرياض لاستلام زمام عملهم”.

الأمر السامي بتأسيس بلدية الرياض
الأمر السامي بتأسيس بلدية الرياض

وفي ظل هذا الاهتمام، وجدت من المناسب أن أسلط الضوء من خلال هذه السطور المضيئة. على جانب من تاريخ تأسيس أول بلدية للرياض من مذكرات الأديب طاهر زمخشري. التي روى جانب منها في لقائه التلفزيوني مع الدكتور عبد الرحمن الشبيلي -رحمهما الله-. في برنامج شريط الذكريات 1976/11/25م. وما سمعته منه من حكايات عن تلك الحقبة. سردت جانبا منها في كتابي الماسة السمراء بابا طاهر زمخشري القرن العشرين2005م. خصوصا وأن هناك اهتمام متزايد من الباحثين والمؤرخين بالتنقيب عن مزيد من المعلومات التاريخية عن تأسيس بلدية الرياض. كالكاتب والمؤرخ محمد عبد الرزاق القشعمي الذي طالب في مقاله “متى تأسست بلدية الرياض؟!!” المنشور في مجلة اليمامة العدد 2646 (11/02/2021م – 29/07/1442هـ). بأن يساهم من لديه معلومات عن تأسيس البلدية بأن يدلي بدلوه.

القاء قصيدة بين يدي الملك عبد العزيز:

صورة الأديب طاهر زمخشري - برنامج شريط الذكريات 1976م
صورة الأديب طاهر زمخشري – برنامج شريط الذكريات 1976م

وعن ذلك، روى الأديب طاهر زمخشري رحمه الله: “عندما ذهبت إلى الرياض كانت أجمل فترة. ففيها أول مرة وقفت وبرزت كشاعر وخطيب. فقد كنت سكرتيرًا للشيخ عباس قطان أمين العاصمة المقدسة آنذاك. ورقاني كخبير في الشؤون البلدية. ورشحني لأكون سكرتير للشيخ محمود صالح قطان. في مهمة تأسيس أول بلدية للرياض. على أن ينضم إلينا في الرياض الشيخ عبد الله الخويطر. والد عبد العزيز الخويطر. وكان يشغل مدير مالية جدة. وتركي العطيشان ولكنه لم يباشر معنا.

وأعلنا في جريدة أم القرى عن حاجتنا إلى شوش لبلدية الرياض. جهزنا قافلة ضمت رئيس البلدية الشيخ محمود صالح قطان والهيئة. أذكر منهم الشيخ شفيق حريري ومصطفى أصغر وأخذنا معنا كل ما نحتاجه لمهمتنا من مساحي ومكانس وفوانيس وشوش. استغرقت رحلتنا 6 أيام. خلالها طُلب مني أن أكتب قصيدة ألقيها بين يدي جلالة الملك عبد العزيز. ترددت خوفًا من الموقف. لكنهم أصروا عليَّ وقالوا لي اكتبها ونحن سنشجعك على إلقائها أمام الملك. فنظمت 30 بيت خلال اليومين الأخيرين من الرحلة. وصلنا الرياض وذهبت في معية أعضاء الهيئة وعدد من وجهاء الرياض للسلام على جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله.

والطرافة في القصة. أني وضعت القصيدة في جيبي وكنت كل شوية أراجعها لأحفظها. حتى لا أتلكأ أمام الملك. وكان في تلك الأيام موضة جديدة للثياب بحياكة جيب علوي وضعت فيه القصيدة. قابلنا الملك عبد العزيز كان منظره مهيب. وقفت لألقي القصيدة وقلت له السلام عليكم. وبدأت أفتش في جيوبي الجانبية عن القصيدة فلم أجدها. 4-5 دقايق وأنا أبحث عن القصيدة. فقال لي الملك وش تبي تقول. وأنا أقول السلام عليكم ورحمة الله. فأتاري القصيدة في الجيب الفوقاني وأنا أبحث عنها في جيوبي الجانبية. لأني نسيت أنه في جيب فوقاني، فكان هذا أول موقف وقفت فيه أخطب وألقي قصيدة بين يدي ملك”.

لقاء الأديب طاهر زمخشري في برنامج شريط الذكريات مع الإعلامي الراحل عبد الرحمن الشبيلي -رحمهما الله- 1976م

ذكريات البلدية

ومن جهة أخرى، قال رحمه الله “كانت ظروف عملي بالبلدية سببًا في الانطلاقات الاجتماعية الكبيرة التي حقَّقتها. فقد تعرَّفت على صور متباينة من الناس، ووقفت على تعامل الأفراد مع المجتمع، وعرفت الحياة بصورة أوسع.. ففي تلك الأثناء كان الأستاذ عبد الله بلخير يعمل في الشعبة السياسية بالقصر الملكي. فهو شيخ السياسية وشيخ الإِذاعة. وكانت دارته ملتقى عشاق الأدب. وقد أحسن ضيافتنا..

وكان الشيخ عبد الله الخويطر هو الموجه لنا في البلدية إذ واجهتنا الكثير من المشاكل. ومنها شكوى أهالي الرياض بأننا ازلنا الوقف. فغضب جلالة الملك عبد العزيز من ذلك. فاستدعانا من سكننا في المقيبرة. فذهبنا إليه على الفور ونحن خائفين ولا نعلم ما الأمر. فقد كان يحيطنا أفراد من الحرس الملكي مدججين بالسلاح. دخلنا على الملك. وكان غاضبًا فسألنا لماذا غيرتم مكان الوقف الذي يوزن عليه الناس السمن؟ فشرحت لجلالته اننا أحضرنا موازين ومكاييل على الطريقة القانونية ونضع على كل تنكه توزن رقم. وأحضرنا معنا موظف مخصص لهذه المهمة واعطينا له صباغ.. حيث كان الناس يزنون السمن دون مقابل. وحينها أدرك جلاله الملك ما قمنا به وفائدته للناس والبلدية. فقال “اذن ازيلوا الميزان”. فقلنا له طال عمرك نريد أن ننظم سوق المقيبرة هذا. ونزيل الدكاك التي وضعوها. فقال ازيلوها وهكذا أخذنا تأييده باستخدام ميزان البلدية القانوني”.

طرفة أدبية في منزل الشيخ الشلهوب

ومن ناحية أخرى، واكبت إقامته في الرياض وعمله في البلديه نشاطات أدبية وذكريات جميلة وطريفة. منها ما رواه رحمه الله “دعاني في أحد الأيام الشيخ عبد العزيز الشلهوب عندما كنت في بلدية الرياض إلى منزله. ودعا المشايخ من أصدقائه. وقدمني لهم فقال: أقدم لكم طاهر زمخشري شاعر الحجاز الفاسق. فقال أحد المشايخ كيف تحكم عليه بهذه التسمية؟ دعنا نسمع منه وبعد ذلك سوف نحكم عليه إذا كان فاسقًا أم لا. فاستحلفني عبد العزيز أن أقول قصيدة من أجمل ما كتبت في الغزل. وكان الموقف محرجًا وصعبًا بالنسبة لي فقلت لهم قصيدة طويلة منها:

لـــــم أنـــس لمـــا كســـر الغنــج جفنه *** كمــا أحمـر مــن فــرط الحيــاء سبيــل

وأطبـــــــق للشـــــــعر وكتــــــــــائب *** علــى رأســـه الرجــــاف منـــه فلــول

فقـــامت تهــــادي فــــي دلال ورقـــــة *** وارتمت من سحرها حول الفرات ذيـول

ولفــــت حـــــول خصـــري وهمـــــت *** تـتـــمتم بالألفــــــاظ وهــــــي تقـــــــول

فقالـت رأيتُ البـــدر تعنــــي شــــبيهها *** فقلــت: بلــــى والله وهـــــو خجــــول

فمــا لاح حتـــى أن تبــــدت سحابـــــة *** تربعـــت فيهــــا والســــحاب ســـدول

يحـــاذر أن يلقــــى ســـناك فينطـــوي *** ويرميــــه بالإشــــراق منـــك أُفـــول

فقلــت كذلك الصبــح مـا شــاع ضـوءه *** هـــــذا الليـــــــل فهــــــو ثقيـــــــــل

فقلــت كـذلك الصبــح غيـران لذوري *** وكأنـــك لــــم يشـــف الفــــؤاد بديــــل

وكان المشايخ مبسوطين من حلاوة شعري، وواصلت..

فقالــت: وقــــد دب النعـــــاس بجفنهــا *** إذن ليــس لـــي فــي العــالمين مثيـــل

لأنـــي فـــي دنيـــا المفــــاخر كوكــب *** صبـــــــح والخـــــــــدود أصيــــــــل

ونــامـت وحــولي غمــرة من ضيــائها *** فقلــت: ألا ليــــت العنـــــاق يطـــــول

بعد ذلك، سكتُ قليلًا وقلتُ لهم:

فتشتُ مـــن حولــــي إذ طيف غــادة *** وطيف الغوانــي فـــي المنــــام ختــول

فقال والله يا خبيث لم تضع البيت الأخير إلا خوفًا من المشايخ. فسألوني هل وضعت البيت خوفًا منا. قلت: لا أبدًا كانت القصيدة حلم من أحلام النوم ولن ننسى دور ثقافة الفلاح الإسلامية فأنا واحد من خريجيها”.

دعوة لتكريم مؤسسي بلدية الرياض

وبانتهاء مهمتهم بتأسيس بلدية الرياض التي تخللها أيضًا تأسيس بلديتي الخرج والليث. عاد إلى مكة.

وكان الشيخ سليمان المشيقح أول رئيس لبلدية الخرج رحمه الله قد ذكر في حواره مع الإعلامي محمد الوعيل بصحيفة الجزيرة (العدد 5545 في 1408/04/13-1987/12/04م) بأن الشيخ محمد سرور صبان القائم بأعمال وزير المالية قد أصدر أمرًا في 1362/03/15هـ. بتوجهه إلى الخرج ومع وصوله صدر أمر وزير المالية عبد الله السليمان بتعيينه رئيسا لبلدية الخرج على أن يكون مرتبطًا به من الناحية الإدارية. وعينوا له الأديب طاهر زمخشري مشرفًا على مكتبه ومرشدًا له في عمل البلدية بحكم خبرته السابقة في بلدية مكة المكرمة. خلالها قاموا بتخطيط مدينة الخرج بدون مهندسين ووضعوا الشوارع الكبيرة وأسمو الشوارع وأنشئوا سجلا للأملاك.

وبانتهاء تلك الأعمال عاد الزمخشري لمكتب وزير المالية بمكة المكرمة الذي كان يرأسه آنذاك الأديب الكبير محمد حسين زيدان – رحمه الله-. تاركًا خلفه تاريخًا كاد أن يندثر. لولا اجتهادات بعض الباحثين. التي حفظت شيء من ذلك التاريخ. كالباحث فهد المفيريج الذي وثق في بحث له تاريخ تأسيس أول بلدية في الرياض. نُشر جانب منه في صحيفة سبق. بعنوان ((قبل 80 عاماً.. تعرّف على أعضاء ومكان تأسيس بلدية الرياض)) في 20/05/2020 – 27/09/1441هـ وأورد فيه نص الأمر السامي بتأسيس بلدية الرياض. وأسماء المرشحين من مكة المكرمة للقيام بهذه المهمة. وأسماء الفريق الذين انضموا إليهم من الرياض. وهم عبد الله الخويطر وسعد بن سعيد وعبد العزيز بن مبارك بن حلوان وعبد الله بن محمد الحكير.

وأشار، إلى أن مبنى البلدية بني عام 1359هـ – 1940م. وأن ملكيته كانت تعود إلى أحد وجهاء الرياض في ذلك الوقت عبد العزيز بن عبد الله بن حسن. ويوجد في حي الظهيرة – حوطة خالد. وسكنه عدد من الوجهاء. منهم الشاعر نافع بن فشلية الحربي. ثم الوزير عيد بن سالم، ثم آلت ملكيته إلى القاضي عبد الرحمن بن فيصل التركي.

وذكر أن البلدية بدأت في ممارسة مهامها بالرياض. فتم تشكيل جهاز للإشراف على النظافة وإلغاء الموازن القديمة للأغذية وبدأ تعديل عرض الشوارع بحيث لا يقل عن 6 أمتار.. وأن وجهاء الرياض طالبوا التشرف بمقابلة الملك عبد العزيز هم وأعضاء الجهاز البلدي. وتشرفوا بالسلام عليه وألقى الشاعر الزمخشري قصيدة ذكر فيها خصال الملك الحميدة وذكر فيها محاسن الرياض.

ولعلها فرصة مناسبة أن أدعو في ظل هذه الأيام التي تشهد فيها المملكة اهتماما بالغًا بإحياء إرثها التاريخي وتكريم رواده. بتكريم أولئك الرواد الذين ساهموا في تأسيس أول بلدية للرياض. وتخليد ذكراهم بوضع أسمائهم وصورهم في لوحة شرف على مدخل مبنى البلدية. وتسمية شوارع رئيسية في الرياض بأسمائهم وفاء لهم وتقديرًا لما أنجزوه.

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 1٬235
Share