في مثل هذا اليوم 04 نوفمبر من العام 2003م، كُنت أجلس في قاعة اجتماعات البنك الإسلامي للتنمية وأعيش نشوة فرح وأنا أرى حُلمًا قد تحقق لهدف وضعته في 09 سبتمبر 1996م أثناء مغادرتي لشُقتي في العمارة رقم 2655 المطلة على شارع 27 بمدينة «مينيابولس Minneapolis» بولاية «مينيسوتا Minnesota» الأمريكية،
بأن أؤسس مركزًا لتدريب وإعادة تأهيل ذوي الإعاقة البصرية في جدة ضمن مشروع يصنع من الأشخاص المكفوفين مستقلين ذاتيًا، وأكون عضوًا فيه، وأن يكون بمثابة عمل يؤمن لي مستقبل وظيفي لتحسين وضعي المادي. وذلك بعد انتهائي من برنامج للاستقلال الذاتي تلقيته في معهد الجمعية الوطنية للمكفوفين.
حيث خرجت من شقتي بمفردي، وركبتُ سيارة الأجرة، ووصلتُ إلى المطار حاملًا حقائبي بيدي اليُسرى على ظهري وعصاي البيضاء بيدي اليُمنى، وتقدَّمتُ إلى الطابور حتى جاء دوري، وسمعتُ المُوظَّفة تُنادي، فقدَّمت التذاكر، ووزنتُ الحقائب، وأخذتُ بطاقة الصعود إلى الطائرة، وتوجَّهتُ إلى صالة السَّفر حسب إرشادات المُوظَّفة.
ذلك أهم ما التمسته من فرق قبل وبعد التحاقي ببرنامج التدريب، فلقد تحوَّلتُ في ثلاثين يومًا من شخص غير قادر على الحركة والتَّنقُّل العام في مُعظم الأوقات بمفردي، إلى شخص قادرٍ على الاعتماد على ذاته. ولديه مهارات إضافية.
من خلال التدرب على مهارات التوجه والتنقل الآمن باستخدام العصاء البيضاء، واستخدام الآلات الفنية، والحاسب الآلي والقراءة والكتابة بطريقة برايل، والمهارات الحياتية والإدارة المنزلية (ترتيب، تنظيف، طبخ) مما مكنني من استئناف هوايتي السابقة في مجال الطعام التي كنت قد توقفت عن ممارستها، ونجحتُ في الاعتماد على نفسي في مُمارسة حياتي اليومية بصورة طبيعية، وشعرتُ بحلاوة ومُتعة الاستقلال الذَّاتي.
وخلصت إلى أن العمى ليس كارثة، فالإنسان إذا فقد حاسَّةً واحدةً من الحواسِّ بالتأكيد ستنمو لديه حواسُّ تعويضية وقُدرات أخرى تجعله قادرًا على مُمارسة ما يرغب من هوايات وطموحات مهما صعبت، مثل الطبخ والتقطيع، علاوةً على المشي بمُفرده، فهو يقوم بجميع تلك الأعمال بيديه ورجليه وليس بعينه، وبصره وسيلة مُساعدة لذلك.
كما أدركت الحاجة الماسَّة لنقل مثل هذه البرامج، وفلسفة الاستقلال الذَّاتي عمومًا إلى بلادنا، للقضاء على العجز والشعور بالإحباط الذي يصيب فاقدي الإبصار أو أسرهم، وإعادة زرع الثقة في أنفسهم لمواصلة حياتهم اليومية بصورة طبيعية وأكثر فاعلية مع توعية المُجتمع.
وبالفعل بعد ذلك اليوم بنحو 7 سنوات من البحث والدراسة واللقاءات التي أجريتها مع عدد من الصحف والقنوات الفضائية، وتقديمي لفكرة المشروع وتبنيه من قبل صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز -رحمه الله- ومعالي الدكتور أحمد محمد علي وسعادة الدكتور عاكف المغربي، تحقق هدفي بتأسيس المركز رسميًا.
ففي مساء يوم 04 نوفمبر 2003م – 10 رمضان 1424هـ عقد الاجتماع التأسيسي للمشروع بمقر البنك الإسلامي للتنمية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز –رحمه الله- بحضور الأعضاء المؤسسين من أصحاب السمو الملكي الأمراء ورجال الأعمال والشخصيات العامة، وسعادة الأستاذ إحسان بن صالح طيب مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكة المكرمة آنذاك والأستاذ بدر بن جابر السحاقي مدير الجمعيات الخيرية وفريق مركز إبصار وعدد من أوائل المستفيدين من المركز من ذوي الإعاقة البصرية وأعلن عن تأسيس المشروع باسم «جمعية إبصار الخيرية للتأهيل وخدمات الإعاقة البصرية» وتسجيلها لدى وزارة الشؤون الاجتماعية آنذاك برقم «265».
واختير صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز -رحمه الله- رئيسًا لها والذي ألقى كلمة بتلك المناسبة مما جاء فيها:
“إن لمن دواعي السعادة أن يأتي إعلاننا عن قيام الجمعية رسميًا في هذا الجو الروحاني الذي نأمل أن يكون بشير خير -بإذن الله- ومما يزيد تفاؤلنا بنجاح عملنا أن ميلاد أول مجلس إدارة منتخب لها سيكون الليلة أيضاً. هذا المجلس الذي سوف يأخذ على عاتقه تنفيذ الخطط والبرامج وصولاً إلى تحقيق الأهداف النبيلة المرجوة -بإذن الله- والتي سبق أن حددناها في اجتماعاتنا السابقة.
إن المجتمع أيها الإخوة ينتظر من الجمعية الكثير، ولذلك فلا بد أن تكون جهودنا كلها موجهة لتحقيق ذلك لتكون إضافة نوعية ومستمرة للمجتمع المدني في المملكة العربية السعودية والمنطقة العربية، ومرجعية في العمل الأهلي التطوعي التنموي.
ونحن في برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية (أجفند) ماضون بمشيئة الله في تقديم ما يعين الجمعية على تحقيق أهدافها، ويسعدنا أن تكون باكورة التعاون بين أجفند والجمعية اتفاقية سوف نوقعها الليلة يتم بموجبها تقديم دعم مالي قدره 750 ألف ريال لتعزيز البناء المؤسسي وتدريب العناصر البشرية لتكون قادرة على استيعاب التجارب الجديدة في مجال تأهيل المعوقين بصرياً. ومن ثم نقل تلك التجارب بالكيفية التي تلائم مجتمعنا”.
وتم انتخاب أول مجلس إدارة للجمعية من 11 عضوًا برئاسة معالي الدكتور أحمد محمد علي الذين بدورهم اجتمعوا لاحقا واتخذوا قرارا بتعيني مديرًا تنفيذًا للجمعية اعتبارا من الثلاثاء 17 رمضان 1424هـ – 11 نوفمبر 2003م.
وكان معاليه قد ألقى كلمة في الاجتماع مما جاء فيها “إن الجمعية التي نلتقي هذا المساء لنعلن على بركة الله تأسيسها تسعى للإسهام في تحقيق أهداف سامية تتمثل في:
- تأهيل المعوقين بصرياً والمختصين والعاملين في هذا المجال.
- تقديم اختبارات تقويم البصر لضعاف البصر.
- توفير التكنولوجيا لضعاف البصر مع الدعم والمساندة التدريبية.
- توعية المجتمع عن أسباب الإعاقة البصرية وطرق الوقاية منها.
- تجميع وتصنيع الأدوات البصرية.
- إنشاء مراكز البحث العلمي والمعاهد المتخصصة في خدمة العوق البصري.
- دعم الأبحاث والدراسات المتعلقة بالإعاقة البصرية.
- تطوير الأبحاث والخدمات المتعلقة بالعوق البصري”.
وهكذا تأسس أول مشروع في العالم العربي لتدريب وإعادة تأهيل ذوي الإعاقة البصرية ليكونوا مستقلين ذاتيًا دون حاجتهم للسفر إلى أمريكا أو أوروبا لذلك، ونواة لتنمية وتطوير برامج إعادة تأهيل ذوي الإعاقة البصرية في المملكة والعالم العربي، ومكنني من العودة للعمل بصفة رسمية بعد (11) عامًا من إحالتي إلى التقاعد المبكر من عملي في الخطوط السعودية في 15/10/1992م، والالتحاق ببرامج تدريب تخصصية في المجال.
وللمصادفة فإن الوقت الذي سطرت فيه هذه الذكرى والعالم منشغلًا بما يدور من أحداث في غزة «طوفان الأقصى»، قد شابه الفترة التي كنت منشغلًا فيها بالعمل على تأسيس المشروع من مكتبي بمستشفيات ومراكز مغربي إذا كان العالم منشغلا أيضًا بـ «الانتفاضة الفلسطينية الثانية» التي اندلعت في 28 سبتمبر 2000م الأمر الذي قادني للالتقاء ببعض شباب الانتفاضة الذين تكفلت مستشفيات مغربي بعلاجهم من الإصابات التي تعرضوا لها في أعينهم، كذلك التقائي بأحد المعاقين بصريًا من أهالي غزة وزوجته الذين جاءا للعمرة والبحث عن علاج للالتهاب الصباغي الوراثي في المستشفى.
ولعلي أتناول تلكما القصتين في سياق الحلقات القادمة من هذه السلسة.
الرابط المختصر لهذا المقال:
جزاكم
الله خير على الفكرة الرائعة والسعي الدؤوب لحث المسؤولين لتأسيس الجمعية من أجل خدمة مجتمع المكفوفين والذي يصب في خدمة المجتمع والوطن ككل بارك الله سعيكم ووفقكم لمزيد من العطاء لخدمة الدين والوطن.
جزاكم الله الف خير سعادة الاستاذ محمد بلو على ما قدمتم وتقدمون لمجتمع المبصر قبل مجتمع الكفيف
ذكرتني بنعمة البصر لا حرمك الله من فضله انتَ وكل عباد الرحمن المبصرين والغير مبصرين
محبكم
/ نهاد الإمام
مستشار أسري خبير التدريب والتنمية وإصلاح ذات البين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله في جهودكم
عمل جبار
فتحقيق الطموح والوصول للأهداف
وجني الثمار بعد تجاوز الصعاب والعقبات
سعادتها لا توصف.
ما شاء الله تبارك الله بصراحة قمت بعمل جبار وهذا ليس بغريب عليك لاني اعرفك منذ كنت تبصر وعملنا سوياً لعدة سنوات في رحلات الخطوط السعودية وكنت دائماً مبدع في أعمالك ورحلات ومرح مع زملائك
اسأل الله العلي القدير ان يعوضك خيراً مما اخذ منك بارك الله في جهودك وأتمنى لك التوفيق اخوك عبدالكريم
السلام عليكم ورحمة الله
اخي الحبيب بلو جزاكم الله بالخير ورحم كل من ساهم في هذا المشروع الخيري الذي أدى الهدف الذي انشأ من أجله وأتذكر مدى الدهشة التي تحولت الى شعور بالفخر عند زيارتي لكم في مركز جمعية ابصار حيث انني رأيت مدى البراعة في الاستقلالية والاعتماد الكامل على النفس من الحركة والتنقل داخل الجمعية واستخدام وسائل التواصل والاتصال وذلك ابتداء من موظفة الاستقبال انتقالا لباقي الاقسام،،
حقيقةً اخي الحبيب تعجز الكلمات عن الوصف والتعبير لما وفقكم الله لإنجازه من هذه الخدمات الإنسانية والروحانية والى الامام أخي وقدوتي.
فأنت أثبت بفضل الله ان لاوجود للمستحيل مع الإصرار،،
تقبلوا شكري وتقديري ومعذرة على التقصير في التواصل🌹
انت من وضع اللبنة الأولى لكيان جمعية إبصار الخيرية، وانت من وضعت اسمها في مصاف الجمعيات الخيرية التي لم تكن متخصصة في مجال الإعاقة البصرية.
صنعت من جمعية إبصار الخيرية نموذجاً يحتذى به. وانت العلامة الفارقة في جمعية ابصار منذ تأسيسها وحتى آخر يوم عملت فيه.
وانا إحدى موظفات الجمعية آنذاك وتشرفت بالعمل معك ولا زلت احمل وفاء وانتماء لأمين عام الجمعية السابق أ/ محمد توفيق بلو ولجمعية ابصار المميزة في فترة عملك.
شكرا من القلب على كل ما قدمته وما تعلمته منك.
اليوم وبعد 15 عام ،هل الجمعية حققت أهدافها التي من أجلها
تأسست؟؟؟
بارك الله في جهودكم وفي كل جهد
يهدف خدمة الإنسان.