Share

نشر هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 23-02-2021

احتفل العالم في 13 فبراير باليوم العالمي للإذاعة تحت شعار “إذاعة متجددة لعالم متجدد”. للتذكير بمدى ارتباط هذه الوسيلة بتاريخ البشرية. ومواكبتها لمختلف التطورات التي طرأت على مجتمعاتنا. وتكييف خدماتها مع هذه التطورات. فهي تتغير على وقع التغير في العالم.

وبتلك المناسبة أجرت إذاعة نداء الإسلام بمكة المكرمة لقاء خاص مع معالي وزير التجارة وزير الإعلام المكلف د.ماجد القصبي استذكر خلاله أسماء رواد الإذاعيين بالمملكة العربية السعودية وعلى رأسهم الأديب طاهر عبد الرحمن زمخشري.

وفي هذا السياق رأيت من المناسب. أن أسلط الضوء من خلال هذه السطور المضيئة على جانب من قصة الأديب ودورة التاريخي في تأسيس الإذاعة وذكرياته معها. فقد كان -رحمه الله- من روادها ونموذجًا للإعلامي المتكامل من حيث إنه كان مذيعاً وصحفيًا ومعدًا للبرامج، علاوة على أنه أديب وشاعر.

 

بدايته مع الإذاعة

في العام 1368هـ/1949م كان الأديب يعيش أحزان وفاة زوجته ومحبوبته ورعاية أبناءه الأيتام. في الوقت الذي كان يعمل في وظيفة قال عنها “دي شغلة ما تنفع لي ولا انفع لها”. وهي سكرتير في ديوان الجمارك بمكة المكرمة. وفي موسم حج ذلك العام ابتسم له الحظ باتصال هاتفي من السيد هاشم يوسف زواوي أحد مؤسسي الإذاعة السعودية. قال له لقد تم تعيينك في الإذاعة وعليك أن تباشر يوم غد. فطار فرحًا ولملم أوراقه وملفاته وسلمها لمدير الجمارك آنذاك الأستاذ محمد نور رحيمي. وخرج جريًا فرحًا بمجال عمله الجديد الذي سيعيده إلى عالم الفكر والأدب والثقافة.

وكانت الإذاعة قد تأسست في يوم الثلاثاء 23 رمضان 1368هـ – 19 يوليو1949م. بموجب مرسوم ملكي من المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله-. أمر فيه بوضع الإطار العام للإذاعة. وأكَّدَ على ضرورة التزام الصدق والأمانة، والواقعية، والموضوعية، والاهتمام بالأمور الدينية، وإذاعة القرآن الكريم والمواعظ الدينية.

وكانت أول مهمة كلف بها الأديب بعد التحاقه بالإذاعة. هي إحضار القارئ الشيخ سعيد محمد نور رحمه الله إلى أم الدرج لتسجيل القرآن الكريم للإذاعة. وعن ذلك روى رحمه الله «كانت أول عملية عملتها في الإذاعة مندوب أروح أجيب واحد علشان يقرأ .. فأخذت الشيخ سعيد محمد نور عشان يسجلوا له، وكان شيخ ظريف جداً مصري من شبرا وكان مقرئ جاي حاج،.. كان هذا أبرك عمل فتح الله علي فيه بالإذاعة بأسباب دعاء الشيخ سعيد محمد نور. لأني ما تركته، نسيت إني رايح أجيبه عشان يقرأ فقمت اتصادقت معاه قعدت أخدمه طول السنة اللي هو حج فيها».

وعن بدايته مع العمل الإذاعي. فقد قال -رحمه الله- في حواره الإذاعي مع الدكتور محمد العوين الذي نشره مؤخراً في كتابه مواجهات «نحن أول هيئة إذاعة.. اجتمعوا على شان رشحوا هيئة الإذاعة.. فترشحت أنا وحسن قرشي وعبد الله المنيعي.. محسن باروم .. هاشم الزواوي وعبد الجليل أسعد وبعض إخواننا الفلسطينيين كانوا معنا.. فأنا يعني تقريبا كدت أسقط في الترشيح… ليلة الاختبار، ليلة اختاروا الأسماء.. أحمد السباعي .. حسن قرشي… عبدالله المنيعي .. طاهر الزمخشري.. عبدالجليل أسعد .. فلما جاء اسم طاهر الزمخشري بدأوا يتناقشوا الموجودين في بيت الشيخ عبدالله السليمان.. قالوا إن هذا صوته ضعيف.. فالشيخ إبراهيم السليمان الله يرحمه ويتغشاه برحمته التفت لهم وقال لهم إنه إحنا مو بحاجة إلى صوت امرأة.. قالوا إلا قال طيب هذا خليه يمثل صوت المرأة.. ويقدم برنامج صوت المرأة.. فقدمت برنامج .. أول ما قدمت.. ركن المرأة».

وبالفعل صدر قرار بتشكيل أول هيئة تأسيسية للإذاعة مكونة من إبراهيم الشورى رئيسًا، هاشم زواوي مساعدًا له، أحمد السباعي، طاهر زمخشري، حسن قرشي، عبد الله المنيعي، أحمد فاسي، محسن باروم، عبد الجليل أسعد.

وانطلقت الإذاعة ببثها من فندق (البساتين) بحي الكندرة بجدة في 1368/12/09هـ -1949/10/01م. بآيات من القرآن الكريم بصوت الشيخ طه الفشني. ثم كلمة مسجلة للملك فيصل بن عبد العزيز -رحمه الله- نيابة عن والده جلالة الملك عبد العزيز -رحمه الله-.
وكانت مرسلاتها في محلة النزلة جنوب شرقي جدة مع مرسلة تقوية في مكة المكرمة. وكان منسوبوها والمتعاونون معها من مكة المكرمة يضطرون إلى النزول إلى جدة بسيارات الأجرة أو البريد. واستمروا على هذه الحال عامي 1369هـ و1370هـ. خلالها برز الأديب -رحمه الله- كأحد المخلصين والمجتهدين الذين عملوا بجد وإخلاص للإسهام في نجاح واستمرارية تلك الانطلاقة.

وقد أورد السيد هاشم زواوي -رحمه الله- في معرض ذكرياته «إن الإِذاعة في بداية عملها كانت تعتمد على البث المباشر، أي بدون تسجيل. فعلى المقرئ والمذيع وكل من يشارك في البرامج أن يحضر بنفسه للإِذاعة. وفي يوم من الأيام كان المطر شديدًا والطرقات في حالة صعبة. وكان مكتبنا في حي الكندرة يشغل مقر المستشفى الوطني الحالي. ولكي نقوم بإرسال البث في الموعد. فقد لقينا كثيرًا من العناء. وقام الشاعر طاهر زمخشري في المطر بالركوب على الرفرف. ليدل السائق على الطريق حتى يصل في الموعد المناسب. الحمد لله فقد أثمرت الجهود».

 

نجوميته الإذاعية

في 1371/01/01هـ – 1951/10/02م. انتقلت استديوهات الإذاعة من جدة إلى مكة المكرمة بالقلعة على جبل هندي (جبل قعيقعان). ومكاتبها الادارية بحي الشبيكة.

وبهذه المناسبة نظم حفل كبير تحت رعاية الملك فيصل بن عبد العزيز -رحمه الله-. حينما كان نائبًا للملك في الحجاز شارك فيه الأديب مع زملائه من مؤسسي الإذاعة.

ومن حينها انطلق بمسيرة عمل حافلة. امتدت لـ 7 سنوات. كان فيها من المحركين الرئيسيين للإذاعة وأحد أهم رموز العمل الإذاعي في بلادنا.

فلقد أشرف على أول نقل لصلاة الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف. ونقل مناسك الحج. وأعد وقدم أكثر من 18 برنامجًا أشهرها «ركن الأطفال». الذي اشتهر منه بلقب بابا طاهر. وقدم منه نجوم للإذاعة والإعلام كعباس غزاوي. وبرنامج يوم جديد الذي استمر نحو أربع سنوات. وروضة المساء نحو ثمان سنوات.

كما كان أول من علق على مباراة لكرة قدم. علاوة على مرافقته وتغطيته لرحلات الملك سعود -رحمه الله- الداخلية والخارجية. ومنها رحلته الأولى إلى المدينة المنورة وتفقد أول مشروع توسعة للحرم النبوي في العهد السعودي.

وعن ذلك روى رحمه الله “كنت رئيس البعثة الإذاعية الصحفية في رحلة تفقدية في معية الملك سعود وصلنا المدينة.. جانا رئيس الحرس الملكي: ولد.. قلت له: إيش فيه قال: رد سيارتكم ورا.. قلت له: لا.. سيارتنا تكون جنب الملك.. جنب سيارة الملك.. قال: أقول لك رد سيارتكم ورا.. قلت له: ما رد سيارتي وراء. لأن رسالتي أنا والعمل اللي أنا بأوديه تكون سيارتي أنا واللي معايا مع الملك.

فدخلت معاه في مشادة .. وصل الملك في الصالة وقعد.. خليت الميكرفونات في السيارة وطلعت المنصة. الجمهور صفق على أساس طاهر الزمخشري الشاعر يريد أن يهلل بقصيدة.. وبكل شجاعة قلت له أمام الناس كلهم: يا صاحب الجلالة أستميح جلالتكم عذرا وأستأذن بالعودة إلى جدة الآن.. لأني لم أستطع أن أؤدي رسالتي..

الناس كلهم الجمهور سكتوا.. قال لي الملك: تعال.. نزلت أنا الميكرفون.. قلت له نحن جينا في ركابك علشان ننقل صورة صوتية للترحيب بجلالتكم في المدينة المنورة.. خصوصًا وأن العالم الإسلامي يترقب إنهاء عمارة المسجد النبوي. ويسره أن يتعرف عن طريق الأثير على تفاصيل رحلتكم التفقدية لهذا المشروع. والحرس منعونا يقولوا لازم سيارتكم ترجع ورا.. حياني بابتسامته المشرقة. وزهم رئيس الحرس قدام الناس.. قال: اسمع.. خذه وحط السيارة محل ما يبغي.. قلت له: فيه كمان طال عمرك حاجة.. تقل له إن الركب ما يتحرك إلا لما أشر له أنا.. علشان نسجل.. قال: وبكل تواضع والركب ما يتحرك إلا لما يشاوروا لهم حقين الإذاعة”.

كما غطى أول زيارة للملك سعود لمصر كملك في 21 مارس 1954م. وكلف من صديقه المذيع أحمد سعيد رئيس إذاعة صوت العرب بإدارة الإذاعة المصرية لمدة أسبوع. لإخراج برنامج الزيارة. فكون فريقا من الإذاعيين والفنانين السعوديين. قدموا برامج إذاعية وفقرات غنائية ترحيباً بالملك.

وأقام حينها في مصر لبعض الوقت أنجز فيها المزيد من الأنشطة الإذاعية والفنية. منها كتابة وتسجيل أغنية “البارحة عن الغروب” أول أغنية وطنية سعودية من ألحانه وتوزيع موسيقي وغناء الفنان عباس البليدي. “هليت يا ملك” من الحان وتوزيع الموسيقار السوري يوسف الشيخ. غناء مجموعة من الأطفال السعوديين طلبة بمدرسة المنيل الخاصة بالجيزة. “بين الحرم والهرم” الحان الموسيقار المصري محمود شريف غناء الفنانة نازك.

وفي العام 1374هـ/1954م صدر مرسوم ملكي بإنشاء المديرية العامة للصحافة والنشر تتبع لها المديرية العامة للإذاعة وإدارة المطبوعات والصحافة. لتنظيم وتنسيق جميع وسائل النشر في المملكة وتعيين الوزير المفوض عبد الله عمر بلخير بالإشراف على المديرية.

فاستدعاه من مصر وأسند إليه مهمة مراقب فني استديوهات بالإضافة إلى مدير عام مساعد للبرامج. فعمل على تطوير الإذاعة والبرامج. وكون أول فرقة موسيقية للإذاعة ضمت “محمد علي بوسطجي على العود. سليمان شبانة وسعيد شاولي على آلة الكمان. حمزة مغربي على القانون. والهرساني على الناي. وعبد المجيد هندي على الإيقاع.

وكان أول عمل قاموا به عزف أغنية من كلماته وألحانه قدمها بصوت الفنان فاروق غزاوي تحية لملك العراق فيصل الثاني. أثناء زيارته للمملكة بثت على الهواء مباشرة عبر إذاعة جدة والعراق ولندن في العام 1957م.

لم يقتصر عمله على إدارة وإعداد وتقديم البرامج فقط. بل واكبه بأنشطة فنية وأدبية بروائعه الخالد كابتهال “رباه” للجسيس سعيد أبو خشبة. وأغنية “المروتين” للموسيقار طارق عبد الحكيم. وإصداره 4 دواوين شعرية «همسات 1952م/1372هـ». «أنفاس الرَّبيع 1955م/1375هـ». «أصداء الرَّابية 1957م/1377هـ». «أغاريد الصَّحراء 1958م/1378هـ». وغادر عمله بالإذاعة على إثر خلاف إداري رفعه إلى رئيس مجلس الوزراء في 1378/06/21هـ. مطالبًا إنصافه فيما وقع عليه من مظلمة.

وقد لخص فترة عمله في الإذاعة في مقاله الذي نشره في جريدة البلاد (ذي الحجة 1376هـ – يوليو 1957م). بعنوان “مذكرات مذيع” «اشتغلت في الإذاعة منذ تأسيسها. وخرجت منها لا كما قال الشاعر – لا عليا ولا ليا – بل على العكس خرجت منها ملئ الوفاض بمكاسب أدبية. من أجل وأغلى هذه المكاسب رحلاتي في ركاب جلالة الملك المعظم. التي استفدت منها فوائد ما زلت مخمورًا بنشوتها مغتبطًا سعيدًا بذكرياتها الجميلة. وفي مقدمة هذه الرحلات رحلتي في ركاب جلالته.. إلى المدينة وإلى الهند».

وكانت أخر نصيحة له للمذيعين خصوصًا المبتدئ منهم. بأن يكون لديه ثقافة فكرية بجانب ثقافته الاجتماعية فعليه أن يعرف من هم الأدباء. من هم الشعراء.. من هم الأطباء.. من هم العلماء.. ما هذه الجامعة.. من هم الوزراء.. من هو الرجل الثاني في هذه الوزارة.. ما هو مستوى هذا؟، وأن يكون ذو صوت جميل ولديه القدرة على تلوين الأداء والقدرة على التعبير المؤثر.

 

الأديب في سطور

طاهر عبد الرحمن زمخشري من مواليد مكة المكرمة في 27 رجب 1332هـ – 22 يونيو 1914م. أحد المبدعين البارزين في مجال الأدب وخصوصاً الشعر في المملكة العربية السعودية، ومن أكثر الشعراء السعوديين غزارة في الإنتاج. وهو صاحب أول ديوان شعري مطبوع في تاريخ الشعر السعودي الحديث «ديوان أحلام الربيع» الصادر عام 1946م. شغل العديد من الوظائف الحكومية. وهو من مؤسسي الإذاعة السعودية ورائد أدب الطفل في المملكة العربية السعودية.

كرمته الحكومة التونسية بمنحه وسامين في عامي 1963م و1973م. كما مُنح جائزة الدولة السعودية التقديرية في الأدب لعام 1404هـ – 1984م. تسلمها في الحفل الذي أقيم في 1405/08/08هـ – 1985/04/28م. بقاعة الملك فيصل للمؤتمرات بالرياض برعاية الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود. صدر له 30 ديوان شعري.

توفي في 02 شوال 1407هـ – 29 مايو 1987م في مدينة جدة ودفن بمسقط رأسه مكة المكرمة بمقبرة المعلاة.

رابط المقال على صحيفة غرب الإخبارية

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 459
Share