Share

مع فجر يوم الخميس (24 فبراير2022م) بدأت يومي بمشاهدة برامج ثقافية على اليوتيوب من جوالي كعادتي الصباحية. وإذا برسائل الواتساب تنهال. كل يرد أن يسبق بنقل خبر اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وما تناقلته شبكات التواصل الاجتماعي من تفاعلات بشأنها.

فتوجهت لمتابعة وسائل الإعلام للوقوف على تفاصيل الحدث. خصوصًا وأنني كنت متابعًا لهذا الموضوع منذ أن بدء الرئيس فلادمير بوتن بحشد نحو 200,000 جندي من قواته على الحدود الأوكرانية. مهددًا بأنه سيقوم بغزوها في حالة انضمامها للاتحاد الأوربي وحلف شمال الأطلسي «الناتو».

وشاهدت ما تناقلته الفضائيات من مشاهد للانفجارات التي وقعت في مناطق مختلفة من أوكرانيا. عقب إعلان الرئيس بوتين إطلاق “عملية عسكرية خاصة” في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، قائلا إنها تهدف إلى “نزع سلاح” حكومة كييف التي اتهمها بالإشراف على “إبادة جماعية” في المناطق الشرقية من أوكرانيا. وتوالت الإدانات من العديد من دول العالم والمنظمات الدولية للغزو الروسي لأوكرانيا. فأدركت إن ثالث حروب القرن الواحد والعشرين قد بدأت في قارة أوربا. والله أعلم كيف ومتى ستنتهي.

وفي الوقت الذي كانت فيه العديد من شعوب العالم تتفاعل مع مجريات الحرب ومناهضتها بوسائل مختلفة لادركهم بمدى خطورتها. كانت هناك فئة من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في عالمنا العربي تتناقل أخبار غير موثوقة وشائعات عن الحدث. وتتبادل آراء واجتهادات واقاويل عن الحرب كما لو أنهم يحللون مباراة كرة قدم. وآخرون يتهكمون على الولايات المتحدة الأمريكية والحلف الأطلسي لتقاعسه -من وجهة نظرهم- عن الدخول في الحرب للدفاع عن أوكرانيا. وآخرين اكتفوا بالدعاء بأن يسلطهم الله على بعضهم، وأن يهلكهم ويدمرهم… وفئة أخرى لم تبالي أو تتفاعل مع الحدث من الأساس.

فخلُصت إلى أن أصحاب تلك التفاعلات يحتاجون المزيد من الوعي والإدراك لمدى خطورة مثل هذه الحرب وانعكاساتها على مستقبل البشرية. ليس بسبب إن أطراف الصراع هم من الدول العظمى وأصحاب الأسلحة الفتاكة التي تكفي لفناء البشرية. بل لأنها مرتبطة بأمننا الغذائي والعديد من الجوانب الإنسانية الأخرى.

التوجيه الرباني للتفاعل مع الصراعات

لقد حثنا ديننا الحنيف على التفاعل الإيجابي مع الأزمات أو الصراعات الكبرى. حتى ولو لم نكن طرف فيها. فعلى سبيل المثال عندما غزت «فارس» في السنة (الخامسة/السادسة) قبل الهجرة النبوية بقيادة “خسروا أبرويز” بلاد أنطاكية، ودمشق، وفلسطين، وبيت المقدس، وأغوار الأردن التي كانت خاضعة للروم وهزمتهم. تفاعل المشركون والمسلمون مع وضد. حيث تعاطف المسلمون مع الروم للقرب الجغرافي والديني وحزنوا لهزيمتهم. فنزل قوله تعالى ﴿الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)﴾ الروم.

وما أستخلصه من هذه الآيات هو ضرورة الاهتمام بالحروب والصراعات الكبرى التي تدور من حولنا. والتعاطي مع أخبارها بموضوعيه بنقل حقائقها كما هي. والتعاطف مع صاحب الحق ولو بالقلب على الأقل. واستشراف الاحتمالات المستقبلية المترتبة عليها سواء كانت مخاطر أو فرص والاستعداد لها.

روسيا وأوكرانيا وأهميتها لعالمنا

وما يهمنا في الحرب المندلعة بين روسيا وأوكرانيا رغم بعدها الجغرافي عنا. هو ما تمثله تلك الدولتين من أهمية لأمننا الغذائي إذ أنهما يمتلكان 29% من صادرات القمح للعالم. و20% من الذرة و80% من زيت دوار الشمس. فضلًا عن أن موارد أوكرانيا الطبيعية والغذائية تكفي لإعاشة نحو 600 مليون نسمة. والكثير من دول عالمنا العربي تعتمد في احتياجاتها الغذائية على تلك الصادرات خصوصا القمح الذي تستورده بنسب متفاوتة تتراوح ما بين 29% لليمن إلى 76% لمصر.

النسب المئوية لواردات القمح من روسيا وأوكرانيا من إجمالي إمدادات القمح في عدد من الدول العربية

الدولةروسياأوكرانيا
اليمن25.31%22.51%
الإمارات53.29%0.88%
عمان65.42%3.88%
ليبيا13.52%43.28%
لبنان11.73%49.29%
الأردن23.59%18.06%
مصر37.12%13.83%
المصدر: منظمة الأغذية الزراعية للأمم المتحدة (الفاو) لعام 2020م

أثر الحرب على الأمن الغذائي

من المؤكد أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ستؤثر على تدفق الصادرات الغذائية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ما سيضطرهم إلى البحث عن أسواق بديلة قد تكون أعلى كلفة واقل جودة. مما يترتب عليه ارتفاع أسعار المؤن الغذائية التي تعتمد على هذه الواردات.

وقد أكدت على هذا المعنى محللة شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية «كيلي بيتيلو» في تصريح لها نقلته الـ BBC أنه سيكون للتصعيد في أوكرانيا “عواقب وخيمة للغاية على الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، والتي استحوذت على 40% من صادرات أوكرانيا من الذرة والقمح عام 2021. وما يفاقم الوضع سوءا، بحسب بيتيلو، هو أن الارتفاع المتوقع في الأسعار نتيجة للأزمة، يأتي في وقت وصلت فيه أسعار المواد الغذائية إلى مستويات تاريخية مرتفعة بالفعل، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي ارتفعت فيها الأسعار خلال العامين الماضيين”.

وأرى إن ما قد يزيد هذا الموضوع أهمية هو أن شهر رمضان على الأبواب والذي عادة ما ترتفع فيه أسعار المواد الغذائية لتزايد الطلب عليها، فما بالك وأن الحرب قد اندلعت في أحد أهم البلدان المصدرة للكثير من المنتجات الزراعية والغذائية التي نستهلكها.

أضف إلى ذلك ما قد يسببه ارتفاع أسعار النفط إلى ارقام قياسية بسبب الحرب من ارتفاع أجور الشحن والنقل. الأمر الذي سيترتب عليه زيادة إضافية في اسعار المواد الغذائية. إذ أشار خبير النفط والغاز الدكتور ممدوح سلامة في حديث للـ BBC إلى ضرورة أخذ الأثر الذي سيتركه هذا الارتفاع على كلفة إنتاج المواد الغذائية عالميًا في عين الاعتبار. وأكد أن “الدول العربية تستورد أكثر من 120 مليار طن من المواد الغذائية غالبيتها يأتي من أمريكا وهذا سيزيد كلفة الاستيراد على هذه الدول، ما ينعكس سلبًا على حجم العجز في ميزانها التجاري”. وهو الأثر الذي سيكون مضاعفا على الدول العربية غير المصدرة للنفط”.

فضلا عما سيترتب على العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على الاتحاد الروسي وردة فعل روسيا عليها وأثر ذلك على الاقتصاد العالمي.

الآثار الإنسانية للحرب

ومن المتوقع أن تتضرر المجتمعات التي لا تزال في أمس الحاجة إلى المساعدات الإنسانية في منطقتنا العربية من نتائج الحرب حيث توقعت بيتيلو “أن الحرب ستؤثر على المساعدات الإنسانية التي تصل إلى منطقة الشرق الأوسط إذ سيؤدي وجود أزمة إنسانية في أوكرانيا نتيجة لأي صراع قد يندلع إلى تحويل التمويل والموارد الطارئة بشكل أكبر نحو أوكرانيا وبعيدًا عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.

كما ستشكل حركة النزوح واللجوء التي ستنشأ جراء الحرب مشكلة إنسانية للنازحين واللاجئين إلى الدول المجاورة حيث قدرت الأمم المتحدة أن يبلغ عدد اللاجئين إلى الدول المجاورة هربًا من وطأة الحرب 5 مليون فرد. وحتى الآن نزح نحو مليون شخص في ظروف قاسية واكبها العديد من المعاناة والمخاطر. منهم جاليات عربية وأفريقية وأسيوية تضاعفت معاناتهم. بسبب ما واجهوه تمييز ضدهم وثقته العديد من وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية. على سبيل المثال أعلنت بولندا أنها لن تستقبل إلا اللاجئين من الجنسية الأوكرانية أو من يحملون تأشيرات دخول. وعلينا أن نتذكر أن من بين أولئك جاليات من مجتمعاتنا تقيم في أوكرانيا للعمل أو الدراسة أو أسباب أخرى قد يكونون هم ممن عايشوا تلك المعاناة.

وأخيرًا إن أهم ما يجب أن نعيه من هذه الحرب هو أهمية المحافظة على القيم الإنسانية في الحروب والأزمات. والموضوعية في نقل مجريات الحروب كما هي بعيدًا عن الاشاعات واخبار التواصل الاجتماعي غير الموثوقة. والسعي جديًا إلى تغيير نمطنا الغذائي ليصبح معتمدًا على ما تنتجه أراضينا من أجل أمننا الغذائي.

واختم دردشتي بما قاله الأديب جبران خليل جبران في كتابة حديقة النبي “ويل لأمة تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لا تزرع، وتشرب مما لا تعصر”.

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 176
Share