نشر هذا المقال في صحيفة غرب الإخبارية بتاريخ 2020/01/02م
أعزاءي القراء مع إطلالة هذا العام والعقد الجديد 2020م. أرحب بكم في هذه الزاوية الجديدة «سطور مضيئة» التي سأقدم لكم من خلالها قصص إنسانية.
وبمناسبة تزامن هذه الإطلالة مع «اليوم العالمي للغة برايل». الذي قررت الأمم المتحدة الاحتفال به في الرابع من يناير من كل عام بدء من 2019م. استعرض عليكم قصة ملهمة للكفيفة الألمانية صابري تنبيركين (Sabriye Tenberken). التي صنعت بلغة برايل فرق لبلاد التبت ولفئة من المكفوفين في المملكة العربية السعودية.
فصابري هي أحد أشهر ذوي الإعاقة البصرية المعاصرين. حصلت على عدة جوائز عالمية لإنجازاتها الإنسانية من أشهرها جائزة آلبيرت إستشويزر للعام 2002م. جائزة من ملكة هولندا عام 2003م. لقب شخصية العام 2004م لمجلة التايمز الأوروبية والآسيوية. جائزة المنتدى الاقتصادي العالمي WEF)) لأصغر قائدة تقوم بعمل دولي.
وكنت كتبت جانباً من قصتها ضمن مذكراتي الشخصية عندما التقيت بها وتعرفت عليها في كوالالمبور بماليزيا. ضمن فعاليات المؤتمر الدولي للتعليم التقني وإعادة تأهيل العوق البصري. الذي نظمه المجلس الدولي لتعليم المعاقين (ICEVI) بماليزيا في الفترة من 16 – 21 يوليو 2006م.
ولدت صابري تينبيركن في كولونيا في ألمانيا. فقدت بصرها وهي في الـ 12 من عمرها. فالتحقت بمدرسة داخلية لذوي الإعاقة البصرية في مدينة بون. تعلمت فيها مجموعة من المهارات الحياتية منها الفروسية، السباحة، لغة برايل والاعتماد على النفس. وتأقلمت وكونت علاقات إنسانية فريدة مع زملائها. ثم التحقت بجامعة بون وكانت الطالبة الكفيفة الوحيدة من بين 30,000 طالب وطالبة. درست علوم آسيا الوسطى بالإضافة إلى المنغولية والصينية الحديثة. والتبت القديمة والحديثة في تركيبة مع علم الاجتماع والفلسفة. ومن خلال دراستها لفت انتباهها إقليم التبت ولاحظت أن لغة هذا الإقليم من اللغات الموجودة في قارة آسيا. وليست مكتوبة أو مقروءة بلغة برايل.
وهكذا بدأت بتعلم لغة التبت حتى أجادتها نظرياً، فقررت عمل مشروع لاستحداث لغة التبت بطريقة برايل. وقد واجهت صعوبة قصوى في دراستها وحاول أساتذتها ثنيها عن إكمالها لصعوبة تلك اللغة. وعدم وجود تجارب سابقة لطلاب مكفوفين أو مراجع بطريقة برايل في هذا التخصص. ولكن بإصرارها وقوة عزيمتها وصلابة إرادتها استطاعت أن تطور أسلوب خاص بها. من أجل متابعة دراستها وأبحاثها عبر نظام كمبيوتر يقوم بتحويل لغة التبت الى لغة برايل.
وعندما وجدت من خلال دراستها وأبحاثها أن نحو 30,000 شخص. في بلاد التبت يعانون من إعاقات بصرية مختلفة وقد يستفيدون من هذا النظام في التعليم. سافرت في العام 1997م إلى التبت بمفردها والتنقل على الدواب بين قراها النائية لتقييم أوضاع المكفوفين. وتبين لها أنهم محرومون من التعليم لعدم وجود أي مدارس. فأسست في العام 1998م بمجهودها الذاتي أول مدرسة في «لاسا» عاصمة التبت. لتعليم المكفوفين القراءة والكتابة بطريقة برايل. تعلم اللغات وغيرها من المجالات الحياتية المختلفة. بدأتها بتعليم خمسة أطفال بنفسها بالإضافة إلى عملها كمنسقة ومستشار ثم بدأت في تدريب التبتيين الأصليين كمدرسين. واختيار جميع أعضاء المدرسة والإشراف عليهم.
واجهت صعوبات ومعاناة كبيرة حيث كانت تضطر لامتطاء جوادها يومياً للانتقال من القرية التي تقطن فيها الى المدرسة. كما أن الوعي المجتمعي لم يساعدها فالعديد من الأسر كانوا يخفون أطفالهم المكفوفين. إضافة إلى شح الموارد المالية لعدم تلقي الدعم من المنظمات والجمعيات الأوربية المانحة وغيرها. لعدم قناعتهم بقدرتها ككفيفة على إنجاح مثل هذا المشروع إلى أن التقت بالسيد «بول كروننبرغ». الذي كان يعمل في الصليب الأحمر في «شيجاتسي». وأمن بها وبقدراتها فانضم إليها ودعمها في مشروعها وأسسا سوياً في العام 2002م منظمة «برايل بلا حدود». ضمت المدرسة ومركز تدريب مهني للبالغين المكفوفين بالقرب من مدينة «شيجاتسي» واتخذا شعاراً للمنظمة «الكفيف يقود الكفيف».
وهكذا استطاعت السيدة صابري تحقيق هدفها الذي حلمت به واستحقت بموجبه الإشادة والتقدير والحصول على العديد من الجوائز.
كيف صنعت صابري التغيير لفئة من المكفوفين في المملكة العربية السعودية
بعدما التقيت بالسيدة صابري في المؤتمر الدولي للتعليم التقني وإعادة تأهيل العوق البصري المذكور. نشأت علاقة تواصل فيما بيننا عبر «منظمة برايل بلا حدود» و «جمعية إبصار الخيرية». إبان إدارتي لها.
وأصبحنا نتبادل المعلومات والأخبار عن الأنشطة والمنجزات. وفي أحد الأيام أرسلت لي إعلان عن منح تدريبية لبرنامج مدته 10 أشهر شاملاً الإعاشة والإقامة في مركزها الجديد. الذي افتتحته بالهند لتأهيل المكفوفين أصحاب الأفكار والإبداعات للتدرب على تنمية وتطوير أفكارهم وتحويلها إلى مشاريع في بلدانهم.
فعممت الإعلان داخليًا على الموظفين وذوي الإعاقة البصرية المنتسبين للجمعية. فبادر الزميل حسني بوقس الذي كان يشغل منصب مدير الموارد البشرية بالجمعية آنذاك. فتقدم بفكرة مشروع تأسيس مركز تدريب المكفوفين على مهنة التدليك والمساج. فنالت فكرته قبول واستحسان المنظمة وانضم للبرنامج. وبعد الانتهاء عاد إلى المملكة لتنفيذ مشروعه وبعد عناء وجهد تبنت فكرته إحدى الجهات الخيرية. ومن خلالها درب عشرات المكفوفين الذين بدأوا يمتهنون مهنة تدليك القدمين في الفنادق وبعض المرافق العامة. بدعم وتمويل من القطاع الحكومي والخاص.
فكان لمنظمة برايل بلا حدود دور في صناعة التغيير لحسني بوقس. صاحب الإعاقة البصرية. الذي استطاع أن يقود العشرات من ذوي الإعاقة البصرية في بلادنا لمهارة ومهنة جديدة تعود عليهم بالاكتفاء الذاتي.
إضاءات إضافية
• طريقة بريل: وسيلة يستخدمها المكفوفون في القراءة والكتابة. وهي عبارة عن عرض للرموز الأبجدية والرقمية باستخدام ست نقاط يمكن تحسسها باللمس. لتمثيل كل حرف أو عدد بما في ذلك رموز الموسيقى والرياضيات والعلوم. سُمّيت بهذا الاسم نسبة للكفيف الفرنسي لويس برايل الذي ابتكرها وصنع بها تغيير لملايين المكفوفين حول العالم. على مدى أكثر من قرن إذ طورت عبر السنين من الفرنسية إلى اللغات الأخرى (العربية، الإنجليزي، الاسبانية…الخ).
• في العام 2010م. أطلقت جمعية إبصار الخيرية بجدة حملة برعاية صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله -. لدعم تعليم وتأهيل ذوي الإعاقة البصرية بتوزيع نحو 12000 وسيلة معلم برايل. على عموم معاهد النور والمكفوفين في المملكة وعدد من الدول العربية. ساعدت على تخفيض الأمية بين المكفوفين في عدد من دول الشرق الأوسط ونشر الوعي في المجتمع بأهمية تعليم المكفوفين.
رابط المقال على صحيفة غرب الإخبارية
الرابط المختصر لهذا المقال:
كاتب ومؤلف، ومهتم بتدوين سيرة الأديب طاهر زمخشري وأعماله، خبير في مجال خدمات الإعاقة البصرية، أمين عام جمعية إبصار سابقًا، ومدرب مضيفين سابق في الخطوط السعودية.