Share

في مثل هذه الأيام المباركات من الشهر الفضيل تمر ذكرى لحدثين من أهم أحداث التاريخ الإسلامي، وهما عودة جيش المسلمين بقيادة النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة منتصراً في معركة بدر الكبرى (17رمضان 2هـ) على كفار قريش التي سماها الله سبحانه وتعالى «يوم الفرقان» لتفريقها بين الحق والباطل، ودخوله عليه الصلاة والسلام مكة المكرمة في (20 رمضان 8هـ) على رأس جيش المسلمين فاتحاً ومطهراً للمسجد الحرام من الشرك والمشركين مردداً قوله تعالى: «وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا» الإسراء: 81 و قوله تعالى «قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد» سبأ: 49.

وعلى مر السنين أثرانا المحدثون والمؤرخون وعلمائنا الأجلاء بالدروس والعبر المستفادة من تلك الحدثين عبر الكتب والمنابر، وفي العصر الحديث أصبح التلفزيون من أهم الوسائل لنقل تلك الدروس والعبر في صور مختلفة منها البرامج والمسلسلات التي يكثف عرضها في المواسم الدينية خصوصاً في شهر رمضان.

وعلى ذكر رمضان يحضرني ما وعيت عليه في الصغر من برامج ومسلسلات رمضانية رسخت في ذهني المعاني والعبر المستفادة من تلك الحدثين والأحداث التاريخية الأخرى من أشهرها برنامج «سير الصحابة» للأديب والمؤرخ محمد حسين زيدان رحمه الله، وتلك اللحظات الروحانية مع البث المباشر من الحرم المكي قبل مدفع الإفطار، و«على مائدة الإفطار» مع الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، ومسابقة القرآن الكريم للكبار التي كانت تحفز على التثقف في القرآن وعلومه بجوائزها القيمة، بالإضافة إلى مسلسلات السهرة الرئيسية التي تتناول الأحداث التاريخية الإسلامية الهامة، وإلى جانب تلك المواد الدينية والتاريخية اشتمل البرنامج الرمضاني على مواد أخرى متنوعة ثقافية واجتماعية وترفيهية منها فقرات الأطفال المتنوعة ما بين حكايات ومسلسلات شعبية مثل حبابة والشاطر حسن، فوازير الأطفال التي كانت تدمج بين الغناء والألغاز، ومسلسلات الكوميديا الاجتماعية.

ولابد من القول إن ذلك الهيكل للبرنامج الرمضاني كان متوازناً وجاذباً لعامة فئات المجتمع من الكبار والصغار، ولعب دورًا في جمع الأسر وتقاربهم فكرياً في جو يسوده الود والوئام، والأهم من ذلك كله أنه كان مكملاً لمظاهر الاحتفاء بالشهر الكريم، ومرسخاً لمعلومات الأحداث التاريخية الإسلامية الهامة في أذهان الأجيال وإحيائها في قلوبهم جيلاً تلو الآخر.

وفي السنوات الأخيرة تراجعت مواضيع الأحداث التاريخية في هيكل برنامج التلفزيون الرمضاني ومسلسلاته، فما أن يهل شهر رمضان حتى تصبح البرامج الرمضانية خصوصاً المسلسلات مثاراً للنقاش والجدل وتعالى الأصوات ما بين مؤيد ومعارض لها، فالبعض يرى أنها لا تنسجم مع طبيعة الشهر الكريم ومخالفة للعادات والتقاليد الاجتماعية، وأنها تغلب الجانب الترفيهي على الجانب الديني والثقافي، والبعض يرى أنها ملائمة للمجتمع ومتوافقة مع متطلبات العصر الحديث، مما يؤدي إلى اختلاف وجهات النظر وتباعد فكري وثقافي بين أفراد المجتمع ينتج عنه إيقاف البرامج أو المسلسلات المختلف عليها، بمعزل عن الخسائر المادية والمعنوية المترتبة على ذلك.

وأملي في السنوات القادمة أن تستعيد البرامج والمسلسلات الرمضانية مكانتها التي كانت عليها وتقدم محتوى فكري راقي يوافق العصر الحديث ويراعي خصوصية الشهر الكريم، ويوازن ما بين الجانب الديني والتاريخي والاجتماعي والترفيهي لإرضاء جل شرائح المجتمع بما في ذلك النشء الجديد، وذلك من خلال التركيز على الجوانب الإنسانية والاجتماعية المستقاة من الأحداث التاريخية الرمضانية التي تعالج مشاكل المجتمعات في عصرنا الحديث ولم تأخذ حقها في الأعمال التلفزيونية من قبل بما فيه الكفاية، مثل قصة الصحابي زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وكيف أصبح كاتباً للوحي وجامعاً للقرآن الكريم وترجمان للرسول صلى الله عليه وسلم ومفتي المدنية الذي قال عنه “أفرض أمتي زيد بن ثابت” أي أعلمهم بالفرائض، وذلك بعد أن كان من أوائل من استفادوا من مفاداة أسرى قريش في غزوة بدر الذين كلفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بتعلم أولاد الأنصار القراءة والكتابة مقابل حريتهم، لعلمه أن كثير منهم يجيدونها حيث أنهم تجار ويحتاجون إلى التدوين والحساب، أما الأنصار فغالبيتهم مزارعون ولا يجيدون القراءة والكتابة.

فتعلم زيد القراءة والكتابة وبرز من بين الصحابة رضي الله عنهم فاختاره الرسول صلى الله عليه وسلم لتدوين ما ينزل عليه من الوحي وكاتباً له وأمره بتعلم لغة اليهود “العبرية/السيريانية” ليترجم ويقرأ له ما يرسل إليه بها، فتعلمها في زهاء أسبوعين، وأتقن علم الفرائض، وفي زمن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه كلف بجمع القرآن الكريم، وفي زمن خلافة عثمان بن عفان كلف بتوحيد كتابة القرآن الكريم على لسان قريش.

وكان زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه يتيم الأب، ودخل الإسلام مع أهله وهو في الحادية عشر من عمره وقت قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة فدعا له بالبركة.

توفي بالمدينة المنورة في السنة 45هـ – 665م وعند موته قال بن عباس رضي الله عنهما: “لقد دفن اليوم علم كثير” وقال أبو هريرة رضي الله عنه: “مات حبر الأمة! ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه خلف”.

وبرأيي أن مثل هذه القصص ترسخ المفاهيم الإسلامية الصحيحة، لذا أدعوا معدي البرامج وكتاب المسلسلات أخذها في الاعتبار ضمن خططهم لبرامج رمضان المستقبلية لما فيها من دروس وعبر في التنمية وبناء المجتمعات والتحفيز على التعليم ونشر ثقافة التسامح.

الرابط المختصر لهذا المقال:

عدد المشاهدات 112
Share