Share

يوم العصاء البيضاء أقره الرئيس الأمريكي ليندن جونسون في 15 أكتوبر 1964م للاحتفاء بإنجازات ذوي الإعاقة البصرية واعتبار العصا البيضاء رمزاً لاستقلاليتهم في المجتمع، بناء على قرار الكونجرس الأمريكي في 6 أكتوبر 1964م تلبية لنداء الاتحاد الوطني الأمريكي للمكفوفين في مؤتمره المنعقد في 06 يوليو عام 1963، بجعل يوم 15 أكتوبر من كل عام يوم لسلامة العصا البيضاء في عموم الولايات الأمريكية، وبمرور السنين تبنته عديد من الدول للتوعية بحقوق ذوي الإعاقة البصرية في كافة مناحي الحياة «التعليم، الصحة، التنقل، التعاملات المالية، الحياة الاجتماعية». وفي الدول النامية كان حاسماً لقلة الوعي والمعرفة العامة فيها بأهمية العصا البيضاء لذوي الإعاقة البصرية، وفي العام 2008م بادرت جمعية إبصار بدمج فعاليات الاحتفال باليوم العالمي للبصر ويوم العصا البيضاء في فعالية واحدة بهدف تطبيق نموذج عملي لتظافر وتوحيد الجهود الطبية والانسانية والاجتماعية في محفل واحد.

وعلى النطاق الشخصي مثل لي يوم العصا البيضاء 15 أكتوبر ذكرى خاصة إذ تصادف مع تاريخ طي قيد خدماتي بالخطوط السعودية في العام 1992م، بناء على قرار الهيئة الطبية العامة الذي نص على “إن المذكور يعاني من تلوين صبغي في الشبكية ولا يتوقع أن تتحسن حالته، ويعتبر عاجز عن العمل قطعياً ونهائياً ويعامل حسب النظام”، فأحلت إلى التقاعد المبكر بـ 33% من راتبي الأساسي لقصر مدة خدمتي (13 عام) مع فقدان مزايا البدلات، العلاج، والتذاكر المجانية، وأغلق أمامي باب العودة للعمل بعد أن بائت كافة محاولاتي لاستئناف القرار بالفشل.
وفي ذروة يأسي وإحباطي أعلن عن فوز الخطوط السعودية بأرقى جوائز عالمية في مجال الخدمة الجوية عن فكرة وجبة الراكب الكفيف التي قدمتها في أخر أيام عملي، وكان ذلك بمثابة لفت انتباهي لباب بديل فتح لي في مجال خدمات ذوي الإعاقة البصرية وإعادة التأهيل فانطبق عليَّ قول معجزة الإنسانية الكفيفة الصماء «هيلين كيلر» “عندما يغلق باب للسعادة، يفتح آخر، ولكن في كثير من الأحيان ننظر طويلا الى الباب المغلق الى الدرجة التي لا نرى فيها الباب الذي فتح لنا”.

وبعيد سنوات من إحالتي للتقاعد المبكر وجدت نفسي أؤسس وأدير أول جمعية سعودية لخدمات الإعاقة البصرية وإعادة التأهيل «جمعية إبصار الخيرية» اختيرت من قبل الوكالة الدولية لمكافحة العمى في عام 2008م، و 2011م كنموذج إقليمي يقتدى به لمنطقة شرق الأبيض المتوسط في مجال العناية بضعف البصر وإعادة التأهيل، وأصبحت عضواً في الرابطة الدولية لأبحاث ضعف البصر وإعادة التأهيل «ISLRR» ومشاركاً في مجموعة أوسلو بالنرويج التي أعدت خطة عمل عالمية في العام 2003 للحد من التأثيرات الناجمة عن ضعف البصر في المجتمعات وطرحت للنقاش عالمياً في مؤتمر البصر 2005 بلندن، ثم المشاركة بأوراق عمل علمية في مؤتمراتها الأخرى «مونتريال 2008م، كوالالمبور 2011م»، كذلك عضواً في مجلس إدارة اللجنة الوطنية لمكافحة العمى ممثلاً عن الجمعيات العاملة في مجال خدمات الإعاقة البصرية وإعادة التأهيل ومنها رشحت للعمل مع لجنة المساندة والعلاقات العامة بالوكالة الدولية لمكافحة العمى والمشاركة في مؤتمراتهم السنوية بمنظمة الصحة العالمية «جنيف 2006م، بوينس أيرس 2010م»، عدا الانضمام إلى العديد من الأنشطة والمبادرات العالمية في مجال مكافحة العمى وتعليم ذوي الإعاقة البصرية منها مبادرة المجلس الدولي لتعليم المعاقين بصرياً «ICEVI» لتعليم 4 مليون طفل معاق بصرياً محرومين من التعليم حول العالم، وصولاً إلى المشاركة في مؤتمر اتحاد الرؤساء التنفيذيين لتحالف منظمات أمريكا الشمالية لخدمات الإعاقة البصرية وإعادة التأهيل بنيويورك 2013م، ومنه زرت مصنع نيويورك لصناعات المكفوفين وهو واحد من 45 مصنع منتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية متخصصة في إنتاج اكسسوارات وبزات ولوازم وأدوات النظافة والقرطاسية للجيش الأمريكي، بالإضافة إلى شرائح إلكترونية وصفائح أجنح طائرات بوينج 737.
لقد قادتني تلك الأنشطة والمشاركات الدولية إلى الاطلاع على أحدث وأضخم المراكز والمرافق العالمية المتخصصة في مجال الإعاقة البصرية وإعادة التأهيل والالتقاء بشخصيات عالمية من ذوي الإعاقة البصرية قدموا إنجازات تاريخية وحصلوا على جوائز عالمية مثل الكفيفة الألمانية «سابري تنبيركين» التي نالت في العام 2000 جائزة الملكة اليزبث ولقب امرأة العام وجائزة ملكة هولندا في نفس العام وجائزة كريستوفر عن كتابها “طريقي يؤدي إلى التبت” عدا عشرات الجوائز العالمية الأخرى نظير تأسيسها منظمة «برايل بلا حدود»، وتقديمها عشرات المبادرات في سبيل تعليم وتأهيل ذوي الإعاقة البصرية الصغار والكبار حول العالم.
فنتج عن ذلك ارتفاع سقف طموحاتي لخدمات الإعاقة البصرية وإعادة التأهيل في بلادنا بما يضاهي ما رأيت خلال أنشطتي الدولية، ووجدت نفسي أصطدم بواقع حال دون ذلك جعلني في لحظة غضب وغبن أقرر مغادرة عملي في جمعية إبصار ومحذراً مما آلت إليه الجمعية وخدماتها في يومنا هذا، وأغلق باباً للسعادة أمامي، وفتحت أبواب أخرى منها نيلي جائزة الأميرة صيتة للتميز في مجال العمل الاجتماعي 2015، وعالم التأليف والكتابة الذي قدمت منه حتى الآن 4 مؤلفات وعشرات على الطريق.

وأغتنم فرصة الاحتفال بيوم العصا البيضاء هذا العام لأدعو أقراني من ذوي الإعاقة البصرية الذين قد اغلق أماهم باب للسعادة أن يجعلوه يوماً للإرادة والنظر إلى أبواب السعادة الأخرى التي فتحت لهم، وأناشد عامة المجتمع أن يعنوا بتكريم ذوي الإعاقة البصرية وإعلاء مكانتهم وشأنهم اقتداء بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام الذي أكرم المكفوفين من أصحابه أمثال حسان بن ثابت رضي الله عنه وعبد الله بن أم مكتوم الذي كان كلما رأه صلى الله عليه وسلم بسط له رداءه ويقول:”مرحبا بمن عاتبني فيه ربي”.

نشر هذا المقال على صحيفة غرب الإخبارية في 2019/10/15م

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 8
Share