Share

يحتفل العالم اليوم الأحد الثامن من سبتمبر باليوم الدولي لمحو الأمية تحت شعار «محو الأمية وتعدد اللغات»، واحتفال هذا العام فرصة للتعبير عن التضامن بوصفها السنة الدولية للغات الشعوب الأصلية، والذكرى السنوية الخامسة والعشرين للمؤتمر العالمي بشأن تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، الذي أُعتمد فيه بيان سالامانك بشأن التعليم الشامل، فقضية محو الأمية عنصر جوهري في أهداف الأمم المتحدة وجدول أعمالها2030  للتنمية المستدامة.

ولا تزال الأمية تمثل تحدٍ كبير إذ يوجد 800 مليون أمي في العالم منهم 70 مليون في العالم العربي رغم انخفاض الأمية فيه من 37% في العام 1970م إلى 21% في العام 2018م، فوفق تقرير الألكسو (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية) «بلغت نسبة الأميه في العالم العربي نحو 21% من إجمالي عدد السكان، مما يعني أن 1 من كل خمسة أشخاص أمي مع تفاوت في النسب بين الدول العربية، ونسبة الأمية بين الإناث تصل إلى 25% والذكور 14%، و 7% – 20% من أطفال العالم العربي يتسربون من التعليم خلال المرحلة الابتدائية وقد تصل النسبة في بعض الدول إلى 30%، وهذا يجعل نسبة الأمية تزيد بشكل كبير، ويوجد 13مليون طفل عربي خارج دائرة التعليم بسبب النزاعات والصراعات المسلحة وموروثات اجتماعية وثقافية، مثل الزواج المبكر والتفكك الأسري والوضع الاقتصادي المحلي وعمل الأطفال والفقر والبطالة».

والمملكة العربية السعودية من الدول العربية التي خطت خطوات واسعة في محو الأمية وتعليم الكبار منذ انطلاقته في العام 1954م/1374هـ حينما كانت نسبة الأمية فيها 60% مروراً بإقرار مشروع نظام تعليم الكبار ومحو الأمية عام 1972م/1392هـ الذي تم تحويله إلى إدارة عامة لتعليم الكبار عام 2017م/1437هـ، وصولاً إلى أقل من 5,6% في العام 2018م ضمن الهدف الاستراتيجي لمبادرة التعلم مدى الحياة (استدامة) المنبثق من برنامج التحول الوطني لرؤية المملكة 2030 في سبيل إعلان مملكة خالية من الأمية.

ولابد من الإشارة إلى أن محو الأمية وتعليم الكبار كان له فوائد اجتماعية جمة منها شغل فراغ الأمهات والمعلمات في أوقات بعد الظهيرة، فعلى سبيل المثال لا أزال أذكر مشهد أمهاتنا وهن ذاهبات وعائدات من وإلى برنامج تعليم الكبار وتبادل المعرفة معهن أثناء حل واجباتنا المدرسية مساء، كما كان له فائدة في تحسين الدخول الأسرية من خلال الأجور الإضافية التي كانت معلمات محو الأمية يتقاضينها إلى جانب أجورهن الأساسية.

وبالعودة إلى شعار هذا العام «محو الأمية وتعدد اللغات» فقد ظهرت تحديات جديدة لخطط وبرامج محو الأمية وتعليم الكبار قد تؤدي إلى إبطاء حركة التنمية وارتفاع الأمية مرة أخرى وفق المفهوم العصري المتمثل في أمية استخدام الحاسب، المعرفة، مناهج التفكير، وآليات التعلم، حيث أدت ثورة الاتصالات الرقمية إلى اعتماد جل منافع الحياة اليومية عليها في ظل وجود شريحة من المجتمع لا تجيد استخدام الحاسب أو التقنيات الرقمية الأخرى وتطبيقاتها، فأصبحوا أميين رقمياً وعاجزين عن اللحاق بعجلة التطور المعرفي.

كما أدت حركة النمو والطفر الاقتصادية على مدى العقود الماضية إلى وصول أعداد من العمالة الوافدة لتغطية احتياجات سوق العمل أمية ولا تجيد اللغة العربية أو أي لغة أخرى غير لغتها الأم وبالتالي زادت من أعداد الأميين في المجتمع وبطأت من حركة التطور، أضف إلى ذلك ارتفاع نسب ذوي الإعاقة الذين لا يحصلون على برامج إعادة تأهيل وتدريب تمكنهم من الوصول إلى التعلم وبالتالي يصبحون ضمن الأميين ويخرجون من حركة المجتمع والاندماج في الحياة بصورة طبيعية.

ولمعالجة تلك التحديات أرى أن يتم الاستفادة من مبادرة التعلم مدى الحياة «استدامة» المنبثقة من برنامج التحول الوطني، بتشجيع القطاع الخاص والأفراد على الاستثمار في تطوير برامج ومراكز لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها بصورة مشوقة وعملية تمكنهم من القراءة والكتابة والتحدث بها ووضع التشريعات والقوانين التي تلزمهم على التعلم، تطوير وزيادة برامج ومعاهد تدريب التقنيات المعلوماتية والرقمية بصورة ميسرة وسريعة تلائم قدرات الكبار والصغار، زيادة مراكز إعادة تأهيل وتدريب ذوي الإعاقة المتخصصة، تكثيف برامج التوعية العامة بأهمية التعلم وأضرار الأمية على المجتمع.

نشر هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 2019/09/07م

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 60
Share