تابعت مؤخرًا نهائية كأس دوري الأبطال. التي أقيمت على ملعب فرنسا بباريس «ستاد دو فرانس» مساء يوم السبت 2022/05/28م. والتي انتهت بفوز فريق «ريال مدريد» الاسباني على نادي «ليفربول» الإنجليزي بهدف دون مقابل. وبها أسدل الستار على منافسات كرة القدم بالقارة الأوربية للعام 2022 بجميع فئاتها. وهي أضخم منافسات كرة القدم العالمية. من حيث عدد المتابعين والعوائد المالية إذ يتابعها مئات الملايين من المشجعين حول العالم. وتحقق عوائد مالية بمليارات الدولارات. وأكثر ما أثار انتباهي واهتمامي لمنافسات هذا العام. هو البروز اللافت لعدد من اللاعبين العرب والمسلمين. من حيث التميز في الأداء، وعدد تسجيل الأهداف، والتمريرات الحاسمة، والرقي الأخلاقي في الملاعب.
ما جعل الكثير من المحللين والنقاد يتوقعون بأن يحظى أحدهم بجائزة الكرة الذهبية. وترشيحهم لأفضل عشرة لاعبين في العالم. واختيار أحدهم كأفضل لاعب للعام 2022م. حيث توج نجم المنتخب الفرنسي ذو الأصول الجزائرية «كريم بنزيما». بجائزة أفضل لاعب في أوروبا. والحذاء الذهبي من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا» بتسجيله 15 هدفًا. كما توج بجائزة الـ «بيشتشي» هداف الدوري الاسباني بـ 27 هدفًا. وجائزة «أفضل لاعب فرنسي خلال العام» من مجلة «فرانس فوتبول» للعام الثاني على التوالي. وعده الكثير من المحللين الرياضيين أنه المرشح الأول لنيل جائزة «الكرة الذهبية لعام 2022م». نظرًا للموسم المميز الذي برز فيه مع فريقه «ريال مدريد». وقيادته له للفوز بدوري الابطال للمرة الرابعة عشر، وبطولتي الدوري وكأس السوبر الإسباني.
كما توج نجم المنتخب المصري ونجم فريق نادي ليفربول الإنجليزي «محمد صلاح». بـ 6 جوائز فردية. هي جائزة «هداف الدوري الإنجليزي» للمرة الثانية بـ 23 هدف. جائزة «أفضل صانع ألعاب في البريميرليغ» بـ 13 تمريرة حاسمة. جائزة «رابطة اللاعبين المحترفين بتصويت الجماهير». جائزة «رابطة اللاعبين المحترفين بتصويت اللاعبين». جائزة «أفضل هدف في الدوري الإنجليزي» عن هدفه في مباراة الذهاب أمام مانشستر سيتي. جائزة «اتحاد الكتاب الرياضيين».
كذلك بروز عدد من اللاعبين الأخرين. منهم نجم نادي موناكو الفرنسي ذو الأصول التونسية «وسام بن يدر» الذي حقق ثاني هدافي الدوري الفرنسي بـ 25 هدف. ولاعب نادي أولمبيك ليون الفرنسي من أصل مالي «موسى ديمبيلي» ثالث هدافي الدوري الفرنسي بـ 21هدف. نجم المنتخب السنيغالي «ساديو ماني» لاعب فريق ليفربول. والذي انتقل حديثًا إلى نادي «بايرن ميونخ» الألماني بصفقة بلغت 40 مليون يورو. حيث جاء خامس الهدافين في الدوري الإنجليزي بـ 16هدف. ونجم المنتخب الفرنسي ونادي برشلونة «عثمان ديمبيلي» صاحب أعلى تمريرات حاسمة في الدوري الاسباني بـ 13 تمريرة.
فضلًا عن المستويات العالية والمتميزة التي قدمها نجم المنتخب الجزائري ونادي مانشستر سيتي «رياض محرز». بصفته أحد أخطر الهدافين والمهاجمين في الدوري الإنجليزي. ونجمي المنتخب المغربي «أشرف حكيمي» لاعب نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، و«حكيم زياش» لاعب نادي تشيلسي الإنجليزي. ونجم المنتخب الفرنسي ونادي ريال بيتيس الاسباني ذو الأصول الجزائرية «نبيل فقير». الذي صنف ضمن قائمة أفضل 15 لاعب في الدوري الاسباني لهذا العام. ونجم المنتخب الجزائري ونادي أي سي ميلان الإيطالي «إسماعيل بن ناصر». الذي قاد فريقه لتحقيق بطولة الدوري لهذا العام بعد غياب.
ولم يكتفِ النجوم العرب والمسلمين بتقديم مستويات عالية في الأداء. بل كانوا نموذج يقتدى به في التمسك بالقيم الإنسانية والأخلاقية. فعلى سبيل المثال نجم المنتخب السنغالي ونادي باريس سان جيرمان «إدريسا غاي». الذي رفض ارتداء قميص فريقه بسبب حمله ألوان علم المثلية الجنسية “علم رنبو”. لمخالفة ذلك لدينه الإسلامي. وغاب عن مباراة فريقه بذلك القميص أمام نادي «مونيلييه». معرضًا نفسه لخطر العقوبات فحظي موقفه ذلك بتأييد ملايين الجماهير عربيًا وعالميُا على شبكات التواصل الاجتماعي.
أما نجم المنتخب الفرنسي ونادي مانشستر يونايتد الإنجليزي «بول بوغبا». الذي اعتنق الإسلام قبل نحو 3 أعوام وأدى العمرة في رمضان عام 2019م. فقد صرح لصحيفة «ديلي ميل» البريطانية بقوله «الإسلام ليس الإرهاب الذي نسمعه في وسائل الإعلام فالحقيقة شيء آخر. (الإسلام) شيء جميل». ونشر صورته على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي وهو في صحن الطواف على مقربة من الكعبة المشرفة.
ويعود بروز النجوم العرب والمسلمين في البطولات الأوربية لكرة القدم وإبداعهم إلى مرحلة مبكرة من القرن العشرين. وذلك عندما التحق اللاعب المصري «حسين حجازي» المولود في القاهرة عام 1880م. بنادي «دلويتش هامليت» الإنجليزي في العام 1911م. ثم انتقل إلى نادي «فولهام» الإنجليزي. واختير في ديسمبر من ذات العام ضمن تشكيلة منتخب «مقاطعة لندن». فخاض معه خمس مباريات ليكون أول واخر لاعب مصري يلعب لمنتخبات المقاطعات الإنجليزية. وكان أكبر لاعب سنًا يسجل هدفًا في تاريخ «الأولمبياد». وذلك في مرمى «المنتخب الهنجاري» في دورة الألعاب الأولمبية «باريس 1924» وهو في الـ 37 من عمره. ولم يحطم هذا الرقم سوى الويلزي «ريان جيجز» ذو الـ 38عام. لاعب «منتخب بريطانيا» في أولمبياد «لندن 2012» بهدفه في مرمى «الإمارات». وأعتزل «حجازي» اللعب في العام 1931م بقميص «نادي الزمالك». بعد أن شارك في تأسيس «الاتحاد المصري لكرة القدم» للمرة الأولى في 3 ديسمبر 1921، ونال عضوية مجلس إدارته. وتوفى في عام 1961م.
ولم تشهد الملاعب الأوربية من بعده أي لاعب عربي حتى جاء اللاعب المغربي «العربي بن مبارك». اليتيم ابن الدار البيضاء. المولد سنة 1917م. الذي كان أول لاعب يلقب بالجوهرة السوداء. إثر قيادته لفريق «أتلتيكو مدريد» الاسباني لتحقيق بطولة الدوري العام للموسم الرياضي (1950/1949م). وتسجيله 56 هدفا في 113 لقاء خلال 5 مواسم. ليصبح أحد أساطير الفريق.
واعده المحللين بانه أفضل لاعب انجبته الملاعب المغربية. وكان قد بدء مسيرته الاحترافية بانضمامه إلى نادي «أولمبيك مارسيليا» الفرنسي في موسم 1939/1938م. فقاده للحصول على المركز الثاني بتسجله 12 هدفًا. وفي ديسمبر من ذات العام شارك بقميص «المنتخب الفرنسي» ضد «المنتخب الإيطالي». وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية» انضم إلى «نادي فرنسا». فقاده إلى الصعود لقسم الصفوة محتلا المركز الخامس في أول موسم له (1946/1945م) بعد أن كان نادٍ مغمور. ثم عاد إلى ناديه «أولمبيك مارسيليا». ولعب معه حتى انتقاله إلى نادي «أتلتيكو مدريد» موسم (1949/1948م). واختتم مسيرته الرياضية التي بدئها كلاعب مع نادي «الاتحاد المغربي» في عام 1930م. باعتزال اللعب والعودة إلى المغرب والعمل كمدرب لعدد من الأندية. وأخيرًا لتدريب «المنتخب المغربي» ليكون أول مدرب وطني له في تاريخه. وتوفي سنة 1992م.
أما نجم المنتخب الجزائري السابق «رابح ماجر» الذي صنف في العام 2004م كأفضل لاعب عربي في القرن الـ 20. فقد كان أول لاعب عربي يحقق «دوري الأبطال الأوربي». بتسجيله هدف الفوز التاريخي بكعب قدمه لناديه «بورتو» البرتغالي في مرمى «بايرن ميونخ» الألماني موسم (1987م/1986).
وكان قد بدأ مسيرته الرياضية في نادي «نصر حسين داي» بالجزائر العاصمة. قبل ان ينتقل الى نادي «”راسينغ باريس» الفرنسي في العام 1983م. وقاده إلى الصعود لدوري الدرجة الأولى. وفي أول موسم له في دوري الأضواء سجل 20 هدفًا في 27 لقاء. ما دفع نادي «تور» الفرنسي للتعاقد معه في العام 1985م. وبعد تألقه تعاقد معه نادي «بورتو» البرتغالي الذي حقق معه بطولة دوري أبطال أوروبا. وكأس الانتركونتيننتال (كأس العالم للأندية حاليًا). وكأس السوبر الأوروبية. وبطولة الدوري. بعدها انتقل لنادي «فالنسيا» الاسباني. ومكث معه موسمين ليعود بعدها لنادي «بورتو» لموسم واحد. واختتم مسيرته الكروية بالانتقال إلى «نادي قطر» القطري في موسم 1992/1991م ثم اعتزل اللعب.
وبرأيي إن ما أوصل أولئك النجوم إلى تلك المكانة التي وصولوا إليها. هو التوفيق الإلهي. ثم منظومة الاحتراف الرياضي في أوربا بشكل عام من حيث البرامج التدريبية، المرافق الرياضية، والحوافز المادية والمعنوية. والأهم من ذلك كله. الجدية والانضباط الذي يحظى به اللعب الاحترافي في أوربا. وآلية اكتشاف المواهب من مرحلة مبكرة وصقلها مقارنة بعالمنا العربي.
فقد وقفت على تجربة شخصية عندما أشركت ابني الأصغر «سامي» قبل عدة سنوات. في معسكر صيفي لمدرسة كرة قدم إنجليزية بالولايات المتحدة الأمريكية. كان برنامجهم نهاري من 9 صباحًا الى 5 عصرًا. يتضمن دروس وحصص نظرية وتطبيقية في مهارات كرة القدم كالركلات بأنواعها والمراوغة واللياقة البدنية. ثم التقسيم إلى مجموعات ولعب مناورات ثم مباريات فيما بينهم. وفي أخر البرنامج يعطى المشترك شهادة حضور وتقييم لمستوى مهاراته وتوصيات.
وقد أوصى المدرب في تقريره. بضرورة استمرارية ابني في اللعب والالتحاق بأحد الأندية الرسمية لكرة القدم لوجود موهبة كروية لديه بحاجة الى صقل وتطوير. مع التنويه إن تلك المعسكرات الصيفية تتبع مدارس كروية انجليزية أو برازيلية. وعلى المشترك اختيار المدرسة الكروية التي يميل إليها، ودفع قيمة البرنامج مسبقًا عبر الانترنت.
وبعد عودته انتظر إعلان فتح باب التسجيل لقبول اللاعبين الجدد في ناديه المحلي المفضل. وعندما أعلن عن بدء التسجيل ذهب في اليوم المحدد عصرًا. لخوض الاختبار التجريبي حسب المعمول به. وكان عدد المتقدمين كبير، فقسموا إلى مجموعات. كل مجموعة كان يشرف عليها أحد اللاعبين القدامى المعتزلين. وكل مجموعة أخذت ملعب مستقل. ولعبوا مباراة فيما بينهم تحت ناظري المشرف. الذي بنهاية المباراة اختار مجموعة من العناصر للاستمرار في البرنامج بدء من اليوم التالي. واعتذر للآخرين بمن فيهم ابني. فما كان منه إلا أن استمر في مزاولة لعب الكرة مع فرق الحواري المنتشرة في عموم مدينة جدة. على عكس ما أوصى به مدرب المعسكر الصيفي في أمريكا بضرورة الالتحاق بنادي رسمي لصقل موهبته وتطويرها.
وما لاحظته من تلك التجربة. أن الأسلوب المتبع لاختيار المواهب الكروية لم يختلف كثيرًا عما جربته في صغري عندما اردت الالتحاق مع اشبال ذات النادي. وكل الذي اختلف هو الملعب. فقد توقعت أن تكون طريقة اختيار اللاعبين عبارة عن اختبارات لقدرات المتقدمين في المهارات الأساسية لكرة القدم. كالقدرة على الجري، القفز، الركل. واخضاعهم لبعض التدريبات الأساسية، ومنحهم عدة أيام قبل الحكم عليهم من لعب مباراة واحدة فقط.
ولعل هذه هي أحد الأسباب التي غذت فرق الحواري بالمواهب. التي لم تستثمرها أنديتنا كما تستثمر الأندية الأوروبية المواهب الكروية الشابة وتصقلها لتصبح كأولئك النجوم الذين يمتعوننا بمهاراتهم وطريقة لعبهم.
وأعتقد أن أنديتنا بحاجة إلى تطوير منظومة اللعب الاحترافي لديها بتطوير برامج اكاديمياتها الكروية لكافة الفئات العمرية. من حيث أساليب استقطاب المواهب. وبرامجهم التدريبية التي تنمي المهارات الفردية. وسلوكيات اللعب الفردي والجماعي، ومهارات الاتصالات الإنسانية داخل وخارج الملعب. بالإضافة أهمية العمل على تطوير المنافسات المحلية.
وأختم دردشتي هذه بأبيات من قصيدة الشاعر معروف الرصافي عن كرة القدم
قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم * كرة تراض بلعبها الأجسام
وقفوا لها متشمّرين فألقيت * فتعاورتها منهم الأقدام
يتراكضون وراءها في ساحة * للسوق معترك بها وصدام
وبرفس أرجلهم تساق وضربها * بالكفّ عند اللاعبين حرام
ولقد تُحلَق في الهواء وإن هوت * شرعوا الرؤوس فناطحتها الهام
وتدور بين اللاعبين فمحجِم * عنها وآخر ضارب مقدام
إن الجسوم إذا تكون نشيطةً * تقوى بفضل نشاطها الأحلام
الرابط المختصر لهذا المقال:
شكرا جزيلا استاذ محمد على هذا المقال.. اعتقد ان الشهرة لا يجب ان تكون هدفا بذاتها لمن يطمح اليها بل يجب ان تكون وسيلة لايصال رسالته الى اولئك المعجبين الذين يقتدون ويثقون به. وهذا بالضبط ما فعله بعض اللاعبين العالميين المسلمين.